معاناة أهل الريف في ظل تطبيق الشريعة السنية فى عصر السلطان قايتباى

آحمد صبحي منصور Ýí 2012-09-29


 

كتاب ( المجتمع المصرى فى ظل تطبيق الشريعة السنية فى عصر السلطان قايتباى):دراسة فى كتاب ( إنباء الهصر بأبناء العصر ) للمؤرخ القاضى ابن الصيرفى .

الباب الأول :طوائف المجتمع المصري في ظل تطبيق الشريعة السنية فى عصر السلطان قايتباى

الفصل الخامس عشر : معاناة أهل الريف في ظل تطبيق الشريعة السنية فى عصر السلطان قايتباى

المزيد مثل هذا المقال :

مكانة أهل الريف عند المماليك:

طبقا للشريعة السّنية فى العصر المملوكى كان الفلاح المصرى فى درجة الرقيق؛لا يستطيع مفارقة الأرض أو ما يعبر عنه بالفلاح القرارى أى المستقر في الأرض مثل الدواب، وكان الفلاح في الاقطاعات المملوكية عبداً لصاحب الإقطاع إلا أنه لم يكن يباع أو يشترى بل هو رهين الأرض هو وأولاده، ومن كان يهرب من الفلاحين من الأرض كانت السلطات تعيده إلى الفلاحه ويلزم "بشد الفلاحة" ويتعرض للعقوبة الشديدة هو من سهّل له الفرار أو آواه. وكان الفلاح يتمنى أن يهرب إلى المدن حتى يرتفع إلى درجة العوام أو حرافيش القاهرة مع المكانة المتدنية للعوام فى القاهرة ، بدليل أن الناصر محمد بن قلاوون منع أثرياء العوام القاهريين من اقتناء العبيد حتى لا يتشبهوا بالسادة من المماليك وأرباب الوظائف، فأمر حاجبه بأن ينادي بألا يباع مملوك تركي لعامي ومن كان عنده مملوك فليبيعه ومن عثر عليه بعد ذلك عنده مملوك فلا يلومّن إلا نفسه.!. كانت منزلة الفلاح أسوأ، فلم يستسغ السلطان صالح القلاوونى أن يركب الفلاحون الخيول أو يشتروها، فأمر سنة 754 بأن فلاحاً لا يركب فرساً ولا يشترى فرساً. وكانت هذه فكرة عامة عن نظرة المماليك لأجدادنا أهل الريف.

إرهاب المماليك للفلاحين:

1 ــ ومع الطبيعة المسالمة للفلاح المصرى وشهرته بالصبر على الظلم ومعايشته له بالتى هى أحسن ، ومع إدراك المماليك أنه لا خوف عليهم من ثورة الفلاح المصرى مهما إستطالوا عليه بالظلم إلّا أنّ المماليك كانوا يتفننون في إرهاب الفلاحين ليضمنوا تسخيرهم في الأرض بلا شكوى،وحتى يستمر الفلاّح فى إمداد مصر بقوتها اليومى بالعصا والتعذيب . يقول المقريزي عن الأمير أيدمر الشمسي سنة 702 الذى تولى الشرقية والغربية: ( أنه كان يعذب أهل الفساد بأنواع قبيحة من العذاب منها أنه كان يغرس خازوقاً ويجعل رأسه قائماً وبجانبه صار كبير يعلق فيه الرجل ثم يسقطه فيسقط على الخازوق فيدخل فيه الخازوق ويخرج منه، ولم يجرؤ أحد من الفلاحين بالغربية والشرقية في أيامه أن يلبس مئزراً أسود ولا يركب فرساً ولا يتقلد سيفاً ولا يحمل عصا مجلبة بحديد. ). ( أهل الفساد ) فى تعبير العصر هو الثائر على المماليك بالحقّ أم بالباطل . كان مصيره تعذيب هائل ، ويتم هذا التعذيب أمام أعين الفلاحين لارهابهم .

2 ــ حتى إذا جئنا إلى عصر قايتباى وجدنا المماليك يتنافسون مع الأعراب في إيذاء الفلاح وتدمير بلاده. ومؤرخنا المصري مولداً ونسباً المملوكي هوى وتعصباً ابن الصيرفي أشار بين سطور كتابه لبعض أحوال أجدادنا في الريف في سياق كلامه عن تحركات أسياده المماليك، ونعرض لبعض هذه الأخبار لنتحسس منها بعض أحوال أجدادنا الغلابة.

3 ــ في يوم الخميس 13 ربيع الثاني 873 عين السلطان الأمير سودون الأفرم كاشفاً للشرقية وعير الأمير تمراز الأشرفي كاشفاً للغربية.وفي يوم الخميس 21 جمادى الأول 873 سافر الأمير تمراز إلى الغربية ومعه تجريده لردع المفسدين من الأعراب وكشف أحوال الجسور، وتوجه للمحلة وأقام بها.وفي شهر جمادى الآخرة فشا الطاعون في البحيرة والغربية. أى كان قدم الأمير تمراز مبشراً بالطاعون، وربما حمله معه من القاهرة إلى أجدادنا في الوجه البحري.

4 ــ وفي شهر ذى الحجة ولى السلطان الأمير برقوق الناصري أحد مقدمي الألوف كشف الشرقية ( الكاشف يعنى المحافظ فى عصرنا ) وتوجه برقوق للشرقية وأقام له نائباً يسمى جانم، فمهّد البلاد وقمع المفسدين من الأعراب. وفي يوم السبت 5 محرم 874 أرسل برقوق الناصري كاشف الشرقية للسلطان 130 من فرسان الأعراب بعد أن وسّطهم وأرسل عدداً منهم معتقلين في الحديد. وفي يوم السبت 19 محرم 874 أرسل برقوق الناصري تسعين رأساً من الخيول العربية للسلطان فأهدى منها السلطان إحدى وعشرين للداودار الكبير، وكانت الشرقية ــ  ولا تزال ــ تشتهر بالخيول العربية الأصيلة. ونظزاً لكفاءة الأمير برقوق الناصري في ولايته على الشرقية فقد رقاه السلطان ليكون والياً على الشام وصدر القرار بنيابته على الشام يوم الخميس 19 صفر 875، يقول ابن الصيرفي : ( وأعجب من هذا أنه نقل من كشف التراب بالشرقية إلى نيابة الشام.) أى إنتقل من منصب محافظ الشرقية الى منصب والى الشام .

5 ــ ونعود إلى الأمير تمراز الشمسي وهو بالمناسبة ابن أخت السلطان قايتباى لنرى مؤرخنا ابن الصيرفي يؤرخ حضوره للقاهرة يوم الاثنين 19 ربيع الثانى 875 وقد انتهى من عمارة الجسور فخلع عليه السلطان وأكرمه وأوكب له موكباً عظيماً وزاره الأعيان والأمراء.

6 ــ وبعد وصول تمراز الشمسي واستقراره في القاهرة عيّن السلطان مكانه في كشف الغربية علاء الدين ابن زوين، ويبدو أن ابن زوين أراد أن يجتهد في مطاردة الأعراب ليحظي عند السلطان كما حظى الأمير برقوق الناصري الذى كافأه السلطان على جهوده في الشرقية بتعيينه نائباً له على الشام، لذا وصل ابن زوين للقاهرة ومعه رؤوس لأعراب مقطوعه ومعه أحد كبار الأعراب وهو عبد القادر بن حمزه وقد سلخه ابن زوين وحشى جلده قطناً وأشهرهم في القاهرة في طريقه ليعرضهم على السلطان، واتفق من سوء حظه أن ذلك الشخص المسلوخ عبد القادر بن حمزه الأعرابي كان لا يزال به رمق وهو من أصدقاء الأمير تمراز الشمسي، وتصادف أن رآه تمراز الشمسي وهم يشهرونه في الشوارع فغضب الأمير تمراز وتدخل لإنقاذ صديقه المسلوخ فزاحمه بعض مماليك الدوادار الكبير ممن كانوا في الموكب فاشتد غضب تمراز وضرب المماليك بالدبوس، وكادت تحدث فتنه  لولا تدخل الأمير جانبك قلقسيز.

