حقارة أرباب الوظائف الديوانية منفذى الشريعة السنية فى عصر قايتباى

آحمد صبحي منصور Ýí 2012-08-22


 

كتاب ( المجتمع المصرى فى ظل تطبيق الشريعة السنية فى عصر السلطان قايتباى):دراسة فى كتاب ( إنباء الهصر بأبناء العصر ) للمؤرخ القاضى ابن الصيرفى .

الباب الأول :طوائف المجتمع المصري في ظل تطبيق الشريعة السنية فى عصر السلطان قايتباى

الفصل السابع : حقارة أرباب الوظائف الديوانية منفذى الشريعة السنية فى عصر قايتباى.

المزيد مثل هذا المقال :

الوزير قاسم جغيته

 1 ـ كان للوزير قاسم جغيته دور مشين في ( قطع أرزاق ) أخوانه من أرباب الوظائف.. وهو أشهر من تولى الوزارة في عصر قايتباى وأبرز من يمثل حقارة الوزراء فى حكم العسكر.  

2 ـ في يوم الثلاثاء 9 ربيع الأول 873 غضب السلطان على الوزير ابن الأهناسي وقبض عليه وأسلمه للداودار الكبير فطلب منه المال فاعتذر بأنه دفع كل ما لديه من أمول رشوة كى يكون وزيراً، فأجرى عليه العقوبة وعلقه في شباك حديد بأصابع يديه فدفع ألفى دينار، وأطلق السلطان سراحه، يقول ابن الصيرفي "فتوجه إلى داره وفي نفسه أنه يعود للوزر ( أى الوزارة ) ، وفي ذلك بُعد ، فإنه ظهر منه العجز فيها مراراً ، ورُشح قاسم جغيته المعزول من الوزارة بعوده للوزر". أى أن ابن الأهناسي بعد أن لاقي من التعذيب والإهانة ما لاقي كان يطمع في أن يعود للوزارة.هذه هى حقارة أولئك الوزراء. ولكن قاسم جغيته كان أستاذهم .

3 ـ في يوم الاثنين 15 ربيع الأول 873 تولّي الداودار يشبك من مهدي الوزارة ، وهو الرجل الثانى فى الدولة بعد قايتباى . يقول ابن الصيرفي إن الداودار الكبير تولى الوزارة بنفسه عوضاً عن الأهناسي ( بحكم القبض عليه ومصادرته وعزله، ولعجزه وخموله وظلمه وخسفه ورقاعته!!.) ، أى قائمة بليغة من الصفات الحميدة.!!. ولأن يشبك من مهدى تكاثرت مسئولياته و لا وقت لديه للنظر فى أعمال الوزارة التى تقلدها فقد عيّن قاسم جغيته متحدثاً باسمه عن الوزارة ، ويضاف سبب آخر يوضّح شخصية قاسم جغيته ، إذ تعهّد قاسم جغيته للأمير يشبك من مهدى أنّ يوفر من مرتبات أولاد الناس والمتعممين والأيتام وغيرهم في كل يوم كذا وكذا من المال وكذا قنطاراً من اللحم. ( ولا زال يسأل الداودار الكبير في ذلك ويلح عليه ويترامى على رجليه حتى وليها ، وفوّض له الداودار الكبير الكلام فيها) على حدّ قول مؤرخنا إبن الصيرفى.

4 ـ ويقول ابن الصيرفي عن أول أعمال قاسم جغيته: ( وفي الحال شمّر قاسم جغيته ساعده في قطع رواتب العسكر والأجناد ممن له زيادة على عادته وكلهم معه زيادة، وأما المتعممون ( أى الفقهاء والشيوخ ) فشنّع فيهم ( أى تطرّف فى قطع أرزاقهم ومرتباتهم ) وقطع ما باسمهم، وليتهم سلموا من المطالبة بما تناولوا قديماً، ووقع الترسيم ( أى الاعتقال ) على جماعات منهم وألزموا بأموال جمة ، وهرب خلق كثير من أولاد الناس والخدام وغيرهم.). وكان هذا على هوى الوزير فاسم جغيته لأنه سينال فرصة للإنتقام من خصومة ، وللسرقة ، حيث كان من المعتاد أن يسرق من يقوم بالمصادرة جزءا من المال والمنهوبات يخفيها عن أعين السلطان.

5 ـ وكان قاسم بجانب هوايته في قطع الأرزاق لا يتورع عن مصاحبة الغانيات. ولا شك أنه كان له أعداء يتحينون الفرصة للإيقاع به من هذا الطريق، وحدث في شهر ربيع الآخر 874 أن والى القاهرة، أى المختص بشئون الأمن والجرائم، قد ضبط الوزير قاسم جغيته مع امرأة عاهرة في الجزيرة بالقاهرة.

6 ـ ووصلت غنم من الوجه القبلي لحساب الأمير قنصوه الاينالى فأراد الأمير أخذها بدون أن يدفع الضرائب المقررة فماطله قاسم، وانتهى الأمر بأن ضرب الأمير المملوكى الوزير.

7 ـ وهرب أحد المباشرين أى الموظفين من الحبس حيث كان معتقلاً بسبب مال تأخر عليه للسلطان ، ووجدها قاسم فرصة للإيقاع بالشيخ أبى الحجاج القاضى الشافعي لأنه صهر ذلك الموظف الهارب من السجن، فكان أن ذهب قاسم إلى الداودار الكبير وأخبره أن المباشر هرب واختفي عنده صهره أبى الحجاج، فهجموا على دار القاضى لم يجدوا فيه أحداً، فاعتلقوا القاضى أبا الحجاج وضربوه في بيت الداودار الكبير.

