نقد كتاب تخريج حديث الطواف بالبيت صلاة
نقد كتاب تخريج حديث الطواف بالبيت صلاة
المؤلف خالد بن صالح بن إبراهيم الغصن وفى مقدمته تحدث عن سبب اختياره لحديث ابن عباس بسبب أهميته عند الفقهاء فقال:
"وقد وقع الاختيار في هذا الجزء على حديث عبد الله بن عباس: (الطواف بالبيت صلاة ... ) الذي طالما اختلفت آراء الفقهاء في أحكامه ومعناه وتباينت اجتهادات المحدثين والنقاد (المتقدمين منهم والمعاصرين) في تصحيحه أو تضعيفه.
وإنما اخترت هذا الحديث خاصة؛ لأنه حديث يهم الفقيه والمحدث ولمناسبته موسم الحج ولأنه أصل عند الفقهاء في أكثر من مسألة فقهية فدعاني ذلك إلى تحقيق القول فيه"
ثم أورد نص الحديث فقال :
"الحديث:
قال الإمام الترمذي: حدثنا قتيبة: حدثنا جرير عن عطاء بن السائب عن طاوس عن ابن عباس أن النبي (ص)قال: (الطواف حول البيت مثل الصلاة إلا أنكم تتكلمون فيه فمن تكلم فيه فلا يتكلمن إلا بخير)."
الحديث باطل لم يقله النبى(ص) بأى شكل من الأشكال لمناقضته كتاب الله فقد شبه القائل وهو ليس الرسول(ص) قطعا الطواف بالصلاة فيما عدا الكلام الذى لا يوجد في الصلاة ويوجد في الطواف وهو ما يخالف قوله تعالى :
"يا أيها الذين أمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون"
فهنا الصلاة قول أى كلام وهو كلام الله المقروء فيها
كما يخالف وجوب أن يكون صوت المسلم في الصلاة ليس جهرا وليس سرا وإنما وسط كما قال تعالى:
"ولا تجهر بصلاتك ولا تجهر بها وابتغ بين ذلك سبيلا"
كما أن الحج ليس فيه الكلام بين الناس إلا للضرورة القصوى لأن الله نهى فيه عن كلام الناس وهو الجدال فقال :
" فمن فرض فيهن الحج ولا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج"
والمطلوب في الحج وهو الطواف هو ذكر الله أى قراءة القرآن كما قال تعالى :
"واذكروا الله فى أيام معدودات فمن تعجل فى يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه لمن اتقى"
وليس المطلوب تحدث الناس في أمور دنياهم
وتحدث الرجل عن الكتب التى خرجت الحديث فقال :
"تخريج الحديث:
هذا الحديث روي من وجهين اثنين أحدهما: مرفوع والآخر: موقوف:
الوجه الأول: (المرفوع):
أخرجه الترمذي (960) وأبو يعلى (2599) وابن خزيمة (2739) والحاكم (4/ 222) والبيهقي (5/ 87) من طريق جرير بن عبد الحميد والدارمي (1847) عن الحميدي وابن حبان (9/ 143 ح 3836) من طريق محمد بن المتوكل بن أبي السري وابن الجارود (461) والطحاوي في شرح المعاني (2/ 178) والبيهقي (5/ 85) من طريق سعيد بن منصور وابن الجارود (461) والطحاوي في شرح المعاني (2/ 178) من طريق أسد بن موسىوالحاكم (2/ 293) من طريق عبد الله بن أحمد بن أبي مسرة عن الحميدي أربعتهم الحميدي وابن المتوكل وسعيد وأسد عن الفضيل بن عياض والدارمي (1848) من طريق علي بن معبد وابن عدي (5/ 364) والبيهقي (5/ 87) من طريق أبي جعفر النفيلي كلاهما علي وأبو جعفر عن موسى بن أعين والحاكم (1/ 630) من طريق عبد الصمد بن حسان عن الثوري والحاكم (1/ 630) وعنه البيهقي (5/ 87) من طريق الحميدي عن ابن عيينة والحاكم (2/ 266 267) وعنه البيهقي في المعرفة (2957) من طريق القاسم بن أبي أيوب ستتهم جرير والفضيل وموسى والثوري وابن عيينة والقاسم عن عطاء بن السائب وعبد الرزاق (9788) وعنه أحمد (4/ 64) وأحمد (3/ 414 و 4/ 64 و 5/ 377) عن روح بن عبادة وعلقه البيهقي (5/ 87) عن عثمان بن عمر وحجاج بن محمد أربعتهم عن الحسن بن مسلم بن يناق المكي والطبراني (11/ 29) والبيهقي (5/ 87) من طريق معن بن عيسى عن موسى بن أعين عن ليث بن أبي سليم والطبراني (11/ 34) من طريق محمد بن عبد الله بن عبيد بن عمير والبيهقي (5/ 87) تعليقا عن الباغندي عن عبد الله بن عمر بن أبان عن ابن عيينة كلاهما محمد بن عبد الله وابن عيينة عن إبراهيم بن ميسرة والطبراني في الأوسط (7370) من طريق أحمد بن ثابت عن أبي حذيفة موسى بن مسعود عن سفيان (وهو الثوري) عن حنظلة بن أبي سفيان خمستهم عطاء والحسن وليث وابن ميسرة وحنظلة عن طاوس عن ابن عباس بنحوه إلا أنه في رواية القاسم بن أبي أيوب وكذا في رواية الفضيل عن عطاء فيما رواه ابن أبي مسرة عن الحميدي عنه قالا: عن سعيد عن ابن عباس وفي رواية حنظلة قال:
عن طاوس عن ابن عمر وأما في رواية الحسن بن مسلم فقال: عن طاوس عن رجل أدرك النبي (ص). وفي رواية القاسم زيادة في أوله من قول ابن عباس" قال: قال الله لنبيه {طهر بيتي للطائفين والعاكفين والركع السجود} فالطواف قبل الصلاة".
الوجه الثاني: (الموقوف):
أخرجه عبد الرزاق (9791) عن جعفر بن سليمان وابن أبي شيبة (3/ 134) عن محمد بن فضيل وعلقه البيهقي (5/ 85) عن حماد بن سلمة وشجاع بن الوليد أربعتهم عن عطاء بن السائب وعبد الرزاق (9789) عن معمر وابن أبي شيبة (3/ 134) عن ابن عيينة والبيهقي (5/ 87) من طريق الحارث بن منصور عن الثوري ثلاثتهم معمر وابن عيينة والثوري عن عبد الله بن طاوس والنسائي (2922) وفي الكبرى (2/ 406) من طريق حجاج بن محمد وابن وهب وأحمد (3/ 414 و 4/ 64 و 5/ 377) عن محمد بن بكر البرساني ثلاثتهم عن ابن جريج عن الحسن بن مسلم المكي والنسائي في الكبرى (2/ 406) من طريق أبي عوانة وعبد الرزاق (9790) عن ابن جريج والبيهقي (5/ 87) من طريق عمر بن أحمد بن يزيد عن عبد الله بن عمر بن أبان عن ابن عيينة ثلاثتهم أبو عوانة وابن جريج وابن عيينة عن إبراهيم بن ميسرة والنسائي (2923) من طريق الشيباني وهو أبو إسحاق سليمان بن أبي سليمان فيروز والشافعي في مسنده ص 127 ومن طريقه البيهقي (5/ 87) وفي المعرفة (4/ 68) ح 2956 عن سعيد بن سالم كلاهما _ الشيباني وسعيد _ عن حنظلة بن أبي سفيان خمستهم عطاء وابن طاوس والحسن بن مسلم وابن ميسرة وحنظلة _ عن طاوس عن ابن عباس بنحوه إلا أنه في رواية الحسن قال: عن طاوس عن رجل أدرك النبي (ص). وفي رواية حنظلة قال: عن طاوس عن ابن عمر. وفي رواية جعفر بن سليمان قال: عن عطاء عن طاوس أو عكرمة أو كليهما. وفي رواية محمد بن بكر ذكره أحمد ولم يسق لفظه وإنما قال بعد روايته: "لم يرفعه محمد بن بكر"."