7 ــ وصار ابن زوين يتحكم في الغربية كيف شاءت له شريعة عصره السّنية. وحدث يوم السبت 17 جمادى الآخرة 876 أن وقف جماعة من فلاحى المحلة للسلطان يشكون له من ظلم ابن زوين، يقول مؤرخنا القاضى المملوكي عنهم :( وتكلموا ما لا يليق وطُلب منهم بينة فأجابوا أن ما لهم بينة ، فضربوا على أكتافهم ،وانصرفوا.).!!. كانوا فلاحين غلابة لا يعرفون الاتيكيت في خطاب الملوك ولا يعرفون أصول النفاق في الحديث فتكلموا بصراحة عن أوجاعهم، ولم يعجب ذلك مؤرخنا فقال عنهم أنهم تكلموا بما لا يليق، وهل هناك متسع في صدر المظلوم لكى يشدو بألحان سارة أمام الظلمة ليسعدهم بما يليق.ولأنهم فلاحون قليلو الحيلة فلم يجدواً من يشهد معهم أو ينصرهم أو يعطيهم بينة، وكيف لهم أن يحصلوا على بينة وهم أميون لا يعرفون القراءة والكتابة، لذا استحقوا في النهاية أن يأخذوا طريحة على أكتافهم وينصرفوا بالسلامة.

وكل عام وأنتم بخير..

8 ــ إلا أن الشكاوى توالت من ظلم ابن زوين . وفي نوبة العدل والإنصاف التى أصابت السلطان حين برم بإنحلال قضاته وتصدى وحده للقضاء، وقتها كان ابن زوين زبوناً مستمراً في قفص الاتهام أمام السلطان.

وفي يوم الأربعاء 17 رجب 876 صادر السلطان ممتلكات ابن زوين التى نهبها من الفلاحين وغيرهم ، وأحضروها لقايتباى فأخذ ( أحسن ما فيها لنفسه ورد عليه أخس ما فيها.).وكان السبب في نكبة ابن زوين أحد أتباعه الذى ضربه ابن زوين وأهانه وأذلّه فعرف كيف يتصل بالوزير ابن غريب ويحسّن للسلطان مصادرة ممتلكات ابن زوين.

9 ــ وكان كشف الوجه القبلي تابعاً للداودار الكبير يشبك بن مهدي، وكان من ضمن ألقابه "ملك الأمراء بالوجه القبلي والوجه البحري" وكان الداودار الكبير يسافر في حملات روتينية للصعيد يقمع فيها ثورات الأعراب ويستولى لنفسه وللسلطان على خيرات الوجه القبلي ويعود بها للقاهرة. وفي يوم الاثنين 7 محرم 874 وصل الداودار الكبير من الوجه القبلي وصعد السلطان فخلع عليه . وفي يوم الثلاثاء 8 محرم 874 وصل إلى الوجه القبلي من عند ابن عمر هدية السلطان وهى 200 فرس ليعينهم السلطان قائمين على جباية الخراج.وحضر شخص من شيوخ الصوفية فى الوجه القبلي إلى الداودار الكبير وسأله في إطلاق شخص من أولاد ابن عمير كان محبوساً فأطلقه الداودار إكراماً لذلك الرجل. وسافر الداودار الكبير في حملة للصعيد يوم السبت 26 محرم 874، ووصلت الأخبار من الوجه القبلي أن القمح وصل ثمنه بها إلى 600 درهم الأردب وأنه عزيز الوجود وأن الوباء انتقل من البقر للبشر، وبدأ تحرك الداودار للسفر للصعيد يوم الثلاثاء 28 محرم 874، ووصل إلى منفلوط . ووصل الخبز بذلك يوم الجمعة 26 صفر، وأخبروا أن الحملة كابدت مشقة زائدة وغرق للدودار مركب قمح فيها 3 ألاف أردب، ثم بعث الداودار يخبر السلطان بأن الأعراب في الصعيد يرفضون تأدية الخراج وأن البلاء عمّ البلاد والعباد.ثم قدم الداودار من الصعيد فوصل القاهرة يوم الاثنين 24 شعبان 874 بعد غياب استمر سبعة شهور، وصعد السلطان فخلع عليه السلطان، وكلن له موكب عظيم، وقدّم الداودار هدية للسلطان من خبرات الصعيد الذي يعانى المجاعة. وكانت هذه الهدية 200 ألف دينار نقداً وعشرين ألف أردب شعير وغير ذلك.

وهذا أكثر مما كان يطمع فيه الأعراب.فكلا الفريقين ( المماليك والأعراب ) يتنازعون من أجل استنزاف دماء المصريين وخصوصا الفلاحين ، وكذلك كانوا يفعلون. إلا أنه ــ والحق يقال ــ فالمماليك كانوا أكثر حرصاُ من الأعراب على بناء الجسور والسدود وشق الترع، وذلك لأنهم كانوا القائمين في الحكم فعلاً، أما الأعراب فقد برعوا في التدمير والسلب والنهب.

إصلاحات قايتباى للريف:

1 ــ في يوم الثلاثاء بعد العصر 21 صفر 877 يروى مؤرخنا أنه ركب السلطان من قلعة الجبل، وتوجه للقبة ( قبة الأمير يشبك الداودار الكبير ) التى بالمطرية ( ومكانها الآن ميدان حدائق القبة ) وتوجه منها للقرين في الشرقية، وكان قد أنشأ هناك حوضاً وسبيلاً. ثم وصل الخبر للقاهرة عن السلطان أنه توجه على جسر بلبيس وأهان كاشف بلبيس وحثّه على عمارة الجسور ، وتوجه نحو شبين وغيرها ، ( لعمل مصالح الجسور والعباد وإزالة الظلم والفساد )على حد قول مؤرخنا.والأمير تغري بردى الذى تولى الاستادارية الكبري بعد موت الداودار الكبير طلع السلطان يوم الاثنين 13 ذى الحجة 885 ومعه جماعة من الفلاحين وشاوره عليهم في عمل مصالحهم فأجاب سؤاله.

2  ــ ويحق لنا حين تقرأ هذين الخبرين اليتيمين في تاريخ الهصر أن نستبشر خيراً ونتأكد من أن السلطان كان مع عسفه وطمعه يهتم بتسمين البقرة من أجل مصلحته هو لا من أجل البقرة بالطبع . فالفلاح المصري كان دودة الأرض يلتصق بترابها يعمل ويكد ثم يتحول فيها إلى شرنقة ترابية تزيد خصوبة الأرض وخيراتها ليأكلها الظلمة الوافدون.

قايتباى يتنزه في الريف ويزيد من معاناة أهله:

1 ــ وكان السلطان قايتباى مغرماً بالتنزه في الريف، وكان الريف يدفع ثمن هذه الهواية، وقد تقترن إحدى النزهات بإحدى المهام السلطانية مثل التفتيش على الجيش أو للاطمئنان على أحوال البلاد وتنمية البقرة الحلوب لامتصاص أكبر قدر من خيرها. في يوم الأحد 16 ذى القعدة 873 يقول مؤرخنا ابن الصيرفي ( ركب السلطان من قلعة الجبل وسافر لجهة البحيرة على حين غفلة ولم يعلم أحداً بنزوله ولا بسفره إلا بعد عشاء الآخرة، فعدي النيل بعد العشاء من بولاق وسافر من فوره، وصار الخلق يتبعونه أفواجاً أفواجاً وأرسالاً أرسالاً.. واستمر السلطان سابقاً بعسف وسوق وسرعة.. حتى وصل إلى النجيلة حيث أقام عظيم الدنيا يشبك بن مهدى فدخل عليه ليلاُ وهو نائم على غفلة ، فذعر الأمير يشبك المذكور لما رآه ، ثم سكن خبره ، وأقام عنده يومين ، وتوجه إلى جهة الغربية ، وقدمت له التقادم ( أى الهدايا ) فقبلها ، وأقام دون الثلاثة أيام ، ثم رجع إلى جهة الشرقية.). وبينما أسهب مؤرخنا في وصف سير السلطان في الريف فإنه أشار إشارة موجزة إلى قبوله للهدايا أو التقادم، وكانت هذه الهدايا مصادرات من عرق الفلاحين ودمائهم.

