آحمد صبحي منصور Ýí 2014-03-15
كتاب ( قل ) فى القرآن الكريم
( أقوال الرسول فى القرآن فقط ، وليس له أقوال فى الاسلام خارج القرآن )
الباب الثالث : ( قل ) فى إصلاح الكافرين عموما
الفصل الرابع : ( قل ) فى الحوار فى التأكيد على عبودية النبى لله جل وعلا وحده
كفى شرفا للنبى أن يكون عبدا للخالق جل وعلا
أولا : بشرية النبى و الحوار ب ( قُل )
1 ـ لأنه جل وعلا يعلم الغيب ولأن القرآن نزل للناس جميعا حتى قيام الساعة ، ولأن للمشركين عادة سيئة فى تقديس البشر وتحويل شخصية النبى البشرية الى إله بالتزييف ، لهذا جاء فى سياق كلمة ( قل ) التأكيد على بشرية النبى . ومن إعجاز القرآن أن هذا بالذات يأتى ردا على المحمديين الذين يقدسون خاتم المرسلين . وما يفعله المحمديون هو إمتداد ( عكسى ) لكفار قريش الذين كانوا يستنكرون أن يكون النبى بشرا مثلهم ، فجاء المحمديون يستنكرون ان يكون ( محمد ) بشرا مثل بقية البشر .
2 ـ كان القرشيون يسخرون من النبى حين كان يأكل الطعام ويمشى فى الأسواق كأى بشر ، ومن سخريتهم أنه لو كان رسولا لما إحتاج لهذا : ( وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الأَسْوَاقِ لَوْلا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً (7) أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلاً مَسْحُوراً (8) الفرقان ).
تخيل لو ذهب واحد من ( أهل القرآن ) الى منطقة الأزهر ، وأكل ( كشرى ) فى مطعم هناك ، ثم إتّجه الى مسجد الحسين واستنكر تقديس قبر الحسن ، إن بقى حيا بعدها سيكون أخف ما يتعرض له هو السخرية من هذا الذى يأكل الطعام ويمشى فى الأسواق ، ويتعرض للمقدسات والثوابت وما وجدنا عليه آباءنا .
3 ـ ولأنه عليه السلام فى حياته فى مكة كان يتعرض لآلهتهم المقدسة ، ولأنهم كانوا يرونه بشرا مثلهم فقد إستكثروا أن يقوم بشر مثلهم بالنيل من مقدساتهم ، فردوا على ذلك بالسخرية منه ، فكان إذا مرّ عليهم فى الطريق يشيرون اليه باستهزاء : أهذا الذى يذكر آلهتكم : ( وَإِذَا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلاَّ هُزُواً أَهَذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ )(36)الأنبياء)،أو يتندرون عليه ساخرين : أهذا هو رسول الله ؟ : ( وَإِذَا رَأَوْكَ إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلاَّ هُزُواً أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولاً (41) الفرقان ). لا يتخيلون الرسول بشرا مثلهم ، يتصورونه الاها مختلفا عنهم . وفى هذا يتفق المحمديون والمسيحيون والبوذيون والقرشيون ..الخ
4 ـ وفى المقابل كان عليه السلام مأمورا أن يؤكد أنه ( بشر مثلنا ) ولكن يُوحى اليه بأنه ( لا إله إلا الله ) : ( قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً (110) الكهف ). أى إن القضية ليست فى الشخص البشرى ، ولكن فى الوحى الالهى الدّاعى إلى أنّه ( لا إله إلا الله ) . وبالتالى فليس مُهمّا شخص الداعى ، المهم هى الدعوة الى ( لا إله إلّا الله ) ، وهذه هى سبيل النبى فى حياته وسبيل كل داعية يأتى على سُنّته وطريقته يدعو الى الله جل وعلا على بصيرة قرآنية ، وبهذ أمر الله جل وعلا رسوله الكريم أن ( يقول ):( قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنْ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ (108) يوسف ) ولقد نزل القرآن الكريم بصائر للناس ، يقول جل وعلا يصف القرآن الكريم بأنه ( بصائر ): (قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ (104) ( الأنعام )