8 ـ وتألب أعداء قاسم جغيته عليه، وما زالوا بالداودار الكبير حتى أغضبوه على قاسم واتهموه بالفساد هو وجماعته من المباشرين . ورآها الداودار الكبير والسلطان فرصة لابتزاز قاسم فطلب منه ومن مباشريه مائة ألف دينار، وانتهى المبلغ بعشرة آلاف دينار يدفعها قاسم عن نفسه ، وامتنع قاسم قائلاً أنه لا يستطيع أن يدفع أكثر من خمسة آلاف دينار فأمر الداودار باعتقاله.

9 ـ وبدأت قصة الإيقاع بقاسم بخصومة بدأت بينه وبينه صهر الأمير خشقدم الظاهرى، وأدت هذه الخصومة إلى قيام الأمير خشقدم الظاهرى بفضح قاسم أمام الداودار الكبير الذى جعله متحدثاً عنه في الوزارة.. فقد ذكر خشقدم الظاهرى للداودار الكبير أن قاسماً يختلس لنفسه ثلاثة أنصاف من كل أردب يصرفه من الديوان، وأن بركات بن أبى الطواحين مستوفي الدولة يتآمر معه في تزييف حساب الدولة.وهكذا طلب الداودار قاسماً وضربه وضرب شريكه ابن أبى الطواحين وطلب منه عشرة آلاف دينار ، ورفض قاسم، وعلم السلطان بالأمر فأصدر قراراً بتاريخ 26 ربيع الأول 875 بطلب قاسم وأعوانه إلى القلعة، فجئ بهم في الحديد ، وغرّمه السلطان 18 ألف دينار،( فقال ما معي إلا روحي). وتوسط ابن مزهر الأنصاري كاتب السر فأطلقه من الحديد . واتفق على أن يقوم بمحاسبته ومحاسبة غريمه إبن غريب الاستادار، وأثبت كاتب السر أن على قاسم خمسين ألف دينار للدولة . وعيَّن السلطان موسي بن غريب متكلماً في الوزارة عوضاً عن قاسم، مع قيام ابن غريب بوظيفة الاستادار. واستلم الداودار الكبير وزيره السابق قاسم فأجرى عليه العقوبة كى يستخلص منه الأموال ، فدفع قاسم تحت التعذيب خمسة آلاف دينار ، ثم أكمل العشرة يوم 10 ربيع الثاني ، وظل تحت التعذيب يتحمل الضرب دون أن يدفع المقرر عليه على أمل أن يتدخل كاتب السر لإنقاذه، وهذا ما حدث فقد توسط كاتب السر لدى الداودار الكبير ، وضمنه على أن يدفع الباقي، وصحبه كاتب السر ليكون رهينه لديه في بيته حتى يدفع ما عليه. إلا أن قاسم جغيته رد الإحسان بالسيئة ، فهرب من بيت كاتب السر، فاضطر كاتب السر لأنه يدفع عنه ما ضمنه من أجله، وما زال كاتب السر حتى وصل إلى مكان قاسم وظفر به وأودعه سجن الديلم.

10 ــ وفي يوم الثلاثاء 18 جمادى الأول 875 خلع السلطان قايتباى على قاسم جغيته في الوزارة بعد أن دفع قاسم للسلطان عشرين ألف دينار نقداً، وكان ابن مزهر هو الذى توسط في ذلك . وكان ابن غريب الاستادار القائم في الوزارة مكان قاسم، يحاول القضاء النهائى على قاسم، ولكن بعد جهد جهيد من كاتب السر أعيد قاسم للوزارة بعد أن دفع ما دفع واشترط عليه السلطان أن يقوم في مباشرته للوزارة بتقديم أربعة آلاف دينار للخزانة السلطانية.

11 ـ وفي يوم الأربعاء أول شعبان 875 غضب الداودار الكبير على الوزير قاسم بعد أن أعيد للوزارة واعتقله. وكالعادة توسط كاتب السر له وتوجه إلى بيت الداودار الكبير فلم يجده في البيت فانتظره إلى نصف الليل، ثم اجتمع به ، ولم يوافق الداودار الكبير على إطلاق قاسم.

12 ـ وفي محنة قاسم هذه تطلع صبيانه لتولى الوزارة مكانه ، وكانوا ابنى منقورة وابن البحلاق ، وكان قاسم استاذهم ويضربهم ويصادر أموالهم، وفى محنته سعى كل منهم لدى الداودار الكبير للوثوب على الوزارة .  ثم أطلق الداودار الكبير سراح قاسم الوزير يوم السبت 4 شعبان، بعد أن دفع للداودار مبلغاً كبيراً من المال، واستمر قاسم معزولاً عن الوزارة ليقوم بدفع المتأخر عنه . وضمنه كالعادة ابن مزهر . ولكن هرب قاسم للمرة الثانية ليلة الاثنين 13 شعبان ولم يعرف له مكان، ويعلق ابن الصيرفي على هروب قاسم من بيت صديقه إبن مزهر كاتب السّر فيقول عن قاسم :( وإنما هو موصوف بقلة الدين وعدم الأصالة والحشمة. فإن إنساناً ( يقصد كاتب السّر ) حفظه الله خّلصه من الفتك وضمنه فما يجازيه أن يهرب ، ولا يقوم بشيء مما ضمنه فيه، فكثرت أدعية الفقراء والصلحاء للمقر الأشرف الزينى ابن مزهر حفظه الله قاسم ليخلص من ضمانه. )

13 ـ وفي ليلة 29 شوال 875 حضر قاسم جغيته الوزير الهارب إلى بيت كاتب السر الذى هرب منه، وفي صحبته الشيخ الصوفى إبراهيم المتبولى، أى تشفّع بالولى الصوفى المشهور وقتها ابراهيم المتبولى ، وتصوّف وتمسكن ، يقول ابن الصيرفى عنه : (وهو لابس جبة على هيئة الفقراء الصوفية وعلى رأسه مئزر،  وسأل كاتب السر في الصبر عليه فيما دفعه عنه من أموال الضمان ، فقبل كاتب السر رجاءه.).