ولم يكتف مؤرخنا بهذا الإغفال المتعمد لتلك المصادرات التى يقوم بها السلطان بسيف الحياء وإنما أورد رأى المؤرخ جمال الدين أبى المحاسن وتولى الرد عليه لأنه انتقد السلطان وما فعلته رحلته تلك بالريف. يقول مؤرخنا الخائب المنافق:(  وقال الجمال يوسف بن تغري بردى المؤرخ في تاريخه: ولم يظهر لسفره في هذه الأقاليم الثلاثة نتيجة بل شمل الخراب غالب قراهم من النهب والكلف ولم يفتكوا بمفسد ولا ردعوا قاطع طريق بل كان دأبه أخذ التقادم (الهدايا) والانتقال من بلد إلى آخر من غير فائدة بل الضرر الشامل، فلما علم المفسدون منه ذلك طغوا في الناس وزاد شرهم وقطعوا الطريق وأخافوا السبيل ، حتى أن بعضهم كان يفعل ذلك بقرب وطاق السلطان مع بعض حواشيه وأعوانه، وهو فيما هو فيه ، فوقع بذلك غاية الوهن في المملكة ،وقاسي الناس من ظلم العرب (الأعراب) لهم وقالوا "إذا كان السلطان ما زال ذلك عنا فمن بقي يزيله"). ويقول مؤرخنا بالرد على جمال الدين أبى المحاسن والدفاع عن السلطان: ( قلت : هذا الذى ذكره الجمال مردود من وجوه: لأن السلطان نصره الله إذا توجه بنفسه إلى بلد ضرورة أن أهل تلك البلاد من المفسدين وغيرهم يفرون منه، فإن الكاشف أو الوالي إذا قصدهم يفرون منه فضلاً عن السلطان، بل سفره طمّن البلاد والعباد نصره الله . )  ثم يقول ( وطالت إقامة السلطان نصره الله بالشرقية.)

وحلّ عيد الأضحى بالقاهرة والسلطان لا يزال في الريف، ويعبر مؤرخنا المنافق عن شعوره باللوعة بوجود السلطان بعيداً عنه فيقول : ( وكان هذا العيد أشبه الأشياء بالمآتم لما طرق الخلق من الحزن والكآبة وقبض الخاطر وافتقر بسبب هذا الغلاء خلائق من الأعيان وغيرهم لطول مكثه ( أى السلطان ) بالديار المصرية ( أى الريف) ) وذكر ابن الصيرفى رأى المؤرخ جمال الدين أبى المحاسن : ( وقال الجمال يوسف بن تغري بردي المؤرخ في تاريخه "هذا والسلطان دائر بتلك الأقاليم في هوى نفسه وأنه أخذ الأموال والتقادم من الناس حتى من كبار فلاحى البلاد ، ويتوجه بنفسه إليهم حتى يأخذ تقدمتهم، ولم يكن في سفرة السلطان هذه مصلحة من المصالح ، بل المضرة الزائدة ولاسيما على الفلاحين وأهل القري، فإنهم شملهم ضرر الأعوان والضربة لأخذ الأحطاب، وكانوا إذا لم يجدوا حطباً أخذوا أبواب البيوت ، وفعلوا ذلك بغالب الأرياف والطواحين ، وبالغوا حتى قالوا فعلوا ذلك بأبواب المساجد.).! ولم يتحرك وجدان ابن الصيرفي لهذه الأخبار التى أوردها المؤرخ أبو المحاسن المملوكي الأصل والتى استقاها من أصدقائه من داخل المجتمع المملوكي نفسه، ولم ينف ابن الصيرفي هذه الأخبار وإنما انطلق يقسم بالله كاذباً ــ  وهو القاضى ــ في غمرة دفاعه المقيت عن سلطانه قايتباى يقول ردا على المؤرخ أبى المحاسن:( قلت: أقسم بالله لولا وجود هذا السلطان نصره الله في الوجود وحرمته التى ملأت الأقطار والأمصار ودوسه ابلاد وإرساله التجاريد ويقظته التامة لرأى الناس والعياذ بالله الموت عيانا".)..

ومات المؤرخ أبو المحاسن بن تغري بردي سنة 874 فحرمنا من أخباره ونقده للسلطان وانفرد مؤرخنا ابن الصيرفي بالساحة يسجل الأحداث بالطريقة التى تحلو له في دفاعه عن سيده السلطان، ومن ذلك أنه يروى نزهة للسلطان قام بها يوم الجمعة 10 ربيع الأول 875 وذكر ما استهلكه السلطان من هدايا، ولم يذكر بالطبع ما ارتبط بذلك من ضرر ونهب للفلاحين.يقول مؤرخنا : ( وكان السلطان نصره الله عزم في يوم الجمعة ـــ الذى هو العاشرـــ أن يتوجه إلى خليج الزعفران ويقيم به ثلاثة أيام للتفرج والتنزه، وجهز له المقر الأشرف الكريم العالم أمير داودار الكبير ـ دامت سعادته يشبك من مهدى ــ من الأغنام المعاليف (أى السمينة ) عشرين معلوفاً سعر سبعة دنانير الواحد ومن البداري خمسون بدرياً ومن الحلوى ثمانية قناطير ومن السكر ستة قناطير ومن الأرز والدجاج المعلوف ما قيمته مائة دينار وغير ذلك. وجهز المباشرون تقادمهم من سكر وحلوى وفاكهة وأرز ودجاج وغنم ومعاليف، وجهز أيضاَ المقر الزينى أبو بكر بن المقر المرحوم الزينى عبد الباسط عشرين معلوفاُ وفاكهة وحلوى وسكراً، فاقتضى الحال أن السلطان ركب يوم الجمعة بكرة النهار فسيرَّ ورجع إلى القلعة وبطل الفرجة.). فأرباب الوظائف وهم أرباب الظلم جهزوا للسلطان كل هذه الأطعمة من عرق الفلاح المصري الذى لم يتخيل حتى في الأحلام أن تؤخذ له صورة بجانب تلك الأكداس الشهية التى يسيل لها لعاب عدة بلاد من الفلاحين الجوعى. وعاد السلطان إلى نزهته تلك يوم الثلاثاء 14 ربيع الأول وظل فيها إلى يوم الجمعة 17 ربيع الأول حيث عاد للقلعة وصلى الجمعة بها بعد أن ذبحت له الذبائح من الأبقار المسمنة والأغنام المعاليف والحلوي والسكر والفاكهة، على حدّ قول مؤرخنا الذى يذكر ( وحتى من جملة ما صرفه عظيم الدنيا الداودار الكبير حفظه الله ألف دينار وقس على هذا المباشرين بأجمعهم، غير أن شخصاً مسجوناً بسجن الجرائم مشهوراً بالأذى والنحس كان قبض عليه من مدة فهرب من السجن ثم حصِّل ( أى قبضوا عليه) فرسم السلطان بكحل عينيه.).!.فالسلطان ذبحوا له الذبائح المسمنة مع الحلوى والسكر والفواكه وكان وقتاً سعيداً عند مؤرخنا ابن الصيرفي أن يتمتع السلطان بكل ذلك لولا أن شخصاً هرب من السجن ثم اعتقلوه وأمر السلطان بكحل عينيه بالحديد المحمى بالنار حتى فقد نظره كي لا يستطيع الهرب، ونقم مؤرخنا على ذلك السجين الهارب لأنه عكر صفو الحفل بهروبه وما كان ينبغى له أن يفعل حتى لا يتعكر مزاج السلطان ومؤرخه ( الملّاكى ) ابن الصيرفي.