وتحدث الرجل عن كثرة أسانيد الحديث واختلافاته الكثيرة فقال:
"دراسة الحديث والحكم عليه:
يتبين من خلال التخريج السابق أن الحديث له أسانيد عديدة وفيها اختلاف كثير وهي تعود في واقع أمرها إلى رجلين اثنين هما طاوس بن كيسان وسعيد بن جبير.
أما الأول وهو طاوس بن كيسان فقد وقع الاختلاف عليه من جهتين اثنتين:
الأولى: من جهة تسمية صحابيه والثانية: من جهة رفع الحديث ووقفه.
أما الجهة الأولى (وهي الاختلاف في تسمية صحابي الحديث) فقد اختلف على طاوس فيه على ثلاثة أوجه:
الوجه الأول: جعله عن طاوس عن ابن عمر وقد رواه عنه حنظلة بن أبي سفيان.
الوجه الثاني: جعله عن طاوس عن رجل أدرك النبي (ص) وقد رواه عنه الحسن بن مسلم بن يناق المكي.
الوجه الثالث: جعله عن طاوس عن ابن عباس وقد رواه عنه الجماعة من أصحابه _ على اختلاف روايتهم في رفع الحديث ووقفه كما سيأتي _ وهم أربعة: (ابنه عبد الله وإبراهيم بن ميسرة وليث بن أبي سليم وعطاء بن السائب).
ولا شك أن أرجح هذه الأوجه الثلاثة هو الوجه الثالث الذي رواه الجماعة ويؤيده أنه هو الوجه المشهور عند أهل العلم كما سيأتي إلا أن يقال: إن الرجل المبهم في الوجه الثاني هو ابن عباس كما استظهره الحافظ في التلخيص (1/ 130) وهذا مجرد احتمال لا يمكن الجزم به؛ لأننا لا نستطيع إلحاقه بأحد هذين الوجهين إلا بقرينة واضحة جلية وهي غير موجودة هنا فيما يظهروعلى كل؛ فقد أشار الإمام النسائي إلى تعليل رواية الحسن بن مسلم بمخالفة حنظلة بن أبي سفيان له {انظر السنن ح 2923} ومع ذلك فرواية حنظلة معلولة برواية الجماعة من أصحاب طاوس كما سبق والله أعلم.
وأما الجهة الثانية (وهي الاختلاف في رفع الحديث ووقفه) فـبعدما تبين لنا أن الصواب في حديث طاوس هو ما رواه الجماعة عنه بجعله من مسند ابن عباس نجد أن الاختلاف عليه في رفع الحديث ووقفه سوف ينحصر حينئذ على وجهين فقط هما:
الوجه الأول: طاوس عن ابن عباس عن النبي (ص) (مرفوعا) وهذا الوجه رواه عنه كل من:
1. عطاء بن السائب فيما رواه عنه خمسة وهم: جرير والفضيل وموسى بن أعين في رواية علي بن معبد وأبي جعفر النفيلي عنه والثوري في رواية عبد الصمد بن حسان عنه وابن عيينة في رواية الحميدي عنه.
2. ليث بن أبي سليم فيما رواه معن بن عيسى عن موسى بن أعين عنه.
3. إبراهيم بن ميسرة في رواية محمد بن عبد الله بن عبيد عنه وكذا رواية ابن عيينة فيما رواه الباغندي عن عبدالله بن عمر بن أبان عنه.
الوجه الثاني: طاوس عن ابن عباس (موقوفا) وهذا الوجه رواه عنه كل من:
1 عطاء بن السائب فيما رواه عنه محمد بن فضيل وكذا حماد بن سلمة وشجاع بن الوليد كما علقه عنهما البيهقي.
