سعد الدين ابراهيم Ýí 2012-04-28
إذا كان لمواطن أن يحمل ثأراً شخصياً ضد آل مُبارك ونظامه، لِما وقع عليه من أضرار معنوية وجسدية، فهو هذا الكاتب (سعد الدين إبراهيم)، الذى تعرّض لحملة شرسة لاغتياله معنوياً، ثم مُلاحقته قضائياً، والحكم عليه بالسجن والأشغال الشاقة لسبع سنوات، ثم الاستمرار فى اتهامه بـ«العمالة والخيانة»، صحيح أن أعلى محكمة فى مصر، وهى محكمة النقض برّأته من كل التهم، بل ردت له اعتباره بإشادتها بفكره وعلمه، ولكن الملايين الذين قرأوا وسمعوا سيل الاتهامات فى إعلام الدولة، أى إعلام مُبارك، والتى تصدرت كل صحفه وإذاعاته وتليفزيوناته، لم يقرأوا خبر وحيثيات البراءة، التى لم تنشرها الصحف الرئيسية، أو نشرتها فى صفحاتها الداخلية.
أقول هذا، لأقرر نيابة عن نفسى، وأتوجه بهذه الدعوة إلى كل من يهمهم الأمر من المُرشحين للرئاسة أو من يُناصرهم أن يكفوا عن مُحاولات استبعاد أى من المُنافسين باستخدام الأغلبية الإسلامية لتمرير قانون أو تشريع يُحرمهم من أى حق من حقوقهم السياسية. إن الحرمان الشرعى الوحيد، الذى يمكن أن يغفره التاريخ، هو حكم قضائى بات ونهائى من محكمة النقض، أعلى محاكم الديار المصرية.
وأوجه هذا النداء خصوصاً للنائب عصام سُلطان، الذى تقدم بمشروع قانون لحرمان من عملوا مع الرئيس مُبارك، والمقصود بهذا التشريع خصوصاً هو اللواء عُمر سليمان، وربما الفريق أحمد شفيق، وهما ضمن المُتنافسين على المنصب الرئاسى. وأقول للنائب المحترم، الذى دعوته إلى الجامعة الأمريكية ليُحاضر لطلبتى، رغم معرفة الجميع وقتها أنه كان ينتمى لـ«الجماعة المحظورة»، أى للإخوان المسلمين، وأستسمح القارئ الكريم والنائب المحترم لقراءة حيثيات هذا الرجاء:
١ - إننى فى سبعينيات العُمر، ولست مُرشحاً أو طامحاً لأى منصب، ولكنى شهدت وعشت فى ظل خمسة عهود سياسية: أواخر العصر الملكى، سنوات رئاسة اللواء محمد نجيب (عامان)، رئاسة جمال عبدالناصر (١٩٥٤/١٩٧٠)، سنوات الرئيس أنور السادات، وأخيراً عهد الرئيس حسنى مُبارك (١٩٨١/٢٠١١)، وكان أنصار كل عهد جديد، يصفون من شغلوا مناصب قيادية فى العهد الذى سبقهم مُباشرة بـ«الفلول».
٢ - وهذا معناه أننا إذا استبعدنا من العمل العام فلول كل العهود الخمسة (فاروق- نجيب- عبدالناصر- السادات- مُبارك) لصادرنا على الحقوق الإنسانية والسياسية لعدة ملايين من أفراد النُّخب السياسية الذين ما زالوا على قيد الحياة، والذين هم فى الواقع «رأس المال الاجتماعى- السياسى» الذى تباهى به مصر كل بُلدان العالم الثالث- ربما باستثناء الهند.
٣ - إن استبعاد أى مواطن من مُمارسة حقوقه السياسية، بغير حُكم قضائى بات ونهائى، ينطوى على مُصادرة حق بقية المواطنين المصريين من اختيار من يُمثلهم، بإرادتهم الحُرة، أى أن من ينتخبهم الشعب لوظيفة تشريعية ورقابية، وسيتجاوز هذا الدور إلى ما يُشبه «محاكم التفتيش».
٤ - لقد كانت هناك مخاوف من أن ينقض الإسلاميون، بمجرد انتخابهم، ليس فقط على إدارة البلاد لفترة خمس سنوات، ولكن أيضاً لتكريس مواقعهم فى السلطة، ليكونوا فيها خالدين أبدا، وينطوى مشروع قانون الأخ عصام سُلطان على شُبهة تنفيذ هذا المُخطط.
٥ - ألا يكفى الإسلاميين أنهم قالوا فى اللواء عُمر سليمان ما لم يقله «مالك فى الخمر»، لماذا لا يتركون للشعب فُرصة إبداء رأيه فى الرجل؟. إن مُصادرة حق الرجل بتشريع خاص ينطوى على «وصاية فوقية»، وكأن شعبنا الذى قام بثورة مجيدة، أبهرت العالم، لم يشب عن الطوق بعد!
٦ - إنه من نفس هذا المُنطلق الحقوقى، سبق أن صرّحت حتى بحق جمال مُبارك أن يترشح للرئاسة، ووقتها (٢٠٠٩) ثارت ضدى زوبعة عاتية من النقد، خاصة أننى كنت قد خرجت لتوى من سجون مُبارك. إنه نفس المبدأ الحقوقى الذى يدفعنى إلى الانتصار لحق عُمر سليمان فى الترشح لأى منصب عام، مادام للمواطنين فى نهاية الأمر أن يقولوا له «نعم» أو «لا».