الأعراب الذين يسرقون الريف بمباركة المماليك:

وكان الأعراب الثائرون على قايتباى يطمحون في التمتع مثله بخير الريف، وينكرون عليه أن يستأثر من دونه بذلك. وبعض الأعراب كان أبعد نظراً فتحالف مع السلطان وعمل في خدمته فكان يسلب الفلاحين باسم السلطان مثل باقى أرباب الوظائف والكشاف، أى حكام الأقاليم، وأولئك الأعراب الذين يسرقون الفلاحين بمباركة السلطان كان السلطان يزورهم في أماكنهم ليشاركهم الغنائم ويأخذ منهم التقادم والهدايا.

فى يوم السبت 21 شعبان 876 ركب السلطان من قلعة الجبل وتوجه إلى الجيزة لخيوله وعزم عليه ابن برقع شيخ عرب اليسار ( وصنع له مدة عظيمة) أى مأدبة ( من أغنام ودجاج وغير ذلك ).: وأين للأعراب من تربية الدجاج وإقامة المآدب السلطانية.. انه دم الفلاحين.. أجدادنا المساكين.

ونعود للشيخ القاضى المؤرخ ابن الصيرفي.يقول عن السلطان وابن برقع : ( وبات عنده وأصبح فتوجه إلى أوسيم لضيافة ابن شقير فلم يستطع للماء الذى في الطريق فرجع وعدى من أنبوبة ( أى إمبابة) ورسم للأمراء أن يرجعوا إلى أماكنهم وتوجه إلى العباسة (بالشرقية) ، فصنع له ابن شعبان ضيافة عظيمة إلى الغاية والنهاية ، واستمر مقيماً بالعباسة. ) ولو كان المؤرخ أبو المحاسن حياً  لوصف لنا  كيف دار أعوان أولئك الأعراب على بيوت الفلاحين يسلبون منها الأبقار والأغنام والدجاج ولزوم المأدبة السلطانية. والسلطان الورع وهو يلتهم الدجاج والأغنام وغيرها لم يفكر في خراب البيوت الذى أحدثته تلك الولائم.

أرباب الوظائف ونهبهم للريف:

وكان السلطان يعلم أن أرباب الوظائف في الريف يعيشون على ظلم الفلاحين، ولم يكن يتدخل السلطان إلا لتحقيق مصلحته في ذلك، سواء كانت مصلحة سياسية للدولة أو مصلحة شخصية للسلطان. كانت الأوقاف تسيطر على شريحة كبرى من الأطيان الزراعية، وارتبطت إدارة أراضى الأوقاف بالعسف الزائد والخراب، وقلّما كان يتدخل السلطان إلا إذا كان له في تدخله غرض، كأن يكون ناقماً على ناظر الأوقاف. وذلك ما حدث يوم الثلاثاء 26 ربيع الأول 874 حين عقد السلطان مجلساً في القلعة لمحاكمة نقيب الأشراف وأخيه لأن الأشراف شكوهما ( أنهما أخربا البلاد )الموقوفة على الأشراف . يقول مؤرخنا ( وغضب السلطان نصره الله من نقيب الأشراف وحطّ عليه ونقم عليه سوء مباشرته في بلاد الوقف وعدم التساوى بين المستحقين في النفقة. )، وتعجب ابن الصيرفي من فعل السلطان ذلك بنقيب الأشراف مع الصلة القائمة بينهما من سنين، وكان أولى بابن الصيرفي أن يسأل نفسه لماذا احتدّ السلطان كل هذه الحدّة على هذا الناظر للوقف بالذات دون غيره من نظار الوقف في سائر البلاد؟ ولماذ احتدّ السلطان على هذا الناظر للوقف مع أنه يعرفه من سنين، وسكت عن إنحراه طيلة تلك السنين ؟ . والعادة أن الذى يقترب من السلطان لابد أن يحظي حيناً بنعمته وأحياناً بنقمته. والعادة أيضا أن مباشرة أراضى الأوقاف كانت تقترن دائماً بالسرقة والظلم، والسلطان أول من يعرف ذلك، ولكنه لا يعقد المحاكمات إلا لتصفية الحسابات .وتلك من معطيات السياسة المملوكية. ويقول مؤرخنا يتعجب من فعل السلطان : واذكر قول الشاعر:

إذا كان هذا فعله في مُحبّه
 

 

فياليت شعري في العدا كيف يصنع
 

 

ونحن ننتظر الإجابة من الصيرفي..

أرباب الوظائف وظلمهم للفلاحين:

ومن أخبار يوم الاثنين 22 ذى القعدة 875 نقرأ الآتى "وركب السلطان من قلعة الجبل وأظهر أنه متوجه إلى جهة الخانكاة ثم عطف من الجبل وسار إلى أن وصل إلى حلوان وتوجه إلى طرى ( طرة ) ، ووصل إلى مصر القديمة وبولاق واستمر على طوق البحر إلى المنيه (منية السيرج) وشبرا ، فصعد من الجبل واستمر إلى أن وصل إلى القلعة، فوقف له جماعة يشكون من الحراقة التى بقليوب أن المتكلمين عليها يقبضون المسافرين من الفقهاء ويستعملونهم ويضربونهم، فرسم نصره الله بشنق من يفعل ذلك.). فالموظفون كانوا يسلبون المسافرين من الفقهاء والفقراء أى الصوفية ويضربونهم ويستعملونهم أى يستخدمونهم سخرة في قضاء حوائجهم، ولأن المجني عليهم من العلماء والصوفية فقد رفعوا صوتهم ووصلوا به للسلطان، حين تصادف مرور السلطان بهم. ولولا أن تصادف مرور السلطان بهم لظلوا تحت نير السخرة والسلب والضرب .

ولكن إذا كان أولئك الموظفون يفعلون ذلك مع العلماء والفقهاء والفقراء الصوفية وهم ذوو حيثية فى المجتمع  فكيف كانوا يفعلون مع الفلاحين الغلابة الذين لا صوت لهم. وأولئك الفلاحون المساكين حتى لو كان لهم صوت فلن يصل للسلطان إلا نادراً، وأحياناً كان صوتهم يصل للسلطان فتكون عاقبتهم شديدة السوء مثلما حدث مع فلاحي المحلة الذين اشتكوا الكاشف ابن زوين فضربهم السلطان على أكتافهم ليعلمهم الأدب.

الفلاحون في السجون:

والفلاحون الذين يتكاسلون عن دفع الضريبة فمصيرهم إلى السجون وربما إلى ما هو أفظع. وحقيقة الأمر فالفلاح لا يتكاسل عن الضريبة، فأمامه زبانية الكاشف يبذلون أقصى جهدهم فى تتبع ما يمكن ان يخبئه الفلاح من محصول وغيره ، ثم هناك سياطهم وآلات التعذيب تجعله لا يفكر في التكاسل، وإنما قد يعجز عن الدفع لأسباب قد تكون خارجة عن إرادته، ولكنهم لا يرحمونه.

في يوم الخميس 22 رمضان 875 أورد مؤرخنا خبراً يقول أن الداودار الكبير أطلق من حبسه 170 من الفلاحين المصادرين، ومعناه أن الداودار الكبير كان له حبس خاص يضع فيه الفلاحين في الأقطاع التابع له إذا عجزوا عن دفع الضريبة المقررة عليهم، ونحن نعلم من تاريخ الهصر كيف كان ذلك الداودار شديد القسوة الأمر الذى يجعلنا نتحسر على المسجونين لديه في الحبس وكل جريمتهم أنهم عجزوا عن سداد الضرائب الظالمة.

على أن السلطان ( التقىّ الورع ) كان يرمى الفلاحين العاجزين عن الضريبة في سجن المقشرة أبشع السجون في عصره وأسوئها سمعة. وفي يوم الاثنين 15 ربيع الأول 877 نقرأ الآتي: "في ضرب السلطان عدة من أهل بحطيط بالمقارع .وأتهم فلاحي الذخيرة وانكسر عليهم أموال جمة ولهم ثلاث سنين بالسجن في المقشرة ..فرسم بسلخ أربعة منهم بحضور الباقين ، فسلخوا وأرسلوا إلى البلاد ، فأشهروا بها ليرتدع بها أمثالهم.) ويعلّق مؤرخنا البائس فيقول داعيا للسلطان :( فنصره الله نصراً عزيزاً.).!