2 عبد الله بن طاوس وابن عيينة في رواية ابن أبي شيبة عنه والثوري في رواية الحارث بن منصور عنه.
3 إبراهيم بن ميسرة فيما رواه عنه ثلاثة وهم: أبو عوانة وابن جريج وابن عيينة في رواية عمر بن أحمد بن يزيد عن عبد الله بن عمر بن أبان عنه.
وهنا يتبين أنه قد تعددت بعض الأوجه على من دون طاوس أيضا من الرواة وبعضها يعد اختلافا على الراوي في رفع الحديث ووقفه وهم: (الثوري وابن عيينة وعبد الله بن عمر بن أبان وإبراهيم بن ميسرة وعطاء بن السائب).
فالأول: (وهو سفيان الثوري) قد روي عنه وجهان:
أحدهما: عنه عن عطاء عن طاوس عن ابن عباس عن النبي (ص) (مرفوعا) وهذا الوجه رواه عنه عبد الصمد بن حسان.
والآخر: عنه عن عبد الله بن طاوس عن أبيه عن ابن عباس (موقوفا) وهذا الوجه رواه عنه الحارث بن منصور.
وعند التأمل في هذين الوجهين فقد يقال بتقديم الوجه الأول لكون عبد الصمد وأقل أحوله أنه صدوق أثبت من الحارث بن منصور والحارث نسبه أبو نعيم إلى كثرة الوهم وقال ابن عدي: "في حديثه اضطراب" وذكره ابن حبان في الثقات وقال يغرب بينما قال الحافظ في التقريب: "صد وق يهم" [انظر الكامل 2/ 195 والتهذيب 2/ 158 والتقريب 1057]
وقد يقال بتقديم رواية الحارث هنا لكون روايته قد وافقت رواية الثقات من أصحاب طاوس بوقفه على ابن عباس وهذا ما رجحه الحافظ في التلخيص (1/ 130) حيث قال: (( ... والحق أنه من رواية سفيان موقوف ووهم عليه من رفعه)).
والأشبه أن يقال: إن كلا الوجهين لم يروه عن الثوري أصحابه المعروفون كـوكيع وابن المبارك ويحيى القطان وابن مهدي وأبي نعيم وغيرهم. فأين هؤلاء من هذين الطريقين لو كانا صحيحين؟!!
ثم إن الحافظ ابن رجب قد ذكر عبد الصمد بن حسان من ضمن الثقات الذين لهم كتاب صحيح وفي حفظهم بعض شيء ونقل عن البخاري قوله فيه: "يهم من حفظه وأصله صحيح" [شرح العلل ص 328].
والثاني: وهو (سفيان بن عيينة) قد تعددت الأوجه عنه على ثلاثة:
أحدها: الحميدي عن ابن عيينة عن عطاء عن طاوس عن ابن عباس عن النبي (ص) (مرفوعا).
والثاني: ابن أبي شيبة عن ابن عيينة عن عبدالله بن طاوس عن أبيه (موقوفا).
والثالث: عبد الله بن عمر بن أبان عن ابن عيينة عن إبراهيم بن ميسرة عن طاوس عن ابن عباس (موقوفا).
ولعل هذا لا يعد اختلافا على سفيان بل الظاهر صحة هذه الأوجه عنه عدا الثالث فإنني متوقف فيه لحال الراوي عن عبدالله بن عمر وهو عمر بن أحمد بن يزيد فإني لم أقف له على ترجمة ولم أجد له إلا حديثا واحدا وهو هذا الحديث.
ولو قيل بقبول الوجه الثالث أيضا لكون ابن عيينة قد وافق فيه الثقات كأبي عوانة وابن جريج في روايتهم هذا الوجه عن إبراهيم بن ميسرة لكان سائغا.
