كتاب الميراث : العدل فى تشريع الميراث : بين العدل والمساواة

آحمد صبحي منصور Ýí 2014-01-14


مقدمة :

1 ـ التشريعات فى الاسلام لها مقاصد وقواعد وأوامر ، الأوامر تخضع للقواعد ، والقواعد تخضع للمقاصد . وقد شرحنا هذا من قبل فى بحث عن الاسلام دين السلام ، والتأويل وغيرهما .  ويتجلى القسط أو العدل فى الدرجات الثلاث للتشريع الاسلامى . فالقسط هو المقصد أو سبب إنزال الرسالات السماوية ( لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمْ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ )(25)( الحديد ) . والعدل أو القسط أساس فى قواعد التشريع ، ومنها تشريع الميراث تحت مصطلح ( المعروف ) أى المتعارف على أنه عدل وحق ، وأيضا فقد جاء ( الأمر ) بالعدل والقسط  ضمن الأوامر والوصايا ، كقوله جل وعلا : (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (90) ( النحل ) (وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (152) ( الأنعام ).

2 ـ ونعرض للعدل أو القسط هنا فيما يخص تشريع الميراث من زوايا مختلفة . نبدؤها بإشكالية العدل والمساوة فى تشريع الميراث .

أولا : المساواة المطلقة ظُلم

 المساوة المطلقة ظُلم واضح . لا بد من إقتران المساواة بالعدل . تخيل فصلا دراسيا به 50 تلميذا . وقد قرّر المدرس المساواة المطلقة بينهم فى درجات الامتحان ، لا فارق بين ناجح متفوق وبليد راسب .هذا ظلم واضح .  أتذكر أنه أثناء عملى مدرسا فى جامعة الأزهر ، وفى الامتحانات كنت أشارك فى الكونترول كالعادة . وكان معنا زميل مدرس لمادة التفسير يرتدى العمامة والزى الأزهرى ، وكان عليه أن يصحح إجابات الطلبة في هذه المادة . وكان يستنكف من حمل كراسات الاجابات الى بيته ليصححها فى هدوء . كان يضعها امامه على المكتب وهو معنا فى حجرة الكنترول ، ويضع درجة موحدة ينجح بها كل الطلبة ، وهى  (55 ) يعنى ( مقبول ) . وفى أقل من ساعة ينتهى من التصحيح لكل الكراسات دون ان يفتح كراسة واحدة ، ودون أن يقرأ أى إجابة . وكان يفعل هذا بلا خجل . وحجته أنه يكفى أنهم جميعا ناجحون . تخيل أنك قررت التبرع بخمسن ألف جنيه لهذا الفصل الذى يضم 50 تلميذا ، وإشترطت ان يتم التوزيع بالمساواة المطلقة . ليس هذا عدلا ، فهناك تلميذ ثرى مترف سيأخذ ألف جنيه ينفقها عبثا ، بينما زميله تلميذ يعيش الفقر المُدقع يتضور جوعا ، وليس عدلا أن تساوى هذا بذاك . لا بد أن يصحب العدل المساواة . وأروع تطبيق لهذا هو تشريع الميراث للذكر والأنثى .

ثانيا : بين المساواة والعدل ( الذكر والأنثى ) فى التشريع الاسلامى عموما

1 ـ تأتى المساواة فى الأوامر التشريعية وقواعدها ومقاصدها ، فكل فرد ذكرا وأُنثى مأمور بالتقوى والعبادات والفرائض والتمسك بالقيم العليا .. وتاتى المساواة المطلقة بالعدل المطلق يوم القيامة ، وتكررت الحقيقة القرآنية تؤكد ان من يعمل صالحا من ذكر أو أُنثى وهو مؤمن فله الجنة . ويأتى التعبير عن المساواة بين الذكر والأنثى فى الخطاب التشريعى بألفاظ ( يا أيها الناس ) ( يا أيها الذين آمنوا ) ( يا بنى آدم )..الخ لتشمل الذكور والإناث معا .

2 ـ ولكن يختلف الحال فى الحقوق كالميراث . فالمساواة المطلقة تحوى ظلما ، لذا يكون العدل هو الأساس.

