نقد الرسالة الفصيحة في فهم حديث الدين النصيحة
نقد الرسالة الفصيحة في فهم حديث الدين النصيحة
معد البحث هو عبد العلي بلامين وهو يدور حول شرح حديث الدين النصيحة وذكر رواياته وفى مقدمته القصيرة قال بلامين:
"أما بعد:
فهذا بحث متواضع قمت بإعداده تحت عنوان"الدين النصيحة " أسأل الله تبارك وتعالى أن ينفع به"
وقد استهل البحث بذكر الروايات ومواضعها فى الكتب وهى :
1 – نص الحديث:
قال الإمام مسلم:
حدثنا محمد بن عباد المكي حدثنا سفيان قال: قلت لسهيل: إن عمرا حدثنا عن القعقاع عن أبيك. قال: ورجوت أن يسقط عني رجلا. قال: فقال: سمعته من الذي سمعه منه أبي كان صديقا له بالشام. ثم حدثنا سفيان عن سهيل عن عطاء بن يزيد عن تميم الداري أن النبي (ص)قال: الدين النصيحة قلنا لمن ؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم.
2 - درجة صحة الحديث
هذا الحديث أخرجه مسلم في صحيحه – كتاب الإيمان: ( باب: بيان أن الدين النصيحة ) رقم 55 – من رواية سهيل عن عطاء بن يزيد الليثي عن تميم الداري. ورواه أيضا من طريق روح بن القاسم قال: حدثنا سهيل عن عطاء بن يزيد أنه سمعه وهو يحدث أبا صالح عن تميم الداري بمثله
وأخرج البخاري في صحيحه ما تضمنه هذا الحديث ضمن كتاب الإيمان – باب قول النبي (ص)" الدين النصيحة لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم " وقوله تعالى: " إذا نصحوا لله ورسوله" رقم 57 " – عن جرير بن عبد الله قال: " بايعت رسول الله (ص)على إقام الصلاة وإيتاء الزكاة والنصح لكل مسلم".
فالبخاري جعل الحديث الذي أخرجه مسلم عن تميم الداري عنوانا لآخر باب في كتاب الإيمان، ولم يخرجه – البخاري - مسندا لكونه على غير شرطه، لكنه نبه بإيراده على صلاحيته في الجملة وأنه عمل بمقتضاه في الإرشاد إلى العمل بالحديث الصحيح دون السقيم
ونصيحة البخاري للمسلمين تكمن في جمعه للأحاديث الصحيحة وتبويبها لهم وإخراجها بهذا التصنيف الرائع فكانت نصيحة نقية صافية من شوائب الأحاديث السقيمة.
وروي هذا الحديث من طريق أخرى عن أبي هريرة اختلف فيها العلماء، يقول ابن رجب الحنبلي:" وقد روي عن سهيل وغيره عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي (ص) وخرجه الترمذي من هذا الوجه، فمن العلماء من صححه من الطريقين جميعا، ومنهم من قال: إن الصحيح حديث تميم والإسناد الآخر وهم " وقال البخاري في تاريخه:" لا يصح إلا عن تميم"وللحديث طرق دون هذه في القوة، منها ما أخرجه أبو يعلى من حديث ابن عباس والبزار من حديث ابن عمر"
ونجد الروايات المذكورة فى السابق متناقضة فرواية البخارى تجعل النصح لخمسة هم "الله وكتابه ورسوله وأئمة المسلمين وعامتهم" بينما رواية مسلم تقتصر على أن النصح لكل مسلم وهو ما يعنى الرسول(ص) والأئمة والعامة أى لثلاثة وهو تناقض عددى
وبعد ذلك شرح الرجل ألفاظ الحديث خاصة معنى النصيحة فقال :
"3 - شرح الألفاظ:
الدين: الإسلام كله ، إذ مدار الإسلام على هذا الحديث
النصيحة في اللغة والاصطلاح:
يقصد بالنصيحة في اللغة: الخلوص من الشوائب، فيقال: عسل ناصح أو نصوح، إذا لم يشبه شيء، وكل شيء خلص، فقد نصح، ونصح القول إذا أخلصه له، فالنصح نقيض الغش
كما يقصد بها التئام شيئين بحيث لا يكون ثم تنافر بينهما، فالنصح مصدر قولك: نصحت الثوب إذا خطته ومنه يقال للإبرة: المنصحة وللخياط: الناصح، ويقال للأرض المتصلة بالغيث أو المتصل نباتها بعضه ببعض: أرض منصوحة
والنصيحة اصطلاحا: إخلاص النية من الغش للمنصوح لهو يعبر عنها ابن حجر العسقلاني قائلا:" والمعنى أنه يلم شعث أخيه بالنصح كما تلم المنصحة، ومنه التوبة النصوح، كأن الذنب يمزق الدين والتوبة تخيطه "
الدين النصيحة: يحتمل أن يحمل على المبالغة، أي: معظم الدين النصيحة، كما قيل في حديث " الحج عرفة"، ويحتمل أن يحمل على ظاهره لأن كل عمل لم يرد به عامله الإخلاص فليس من الدين.