والثالث: وهو (عبد الله بن عمر بن أبان) قد اختلف عليه فيه على وجهين:
الأول: عنه عن ابن عيينة عن إبراهيم بن ميسرة عن طاوس عن ابن عباس (موقوفا). وهذا الوجه رواه عنه عمر بن أحمد بن يزيد.
الثاني: عنه عن ابن عيينة به (مرفوعا). وهذا الوجه رواه عنه الباغندي.
والوجه الثاني ضعيف؛ لأن الباغندي كثير التدليس والخطأ كما قال الدارقطني وأحمد بن عبدان [انظر تذكرة الحفاظ 2/ 736].
وقد ضعف البيهقي رواية الباغندي هذه بقوله: ((رواه الباغندي مرفوعا فلم يصنع شيئا فقد رواه ابن جريج وأبو عوانة عن إبراهيم بن ميسرة موقوفا))وأما الوجه الأول فقد سبق التوقف فيه لأجل عمر بن أحمد بن يزيد إلا أن يقال بقبوله لكون ابن عيينة قد وافق الثقات في روايتهم هذا الوجه عن إبراهيم بن ميسرة كما تقدم.
والرابع: وهو (إبراهيم بن ميسرة) قد اختلف عليه في رفعه ووقفه على وجهين:
الأول: عنه عن طاوس عن ابن عباس (موقوفا) وهذا الوجه قد رواه عنه الجماعة وهم: ابن جريج وأبو عوانة وابن عيينة في رواية عمر بن أحمد بن يزيد عن عبدالله بن عمر بن أبان عنه.
الثاني: عنه عن طاوس به (مرفوعا) وهذا الوجه تفرد به عنه محمد بن عبد الله بن عبيد بن عمير وهو ضعيف كما في الجرح والتعديل (7/ 300)
فالراجح من هذين الوجهين هو رواية الجماعة كما لا يخفى ولذا قال الحافظ في التلخيص (1/ 130): ((رفعه عن إبراهيم محمد بن عبد الله بن عبيد بن عمير وهو ضعيف)).
والخامس: (وهو عطاء بن السائب) قد اختلف عليه فيه على ثلاثة أوجه:
أحدها: عطاء عن طاوس عن ابن عباس عن النبي (ص) (مرفوعا) وهذا الوجه رواه عنه جرير والفضيل وابن عيينة وموسى بن أعين.
الثاني: عطاء عن طاوس عن ابن عباس (موقوفا). وهذا الوجه رواه عنه محمد بن فضيل وحماد بن سلمة وشجاع بن الوليد.
الثالث: عطاء عن طاوس أو عكرمة أو كلاهما عن ابن عباس (موقوفا).وهذا الوجه رواه عنه جعفر بن سليمان فتفرد به.
وهنا يلاحظ أن موسى بن أعين قد روي عنه في هذا الحديث وجهان:
أحدهما: عنه عن عطاء عن طاوس عن ابن عباس عن النبي (ص) (مرفوعا). وقد رواه عنه علي بن معبد الرقي وأبو جعفر النفيلي "وكلاهما ثقة".
والثاني: عنه عن ليث عن طاوس عن ابن عباس عن النبي (ص) (مرفوعا). وقد رواه عنه معن بن عيسى "وهو ثقة".
والوجه الأول أصح؛ لأن رواية الثقتين أقوى من رواية الثقة الواحد ولأن هذه الرواية هي المشهورة عند أهل العلم والله أعلم.
ثم إنه لو قيل بصحة الوجه الثاني عن موسى أيضا؛ فهو معلول بشيخه وهو ليث بن أبي سليم لأنه ضعيف كما في التقريب (ص 5721).
وأما ما تقدم ذكره من الاختلاف على عطاء بن السائب؛ فلعل أصح هذه الأوجه الثلاثة عنه هو الوجه الأول المرفوع فإنه رواية الجماعة كما سبق وهي المشهورة عند أهل العلم كما قال الترمذي: ((لا نعرفه مرفوعا إلا من حديث عطاء)).