ثالثا : بين المساواة والعدل ( الذكر والأنثى ) فى تشريع الميراث

1 ـ حين نزل القرآن الكريم كانت المرأة سلعة ، وإستمرت هذه النظرة الدونية للمرأة فى أوربا العصور الوسطى ، وألغى الدين السّنى الحنبلى العدل الاسلامى الذى شمل المرأة ، حين أعطاها حقوقها وسط ظلمات الجاهلية العربية . يكفينا هنا أن أول آية فى تشريع الميراث بدأت بتقرير حق المرأة فى الميراث شأن الرجل ، فقال جل وعلا : ( لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيباً مَفْرُوضاً (7) النساء ). التدبر فى الآية الكريمة يوضّح خطابا للعرب المسلمين وهم فى المدينة بأحقية النساء فى الميراث شأن الرجال ، مهما قلّ الميراث أو كثُر ، وأنه حق مفروض من رب العزة جل وعلا.

2 ـ وليس منتظرا أن تتغير ثقافة الجاهلية فى نفوس الصحابة فى يوم وليلة فيما يخص النظرة الدونية للمرأة ، خصوصا وقد إعتاد العرب إعتبار المرأة سلعة يتواثونها ، فالزوج يأكل الصداق الذى دفعه لزوجته ، ومنع هذا رب العزة ، إلا أن يكون برضاها بالتنازل عن بعضه وليس جميعه : ( وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً (4) النساء ). كان الأب يستفيد من تزويج إبنته بطرق شتى ، فقد كان هناك زواج الشغار أى الزواج بلا مهر ، بأن يعطى رجل إبنته الى رجل آخر مقابل أن يعطى الرجل ابنته اليه ، يتزوج كل منهما إبنة الآخر بلا مهر . وإذا كان للمرأة مهر يأكله أبوها ، يقبضه دونها وينفقه ، وكانوا يمنعونها من الزواج ، وهو ( العضل ) تبعا لمصلحتهم . نزل فى المدينة النهى عن هذا كله ، يقول جل وعلا : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهاً وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلاَّ أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً (19) النساء ). هنا الأمر بالمعروف ( أى العدل ) فى معاشرة الزوجة حتى لو كان يكرهها زوجها ، والمقابل وعد الله جل وعلا بخير كثير يأت لهذا الزوج العادل . يأتى تشريع الرحمن ينصف المرأة ويرفع عنها اوزارا . وفى هذا الإطار جاءت الموازنة بين العدل والمساواة فى تشريع الميراث .

رابعا : تجلى المساواة والعدل فى مصطلح ( الفريضة ) فى المهر وفى الميراث

1 ـ باب المواريث يُطلق عليه أيضا ( باب الفرائض ) بسبب ورود كلمة ( فريضة ) ومشتقاتها فى تشريعات الميراث ، كأن يقول جل وعلا فى أول آية :( لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيباً مَفْرُوضاً (7) النساء ). قال هنا ( نصيبا مفروضا ) . وجاءت كلمة ( فريضة من الله ) فى قوله جل وعلا :( يُوصِيكُمْ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً فَرِيضَةً مِنْ اللَّهِ )(11) النساء ).

2 ـ ونفس المصطلح ( فريضة ) يطلقه رب العزة على المهر أو الصداق ، ويجعله أساس الزواج ، ولا جناح ولا حرج فى أى إتفاق بالتراضى بين الزوج والزوجة بعد دفع المهر أو ( الفريضة ) ، فالفريضة هى دفع المهر وجوبا وفرضا ، يقول جل وعلا  : ( وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ ) (24) النساء ). ويقول جل وعلا ايضا عن المهر الواجب على المؤمنين  عند الزواج : ( قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ ) (50) الاحزاب ). بل يوجب رب العزة دفع المهر لملك اليمين إذا تزوجها سيدها ، أو غير سيدها ، وهى التى تقبض مهرها : (وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمْ الْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ )   (25) النساء ).

3 ـ ونفس المصطلح ( فريضة ) يطلقه رب العزة على مؤخر الصداق فى حالة الطلاق ، يقول جل وعلا : ( لا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً ) 236 )  ( وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلاَّ أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذ ي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ) (237) البقرة ).وفى إشارة الى ( مُتعة ) المطلقة يقول جل وعلا:( وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعاً بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى الْمُحْسِنِينَ (236) البقرة )، وهو أيضا حق لها بالاضافة الى المهر والمؤخر لو كان .