14 ـ ووقف قاسم جغيته للسلطان واتهم غريمه موسي بن غريب أنه اختلس عشرين ألف دينار، فلم يلتفت إليه السلطان لأن الداودار الكبير يدافع عن ابن غريب. ورد ابن غريب التحية بأحسن منها فاتهم جغيته أنه لا يزال في جهته مال للدولة فأمر السلطان باعتقال قاسم، وتظاهر قاسم بالفقر الشديد وصار يتسول من أعيان الدولة، ولم يصدّقه السلطان فأمر بإيداعه سجن الديلم، وكان ذلك في 29 جمادى الثانية 876، ثم تدخل كاتب السر فأطلقه من السجن يوم الاثنين 7 ربيع الأخر 876. ولم تنته متاعب قاسم جغيته فقد ادعى عليه بعضهم عند السلطان بأنه يختلس أموال المكس  أى الجمارك ، فطلبه السلطان ، وشتمه ، وسأل الداودار الثاني أن يحقق معه في ذلك.

15 ـ وانتهى بذلك قاسم جغيته إلى لا شيء. لم يرحمه السلطان الذى استغله في امتصاص دماء الناس، وكان السلطان يتحين الفرصة لكى يوقع به العذاب، والسلطان يعلم أنه ظالم مختلس، ولكنه أى السلطان محتاج إلى هذا الصنف ليسرق له أموال الشعب ، وحين تمتد يد الوزير السارق بالسرقة لمصلحته الشخصية كانت عصا السلطان تسرع إليه فتصادر كل ما سرق وما لم يسرق. وتلك بالضبط فلسفة الشريعة السّنية للحاكم المملوكى وطريقة تعامله مع أرباب الوظائف لديه. طاحونه من الظلم، الترس الكبير فيها هو السلطان وتعاونه مجموعة من التروس تعمل لدى السلطان أما المطحون فهو الشعب المصري المسكين.

موسى بن غريب الاستادار:

1 ـ وكان أرباب الوظائف الكبري يتنافسون في خدمة العسكر المملوكى ، وفي الإيقاع ببعضهم البعض . ورأينا طرفاً من ذلك في التنافس بين قاسم جغيته الوزير موسي بن غريب الاستادار.

2 ـ وقد كان موسي بن غريب غريماً من قبل للأمير زين الدين الاستادار، وحين تولى الداودار الكبير كامل سلطاته اعتقل زين الدين الاستادار وموسى بن غريب وابن البقري.

3 ـ وفي يوم السبت 6 شعبان873 حملوا موسى بن غريب من بيته على قفص إلى القلعة وحبسوه في البرج ، ودخل شهر رمضان وقد كان زين الدين الاستادار في برج ، وغريمه موسى بن غريب في برج أخر. ثم أفرج السلطان عن موسى بن غريب يوم الأربعاء 9 محرم 874 وتوجه به القاضى شرف الدين التتائى إلى بيت الداودار الكبير ( فارتمي ابن غريب على قدمي الداودار يرجوه أن يكون نائبه في الديوان المفرد ويحصل له المال، فنال ذلك.) كما يقول ابن الصيرفى .

4 ـــ وفي أول المحرم 875 أشيع أن السلطان سيولى موسى بن غريب استاداراً وقاسم جغيته وزيراً ويحاسبهما على ما يتوفر في الديوان المفرد وديوان الدولة. وبدأت بذلك المنافسة والصراع بين قاسم وموسى بن غريب.

وكسب موسى بن غريب الجولة عن طريق توثيق صلته بالداودار الكبير أكبر شخصية في الدولة بعد قايتباى، وانتهى أمر قاسم جغيته بعد العزل والمصادرة والهرب والحبس إلى أن لبس الصوف وإزعم التنسك، في الوقت الذى توجه فيه غريمه موسى بن غريب إلى الصعيد لعمل مسح للبلاد والقرى وذلك يوم الجمعة 5 ذو القعدة 875 وصحبته الأمير جانم داودار الداودار الكبير صاحب السلطان على الصعيد، وصار موسى إبن غريب هو المتكلم في الوزارة والاستادارية بالنيابة عن الداودار الكبير ، وإلى موسى بن غريب المرجع في شئون الدولة وهو يقبض الغلال باسم الديون.وفي يوم الخميس 8 محرم 876 رجع من الصعيد وأقيم له حفل لتكريمه "وكان له زفة هائلة وأوقدوا له الشموع حتى وصل داره".

5 ــ أى وصل موسي بن غريب إلى نهاية سعده... وبهذا بدأ في إظهار ظلمه... ذلك أنه كى يستمر في منصبه فلابد من تقديم الأموال إلى سادته، ولن يكون ذلك إلا بالظلم، ومعناه أن أعداءه سيجدون الفرصة لتقديم الشكاوى فيه أو يشجعون المظلومين على أن يشكوه للسلطان، وفي النهاية بعد أن يستفيد السلطان منه إلى أخر رمق سيرضى المظلومين بعقاب ذلك الظالم، ويكسب السلطان في البداية وفي النهاية وسيتمتع بدعاء الناس له باعتباره كهف العدالة ويعين شخصاً آخر يجرب معه نفس اللعبة.وهذه هى جاذبية الشريعة السّنية للمستبد . وهكذا كانت اللعبة.. ولا تزال...