وأما رواية حماد بن سلمة وشجاع بن الوليد؛ فإن البيهقي رواه عنهما تعليقا ولم نقف على الإسناد إليهما؛ والله أعلم.
ونحن إذا صححنا رواية الجماعة عن عطاء فلا يعني أن يكون حديثه هنا صحيحا مطلقا؛ لأن عطاء بن السائب وهو صدوق قد اختلط بأخرة فينبغي التفريق بين رواية من روى عنه قبل الاختلاط ومن روى عنه بعده وقد نص الحفاظ على أن من سمع منه قديما كسفيان الثوري وشعبة فسماعه صحيح ومن سمع منه بأخرة فسماعه لا شيء [انظر تهذيب الكمال 20/ 86].
واستثنى بعضهم أيضا سفيان بن عيينة فنقل أبو داود عن الإمام أحمد أنه قال: ((سماع ابن عيينة مقارب يعني عن عطاء بن السائب سمع بالكوفة)) [انظر شرح العلل ص 309].
وقال ابن الكيال: روى الحميدي عنه قال: ((كنت سمعت من عطاء بن السائب قديما ثم قدم علينا قدمة فسمعته يحدث ببعض ما كنت سمعت فخلط فيه فاتقيته واعتزلته)) ثم قال ابن الكيال: ينبغي أن يكون روايته عنه صحيحة [الكواكب النيرات ص 327]
وبالجملة؛ فإن الصواب في حديث عطاء هو رواية من رفعه عنه وهم: جرير والفضيل وموسى بن أعين وابن عيينة. وهؤلاء رووا عنه بعد الاختلاط لا محالة؛ غير ابن عيينة فإنه محتمل لما ذكره الإمام أحمد وابن الكيال كما سبق والله أعلم.
وبعد هذه الدراسة الموجزة لطرق حديث طاوس يمكن تلخيص الأوجه عنه حينئذ كالتالي:
الوجه الأول: عطاء عن طاوس عن ابن عباس عن النبي (ص) مرفوعا. وهذا الوجه رواه عنه جرير والفضيل وموسى بن أعين وابن عيينة.
الوجه الثاني: عبد الله بن طاوس وإبراهيم بن ميسرة كلاهما عن طاوس عن ابن عباس موقوفا. وهذا في الوجه الصحيح عن إبراهيم بن ميسرة أما عبد الله بن طاوس فلم يختلف عليه فيه كما سبق.
وعند النظر والتأمل في أصحاب طاوس هؤلاء نجدهم يختلفون في الضبط والإتقان لحديثه خاصة فأما إبراهيم بن ميسرة فقد كان أثبت هؤلاء وقد يدانيه عبد الله بن طاوس في الضبط لحديث أبيه قال سفيان بن عيينة: ((كان إبراهيم بن ميسرة من أصدق الناس وأوثقهم)) وقال أيضا: ((كان أي ابن ميسرة يحدث على اللفظ)).
وقال علي بن المديني: قلت لسفيان يعني ابن عيينة: أين كان حفظ إبراهيم بن ميسرة عن طاوس من حفظ ابن طاوس؟ قال: لو شئت قلت لك إني أقدم إبراهيم عليه في الحفظ فعلت. وقال عثمان بن سعيد الدارمي: قلت ليحيى بن معين: إبراهيم بن ميسرة عن طاوس أحب إليك أو ابن طاوس؟ قال: كلاهما. قال ابن أبي حاتم: يعني أنهما نظيران في الرواية عن طاوس [انظر التاريخ الكبير 1/ 328 والجرح والتعديل 2/ 133].