فلاحون يهربون للقاهرة:

وبعض الفلاحين كان ينجح في الهرب من الأرض وعسف زبانية السلطة بها، ويأتي للقاهرة يجرب حظه، ومع ذلك فقد كان سوء حظه يوقعه بين أيدى الزبانية للمرة الثانية.

في نفس الشهر ربيع الأول 877 جاء مؤرخنا بالخبر التالي : ( وفي هذه الأيام قبضوا على جمع كثير بالقاهرة من المنسين والفلاحين والأرياف وأودعوهم الحديد، ) أى إعتقلوم بلا ذنب ( وأرسلوهم إلى المقر الأشرفي الأتابكي (أزبك) بسبب ما يعمّره من القناطر بالجيزة ) أى ليعملوا عنده فى مشروع للرّى فى منطقة الجيزة . يقول ابن الصيرفى : ( ويصرف لهم أجرتهم وافية، فإن هذا أمر مهم وفيه عمارة البلاد، وكلما زاد البحر أتلف ما صنعوه، ومقصودهم أن يؤسسوا ويبنوا على الأساس فإن الماء كلما بنوا شيئاً قلبه، وغرم السلطان على هذا البناء أموالاً عظيمة، وبلغنى أن في هذا البناء نحو ألفي رجل خارج عن مماليك المقر الأشرف الأتابكي، وفيه نحو مائتى معمار ومهندس. )، وقد إحتاجوا للمزيد من الأيدى العاملة فلم يجدوها ففكروا فى حيلة شيطانية ، يقول مؤرخنا : ( وإنهم احتاجوا مع ذلك إلى الرجال فدبروا حيلة. وسمّروا شخصاً ونادوا عليه ببولاق: هذا جزاء من يقتل النفس التى حرمها الله، فاجتمع الخلائق للتفرج عليه وصاروا خلفه فقبضوا عليه ورموهم الحديد وجهزوهم إلى العمل . فهذه من العجائب. والسلام.).!.هذا المسكين الذى سمّروه ، أى صلبوه بالمسامير على خشبة وطافوا به فى القاهرة بلا ذنب لم يستحق عبارة عزاء من مؤرخنا إبن الصيرفى ، سوى أنه قال متعجبا ( فهذه من العجائب. والسلام.).!. يا سلام ..!!

هرب(الواد عكاشة) من( بلدهم) بسبب السخرة والسلطة والمشدّ فوجد السخرة في انتظاره في القاهرة .!!

(الواد عكاشة) لم يكن يعرف أنه إذا سار في الهيصة والزيطة سينتهي به الأمر إلى الفحير والفأس والكدح والسوط على ظهره. مسكين يا جدو عكاشة.!!

ثم ذلك المسكين الذى صلبوه بالمسامير وطافوا به في البلد طعماً لاصطياد الغلابة من المنسين والفلاحين والأرياف على حد قول مؤرخنا القاهري ابن الصيرفي.. ذلك المسكين الذى سمروه على خشبة دون أن يرتكب ذنباً ما شأنه وما خبره وما ذنبه.ربما يكون أحد أجدادي أو أحد أجدادي عزيز القارئ بين أولئك الفلاحين الذين هربوا للقاهرة خوفاً من العصا والفلقة فوجدها في انتظاره عند بولاق. وربما يكون ذلك الذى سمّروه على الخشب وقتلوه بلا ذنب هو أحد أجدادى وصدق فيهم قول مؤرخنا القاضى الظالم ابن الصيرفي: ( "قبضوا علي جمع كثير بالقاهرة من المسنين والفلاحين والأرياف.)، فقد كانوا في عالم النسيان حتى وهم أحياء يعيشون بالقرب من المؤرخ ابن الصيرفي ، وأين الصيرفي مشغول عنهم وعن ألامهم بسيده السلطان قايتباى.

وما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه..!!

قضاة الظلم في الريف:

1 ــ عشنا مع أولئك القضاة في القاهرة ورأينا فسادهم وجهلهم وظلمهم وهم يعيشون في الأضواء بالقرب من السلطان، فكيف بأعوانهم في الريف حيث لا رقيب ولا حسيب ولا نقطة ضوء تكشف الانحراف والفساد.

والعادة أن قاضى القضاة الفاسد في القاهرة لا يعين في الريف إلا من كان أضل منه سبيلا.. وكان عبد البر إبن محب الدين بن الشحنة هو الذى تولى قضاء الشرقية، وكان عبد البر مع أبيه من كبار مفسدى القضاء، والغريب أنه كان قاضياً حنفياً وينبغى أن يكون الذى يوليه هو والده قاضى القضاة الأحناف، ولكن الذى حدث أن الذى ولاه قضاء الشرقية كان قاضى القضاة الشافعية، وقد أرسل السلطان في شهر جمادى الثانية سنة 875 إلى قاضى القضاة الشافعية يسأله أأنت وليت عبد البر بن الشحنة قضاء الشرقية؟ فقال ما ولاه إلا أبو السعادات الذى كان قبلي. وكان التعصب بين المذاهب شديداً ولكن الفساد كان أشد منه، ولذلك تولى عبد البر ابن الشحنة الحنفي منصب القضاء الشافعي في الشرقية مع أنه مقيم بالقاهرة لا ينفك عن تدبير الدسائس وحيازة المناصب ولا يدري شيئاً عن أحوال القضاة التابعين له في الشرقية.

2 ــ وقد كان السلطان في زيارة للشرقية في شعبان 876 وأعد له قاضى العلاقمة مأدبة عظيمة ، نعرف بالطبع من أين أتى بها، وأرسل القاضى بالمأدبة إلى السلطان، فلما حضرت المأدبة للسلطان سأل عن الذى أرسلهما، فلما عرفه تذكر أن ذلك القاضى قتل اثنين فطلب حضروه، يقول مؤرخنا: ( وأعدّ قاضى العلاقمة مأدبة للسلطان عظيمة ، وأحضرها إليه ، فلما وصلت وعرف مرسلها قال: هذا القاضى الذى قتل اثنين، أطلبوه . فحضر . فلما قرب من السلطان نزل عن الفرس فسقط ميتاً".).!. فنحن هنا أمام قاض تصادف أن مرّ السلطان بمنطقته وعرف أخباره وأنه قتل اثنين فأمر بإحضاره إليه، ولا ريب أن سجل جرائم ذلك القاضى كان أشنع من مجرد قتل رجلين، بدليل أنّه مات من الرعب حين واجه السلطان. فالمجرم القاتل يجد منصبا فى الريف ، وتلك حالة قاض واحد بالمصادفة، فكيف بالآخرين في باقى الأرياف على امتداد العمران المصري والذين لم يتشرفوا بلقاء السلطان، ولم يكن لهم ذكر في حوليات التاريخ.

والله وحده هو الأعلم بمعاناة أجدادنا الفلاحين.

3 ــ وفي جمادي الأول 876 نقرأ الخبر التالي : ( واتفق في هذه الأيام أن شخصاً من قضاة الريف يعرف بقاضى البرلس باع صغيراً حراً لبعض العربان فعرفه أبواه ، وشكيا القاضى للسلطان فضربه بالمقارع ، وسأله عن القصة، فقال أن هذا الذى يدعي أنه أبوه باعه لى بشهود، فطلب منه الشهود فلم يشهدوا بشيء واستمر في الترسيم. )أى استمر فى الحبس . فهنا قاضى مجرم وكاذب سرق وإسترق طفلا وباعه لأحد العربان . وكان من الممكن أن يمرّ الأمر عاديا لولا أن والد الصبي كان ميسورا وجريئا فقد سافر للقاهرة وجاهد حتى تمكن من رؤية السلطان ، وبهذا عرفنا بالقصة من خلال تاريخ الهصر، وفي نهاية الأمر فذلك مجرد مثل ينبئ عن وجود أمثلة أكثر وأشنع وأفظع إلا أنها لم تلق حظها في التدوين.