6 ـ في صفر 876 كثرت الشكاوى في ابن غريب المتكلم في الوزارة والاستادارية من ظلمه وجوره وهدده السلطان وأوعده.. على حد قول ابن الصيرفي. وفي ليلة السبت 25 جمادى الأول 876 وصل قائد الجيش المملوكي الأتابك أزبك من جهة البحيرة غرب الدلتا وكان الأعراب قد دمروها ، وكانت مهمة الأتابك أزبك تعمير وتخضير هذه المنطقة لحمايتها من غارات الأعراب . وبعد عودته أخبر السلطان أن تعمير البحيرة وتخضيرها لم يكتمل بسبب ما صنع ابن غريب في أهلها الفلاحين من الظلم.

7 ـ وفي 8 أو 9 جمادى الثانية 876 وقف للسلطان تجار سوق الأخفاف (أى الأحذية) وقدموا له شكوى في إبن غريب وهى أنه أحدث عليهم مظلمة فقد كان عليهم ضرائب في كل شهر أربعمائة درهم فجعلها عليهم ثلاثة آلاف وحصّلها منهم، فأمر السلطان ابن غريب أن يرجعهم للضريبة الأول (400 درهم) فما وافق ابن غريب وجعلها (1500 درهم) فرجعوا للسلطان فأبطل ضريبة الأحذية بالكامل.

8 ـ وفي يوم الخميس 6 رجب 876 كتب ابن الصيرفي : ( تغيّظ السلطان على الاستادار والوزير الذى هو ابن غريب وما أفاد ذلك شيئاً.). ولكن ستأتى الإفادة فيما بعد.

9 ـ فى يوم السبت 8 رجب 876 شكوا ابن غريب للسلطان أنه زاد على التجار الضرائب ، فأمر السلطان بإحضاره، فاعتذر ابن غريب بالمرض فأمر السلطان بإحضاره في قفص.وفى يوم الثلاثاء 11 رجب 876 كانت الخدمة في الاسطبل حيث يجلس السلطان للحكم بين الناس وشكوا ابن غريب ، ( فوبّخه السلطان وبهدله وأساء عليه.) هكذا قال ابن الصيرفى .وفى يوم الثلاثاء 18 رجب 876 في الموعد التالى لنفس اليوم قدم السلطان لموعد الخدمة في الاسطبل وكثرت الشكاوى في الأكابر والأصاغر، وقدمت شكاوى في حق ابن غريب بسبب ديوان الدولة والديوان المفرد.

10 ـ وفى يوم السبت 29 رجب 876 كانت الخدمة في الاسطبل. وكان يوماً رهيباً على أرباب الوظائف الإدارية. وكان حظ ابن المقسي أكثر سوءا ، يقول مؤرخنا إنّه إشتكاه ثلاثة لسوء إدارته لنظارة الخاص. ونصحه السلطان فلم ينتصح ، فثار عليه السلطان وسبّه ولعنه وأمر بضربه بين يديه ، فبطحوه بين يدي السلطان وضربوه على مقاعده ( أى مؤخرته !!) ، وكان يوماَ شديد البرودة وأمر السلطان بنزع ثيابه وضربه على اللباس ، وصار يستغيث فلا يغاث ، حتى انقطع حسّه بعد ذلك ، فقام الحاضرون من الأمراء وتشفعوا فيه للسلطان ، فازداد غضب السلطان ، وأمر باستمرار ضربه بدون ملابس، فصار عرياناً مكشوف الرأس ، وضربه الوالى وأعوانه نحو خمسين مقرعة،  فشفع فيه الأتابك وبقية الأمراء.. يقول ابن الصيرفي في التعليق على هذا المجلس : ( من حضر هذا المجلس من الأكابر عُدّ كالهالك ، خصوصاً مباشرى الدولة، وأعظمهم رعباً وخوفاً شرف الدين موسي بن كاتب غريب المتكلم في الوزارة والاستادارية.). والذى لم يفهمه ابن الصيرفي أن السلطان في حاجة لأولئك الأعوان الظلمة الذين يتحملون عنه اللعنات ويتحملون أيضاً عقوبته بحجة دفاعه على المظلومين. وإلا فأولئك ينفذون أوامر السلطان، والسلطان يفرض عليهم معلوماً لابد من تأديته، ولن يستطيعوا تأديته من جيوبهم، فلابد أن يحصلوا على من ظلم الناس.

السلطان يتنزه مع أرباب الوظائف الظلمة:

وبينما يئن الناس من الظلم كان السلطان يتنزه ومعه أتباعه الظلمة.

1 ـ في يوم السبت 15 ذى الحجة 876 ركب السلطان للعب الكرة هو والأمير الكبير الداودار وأعيان المقدمين الألوف والأمير تنبك الداودار الثاني وركب معه المحتسب يشبك الجمالى، الذى شهدنا ظلمه وغباءه، وكان قد تشفع فيه الداودار الثاني وأصلح ما بينه وبين السلطان فأذن له السلطان أن يصحبه وأن يلعب معه.

2 ـ وفي يوم الثلاثاء 18 ذى الحجة 876 كان السلطان يركب للعب الكرة كعادته، وكان معه ابن غريب فضرب الداودار الكبير يشبك الكرة ضرباً شديداً فطارت الكرة وانقسمت وخرجت منها قطعة في وجه ابن غريب فجرحت وجهه وأسالت دماءه، يقول ابن الصيرفي "فبلغنى أن السلطان نصره الله ومن حضر سرّهم ذلك، وأقول يا ليتها كانت القاضية"...وقال بعضهم له أن السلطان قد سره أن تجرح الكرة وجه ابن غريب). وما ابن غريب إلا مجرد ناب من أنياب السلطان.