5 ـ ولو قام واحد من الدعاة يُبشّر بالقرآن ، يستنكر تقديس القبور ، كما كان يفعل خاتم المرسلين فسيكون المحمديون أشد الناس عداءا له . والدليل أنّ أهل القرآن يتحملون صنوف الأذى والتكفير لأنهم يبشرون وينذرون بالقرآن ليؤكدوا نفس الذى كان الرسول يدعو اليه : أنه لا تقديس إلا لله جل وعلا وحده ، وأن النبى محمدا كان بشرا مثلنا يأكل الطعام ويمشى فى الأسواق ، وليس مقدسا ، وليس إلاها مع الله ، بل إنه كان يؤذى بسبب دعوته أنه ( لا إله إلا الله ) . وأنه عليه السلام أوذى حين قام يدعو الى الله على بصيرة مستنكرا وجود قبور مقدسة فى المساجد داعيا أن تكون المساجد لله جل وعلا وحده ، فلا يرتفع فيها بالأذان للصلاة إلّا ( الله أكبر ، لا إله إلا الله ) وأن تكون الصلاة فى المساجد لذكر الله وحده ، حين واجه كفار قريش بهذا كادوا يفتكون به : ( وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً (18) وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً (19)الجن ) . وبعدها يأتيه الأمر من الله جل وعلا ب( قُل ) ثلاث مرات : ( قُلْ إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِهِ أَحَداً (20) قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلا رَشَداً (21) قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنْ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً (22) إِلاَّ بَلاغاً مِنْ اللَّهِ وَرِسَالاتِهِ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً (23) الجن ) وهذه ال ( قُل ) الثلاث توجز عقيدة الاسلام وبشرية النبى عليه السلام ، وأنه لا يملك ضرا ولا رشدا ، ولن يُجيره أو ينقذه أحد من عذاب الله إلا تبليغه للرسالة ، لأن من يعصى الله ورسالته فمصيره الخلود فى النار .
6 ـ تخيلوا : لو تجرأ أحد على الوقوف أمام قبر مقدس فى مسجد وخطب فى الناس بأن المساجد لله جل وعلا وحده فلا يجوز أن تدعوا غير الله . ماذا يحدث له لو تجرأ وأعلن أن هذه القبور المقدسة هى رجس من عمل الشيطان يجب إجتنابه ، وهذا أمر الاهى للمؤمنين : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90) المائدة ). لا حاجة للتخيل ، فالنتيجة معروفة ، أساسها إنكار المحمديين أن يكون محمد عليه السلام (عبدا ) لله جل وعلا . هم لا يعتبرونه عبدا لله ، لأنهم يقدسونه إلاها مع الله .
ثانيا : عبودية النبى لله جل وعلا
1 ـ جاءت الأوامر بكلمة (قل ) فى الحوار مع المشركين تؤكد أن النبى مأمور بأن يعبد الله جل وعلا ، وأنه منهى عن تقديس وعبادة شىء معه جل وعلا : (قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي فَلا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ أَعْبُدُ اللَّهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ) يونس:104 ) وجاء هذا فى الحوار مع أهل الكتاب : (وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمْ الْكِتَابَ يَفْرَحُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمِنْ الأَحْزَابِ مَنْ يُنكِرُ بَعْضَهُ قُلْ إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ وَلا أُشْرِكَ بِهِ إِلَيْهِ أَدْعُو وَإِلَيْهِ مَآبِ) الرعد:36 ). ومن ناحيتهم قام الجاهليون بحملة مضادة تأمر النبى أن يقدّس أولياءهم وآلهتهم مع تقديسه لله جل وعلا ، ولأنّ هذا يتنافى مع العبادة الخالصة المخلصة لله جل وعلا فقد جاءت له عليه السلام أوامر بكلمة ( قل ):( قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ) ( قُلْ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصاً لَهُ دِينِي فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ ) (قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونَنِي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ) الزمر: 11 ، 14: 15 ، 64 ) .
2 ـ ولأنه عليه السلام كان ( يعبد ) الله جل وعلا وحده مبشرا بالقرآن الكريم ومُنذرا به ، فإن من ملامح التكريم الالهى له أن يصفه رب العزة جل وعلا بأنه ( عبد ) لله جل وعلا ، فى رد مقدم على المحمديين .
ثالثا : عبودية النبى تكريم له
1 ـ من التكريم للنبى أن يوصف بأنه عبد لله جل وعلا ، وأن يقول عنه رب العزة ( عبدنا ) أو ( عبده ) ، أى ينسب عبودية النبى له جل وعلا وحده.