فلاحون وصلوا للمناصب:

1 ــ وبعض الفلاحين اجتاز ضباب النسيان ووصل إلى دائرة الضوء وبلغ مناصب أجبرت ابن الصيرفي على تسجيل حياته، كان منهم الداودار أبو بكر 875 والقاضى هانى.

2 ــ أبو بكر كان فلاحاً خدم عند الأمير بردبك وتحمل قسوته وازداد ولاءاً له، وكان الأمير يطرده من خدمته مرات عديدة ثم يعود إليه، وفي إحدي مرات طرده فأصبح شديد الفقر فصار يخدم ابن القيسى الذى كان محتسباً ثم والياً ثم نقيباً للجيوش في سلطنة الأشراف اينال وصار قائماً بأمور إبن القيسى كلها. ثم عيّن  الأمير بردبك والياً على حلب فأعاد أبا بكر إلى خدمته. وحدث أن بعض أتباع بردبك أرادوا قتله بالسم مرات عديد وهو ينقذه، فعرف بردبك إخلاصه فرقّاه ( وصار عنده في أوج العظمة ) على حد قول ابن الصيرفى : ( وصارت له أموال عظيمة قيل أنها بلغت 250 ألف دينار)، ومات مع مخدومه الأمير بردبك في وقت واحد عام 875.

3 ــ أما هانى فقد هرب من الريف والتحق بالجامع الأزهر طالباً ، وكان طموحا ، فصار يتردد إلى الطواشية خدم القصور ويخدمهم ، فعرف عن طريقهم الأميرة خوند فاطمة بنت الظاهر ططر ، وسأل أن يكون كاتبها فكان كذلك، يقول مؤرخنا : ( واستمر حاله ينمو ويزيد وركب الخيول ، واشتهرت له الوظائف والتواقيع ، ولبس الأقمشة ولبس الخف والمهماز، وجعل في رقبته طوقاً بعد أن كان من الفلاحين المجاورين بالجامع المذكور وفي يده دقّ أخضر شاهدته.) . والدّق الأخضر الذى يذكره مؤرخنا هو وشم إعتاد الفلاحون رسمه ليسجل إسم صاحبه . أى كان هذا الوشم ــ الذى تصعب إزالته ـ دليلا على أنه القاضى هانى كان فلاحا فى الأصل .

4 ــ ونفهم من قصّة القاضى هانى أن بعض الفلاحين كان يتعلم القراءة والكتابة ويحفظ القرآن الكريم في كتاب القرية على أيدى فقهاء الأرياف، ثم يهرب إلى القاهرة ويلتحق بالجامع الأزهر أو غيره ويكون من المجاورين، وإذا كان طموحاً مثل صاحبنا (هانى) وصل إلى معرفة بعض المماليك، ويا حبذا لو كانت سيدة مثل خوند فاطمة التى اشترت للمدعو هانى الوظائف والمرتبات والملابس والخيول، إلا أنها نسيت أن تمسح الوشم الأخضر الذى كان على يده . وقد أفلح صاحبنا ابن الصيرفي في رؤية ذلك الدق أو الوشم المدقوق على يد القاضى هانى، وربما كان ابن الصيرفي يحس بالغيرة من الأبهة التى ظهرت على ذلك الفلاح بسبب علاقته بتلك الأميرة، ونحن نعرف من خلال تاريخ الهصر اهتمام صاحبه بالتغييرات التى تظهر في الزى حين يصل بعض العوام أو الفلاحين إلى المناصب تجعلهم يودعون أيام الشقاء ولبس الزعبوط إلى الغالي والثمين من الحرير والديباج والسمور. ومن الطبيعي أن يهتم مؤرخنا القاهرى من بهذه الظواهر فهو (ابن سوق) ( يفهمها وهى طايرة ).، ألم يكن صيرفياً.

 

الهوامش

1)    الهصر: 27، 127، 19، 75، 76، 237، 419، 420، 319، 261، 362، 363، 38، 151، 6، 367، 504، 505، 50.

2)    الهصر: 482، 151، 152، 105، 398، 518، 519، 424.

3)    السلوك للمقريزي: 1/ 386، 387: 388.

د. أحمد صبحي منصور: السيد البدوي بين الحقيقة والخرافة 168: 169.

4)    الهصر: 330، 340، 427، 443، 445، 140، 32 ، 125، 192، 195، 234، 289: 290، 64، 118، 119، 121، 125، 153، 191.

5)    الهصر: 9، 24، 17، 32، 195، 201، 341، 351، 125، 291، 289،: 290، 326: 327، 433، 44: 45.

6)    أبو المحاسن: النجوم الزاهرة 9/92.

7)    المقريزي: السلوك 1/3/946.

8)    الهصر: 41، 43، 46، 75، 119، 125، 207، 221، 232، 367، 389، 119، 121، 122، 123، 125، 126، 130، 131، 161، 473: 474، 496.

9)    الهصر: 71: 73، 74، 212: 214، 405، 141، 142، 287، 263، 484، 483، 235، 405، 406، 344، 197، 198، 301، 302، 132.

اجمالي القراءات 13979

للمزيد يمكنك قراءة : اساسيات اهل القران
التعليقات (7)
1   تعليق بواسطة   محمد حسن     في   السبت ٢٩ - سبتمبر - ٢٠١٢ ١٢:٠٠ صباحاً
[69206]

رائع رائع رائع

 ما أجمل ما تكتب يا دكتور أحمد 


ما أظلم سلطات مصر واهلها حين لم يكسبوك ويستفيدوا منكم 


 


ما تكتب دكتورنا يجعل القارئ يعيش في الرواية  المكتوبة وكأنه حاضر فيها 


ما أتفه القاضي ( الطاغية بن الصيرفي ) ظاهريا بحسب ما هو موجود


وليته كان حيا ليجيب على ما تكتب لعل لديه دفاعا عن نفسه  يغير الكثير من وجهة  نظر مؤرخ العصر الدكتور أحمد صبحي منصور . وفي كل الأحوال تظل الكتابة التاريخية مجالا للظن .فلا يعلم ببواطن الأمور إلا الله عز وجل  , وفي كل الأحوال فإبن الصيرفي يظل هو الكسبان أنكم تناولتم قصته وذكرتم إسمه وبعثتموه في هذا العصر بل زادت فرصة ذكره مستقبلا .


ما تكتبوه شيخنا  سيكون مرأة لهذا العصر للأجيال القادمة . بارك الله فيكم وحفظكم .


2   تعليق بواسطة   محمد عبدالرحمن محمد     في   الأحد ٣٠ - سبتمبر - ٢٠١٢ ١٢:٠٠ صباحاً
[69210]

وما زلنا نسعى لزمن الخلافة والسلطنة واسترقاق المصريين من جانب مماليك جدد..!


 وبعد غسل المخ الجمعي للمصريين من جانبي شيوخ الوهابية المتمصرين ومن جانب المسلسلات التركية التي تؤصل وتدعو للخلافة العثمانية من  جديد .. لأن رجل أوروبا العجوز  وهو حفيد المماليك لن يشتد عوده ولن يستعيد شبابه ويكون على قدم المساواة مع القوى الكبرى الأوروربية إلا بأن يستعيد عبيده وأراضيه التي انتزعها منه الأوربيين وجعلوها دويلات تابعة لهم .
وهذا ما تسعى إليه تركيا بان تستعيد الخلافة العثمانية وتجيش الشعوب الاسلامية وخصوصا العربية ومسلمي آسيا الوسطى والأناضول ليكون الذراع القوية لتركيا لتنافس اوروبا المتقدمة الموحدة..
 ولكن للرياض رأي آخر فهى تزعم أنها أحق بالخلافة من العثمانيين وكفى العثمانيين شرف فتح القسطنينية ولهم الجنة ولنا الخلافة على العالم الاسلامي لأننا نقوم بسقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام.. فلا أحد يدانينا مكانة..
 والمصريين عبيد للمماليك العسكر وللعربان الإخوان.. من أقصى الريف المصري إلى أرقى مساكن وفيلل وقصور القاهرة والاسكندرية وباقي عواصم الأقاليم المصرية..
 ألا ما أسعدنا وأشقانا بمعرفة التاريخ المصري والعربي.. فالمعرفة سعادة نبتت من رحم شقاء المكابدة الناتجة عن التبصر بما جرى وبما يجري ..
شكرا لمعلمنا وحبينيا العالم الفاضل د / احمد صبحي منصور.