ابن البقري:

1 ـ ونمرّ سريعاً على مثل أخر من أرباب الوظائف وما كانوا يعانون في خدمة السلطة المملوكية. أنه الصاحب مجد الدين بن البقري ، وكان أخوه قاضياً مشهوراً وهو شرف الدين عبد الباسط ، وكان في بيته بالقاهرة عدة مماليك لخدمته ومات منهم عدّة بطاعون 873.

2 ـ وفي يوم الخميس 4شعبان 873 اعتقل الدوادار الكبير صاحبنا ابن البقري. وفي يوم السبت 20 شعبان من نفس العام قرر الداودار الكبير أن يعين ابن البقري نائباً عنه في وظيفة الاستادارية، وذلك بعدعزل الاستادار السابق زين الدين وتولى الدوادار الكبير الوظيفة. أى انتقل ابن البقري من المعتقل إلى الوظيفة الكبيرة، على نحو ما كان شائعاً في الساقية المملوكية التى تدور باستمرار ويرتفع عليها الشخص حيناً ثم تهبط به أحياناً. وهبطت الساقية بابن البقري يوم الخميس 14 ربيع الأول حين طلب الداودار الكبير منه المال المتأخر من الديوان فأمر السلطان باعتقاله.

3 ـ وفي صفر 877 كانت محنة ابن البقري الكبرى إذ إعتقله الداودار الكبير وأمر أعوانه بالذهاب مع ابن البقري إلى داره لمصادره ما فيه وإذا لم يحضر ابن البقري ما عليه فلابد من توسيطه بداره ، أى قطعه نصفين ، فوجدوا في داره ثمانمائة دينار وقماشاً وكتباً، وأمر الداودار الكبير بضربه بين يديه، فضربوه أربع علقات، وأمر الداودار بإشهاره في المدينة، ولكن توسط كاتب السر ابن مزهر الأنصاري ، وما زال بالداودار حتى منع تشهيره، ولكن ذهبوا به وهو في الحديد إلى دار الأمير قنصوه ، وصار يباشر وظيفته وهو في الحديد ، وظل هكذا إلى أن أطلقه الداودار الكبير ليلة الأحد 19 صفر ، وسلمه لأخيه القاضى شرف الدين عبد الباسط، وتوجه إلى داره ليقوم بما عليه من المال. وبعد هذه الإهانة سعى مرة ثانية ليعود إلى وظيفته بعد أن عزل منها.

4 ـ بعدها ، وفي يوم الاثنين 12 ربيع الأول 877 خلع الداودار الكبير على أن البقري خلعه التشريفة وتولي وظيفة جديدة، ( والتزم بسداد الديون المفرد وعمارة البلاد بسعى منه)، ويقول مؤرخنا ابن الصيرفي معلّقا : (وما السعى في العكس إلا خسارة ) و( العكس ) فى مصطلح هذا العصر يعنى سوء الحظ.

5 ـ وفي شهر ذى الحجة 885 كانت محاسبة ابن البقرى على ما قبضه من البلاد وما قبضه من الخزانة يقول ابن الصيرفي " وحاسبوه حساباَ فتظلم منه، وأثبتوا في جهته أشياء ، فذكر أنها في البلاد وعينّها لهم ، فلم يوافقوه، وطلبوا منه مال السنة الجديدة ، فذكر أنه صرفه ولم ينته له أمر) ويعلّق ابن الصيرفى:( وهكذا كان يفعل بمن كان قبله فُفعل به ).وقد صدق مؤرخنا وهكذا كان يفعل بمن كان قبله ففعل به. كانوا يظلمون الناس في سبيل إرضاء السلطان، ثم لا يعصمهم ذلك من غضب السلطان ونقمته عليهم على أهون الأسباب.وهكذا كانت الدائرة تدور عليهم.

المباشرون أى كبار الموظفين وسرقاتهم من الشعب:

1 ـ "المباشرون" أى الذين يباشرون التعامل مع الشعب في الريف والمدن بالنيابة عن السلطة المملوكية الغريبة عن الشعب، وهم في مباشرتهم لجباية الضرائب والمكوس وفي مباشرتهم لأراضى الدولة وأراضى السلطان كانوا يسرقون الدولة وكانوا يظلمون الناس، وبينما كانت السلطة تتهاون معهم في أغلب الأحيان فيما يختص ظلمهم للناس فإنها كانت تضرب على أيديهم بقسوة حين تحاسبهم على ما لديهم من أموال، ورأينا نماذج من ذلك.

1 ـ وبينما اهتم مؤرخنا ابن الصيرفي بما يحدث لأولئك المباشرين من تعيين وعزل ومن مصادرة  وتعذيب ،  فإننا لا نعرف عن أحوال الضحايا من أجدادنا في الريف وفي المدن شيئاً إلا من خلال إشارات متفرقة بين السطور.

2 ـ في ترجمة الشيخ برهان الدين الحلبى (ت875) قال ابن الصيرفي أنه عندما مات ترك من الذهب النقد تسعمائة دينار ذهباً، وقيل أخذ الوزير سبعمائة دينار خالصة غير ما أخذه مباشروه من أرباب المواريث.

ومعناه أن السلطان أمر الوزير بمصادرة جانب كبير من تركة ذلك الرجل (برهان الدين الحلبى)، والسلطان بالطبع لا يعرف حقيقة تركته، أو الجانب الذى ينبغي مصادرته، وكل ذلك يخضع لتقدير الوزير، والوزير يجدها فرصة ليسرق ما يشاء لنفسه، ويجدها أعوانه أو مباشروه فرصة ليسرقوا هم أيضاً أنفسهم.