4 ـ وللمطلقة حق السُّكنى على زوجها ، ولها عليه حق النفقة لو كانت حاملا ، وإذا ولدت فعليه ثمن الرضاعة والنفقة والكسوة للأم وأجر المرضعة . ولومات الزوج السابق يتعلق الحق بمن يرثه . وفى تفاصيل ذلك يقول جل وعلا : ( وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلاَّ وُسْعَهَا لا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالاً عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلادَكُمْ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (233) البقرة )( أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى (6) لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً (7) الطلاق )

وبطبيعة الحال فالزوج هو المُكلف بالانفاق على زوجته ، وهو مسئول عن رعايتها أو القيام على رعايتها ، أو ( القوامة ) بمعنى المسئولية وليس التحكُّم : ( الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ  ) (34) النساء )

5 ـ تشريعات الاسلام متكاملة ، وتؤخذ جميعا بلا إنتقاء . فالفريضة فى الميراث تؤخذ مع الفريضة فى المهر وسائر حقوق المرأة فى الزواج والطلاق وما يترتب عليه من رضاعة وحضانة . إنّ للمرأة فريضة فى الميراث ولها أيضا فريضة ( على الزوج ) فى الزواج وآثاره الجانبية . وليس عدلا أن تتساوى المرأة مساواة مطلقة بالرجل فى فريضة الميراث ، وهو مثقل بفرائض نحوها كزوج ومطلّق . ونتخيل أن لك إبنا وإبنة . ( إبنك ) عليه أن يدفع مهرا ويجهز سكنا وينفق على زوجته وإذا طلقها فعليه كذا وكذا . أما ( بنتك ) فعندما تتزوج تقبض المهر وتجد من ينفق عليها ويؤسس لها منزلا ، وإذا طلقها فعليه لها كذا وكذا . هنا يكون من الظلم أن تتساوى ابنتك فى الميراث مع ابنك . ولهذا فلها نصف أخيها فى ميراثها منك . ولكن هذا لا يسرى على الوالدين ( الأب والأم ) فى ميراث ابنهما المتوفى . فالوضع هنا مختلف ، لأن حقوق الوالدين متساوية ، سواء فى الحقوق المالية فى النفقة والميراث والوصية أو فى الرعاية والاحسان اليهما . فى كل الآيات يأتى الحديث عنهما معا ( بالوالدين ) بلا تمييز للأب عن الأم أو العكس . فقد قاما بدورهما معا فى الرعاية بالأولاد حتى وصلا الى نهاية العمر ، فأصبح من حقهما على أولادهما الرعاية وسائر الحقوق المنصوص عليها فى القرآن الكريم .

خامسا : الجمع بين العدل والمساواة فى ميراث  الأبناء والوالدين  :

إذن فقاعدة (لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ ) ليست عامة ومطلقة . يقول جل وعلا فى ميراث الأبناء والآباء : ( يُوصِيكُمْ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً فَرِيضَةً مِنْ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً (11) النساء ). ونعطى للآية الكريمة أمثلة توضيحية :

مات رجل وترك : إبنا وبنتا : للذكر مثل حظ الأنثيين ، أى يرث ضعف البنت . لو كانت التركة 1200 جنيه مثلا : تتقسم  على 3 أسهم : الثلثان للولد والثلث للبنت : الابن 800 ، البنت 400 .

مات رجل وترك إبنا وبنتين : الابن يرث مثل نصيب البنتين .تنقسم على أربعة أسهم : للولد سهمان 600 وللبنت سهم واحد ، لكل منهما 300 .

مات رجل وترك : إبنين وبنتين : لو كانت التركة 1200 جنيه مثلا : تتقسم على 6 : البنت 200 ، الابن 400 .

مات رجل وترك بنتا واحدة فقط : لها النصف . لو كانت التركة 1200 جنيه مثلا فهى ترث 600 .

مات وترك بنتين : لهما ثلثا التركة بالتساوى بينهما : لو كانت التركة 1200 جنيه مثلا ، ترث كل بنت 400 .

مات وترك أربع بنات : لهن جميعا الثلثان بالتساوى ، أى 800 على 4 ، ونصيب البنت 200 .

مات وترك : ( أب + أم + ابن + بنت ) يرث الأب السدس ، وترث الأم السدس ، والباقى للإبن والبنت للذكر مثل حظ الأنثيين .

مات وترك ( أب + أم + بنت ) الأب له السدس ، الأم لها السدس ، البنت لها النصف

مات وترك ( أب + أم + بنتين ) : الأب السدس ، الأم السدس ، البنات : الثلثان .