وقال الخطابي: النصيحة كلمة جامعة معناه حيازة الحظ للمنصوح له، وهي من وجيز الكلام، بل ليس في الكلام كلمة مفردة تستوفى بها العبارة عن معنى هذه الكلمة قالوا: لمن يا رسول الله ؟: واللام هنا في قولهم: "لمن" للاستحقاق، يعني: من يستحقها في الدين؟ فأجابهم النبي (ص)بقوله: "لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم""
بالقطع كلمة الدين النصيحة كلمة خاطئة فالدين ليس النصيحة وإنما الدين هو الإسلام كما قال تعالى :
" إن الدين عند الله الإسلام"
ومن ثم فالنصيحة تكون من الناس للناس ومن ثم لا يمكن أن يكون الدين النصيحة وهذا هو ما أكدته الرواية الثانية" والنصح لكل مسلم"وهو ما أكدته كلمة نوح (ص) :
" ولا ينفعكم نصحى إن أردت أن أنصح لكم"
وأما الدين فهو من الله وليس من الناس كما قال تعالى :
"شرع لكم من الدين "
ثم قال :
"4 - الفكرة المحورية:
وجوب الامتثال لأوامر الله والرسول (ص)ومحبتهما، ويتجلى ذلك في العمل بالكتاب والسنة، والسمع والطاعة للإمام في الأمور الشرعية، وتحقيق التناصح بين عامة المسلمين بالإخلاص وحب الخير لهم.
5 - المعنى الإجمالي:
هذا الحديث عظيم الشأن ومن جوامع كلم الرسول الكريم (ص)وعليه مدار الإسلام، فلو عمل أفراد المسلمين وجماعتهم بما تضمنه من معاني النصيحة لنالوا سعادة الدنيا والآخرة ولعاشوا إخوة متحابين تجمعهم عقيدة واحدة وراية واحدة ومنهج واحد في حياتهم.
قال الحافظ أبو نعيم: هذا الحديث له شأن عظيم، وعن أبي داود أن هذا الحديث أحد الأحاديث التي يدور عليها الفقه وذكر محمد بن أسلم الطوسي أنه أحد أرباع الدين.
وقال النووي: بل هو وحده محصل لغرض الدين كله لأنه منحصر في الأمور التالية:
1 – النصيحة لله:
وذلك بالإيمان به سبحانه وتعالى والاعتقاد الجازم بأنه رب كل شيء ومليكه، وأنه الخالق وحده، المدبر للكون كله، وأنه هو الذي يستحق العبادة وحده لا شريك له، وأن كل معبود سواه، فهو باطل وعبادته باطلة، قال تعالى:" ذلك بأن الله هو الحق وأن ما تدعون من دونه هو الباطل وأن الله هو العلي الكبير" وأنه سبحانه وتعالى متصف بصفات الكمال ونعوت الجلال، منزه عن كل نقص وعيب وهذا هو التوحيد بأنواعه الثلاثة: توحيد الربوبية، وتوحيد الألوهية، وتوحيد الأسماء والصفات."