3 ــ وقد مرّ بنا أن الشيخ عبد الرحيم إبن البارزي عاد من سفره إلى القاهرة فهدده السلطان وقال "عند من يهرب منى؟ هذا هو وقع في القفص" وأدى ذلك التهديد إلى أن مات عبد الرحيم بن البارزى من خوفه من السلطان وذلك يوم الاثنين 9 ربيع الثاني 874. وذلك الرجل الذى مات خوفاَ من قايتباى لم يكن مظلوما بل كان من الظلمة الفجرة؛ كان يخاف السلطان ولا يخاف الله، ومع أن ابن الصيرفي كان من معارفه إلا أنه ذكر ما له وما عليه يقول فيه: ( وكان رحمة الله بشوشاً متواضعاً أصيلاً عريقاً زاهراً في مأكله وملبسه ومركبه )، ثم يقول عنه:( وكان عرياً عن العلم سيء المعاملة لا سيما ما يستحلّه من السوقة برسم المأكل ). فهذا الرجل البشوش المتواضع الأصيل العريق النظيف في تعامله مع أصدقائه من العلماء وأرباب الوظائف كان على نقيض ذلك في تعامله مع الناس الآخرين، إذ كان معهم سيء المعاملة لا يتورع من أكل أموالهم ظلماً. وما ذلك إلا لأنها الشريعة السّنية التى إعتادوا تطبيقها بحكم كونهم أرباب الوظائف، تعودوا أن يظلموا الناس الغلابة، ومهما كان أحدهم متواضعاً حسن الخلق مع أبناء طبقته إلا أنه يكون بحكم المنصب ظالماً لأنه يخدم دولة قام بنيانها على الظلم ، وقامت شريعتها على أساس ظلم الناس وظلم رب الناس .

وقديماً قالوا: الناس على دين ملوكهم.

4 ـ وفي ذى الحجة 885 اعتقل السلطان قايتباى الأمير المملوكى علاء الدين بن قمتي رأس نوبة الداودار الكبير، وذلك بعد موت الداودار الكبير. وقد كان على ذلك الأمير أموال ضخمة لديوان الدولة المفرد وذلك في إقطاعية شطنوف. وكان ذلك الأمير متمتعاً بحماية سيدة الدوادار الكبير أثناء حياته وظن أنه سيستمر في ذلك بعد موت الداودار الكبير، لذا امتنع عن تقسيط ما عليه من ديون للدولة بحجة ( أن الأرض التى لديه شراقي)أى بور.فلم يقبل منه قايتباى ذلك، وأمر باعتقاله. ويعلق ابن الصيرفي على ذلك قائلاً: (وذلك بعض ما يستحقه، فإنه من الظلمة المردة المتجبرين ). وهنا نتوقف مع العبارة الأخيرة. أين كان ذلك الأمير الظالم المتجبر يمارس ظلمه وجبروته؟. والجواب: عند أجدادنا في شطنوف.والتفاصيل علمها عند الله تعالى وحده.ولهذا فإن أجدادنا لم يقولوا عبثاً ذلك المثل الشعبي: لك يوم يا ظالم.!!. وكم عرف أجدادنا من وجوه الظلم تحت شعار الشريعة السّنية . وكم مرّ بهم من ملايين الظلمة على اتساع العمران المصري في الريف والمدن، وعلى امتداد التاريخ المصري ذى السبعين قرناً من الزمان حيث كان و لا يزال المستبد يحكم مستندا الى الكهنوت الدينى ورجال الدين ، لا فارق بين فرعون موسى وفرعون المماليك ..أو فراعنة العسكر المصرى الحالى ..أو فراعنة محتمل ظهورهم بعد وصول الاخوان المسلمين لحكم مصر..

ويا أيها المصرى المظلوم.إنى أحبك.ومع سبق الإصرار والترصد.

وسائل مصرية لمقاومة الظلم المملوكي:

1 ـ ولابد من أن نتساءل.. ألم تكن هناك وسيلة لمقاومة كل ذلك الظلم.؟.! .

والجواب: كانت هناك بعض الطرق الصوفية، نقصد بعض الوسائل الصوفية للتحايل لتوصيل كلمة حقّ إلى أسماع السلطان. كان التصوف السّنى هو نوعية التدين السائد في ذك الوقت. فالتصوف يعنى من حيث الاعتقاد الإيمان بالأولياء الصوفية وكراماتهم ، ومن حيث الشريعة كان تطبيق الشريعة السنية عن طريق فقهاء وقضاة المذاهب السنية الأربعة ، وهم كانوا عماد السلطة المملوكية والراقصين فى موكب السلطان ـــــ ولا يزالون .!!. ومن خلال التصوف وجد بعضهم طريقة أو أخرى للشكوى من الظلم،، مجرد شكوى. فذلك هو أكبير تعبير يسمح به التصوف في مقاومة الظلم.

2 ـ في يوم السبت 8 جمادى الثاني 873 تطوع أحدهم بتأليف كرامة صوفية ألقاها في روع أحد المماليك السلطانية المتيمين بالتصوف والمعتقدين في كرامات أوليائه . لنقرأ الحادثة كما أوردها ابن الصيرفي : ( ذكر شخص يسمي يوسف السيفي ليشبك الصوفي أحد المماليك السلطانية أنه وجد حصاة مكتوب على شقتها الواحدة "قرب الوقت" وعلى الشق الآخر "اعتبروا واتقوا الله" ، والخط نأتئ كالعروق بغير نقط ، ولون  الحصاة أسمر، وهو إلى الصغر أقرب ،والخط أعمق من لونها، ووزنها سبعة دراهم ونصف وربع درهم، وذكر يوسف المذكور أنه رآها تمشى على الأرض بالقرب من دار الضيافة من تحت القلعة، قال الجمال يوسف بن تغري بردي في تاريخه عندما ذكر هذه الحصاه :وأنا أستغفر الله وأقول أنها مصطنعة..).