٧ - إن ثورتنا المجيدة أبهرت العالم بسلميتها، وإبداع الشباب المصرى الذى فجّرها، كذلك أبهر القضاء المصرى العالم بسلامة وشفافية إجراءاته فى مُحاكمة الرئيس السابق محمد حسنى مُبارك وأقطاب نظامه. فما دام لدينا مثل هذا القضاء، لماذا لا يلجأ الأخ النائب عصام سُلطان إلى القضاء الطبيعى المُستقل، للقصاص العادل من عُمر سليمان، بدلاً من اللجوء إلى البرلمان بأغلبيته الإسلامية، والتى لمس الرأى العام مدى تحيزها عندما اختارت الجمعية التأسيسية لصياغة مشروع الدستور.
٨ - لقد ظهرت النزعة الاستئثارية لأعضاء حزب الحُرية والعدالة فى البرلمان، حيث لم يتركوا رئاسة أى لجنة لأى من أحزاب الأقلية فى نفس البرلمان، وكانت بوادر هذه النزعة الاستئثارية قد ظهرت للمُهتمين بالشأن العام، عندما صرّحوا قبل عام بأنهم لن يُنافسوا على أكثر من ٣٠% من مقاعد البرلمان، ومع اقتراب موعد الانتخابات، واصلت النسبة التزايد من ٣٠% إلى ٦٠%، ثم إلى مائة فى المائة من المقاعد، صحيح أنهم لم يفوزوا فى النهاية إلا بـ٤٥%، وربما لو عُقدت الانتخابات هذه الأيام فإنهم لن يحصلوا على هذه النسبة، بعد أدائهم البرلمانى الهزيل خلال الشهور الأربعة الأولى من حياة المجلس النيابى.
٩ - لقد كان رفاق السجن من تنظيم الجهاد والجماعة الإسلامية، يلوموننى لدفاعى عن حق الإخوان الكامل فى المُشاركة فى الحياة العامة، ويُحذروننى من أنانية الإخوان ونزعتهم الاستعلائية حتى على بقية الفصائل الإسلامية، ولكن الذى لم يُنبهنى إليه أحد، هو نزعتهم «الثأرية»، وهذا ما اتضح خلال الأسبوع الماضى من مواقفهم تجاه المُرشح عُمر سليمان، فمن الواضح أنهم يتكالبون على مُحاولة هزيمته حتى قبل إجراء الانتخابات، ولكن هذا التكالب نفسه قد يُكسب الرجل تعاطفاً شعبياً، لم يُخطط له، ولم يتوقعه.
١٠- إن تطور الحياة السياسية فى مصر الحديثة قد بلور أربع قوى اجتماعية، إحداها أصولية (ويمثلها فى الوقت الحاضر الإخوان والسلفيون)، والثانية «حداثية» (يمثلها شباب ثورة ٢٥ يناير)، والثالثة «اشتراكية يسارية» والرابعة «إصلاحية» تميل إلى التغيير التدريجي. وقد باءت كل مُحاولات إبادة أى من هذه القوى الأربع بالفشل، وتقع المؤسسة العسكرية وسط بين القوى الحداثية والقوى الإصلاحية، لذلك ستبوء مُحاولة الإسلاميين لإبادة غيرهم بالفشل، كما باءت مُحاولات عهود سابقة فى إبادتهم.
إن الحُفرة التى يحفرها الإسلاميون لعُمر سليمان قد يستقرون هم فيها. لقد سبق لهم أن حاولوا نفس الشىء مع جمال عبدالناصر، وهم ينسون أن عُمر سليمان هو ابن نفس المؤسسة التى أنبتت عبدالناصر والسادات ومُبارك، رغم كل ما يبدو من اختلافات بين عهودهم، وكما لم يمكن إبادة شرعية الإخوان المسلمين، فلا يمكن إبادة الشرعية السياسية للمؤسسة العسكرية. إن هذا الكاتب لا يتمنى أن يعيش تحت حُكم أى منهم. ولكن ليس كل ما يتمناه المرء يُدركه، فقد تأتى الثورات بما لم يشته الثوار. وهذا كما يقول أحد مؤرخى الثورة الفرنسية هو «مكر التاريخ». وقبل ذلك بعشرة قرون، قال عز وجل فى مُحكم آياته: «ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين».
وعلى الله قصد السبيل
المؤسسة الأزهرية: لا هى راغبة ولا قادرة على التطوير
الجشع والفساد فى تجريف أراضى المحروسة
هل الشعب المصرى فى حالة عِشق دائم مع جيشه؟
دعوة للتبرع
عن لحظات قرآنية : شاهدت الفيد يوهات ، وأحتر م رأيك في زواج...
تشكيل المصحف: هل مصطلح ات الضبط والتن بيهات وعلام ات ...
اضافة من عبد الله : لولا الخلف اء الفاس قون لدخل الناس في دين...
ولم نجد له عزما: ما معنى قول الله سبحان ه وتعال ى عن آدم فى...
الحج والغفران: هل من يحج تُغفر كل ذنوبه ؟...
more
مكر التاريخ مصطلح جديد نتعرف عليه من قراءتنا لمقال الدكتور سعد الدين ابراهيم .. ذلك العلامة السياسي وعالم الاجتماع الفذ.. نعم أنت كبرت في العمر وجاوزت السبعين ولكن عقلك ما زال شابا يفكر ويناور ويحرر العقل المصري من تسلط الفكر الاخواني أو الفكر العسكري عليه..
هكذا يظل العالِم المخلص لأهل وطنه شابا فتياً من الناحية الفكرية والعقلية.. لايضارعه حتى شباب الثورة .. هؤلاء الأبطال الأغراء أصحاب القلوب الطاهرة والعفة السياسية .. فلم يكن لهم مطمع في الحكم أوفي الثروة ..
لكن ربما تاتي الثورة بما لم يشته الثوار.. شكرا لك يا سعد الدين يا عالم مصر الكبير في علم الاجتماع السياسي .. وعلم السياسة الدولية.