3   تعليق بواسطة   آحمد صبحي منصور     في   الأحد ٣٠ - سبتمبر - ٢٠١٢ ١٢:٠٠ صباحاً
[69214]

شكرا لكم استاذ فؤاد القزحى ود محمد عبد الرحمن . وأقول

 1 ـ ثقافة العبيد المتأصّلة فى مصر وبلاد العرب هى التى تنشر المازوخية ، أى أن يعشق الضحية من يقوم بقهره وتعذيبه ، ويكون الضحية خصما لمن يدافع عنه . عشت فى مصر أدافع عنها بالكلمة  أكثر من ثلاثين عاما عانيت فيها الفقر والقهر ، وتنازلت عن الكثير من حقوقى لأظلّ فيها ولكن وصل القهر الى مداه فهاجرت لأمريكا لأكتشف كم كنت محروما من حقوق إنسانية كثيرة لم تخطر على بالى ، وعرفت أن مناخ الطغيان يجعل حتى الأحرار المناضلين غافلين عن معظم حقوقهم . عجبت كيف يبيح الدستور الأمريكى للمواطن غير الأمريكى الموجود على التراب الأمريكى حرية الرأى والدين والتعبير عن رأيه ودينه وممارسة عبادته ، ومنها  حقه أن يشترى كنيسة ليحولها الى مسجد أو الى مرقص ، وأن ينتج فيلما يهاجم ويهزأ من المسيح عليه السلام أو من الرئيس الأمريكى.. وشاهدت أوباما فى الكونجرس يتكلم فيقاطعه شخص بأعلى صوت يقول له ( كاذب ) . عرفت أن الحاكم هو الشعب ، الناس ، وأن أوباما وأعضاء الكونجرس هم ( خدم الشعب ) هم  (     Public servants   ) ، ما أبعد الفارق بين ثقافة العبيد وثقافة الأحرار. ثقافة العبيد تخلق مناخا يؤثر حتى على المناضلين فيقعون فى التشرذم بحيث لا ينفع لديهم عمل جماعى . والويل فى ثقافة العبيد لأى مفكّر يسبق عصره ، أو باحث جاد يعمل بالتنوير . أسوأ معاناته لا تأتى من المستبد بل من الغوغاء أسرى ثقافة العبيد . ثم يكون هذا المستبد الذى يسترق شعبه خاضعا وخانعا لقوى أجنبية تحرّكه كالأراجوز . وهذا يضيف للمفكّر ألما وشعورا بالخزى والعار . 


2 ــ قصدت التحذير المصريين من الاستبداد باسم الدين ، ومن شعارات تطبيق الشريعة ( السّنية ) التى كانت مطبقة فى عصر سلطان ورع فقنّنت الظلم ورسّخته باسم الاسلام وشرع الاسلام . وهذا مجرد بحث ضمن مئات الأبحاث والمقالات . والمكافأة التى أخرج بها دائما هى التكفير والتحقير .. لماذا ؟ لأنه جيل رضع ثقافة العبيد ، يستلذ من التعذيب ، ويسبّح بحمد المستبد الذى يقهره ..


عزاؤنا فى جيل قادم يعرف ثقافة الأحرار .. وآخر دعوانا أن الحمد لله جل وعلا رب العالمين .











عزاؤنا فى الأمل فى جيل قادم  


 


4   تعليق بواسطة   رضا عبد الرحمن على     في   الأحد ٣٠ - سبتمبر - ٢٠١٢ ١٢:٠٠ صباحاً
[69215]

الفلاح دائما مظلوم

انتقل ظلم الفلاح من عصر المماليك إلى العصور اللاحقة وانتقلت بعض الموروثات التي تشربها المصريون


أذكر أن الفلاح الذي كان يزرع القطن المصري منذ خمسة عقود أو أكثر كان مطلوبا من أن يجهز عددا من العاملين لمشاركة الدولة في المقاومة اليديوة للقطن ضد الدودة ، ومن لا لا ينفذ التعليمات كان العسكر يذهبون إلي بيته ويضربوه أمام زوجته وأولاده وأهله وجيرانه ويسحبونه إلى قسم الشرطة لتعذيبه وإهانته لأنه رفض تنفيذ الاوامر حتى لو كان عقيما وليس لديه أولاد فيضطر إلى العمل هو وزوجته مجبرين للمشاركة في النقاوة اليدوية للقطن حفظا لماء وجهيهما ومنعا لتعرضه للإهانة والتعذيب والضرب والسحل أمام الناس وفي أقسام البوليس


هذا من جهة إهانة وظلم الفلاح الذي يحارب يوميا من أجل الحفاظ على حياة معظم أفراد الشعب وتوفير معظم احتياجاتهم بعرقه وتعبه وكده اليومي في الأرض


هناك سلوكيات انتقلت من ثقافة العصر المملوكي وتشربها الأغنياء والأثرياء من المماليك والظالمين والفاسدين الذين أهانوا وظلموا أجدادانا في الريفالمصري سمعت كثيرا في بلدتي وفي بلاد أخرى أن الفلاح البسيط عندما يتقابل مع أحد أغنياء وأثرياء بلدته لابد أن ينزل من على ركوبته (حماره) بمعنى أوضح إذا تقابل أحد الفلاحين صدفة وهو راكب حماره في الشارع مع أحد الأغنياء فيجب عليه حتما أن ينزل من على الحمار حتى يمر كلاهما في طريقه ، حتى لو كان هذا الثري أو الغني جالسا في مكان ومرّ عليه أحد الفلاحين راكبا حماره فلابد أن ينزل ويمشي على الأرض حتى يترك الجلوس ولا يمر عليهم هو راكب حماره


ةمن عجائب الظلم والقهر للفقراء والغلابة والفلاحين في الريف المصري أن يتشرب بعض المصريين سلوكيات من العصر المملوكي ، فيما يخص اللباس ، كان يمنع الفلاحون من لبس الاسود حزنا على الفلاحين المعذبين ، ولكن انتقلت هذه العادة السيئة بصورة أكثر ظلما ، وهي خوف أي شاب أو رجل بسيط فقير من لبس ملابس نظيفة أو ملابس جديدة والمرور بها على بيوت معينة في القرية ، فكان بعض الظالمين في بعض القرى في مصر يمنعون أو يضربون أي شاب من فقراء القرية من المرور أمام بيوتهم وهو في لباس حسن


وكأن الفلاحون والغلابة والفقراء خلقوا لكي يظلموا ويقهروا ويعذبوا ...


 


5   تعليق بواسطة   لطفية سعيد     في   الأحد ٣٠ - سبتمبر - ٢٠١٢ ١٢:٠٠ صباحاً
[69216]

الحسنة التي تركها لنا قايتباي هي :" قلعة قايتباي "

وتأخذ هذه القلعة شكل المربع تبلغ مساحته 150م*130م يحيط به البحر من ثلاث جهات. وتحتوي هذه القلعة على الأسوار والبرج الرئيسي في الناحية الشمالية الغربية. وتنقسم الأسوار إلى سور داخلي وآخر خارجي. فالسور الداخلي يشمل ثكنات الجند ومخازن السلاح. أما السور الخارجي للقلعة فيضم في الجهات الأربعة أبراجا دفاعية ترتفع إلى مستوى السور باستثناء الجدار الشرقي الضي يشتمل على فتحات دفاعية للجنود.