وأما عطاء بن السائب فإنه لم يكن من المتميزين لحفظ حديث طاوس الضابطين عنه كهذين الاثنين على أن رواية جرير والفضيل وموسى بن أعين عنه كانت في حال الاختلاط كما سبق فلم يبق حينئذ إلا رواية ابن عيينة عنه وهي محتملة أن تكون قبل الاختلاط لما ذكره الإمام أحمد وابن الكيال إلا أن عدم شهرة هذا الوجه عند الأئمة يجعل في الأمر ريبة!! ولذا قال ابن عدي في الكامل (5/ 364): ((لا أعلم روى هذا الحديث عن عطاء غير هؤلاء الذين ذكرتهم: موسى بن أعين وفضيل وجرير)) ونقل الحافظ عن البزار قوله: ((لا أعلم أحدا رواه عن النبي (ص)إلا ابن عباس ولا نعلم أسند عطاء بن السائب عن طاوس غير هذا يعني الثوري ورواه غير واحد عن عطاء موقوفا)) [التلخيص 1/ 130]
ومن المرجحات أيضا لتقديم رواية الوقف على رواية الرفع أن عبد الله بن طاوس كان يمانيا كأبيه بخلاف ابن ميسرة وعطاء فإنهما كانا مكيين. فعلى هذا يكون الراوي أعرف برواية بلديه من غيره لاسيما إذا كان أباه ويكون إبراهيم بن ميسرة وهو أوثق أصحاب طاوس هؤلاء قد تابعه على هذا الوجه والله أعلم.
وبالجملة؛ فإن الراجح في حديث طاوس هو رواية الوقف وقد رجحها جمع من الأئمة كالنسائي وابن الصلاح والمنذري [انظر التلخيص 1/ 129] وقال البيهقي في المعرفة (ح 2956): ((وروي موقوفا والموقوف أصح)) وقال النووي في المجموع (8/ 14): ((روي هذا الحديث عن ابن عباس مرفوعا بإسناد ضعيف. والصحيح أنه موقوف على ابن عباس كذا ذكره البيهقي وغيره من الحفاظ)) وقال أيضا في (21/ 274): ((يروى موقوفا ومرفوعا وأهل المعرفة بالحديث لا يصححونه إلا موقوفا ويجعلونه من كلام ابن عباس)). وممن رجح وقفه أيضا الحافظ ابن عبد الهادي في المحرر في الحديث (1/ 123).
وأشار الترمذي عقب الحديث إلى ترجيح وقفه كما هو المفهوم من سياقه حيث قال: ((وقد روي هذا الحديث عن ابن طاوس وغيره عن طاوس عن ابن عباس موقوفا ولا نعرفه مرفوعا إلا من حديث عطاء بن السائب)).
وأما الثاني: وهو سعيد بن جبير فقد جاء عنه من طريقين اثنين:
الطريق الأول: رواه الفضيل عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن النبي (ص) مرفوعا بنحو حديث الباب.
وقد رواه عن الفضيل أبو بكر الحميدي في رواية عبدالله بن أحمد بن أبي مسرة عنه. وهو مما تفرد به ابن أبي مسرة عن الحميدي والصحيح في رواية الحميدي ما رواه الدارمي
وهو ثقة ثبت إمام أهل زمانه عنه عن الفضيل عن عطاء عن طاوس عن ابن عباس عن النبي (ص) مرفوعا ((لا ذكر لسعيد بن جبير فيه)).
وابن أبي مسرة غير مشهور بالرواية عن الحميدي؛ فالدارمي أكثر منه رواية عنه كما أن هذا الوجه هو الموافق لرواية الجماعة من أصحاب الفضيل فيقدم حينئذ ويكون هو الوجه الصحيح عن الحميدي؛ والله أعلم.
الطريق الثاني: رواه القاسم بن أبي أيوب عن سعيد عن ابن عباس قال: قال الله لنبيه {طهر بيتي للطائفين والعاكفين والركع السجود} فالطواف قبل الصلاة. وقد قال رسول الله (ص) ((الطواف بمنزلة الصلاة إلا أن الله قد أحل فيه المنطق فمن نطق فلا ينطق إلا بخير)).
قال الحاكم بعد روايته: "صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه وإنما يعرف هذا الحديث عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير" وقال الذهبي في تلخيصه: ((إنما المشهور لحماد بن سلمة عن عطاء)).