2 ـ وهذا التكريم جاء لخاتم النبيين فى سياق نزول الوحى القرآنى عليه : ( فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى ) النجم:10 )، (تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً) الفرقان: 1 ) ، ( وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ ) الأنفال: 41 ) (هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلَى عَبْدِهِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَكُمْ مِنْ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ )الحديد: 9 ) ، (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجَا )الكهف: 1 ) كما يأتى فى سياق التحدى بالقرآن : ( وَإِنْ كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ ) البقرة 23)
3 ـ كما يأتى هذا التكريم فى موضوع الاسراء : ( سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ) الاسراء 1 )،
4 ـ وفى تثبيت وتأييد النبى عليه السلام فى جهاده ضد حرب الكفار له نفسيا ، كالتخريف والارهاب ، وهنا فالله جل وعلا هو الكافى ( لعبده ): ( أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ )الزمر 36 ) ( وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً )الجن: 19 ) (أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى (9) عَبْداً إِذَا صَلَّى) العلق: 10 ) .
رابعا : تكريم الأنبياء بالعبودية للرحمن جل وعلا
1 ـ ردا على تأليه المسيح يقصّ رب العزة ميلاد عيسى عليه السلام ، ونطقه فى المهد طفلا يدافع عن والدته بأنه عبد لله جل وعلا : ( قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِي الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيّاً ) مريم: 30 ) الى أن يقول عليه السلام لقومه حين صار نبيا:( وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ) مريم:36 ). ويقول جل وعلا عنه يصفه بالعبودية : ( إِنْ هُوَ إِلاَّ عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلاً لِبَنِي إِسْرَائِيلَ) الزخرف: 59 ) وفى الرد على تأليههم له يقول جل وعلا : ( لَنْ يَسْتَنكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ وَلا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَنْ يَسْتَنكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعاً)النساء: ) 172 ) .
2 ـ وفى قصص الأنبياء جاء وصفهم بالعبودة تكريما لهم ، عن زكريا : ( ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا ) مريم:2 )، وعن داود : ( اصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ )ص: 17 ) وعن سليمان أو داود : (وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ )ص: 30 ) وتمنى سليمان أن يُدخله ربه جل وعلا فى ( عباده الصالحين ) : ( فَتَبَسَّمَ ضَاحِكاً مِنْ قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ)النمل 19 ) وأيوب : ( وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِي الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ )ص: 41 ) ( إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِراً نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ) ص 44 ) ، ولم يذكر رب العزة إسم النبى صاحب موسى ، ووصفه بأنه ( عبد آتاه الله رحمة وعلما):( فَوَجَدَا عَبْداً مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً )الكهف:65 ) ، وقال جل وعلا عن يوسف حين أعرض عن إمرأة العزيز ( إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ ) يوسف 24 ). وقال جل وعلا عن نوح ( إِنَّهُ كَانَ عَبْداً شَكُوراً)الإسراء: 3 ) ( كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا )القمر 9 ). وتكرر الوصف لبعض الأنبياء بقوله جل وعلا ( إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ ) (الصافات : 81 ، 111 ، 122 ، 132 ).
3 ـ وجاء وصف بعض الأنبياء معا بالعبودية ، مثل ابراهيم واسحاق ويعقوب : ( وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إبْرَاهِيمَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ أُوْلِي الأَيْدِي وَالأَبْصَارِ) ص: 45 ) وداود وسليمان ( وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْماً وَقَالا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ) النمل: 15 )، ونوح ولوط ( ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ ) التحريم 10 )
4 ـ وجاء وصف العباد للرسل جميعا ، فهم الذين يتم إختيارهم من بين البشر لينزل عليهم الروح ( جبريل ) بالوحى والرسالات السماوية : ( يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنذِرُوا أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاتَّقُونِ)النحل: 2 )، ( رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلاقِي)غافر: 15 ) ، ويقول جل وعلا يأمر النبى محمدا ويامرنا بالسلام عليهم جميعا: ( قُلْ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى أَاللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ) النمل: 59 ). والرسل يفخرون بهذه العبودية لله جل وعلا إذ منّ الله جل وعلا عليهم بأن إختارهم رسلا من بين عباده البشر : ( قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ )إبراهيم: 11 )
5 ـ والملائكة ، أيضا من عباد الله ، وقال جل وعلا فيمن إتّخذهم آلهة : ( وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثاً أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ)الزخرف 19 ) ( وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَداً سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ)الأنبياء: 26)
6 ـ ويوم القيامة سيأتى الجميع عبدا لله جل وعلا رغم انوفهم : ( إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ إِلاَّ آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً ) مريم: 93 )
خامسا : التكريم للبشر بالعبودية للرحمن جل وعلا
1 ـ وإذا كان الرسل بالاصطفاء والاجتباء والاختيار الالهى فإن أمام البشر العاديين حرية الإختيار أن يكونوا من عباد الرحمن إذا تحلُّوا بصفات عباد الرحمن المذكورة فى سورة الفرقان ، والتى بها تتحقق العبودية الصادقة لله جل وعلا : ( وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمْ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاماً )الفرقان: 63 وما بعدها ) . وهؤلاء الذين يختارون بمحض إرادتهم أن يكونوا عبادا وعبيدا للرحمن يأتيهم الخطاب الالهى بالتكريم ( يا عبادى ) مشفوعا بالأوامر ، وهى عامة لكل من يتمسك بها بارادته الحرة ، كقوله جل وعلا : ( وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِي إِذَا دَعَانِي فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ)البقرة ) ( يَا عِبَادِي الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ)العنكبوت: 56 ) ، أى هى صفات مطروحة أمام البشر فى كل زمان ومكان لمن شاء الفلاح بصدق العبودية للخالق جل وعلا .