مات وترك ( أب + أم فقط  وبلا أولاد وبلا أخوة ): لكل واحد من الأب والأم الثلث .

مات وترك ( اب + أم + أخ فأكثر ) وبدون أولاد : الأم السدس ، والأب السدس .

سادسا : الجمع بين العدل والمساواة فى ميراث الزوجين . يقول جل وعلا : ( وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمْ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ ) النساء ): أمثلة توضيحية

زوجة ماتت وتركت ( زوج . وليس لها أولاد ) للزوج النصف .

زوجة ماتت وتركت ( زوج + ولد ) للزوج الربع .

زوج مات وترك زوجة وليس له أولاد ، للزوجة الربع .

زوج مات وترك زوجة وله أولاد : للزوجة الثمن .

سابعا : فى ميراث الكلالة هى عدم وجود ذرية من أولاد وبنات . وهى نوعان :

1 ـ كلالة مع وجود الزوج او الزوجة : يقول جل وعلا : ( وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوْ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنْ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ (12) النساء )  

أمثلة توضيحية :

مات الزوج وترك زوجة واخا أو أختا ( ولم يترك أولادا ) : الزوجة لها الربع . الأخ له السدس . الأخت لها السدس .

مات الزوج وترك زوجة ، واخوة ذكورا وإناثا : الزوجة لها الربع ، والأخوة الذكور والاناث جميعا شركاء فى الثلث .

ماتت الزوجة وتركت زوجا وأخا وأختا : الزوج له النصف . الأخ له السدس والأخت لها السدس .

ماتت الزوجة وتركت زوجا وأخوة ذكورا وإناثا : الزوج له النصف . الأخوة ذكورا وإناثا جميعا شركاء فى الثلث .

2 ـ الكلالة فى عدم وجود الزوج أو الزوجة والأولاد أيضا : أى ينفرد الأخوة أو الأخ أو الأخت بالتركة . يقول جل وعلا : ( يَسْتَفْتُونَكَ قُلْ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ إِنْ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالاً وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (176) النساء )

أمثلة توضيحية :

مات ( ماتت ): وليس له ( لها ) ورثة سوى أخت : ترث النصف .

مات ( ماتت ): وليس له ( لها ) ورثة سوى أختين أو ثلاث أخوات : لهما أو لهنّ الثلثان .

مات ( ماتت ) وليس له ( لها ) ورثة سوى أخ وحيد : يرث التركة كلها .

مات ( ماتت)  وليس له ( لها ) سوى إخوة ذكورا ونساءا : يرثون للذكر مثل حظ الأنثيين .

ملاحظات :

1 ـ كل هذا بعد قضاء الديون وتنفيذ الوصية .

2 ـ ما ينطبق على الزوجة ينطبق على الزوجات فى الميراث .

3 ـ هناك تفصيلات أخرى فى الميراث لا مجال للتعرض لها هنا ، وسيأتى أوانها . نحن هنا فى موضوع ( العدل والمساواة ) فقط .

4 ـ  المستفاد مما سبق أن المساوة مقترنة بالعدل فى تشريع الميراث .

اجمالي القراءات 23032

للمزيد يمكنك قراءة : اساسيات اهل القران
التعليقات (3)
1   تعليق بواسطة   عثمان محمد علي     في   الثلاثاء ١٤ - يناير - ٢٠١٤ ١٢:٠٠ صباحاً
[73633]

نأسف للإزعاج .


سؤال سريع وآسف على الإزعاج وخارج بسرعة . هههههه



...لكى تتضح الصورة وتكتمل للقارىء وانا اولهم . ما تبقى من الميراث أو التركة يروح لمن ؟ بمعنى بعض الحالات لا تكفى  ولا تُكمل (الواحد الصحيح ) مثلا  فى توزيع الفريضة (السدس + الثمن + الربع ) وهكدا سيتبقى جزء لم يتم توزيعه وليس له اصحاب حقوق .فإلى من تصير باقى التركة ،هل إلى دوى القربى ،وكيف توزع ،ام إلى الدولة ؟؟؟؟ وشكرا جزيلا استادى ومعلمى .. .



2   تعليق بواسطة   آحمد صبحي منصور     في   الأربعاء ١٥ - يناير - ٢٠١٤ ١٢:٠٠ صباحاً
[73636]

أهلا يا د عثمان .. لا زلنا فى أول البحث فى موضوع الميراث ، وسنجيب عليه فى وقته


وأنا سعيد بتشوقك الذى يدل عليه تساؤلك . وسيأتى تفصيل هذا فى مقالات قادمة . واحتاج طبعا الى تساؤلاتك وتساؤلات الأحبة فربما تثير موضوعا ليس فى الذهن .