ويتخذ البرج الرئيسي في الفناء الداخلي شكل قلعة كبيرة مربعة الشكل طول ضلعها 30مترا وارتفاعها 17مترا وتتكون القلعة من ثلاث طوابق مربعة الشكل وتوجد في أركان البرج الأربعة أبراج نصف دائرية تنتهي من أعلى بشرفات بارزة وهذه الابراج اعلى من البرج الرئيسي تضم فتحات لرمي السهام على مستويين ويشغل الطابق الأول مسجد القلعة الذي يتكون من صحن وأربعة إيوانات وممرات دفاعية تسمح للجنود بالمرور بسهولة خلال عمليات الدفاع عن القلعة.و كان لهذا المسجد مئذنة ولكنها انهارت مؤخرا.


 


6   تعليق بواسطة   لطفية سعيد     في   الأحد ٣٠ - سبتمبر - ٢٠١٢ ١٢:٠٠ صباحاً
[69217]

والطابق الثاني لقلعة قايتباي

أما الطابق الثاني فيحتوي على ممرات وقاعات وحجرات داخلية. ويضم الطابق الثالث حجرة كبيرة (مقعد السلطان قايت باي) يجلس فيه لرؤية السفن على مسيرة يوم من الإسكندرية يغطيه قبو متقاطع كما يوجد في هذا الطابق فرن لإعداد الخبز البر المصنوع من القمح وكذلك طاحونة لطحن الغلال للجنود المقيمين في القلعة. وقد جدد السلطان قنصوة الغوري القلعة وزاد من حاميتها وقد أهملت هذه القلعة في فترة الاحتلال العثماني لمصر. قلعة قايتباى أنشأ هذه القلعة السلطان الملك الأشرف أبو النصر قايتباي المحمودي سنة 882 هـ / 1477 م مكان منار الإسكندرية القديم عند الطرف الشرقي لجزيرة فاروس في أواخر دولة المماليك، وهي عبارة عن بناء مستقل طوله 60 مترًا، وعرْضه 50 مترًا، وسُمْك أسواره 4.5 متر.


وكان هذا المنار قد تهدم إثر زلزال عام 702 هـ أيام الملك الناصر محمد بن قلاوون الذي أمر بترميمه إلا أنه تهدم بعد ذلك بعد عدة سنوات حتى تهدمت جميع أجزائه سنة 777 هـ / 1375 م.


ولما زار السلطان قايتباي مدينة الإسكندرية سنة 882 هـ / 1477 م توجه إلى موقع المنار القديم وأمر أن يبني على أساسه القديم برجا عرف فيما بعد باسم قلعة أو طابية قايتباي وتم الانتهاء من البناء بعد عامين من تاريخ الإنشاء.


ولأن قلعة قايتباي بالإسكندرية تعد من أهم القلاع على ساحل البحر الأبيض المتوسط فقد اهتم بها سلاطين وحكام مصر على مر العصور التاريخية ففي العصر المملوكي نجد السلطان قنصوه الغوري اهتم بهذه القلعة اهتماما كبيرا وزاد من قوة حاميتها وشحنها بالسلاح والعتاد، ولما فتح العثمانيون مصر استخدموا هذه القلعة مكانا لحاميتهم واهتموا بالمحافظة عليها وجعلوا بها طوائف من الجند المشاة والفرسان والمدفعية ومختلف الحاميات للدفاع عنها ومن ثم الدفاع عن بوابة مصر بالساحل الشمالي ولما ضعفت الدولة العثمانية بدأت القلعة تفقد أهميتها الإستراتيجية والدفاعية نتيجة لضعف حاميتها فمن ثم استطاعت الحملة الفرنسية على مصر بقيادة نابليون بونابرت الاستيلاء عليها وعلى مدينة الإسكندرية سنة 1798 م الأمر الذي أدي إلى الاستيلاء عليها ومنها استولوا على باقي مصر، ولما تولي محمد على باشا حكم مصر وعمل على تحصين مصر وبخاصة سواحلها الشمالية فقام بتجديد أسوار القلعة وإضافة بعض الأعمال بها لتتناسب والتطور الدفاعي للقرن التاسع عشر الميلادي تمثلت في تقوية أسوارها وتجديد مبانيها وتزويدها بالمدافع الساحلية هذا بالإضافة إلي بناء العديد من الطوابي والحصون التي انتشرت بطول الساحل الشمالي لمصر. ولما قامت ثورة أحمد عرابي سنة 1882 م والتي كان من نتائجها ضرب مدينة الإسكندرية في يوم 11 يوليو سنة 1882 م ومن ثم الاحتلال الإنجليزي لمصر تم تخريب قلعة قايتباي وإحداث تصدعات بها، وقد ظلت القلعة على هذه الحالة حتى قامت لجنة حفظ الأثار العربية سنة 1904 م بعمل العديد من الإصلاحات بها والقيام بمشروع لعمل التجديدات بها استنادا على الدراسات التي قام بها علماء الحملة الفرنسية والمنشورة في كتاب وصف مصر وأيضا التي قام بها الرحالة كاسيوس في كتابه سنة 1799 م.

التخطيط المعماري العام للقلعة


 


7   تعليق بواسطة   لطفية سعيد     في   الأحد ٣٠ - سبتمبر - ٢٠١٢ ١٢:٠٠ صباحاً
[69218]

أسوار القلعة

 


بنيت قلعة قايتباي على مساحة قدرها 17550 متر مربع وقد بنيت على هذه المساحة أسوار القلعة الخارجية واستحكاماتها الحربية وهي عبارة عن مجموعة من الأسوار بنيت لزيادة تحصين القلعة وهذه الأسوار عبارة عن سورين كبيرين من الأحجار الضخمة التي تحيط بالقلعة من الخارج والداخل أعدت لحماية القلعة، فالسور الأول هو السور الخارجي ويحيط بالقلعة من الجهات الأربع فالضلع الشرقي من هذا السور يطل على البحر ويبلغ عرضه مترين وارتفاعه ثمانية أمتار ولا يتخلله أي أبراج أما الضلع الغربي فهو عبارة عن سور ضخم سمكه أكبر من باقي أسوار القلعة يتخلله ثلاثة أبراج مستديرة ويعد هذا السور أقدم الأجزاء الباقية، أما الضلع الجنوبي فإنه يطل على الميناء الشرقية ويتخلله ثلاثة أبراج مستديرة ويتوسطه باب، أما الضلع الشمالي فيطل على البحر مباشرة وينقسم إلى قسمين الجزء السفلي منه عبارة عن ممر كبير مسقوف بني فوق الصخر مباشرة به عدة حجرات أما الجزء العلوي فهو عبارة عن ممر به فتحات ضيقة تطل على البحر أما الأسوار الداخلية فقد بينت من الحجر وتحيط بالبرج الرئيسي من جميع جهته ما عدا الجهة الشمالية ويتخلل هذا السور من الداخل مجموعة من الحجرات المتجاورة أعدت كثكنات للجند وهي خالية من أي فتحات عدا فتحات الأبواب وفتحات مزاغل خصصت لتكون فتحات للتهوية من ناحية وكفتحات للدفاع من ناحية أخرى. والبرج الرئيسي للقلعة فإنه يقع بالناحية الشمالية الغربية من مساحة القلعة والبرج الرئيسي للقلعة عبارة عن بناء يكون من ثلاث طوابق تخطيطه مربع الشكل يخرج من كل ركن من أركانه الأربعة برج دائري يرتفع عن سطح البرج الرئيسي وقد بني البرج بالحجر الجيري الص


أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق
تاريخ الانضمام : 2006-07-05
مقالات منشورة : 5111
اجمالي القراءات : 56,690,063
تعليقات له : 5,445
تعليقات عليه : 14,818
بلد الميلاد : Egypt
بلد الاقامة : United State

مشروع نشر مؤلفات احمد صبحي منصور

محاضرات صوتية

قاعة البحث القراني

باب دراسات تاريخية

باب القاموس القرآنى

باب علوم القرآن

باب تصحيح كتب

باب مقالات بالفارسي



فيديو مختار