2 ـ هو تكريم حقيقى لأى واحد من البشر ، أن يكون عبدا لله جل وعلا وحده ، أن يكون عبدا للخالق رب السماوات والأرض ، وليس عبدا لمخلوق مثله . يكفيه فخرا أن يكون عبدا لله جل وعلا وحده ، ويكفيه عِزّا أن يكون مولاه ومالكه وربه هو الله جل وعلا وحده، وبهذا جاءت ( قل ) أمرا لخاتم المرسلين : ( قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبّاً وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ ) (164 ) (الأنعام ) . المؤمن الحق هو ( عبد ) لله جل وعلا وحده ، لا يتخذ من البشر وليا يستغيث به ويجعل نفسه عبدا له ، ويقدم له النذور والقرابين .
4 ـ المحمديون وأتباع الديانات الأرضية يجعلون أنفسهم عبيدا لمخلوقات يزعمون أنها الأولياء ، وقد أمر الله جل وعلا رسوله الكريم بأن ( يقول ) : ( قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيّاً فَاطِرِ السَّمَوَاتِوَالأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلا يُطْعَمُ قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلا تَكُونَنَّ مِنْ الْمُشْرِكِينَ (14) الأنعام ) .
الخاتمة
1 ـ محمد عليه السلام فى شخصيته البشرية الحقيقية كان مأمورا أن يكون صادقا فى عبوديته لله جل وعلا ، وكان مأمورا أن يعلن هذا وأن يقول هذا ( الأنعام 14 ، 164 ) .
2 ـ المحمديون عكس هذا .. جعلوا محمدا الاها ، فأصبحوا أعداء لمحمد عليه السلام .
وفى المقابل كان عليه السلام مأمورا أن يؤكد أنه ( بشر مثلنا ) ولكن يُوحى اليه بأنه ( لا إله إلا الله ) : ( قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً (110) الكهف ). أى إن القضية ليست فى الشخص البشرى ، ولكن فى الوحى الالهى الدّاعى إلى أنّه ( لا إله إلا الله ) . وبالتالى فليس مُهمّا شخص الداعى ، المهم هى الدعوة الى ( لا إله إلّا الله ) ، وهذه هى سبيل النبى فى حياته وسبيل كل داعية يأتى على سُنّته وطريقته يدعو الى الله جل وعلا على بصيرة قرآنية ، وبهذ أمر الله جل وعلا رسوله الكريم أن ( يقول ):( قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنْ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ (108) يوسف ) ولقد نزل القرآن الكريم بصائر للناس ، يقول جل وعلا يصف القرآن الكريم بأنه ( بصائر ): (قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ (104) ( الأنعام )5 ـ ولو قام واحد من الدعاة يُبشّر بالقرآن ، يستنكر تقديس القبور ، كما كان يفعل خاتم المرسلين فسيكون المحمديون أشد الناس عداءا له . والدليل أنّ أهل القرآن يتحملون صنوف الأذى والتكفير لأنهم يبشرون وينذرون بالقرآن ليؤكدوا نفس الذى كان الرسول يدعو اليه : أنه لا تقديس إلا لله جل وعلا وحده ، وأن النبى محمدا كان بشرا مثلنا يأكل الطعام ويمشى فى الأسواق ، وليس مقدسا ، وليس إلاها مع الله ، بل إنه كان يؤذى بسبب دعوته أنه ( لا إله إلا الله ) . وأنه عليه السلام أوذى حين قام يدعو الى الله على بصيرة مستنكرا وجود قبور مقدسة فى المساجد داعيا أن تكون المساجد لله جل وعلا وحده ، فلا يرتفع فيها بالأذان للصلاة إلّا ( الله أكبر ، لا إله إلا الله ) وأن تكون الصلاة فى المساجد لذكر الله وحده ، حين واجه كفار قريش بهذا كادوا يفتكون به : ( وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً (18) وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً (19)الجن ) . وبعدها يأتيه الأمر من الله جل وعلا ب( قُل ) ثلاث مرات : ( قُلْ إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِهِ أَحَداً (20) قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلا رَشَداً (21) قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنْ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً (22) إِلاَّ بَلاغاً مِنْ اللَّهِ وَرِسَالاتِهِ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً (23) الجن ) وهذه ال ( قُل ) الثلاث توجز عقيدة الاسلام وبشرية النبى عليه السلام ، وأنه لا يملك ضرا ولا رشدا ، ولن يُجيره أو ينقذه أحد من عذاب الله إلا تبليغه للرسالة ، لأن من يعصى الله ورسالته فمصيره الخلود فى النار .