3   تعليق بواسطة   لطفية سعيد     في   الجمعة ٢٥ - أغسطس - ٢٠١٧ ١٢:٠٠ صباحاً
[86961]

بين المساواة والعدل ( الذكر والأنثى ) فى التشريع الاسلامى عموما، فى تشريع الميراث


تأتى المساواة فى الأوامر التشريعية وقواعدها ومقاصدها ، فكل فرد ذكرا وأُنثى مأمور بالتقوى والعبادات والفرائض والتمسك بالقيم العليا .. وتاتى المساواة المطلقة بالعدل المطلق يوم القيامة ، وتكررت الحقيقة القرآنية تؤكد ان من يعمل صالحا من ذكر أو أُنثى وهو مؤمن فله الجنة . ويأتى التعبير عن المساواة بين الذكر والأنثى فى الخطاب التشريعى بألفاظ ( يا أيها الناس ) ( يا أيها الذين آمنوا ) ( يا بنى آدم )..الخ لتشمل الذكور والإناث معا .ولكن يختلف الحال فى الحقوق كالميراث . فالمساواة المطلقة تحوى ظلما ، لذا يكون العدل هو الأساس. ثالثا : بين المساواة والعدل ( الذكر والأنثى ) فى تشريع الميراث حين نزل القرآن الكريم كانت المرأة سلعة ، وإستمرت هذه النظرة الدونية للمرأة فى أوربا العصور الوسطى ، وألغى الدين السّنى الحنبلى العدل الاسلامى الذى شمل المرأة ، حين أعطاها حقوقها وسط ظلمات الجاهلية العربية . يكفينا هنا أن أول آية فى تشريع الميراث بدأت بتقرير حق المرأة فى الميراث شأن الرجل ، فقال جل وعلا : ( لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيباً مَفْرُوضاً (7) النساء ). التدبر فى الآية الكريمة يوضّح خطابا للعرب المسلمين وهم فى المدينة بأحقية النساء فى الميراث شأن الرجال ، مهما قلّ الميراث أو كثُر ، وأنه حق مفروض من رب العزة جل وعلا.وليس منتظرا أن تتغير ثقافة الجاهلية فى نفوس الصحابة فى يوم وليلة فيما يخص النظرة الدونية للمرأة ، خصوصا وقد إعتاد العرب إعتبار المرأة سلعة يتواثونها ، فالزوج يأكل الصداق الذى دفعه لزوجته ، ومنع هذا رب العزة ، إلا أن يكون برضاها بالتنازل عن بعضه وليس جميعه : ( وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً (4) النساء ). كان الأب يستفيد من تزويج إبنته بطرق شتى ، فقد كان هناك زواج الشغار أى الزواج بلا مهر ، بأن يعطى رجل إبنته الى رجل آخر مقابل أن يعطى الرجل ابنته اليه ، يتزوج كل منهما إبنة الآخر بلا مهر . وإذا كان للمرأة مهر يأكله أبوها ، يقبضه دونها وينفقه ، وكانوا يمنعونها من الزواج ، وهو ( العضل ) تبعا لمصلحتهم . نزل فى المدينة النهى عن هذا كله ، يقول جل وعلا : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهاً وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلاَّ أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً (19) النساء ). هنا الأمر بالمعروف ( أى العدل ) فى معاشرة الزوجة حتى لو كان يكرهها زوجها ، والمقابل وعد الله جل وعلا بخير كثير يأت لهذا الزوج العادل . يأتى تشريع الرحمن ينصف المرأة ويرفع عنها اوزارا . وفى هذا الإطار جاءت الموازنة بين العدل والمساواة فى تشريع الميراث .


أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق
تاريخ الانضمام : 2006-07-05
مقالات منشورة : 5111
اجمالي القراءات : 56,689,723
تعليقات له : 5,445
تعليقات عليه : 14,818
بلد الميلاد : Egypt
بلد الاقامة : United State

مشروع نشر مؤلفات احمد صبحي منصور

محاضرات صوتية

قاعة البحث القراني

باب دراسات تاريخية

باب القاموس القرآنى

باب علوم القرآن

باب تصحيح كتب

باب مقالات بالفارسي