 فالشيخ يوسف السيفي اختار المملوك يشبك الصوفي ليحكي له هذه الأسطورة ويقنعه بأنه كرامة، واختار ذلك المملوك لاعتقاده في التصوف إلى درجة أنه منسوب للتصوف:( يشبك الصوفي )، ثم هو في نفس الوقت أحد جنود السلطان أو أحد المماليك السلطانية. وبراعة الشيخ يوسف السيفي في تأليف هذه الكرامة في أنه يدعي أن تلك الحصاة كانت تحمل تحذيراً من الظلم ودعوة للتوبة لأن القيامة قد أوشكت. ثم ـــ وهذا هو الأهم ـــ كانت تلك الحصاة تسير بهذا التحذير إلى السلطان نفسه، فقد رأها تمشى على الأرض بالقرب من دار الضيافة من تحت القلعة. ونقول : كان الأولى به أن يدعها تكمل مسيرتها للسلطان، وربما كان الأفضل أن يستدعي شهوداً على هذه الكرامة ويجمع الناس خلف تلك الحصاة التى تدب على الأرض،  ويظل الجميع خلفها إلى أن تدخل على السلطان بذلك التحذير..فساعتها يكون التحذير أوقع وأشد.!! ويبدو أنّ مؤرخنا ابن الصيرفي ــ وهو رشيق الثقافة متأثر جداً بالتصوف ـــ قد صدّق تلك الأسطورة، لذا نراه يأتي بالوصف التفصيلي للحصاة والمكتوب عليها. وفي نفس الوقت فإن أبا المحاسن (جمال الدين يوسف بن تغري بردي) المؤرخ لم يصدق تلك الحكاية واعتبر أن تلك الحصاة مصنوعة واستغفر الله تعالى من ذلك الإفك. ولكنها في النهاية محاولة للشكوى من الظلم.. ولكن كنا ننتظر أكثر من ذلك.. وحدث.

3 ـ فقد خاطر أحدهم بنفسه وواجه السلطان ببعض المظالم التى تحدث في عهده، ولأنه يعرف اعتقاد السلطان والناس كلهم في المجاذيب فقد ادعي أنه مجذوب حتى تكون له حرية القول كيف يشاء، ولا بأس بعد ذلك الجذب أن يقول للسلطان قولاً لينا لعله يتذكر أو يخشى، ولكن انتهى به الحال إلى ( مستشفي الأمراض العقلية). يقول ابن الصيرفي في حوادث شهر ربيع الأول 877 : ( وفي هذه الأيام وقف شخص متمجنن ( أى يزعم الجنون ) تحت القلعة ومشى على الناس، ( أى صدّقه الناس)، وقيل أنه صعد السلطان وقال له، أنت سلطان عادل غير أنك عندك حب الدنيا وأسألك أن تطلق هؤلاء الذين يستعطون في الجنازير ويأخذ الوالى منهم جميع ما يحصل لهم هو أتباعه، وأربد أن أجتمع بالعلماء وأتكلم معهم ،وما أشبه ذلك من هذه المقولات، فرسم له بمبلغ فلم يقبله، وتكرر وقوفه تحت القلعة وإساءته ، فسمعه الأمير عظيم الدنيا ( أى يشبك من مهدى الداودار الكبير ) فطلبه لبيته وضربه وسجنه صحبة المجانين بالبيمارستان المنصوري ). صاحبنا لم يكن مجنوناً، وإنما ادعى الجنون، أو على حد تعبير مؤرخنا "متمجنن".وقد مشى على الناس أى راج أمره بينهم، فالعصر كان عصر التصوف، وكان لدى الناس استعداد تام للاعتقاد في أى مجذوب، وبهذه الحيلة تمكن صاحبنا من أن يحظى بالدخول على السلطان والكلام معه، وقد بدأ بمدح السلطان ونقده في نفس الوقت "أنت سلطان عادل غير أنك عندك حب الدنيا" ثم سأله في موضوع مشين في حق السلطان وقد عجز السلطان نفسه في إصلاحه رغم سهولته، وهو استخدام المساجين في التسول وفرض حصيلة يومية عليهم يؤدونها للوالى وأتباعه، وسبق لنا أن عرضنا لضحايا هذا الظلم الشنيع، ثم تطرف صاحبنا المجذوب فطلب الاجتماع بالعلماء، ولعله كان يريد تأنيبهم على سكوتهم على ذلك الظلم، وأراد السلطان أن يشترى سكوت ذلك (المجذوب) الشجاع فأمر بإعطائه مالاً ولكنه رفض فطرده، ولم ييأس صاحبنا فظل يقف تحت القلعة ينادى وانتهى أمره بأن ضربه الداودار الكبير وسجنه مع المجانين. وكل عام وأنتم بخير.!!

وابن الصيرفي باعتباره أحد القضاة والعلماء لا يعجبه ما حدث ، فهو يقول عن مثابرة ذلك الرجل الشجاع في إيصال صوت الحق للسلطان "( وتكرر وقوفه تحت القلعة وإساءته...) ، أى اعتبر الجهر بالحق إساءة.