هناك معضلة كبيرة فى الحديث وهى النصح لله فتفسيره السابق تفسير باطل فمعنى العبارة النصح لله تعنى أن الله تعالى عن ذلك محتاج للناس فهو يعرفونه الحق من الباطل لأن النصيحة هى تعريف الغير الحق من الباطل ليتبع المنصوح الحق ويترك الباطل وهو ما يناقض قوله تعالى :
" إن الله لغنى عن العالمين "
فالله لا يحتاج لأى شىء من أى مخلوق
وتفسير بلامين أو من نقل عنهم هو" بالإيمان به سبحانه وتعالى والاعتقاد الجازم بأنه رب كل شيء ومليكه، وأنه الخالق وحده، المدبر للكون كله، وأنه هو الذي يستحق العبادة" يعنى أن النصح للإنسان وليس لله فكيف نجعل الله فى الحديث هو الإنسان فى التفسير
الغريب ان بلامين بنى على تفسيره الذى هو تفسير الكثيرين توحيد مقسم لثلاث أقسام لا علاقة لكل ما ذكره فيها من كلام بموضوع الحديث فقال :
"توحيد الربوبية:
والنصيحة لله في ربوبيته تتجلى في الإقرار بأن الله وحده هو الخالق للعالم، وهو المدبر، المحيي، المميت، وهو الرزاق، ذو القوة المتين المتصرف في هذا الملكوت وحده، لاشريك له في ربوبيته، ولا في تدبيره للأمر، ما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن، يحكم ما يشاء، ويفعل ما يريد.
والإقرار بهذا النوع مركوز في الفطر، ...ولم ينكر توحيد الربوبية ويجحد الرب إلا شواذ من المجموعة البشرية- هل تحس منهم من أحد أو تسمع لهم ركزا- لم يحققوا النصيحة لله، وإنما حققوها للطبيعة والمادة اللتين تشهدان أنه لا إله إلا الله.
توحيد الألوهية:
والنصيحة لله في ألوهيته هي أن يعبد وحده بجميع أنواع العبادات، وألا يتوجه بشيء من العبادات إلا له سبحانه وتعالى، فمن دعا غير الله، أو ذبح أو نذر لغير الله، أو استعان أو استغاث بميت أو حي حاضر فيما لا يقدر عليه إلا الله، فقد أشرك الشرك الأكبر وأذنب الذنب الذي لا يغفر إلا بالتوبة...
توحيد الأسماء والصفات:
والنصيحة لله في أسمائه وصفاته تكمن في إثبات ما أثبته الله لنفسه أو أثبته له رسوله من صفات الكمال، ونفي ما نفاه الله عن نفسه أو نفاه رسوله من صفات النقص، على حد قول الله تعالى: " ليس كمثله شيء وهو السميع البصير"
...فهذه الأمور كلها واجبة الإقامة بجميع الجوارح وحسب الطاقة، يقول ابن رجب الحنبلي :" فالفرض منها – أي النصيحة - مجانبة نهيه وإقامة فرضه بجميع جوارحه ما كان مطيقا له، فإن عجز عن الإقامة بفرضه لآفة حلت به من مرض أو حبس، أو غير ذلك عزم على أداء ما افترض عليه متى زالت عنه العلة المانعة له، قال الله عز وجل:" ليس على الضعفاء ولا على المرضى ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون حرج إذا نصحوا لله ورسوله ما على المحسنين من سبيل والله غفور رحيم" فسماهم محسنين لنصيحتهم لله بقلوبهم لما منعوا من الجهاد بأنفسهم، وقد ترفع الأعمال كلها عن العبد في بعض الحالات ولا يرفع عنهم النصح لله، فلو كان من مرض بحال لا يمكنه عمل شيء من جوارحه بلسان ولا غيره غير أن عقله ثابت لم يسقط عنه النصح لله بقلبه وهو أن يندم على ذنوبه، وينوي إن صح أن يقوم بما افترض الله عليه ويجتنب ما نهاه عنه وإلا كان غير ناصح لله بقلبه"
...إذا فالنصيحة لله منقسمة إلى ما أوجبه الشرع في حق الله، فيكون واجبا، وإلى ما استحبه، فيكون من النصيحة المستحبة."