قلت: مراد الذهبي هنا ما أخرجه الحاكم عقبه (2/ 267) من طريق حماد بن سلمة عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: قال الله لنبيه {طهر بيتي للطائفين والعاكفين والركع السجود} فالطواف قبل الصلاة.
وحماد قد اختلف في سماعه من عطاء أهو قبل الاختلاط أم بعده؟
فنص بعضهم بصحة سماعه منه قبل الاختلاط كابن معين في رواية الدوري عنه وأبي داود وابن الجارود والطحاوي وحمزة الكتاني وغيرهم (التهذيب 7/ 204 والكواكب النيرات ص 325).
وذهب آخرون منهم العقيلي ونقله عن يحيى القطان (الضعفاء 3/ 339 وانظر التهذيب أيضا) وابن معين في رواية أخرى عنه أن جميع من روى عنه كان في حال الاختلاط إلا شعبة والثوري (الكامل 5/ 362) ومنهم أيضا عبدالحق الأشبيلي ذكره عنه في الكواكب النيرات.
والأشبه الجمع بين القولين بأن حماد بن سلمة قد سمع من عطاء في الحالين ولكن لم يتميز هذا عن هذا وهو لا يتنافى مع نصوص أولئك الأئمة إن صحت الرواية عنهم وإلى هذا مال الحافظ في التهذيب (7/ 207) وكان قد رجح في التلخيص (1/ 248) القول الأول.
وعلى كل؛ فإن حماد بن سلمة قد تفرد به عن سائر أصحاب عطاء؛ والله أعلم.
أما الحافظ في التلخيص فإنه قال (1/ 130): ((صحح الحاكم إسناده وهو كما قال فإنهم ثقات)) ثم قال بعد ذلك: ((إنها سالمة من الاضطراب إلا أني أظن أن فيها إدراجا والله أعلم))وهذا الإدراج يعني به قوله: ((قال رسول الله (ص)))."
وبعد كل الحديث الطويل الذى لا يهمنا ولا يهم القارىء لأن المفروض قبل اتعاب النفس واتعاب الغير هو البحث عن صحة المتن فذلك أفضل للمعرفة والدعوة وأوفر للجهد
وحكم الغصن على الحديث فقال:
خلاصة الحكم على الحديث:
يتلخص مما سبق أن الحديث قد جاء عن ابن عباس من طريق طاوس بن كيسان وسعيد بن جبير.
أما طاوس بن كيسان فقد اختلف عليه فيه على أوجه وأصحها رواية ابنه عبد الله بن طاوس وإبراهيم بن ميسرة كلاهما عنه به موقوفا وهي التي صححها الأئمة كما تقدم.
وأما سعيد بن جبير فقد جاء عنه من طريقين اثنين وفي كلا الطريقين كلام.
وتقدم أيضا أن من جعله من مسند عبد الله بن عمر فقد أخطأ وخالف الجماعة الذين جعلوه من مسند ابن عباس رضي الله عنهم أجمعين."
وما سبق من كلام ليس حكما على الحديث بالصحة أن البطلان كما هو المفروض وإنما حكم على أنه حديث موقوف وليس مرفوع وكان المفروض أن بحكم ببطلانه لوجود علل عدة في أسانيده مثل أقوال الغصن :
-"ليث بن أبي سليم لأنه ضعيف"
-"رفعه عن إبراهيم محمد بن عبد الله بن عبيد بن عمير وهو ضعيف"
-"عطاء بن السائب وهو صدوق قد اختلط بأخرة"
وروى زيادة في احدى الروايات وهى :
"قال: قال الله لنبيه {طهر بيتي للطائفين والعاكفين والركع السجود} فالطواف قبل الصلاة"."
وهى زيادة باطلة لأن الصلوات تكون قبل وبعد الطواف فهذا الكلام يصح لو أنها صلاة واحدة في اليوم
اجمالي القراءات
1695