ومع أن الله سبحانه وتعالى لا يحب الجهر بالسوء من القول إلا إذا صدر عن مظلوم ولكن كان مطلوباً من أجدادنا ـــ طبقا لشريعة السّنة ـ أن يتحملوا العذاب وأن يغنوا للجلاد ، وإلا أساءوا الأدب على الأسياد. وهذه هى وجهة نظر مؤرخنا القاضى الذى يقوم بتطبيق الشريعة ..شريعة الظلم التى تمنع المظلوم من الصراخ ، بل تمنعه من الشكوى حتى لا يزعج الظالم . هذا دين أرضى لا يستحق الاحترام .!.

4 ـ وقد نتساءل.. مع كل هذا الظلم.. ألم يفكر المصريون بثورة ترفع لواء الإسلام ، وهو فى الأصل دين العدل والقسط ؟ . وقد يتساءل آخر.. ألم تكن هناك جماعات دينية وتنظيمات سرية لاقامة حكم يرضى عنه الله.؟  والجواب بسيط ومؤلم.!! مستحيل .. فالسلطان كان أشدهم تديناً. وهو الذى يطبق الشريعة السّنية ، وأعوانه من العلماء ورجال الدين، ومنشآت العصر كلها مدارس وخوانق ومساجد وجوامع لتدريس العلوم الدينية الشريفة، والخليفة العباسى يعيش في كنف السلطان، وقضاة الشرع الشريف هم أكثر من يعبر عن تلك المسحة الدينية ، وهم قضاة ( الشرع الشريف ) بزعمهم . أى سحب السلطان البساط من تحت الذين قد يزايدون عليه بالدين..

5 ـ وندخل بذلك على الفقهاء والقضاة أرباب الوظائف الدينية بعد ان عشنا مع أرباب الوظائف الديوانية . وجميعهم أحذية السلطان المملوكى وخدمه ..!!

اجمالي القراءات 11083

للمزيد يمكنك قراءة : اساسيات اهل القران
التعليقات (2)
1   تعليق بواسطة   أحمد سليم     في   الخميس ٢٣ - أغسطس - ٢٠١٢ ١٢:٠٠ صباحاً
[68546]

هذا هو حالنا اليوم والغد

" عجبت لك أيها فلاح الذى تشق بطن الأرض بفأسك ولا تشق بطن ظالمك "


" فمالك ترضى بذل القيود وتحنى لمن كبلوك الجباه "


" إرفع رأسك يااااااااااااااااااا أخى "


واليوم تعيد أستاذنا إنتاج  هذه الحكم التى عبر بها المفكرون والثوار عن حال الوطن فى عصورهم  فى هذه المقالات وتعيد توصيفها  وهى تعبر عن حالنا اليوم وأخشى ألا يكون معبرا عن الغد 


وتصور  فى موسوعة " الإنسان والأرض "  ـ الجزء الثانى ـ الفرنسية الصادرة عام 1905   L  Homme et la Terre وحقوق الطبع فى الولايات المتحدة  لـ  ELISEE  RECLUS فإن الصورة الت نشرتها لتعبر عن الحضارة المصرية هى  مجموعة من الفلاحين المقهورين مطأطيىء الرأس يحفرون الأرض ويزرعون النباتات  بال  " معوقة  " القديمة وامامهم عبدا بالكرباج مقرفص ينتظرهم ويقودهم   صفحة 127 فى هذه الطبعة  


واخشى ألا تكون الثورة قد تغيرت 


رحم الله مصر من كل الظالمين المحليين والمرتبطين  بالرأسمالية العلمية والصهيونية قديما وحديثا وغدا والان  الان الان 


2   تعليق بواسطة   لطفية سعيد     في   الخميس ٢٣ - أغسطس - ٢٠١٢ ١٢:٠٠ صباحاً
[68549]

خفيف الظل ، ولكن فيه تعصب للقضاة

السلام عليكم ، كل عام وانتم بخير يا دكتور والأسرة الكريمة ، من قراءتي للمقال ألاحظ أن ابن الصيرفي كان خفيف الظل ، وهذا يظهر في : "ـ ويقول ابن الصيرفي عن أول أعمال قاسم جغيته: ( وفي الحال شمّر قاسم جغيته ساعده في قطع رواتب العسكر والأجناد ممن له زيادة على عادته وكلهم معه زيادة


وأما المتعممون ( أى الفقهاء والشيوخ ) فشنّع فيهم ( أى تطرّف فى قطع أرزاقهم ومرتباتهم ) وقطع ما باسمهم، وليتهم سلموا من المطالبة بما تناولوا قديماً، ووقع الترسيم ( أى الاعتقال ) على جماعات منهم وألزموا بأموال جمة ، وهرب خلق كثير من أولاد الناس والخدام وغيرهم.). وكان هذا على هوى الوزير فاسم جغيته لأنه سينال فرصة للإنتقام من خصومة ، وللسرقة ، حيث كان من المعتاد أن يسرق من يقوم بالمصادرة جزءا من المال والمنهوبات يخفيها عن أعين السلطان.


وكذا في :


: "  ـ وكان قاسم بجانب هوايته في قطع الأرزاق  "


 ولكن مع خفة الدم هذه  ، كان  ينتصر للقضاة بصفته  قاضيا يمل من كثرة المطالبة بالحق  ، وكان الأولى به أن ينتصر للمظلوم ،   اتباعا للمثل القائل : " ما ضاع حق وراءه مطالب " 


أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق
تاريخ الانضمام : 2006-07-05
مقالات منشورة : 5111
اجمالي القراءات : 56,689,120
تعليقات له : 5,445
تعليقات عليه : 14,818
بلد الميلاد : Egypt
بلد الاقامة : United State

مشروع نشر مؤلفات احمد صبحي منصور

محاضرات صوتية

قاعة البحث القراني

باب دراسات تاريخية

باب القاموس القرآنى

باب علوم القرآن

باب تصحيح كتب

باب مقالات بالفارسي