تاريخ الانضمام | : | 2006-07-05 |
مقالات منشورة | : | 5111 |
اجمالي القراءات | : | 56,687,833 |
تعليقات له | : | 5,445 |
تعليقات عليه | : | 14,818 |
بلد الميلاد | : | Egypt |
بلد الاقامة | : | United State |
دعوة للتبرع
طعنهم فى القرآن: ما هى حقيقة الخلا ف فى الايت ين الاخي رتين ...
لماذا هو سوأة ؟: قرأت الفتو ى الخاص ة بابنى أدم ، والغر اب ...
يتلونه حق تلاوته: رايت اعلي فديوه اتك صوره لك وانت تمسك...
الغمام: ما معنى ( الغما م ) فى القرآ ن الكري م ؟...
لا بد من القضاء: صلاةا لفجرف اتتني هل أقضيه امع ...
more
1 ـ لأنه جل وعلا يعلم الغيب ولأن القرآن نزل للناس جميعا حتى قيام الساعة ، ولأن للمشركين عادة سيئة فى تقديس البشر وتحويل شخصية النبى البشرية الى إله بالتزييف ، لهذا جاء فى سياق كلمة ( قل ) التأكيد على بشرية النبى . ومن إعجاز القرآن أن هذا بالذات يأتى ردا على المحمديين الذين يقدسون خاتم المرسلين . وما يفعله المحمديون هو إمتداد ( عكسى ) لكفار قريش الذين كانوا يستنكرون أن يكون النبى بشرا مثلهم ، فجاء المحمديون يستنكرون ان يكون ( محمد ) بشرا مثل بقية البشر .2 ـ كان القرشيون يسخرون من النبى حين كان يأكل الطعام ويمشى فى الأسواق كأى بشر ، ومن سخريتهم أنه لو كان رسولا لما إحتاج لهذا : ( وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الأَسْوَاقِ لَوْلا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً (7) أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلاً مَسْحُوراً (8) الفرقان ).تخيل لو ذهب واحد من ( أهل القرآن ) الى منطقة الأزهر ، وأكل ( كشرى ) فى مطعم هناك ، ثم إتّجه الى مسجد الحسين واستنكر تقديس قبر الحسن ، إن بقى حيا بعدها سيكون أخف ما يتعرض له هو السخرية من هذا الذى يأكل الطعام ويمشى فى الأسواق ، ويتعرض للمقدسات والثوابت وما وجدنا عليه آباءنا .3ـ ولأنه عليه السلام فى حياته فى مكة كان يتعرض لآلهتهم المقدسة ، ولأنهم كانوا يرونه بشرا مثلهم فقد إستكثروا أن يقوم بشر مثلهم بالنيل من مقدساتهم ، فردوا على ذلك بالسخرية منه ، فكان إذا مرّ عليهم فى الطريق يشيرون اليه باستهزاء : أهذا الذى يذكر آلهتكم : ( وَإِذَا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلاَّ هُزُواً أَهَذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ )(36)الأنبياء)،أو يتندرون عليه ساخرين : أهذا هو رسول الله ؟ : ( وَإِذَا رَأَوْكَ إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلاَّ هُزُواً أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولاً (41) الفرقان ). لا يتخيلون الرسول بشرا مثلهم ، يتصورونه الاها مختلفا عنهم . وفى هذا يتفق المحمديون والمسيحيون والبوذيون والقرشيون ..الخ