وكل هذا الكلام يتناسى معنى أن النصح لله وليس النصح للإنسان فكل ما قاله بلامين ومن نقل عنهم يتحدث عن نصيحتهم لفنسان فهو المطلوب منه العبادة والإيمان وغيره مما قالوا
وشرح معنى النصح للكتاب فقال :
2 – النصيحة للكتاب:
ومعنى ذلك أن يعطى القرآن حقه، و يوقن بأنه كلام الله تعالى، وأنه الحجة البالغة إلى قيام الساعة.وأن هذا القرآن فيه الهدى والنور، قال تعالى: " إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم" الإسراء 5
وكذلك:
" 1 – الإيمان بمتشابهه كالإيمان بمحكمه
2 – العمل بما جاء به من أحكام وتشريعات.
3 – الدفاع عنه عند طعن الطاعنين، وتأويل المحرفين، ولا يتم ذلك إن اتخذنا القرآن الكريم الذي هو مصدر علوم الأولين والآخرين وراء ظهورنا، أو زينا به حجراتنا ومراكبنا على هيئة تمائم وتعاويذ...."
يقول الإمام النووي كلاما نفيسا جامعا لما ينصح به كتاب الله تعالى: " وأما النصيحة لكتابه سبحانه وتعالى فالإيمان بأنه كلام الله تعالى وتنزيله لا يشبهه شيء من كلام الخلق، ولا يقدر على مثله أحد من الخلق، ثم تعظيمه وتلاوته حق تلاوته وتحسينها والخشوع عندها وإقامة حروفه في التلاوة والذب عنه لتأويل المحرفين وتعرض الطاعنين والتصديق بما فيه، والوقوف مع أحكامه، وتفهم علومه وأمثاله، والاعتبار بمواعظه، والتفكر في عجائبه، والعمل بمحكمه، والتسليم لمتشابهه، والبحث عن عمومه وخصوصه وناسخه ومنسوخه، ونشر علومه"
وهذا الكلام هو خبل صريح ممن قالوا فالنصيحة للكتاب من معناها وهو بيان الحق من الباطل لا تنفع مع الكتاب لأن الكتاب هو من يبين الحق من الباطل والنصح للكتاب هو أمر جنونى تماما فليس بإنسان حتى ننصحه ليتبع الكتاب والكتاب لا يتبادل الحديث مع الناس حتى يسمع نصحهم
وأما النصيحة للرسول(ص) فقد شرحها بالقول:
"3 – النصيحة للرسول:
قال الإمام النووي:" وأما النصيحة للرسول الله (ص)فتصديقه على الرسالة، والإيمان بجميع ما جاء به، وطاعته في أمره ونهيه، ونصرته حيا وميتا، ومعاداة من عاداه وموالاة من والاه، وإعظام حقه وتوقيره، وإحياء طريقته وسنته، وبث دعوته ونشر شريعته ونفي التهمة عنها واستثارة علومها، والتفقه في معانيها والدعاء إليها، والتلطف في تعلمها وتعليمها وإعظامها وإجلالها، والتأدب عند قراءتها، والإمساك عن الكلام فيها بغير علم، وإجلال أهلها لانتسابهم إليها، والتخلق بأخلاقه والتأدب بآدابه، ومحبة أهل بيته وأصحابه، ومجانبة من ابتدع في سنته أوتعرض لأحد من أصحابه ونحو ذلك"
ومن النصيحة للرسول (ص)أن يؤمن العبد بأنه -عليه الصلاة والسلام- هو خاتم الأنبياء والمرسلين، وأن كل دعوة للرسالة بعده -عليه الصلاة والسلام- كذب وزور وباطل وطغيان، وأنه يحب -عليه الصلاة والسلام- لأمر الله جل وعلا بذلك، فتقدم محابه على محاب العبد."
وكما خالف بلامين معنى النصيحة الذى ذكره وهو إخلاص النية من الغش للمنصوح فى الله وكتابه خالف فى الرسول (ص) فذكر أن المعنى الإيمان به وطاعته وهو ما يخالف أنه تذكيره بالحق
والنصيحة للرسول (ص) تكون فى حياته واما بعد موته فلا مجال لها ثم قال:
"4 – النصيحة لأئمة المسلمين:
أما لفظ "ولي الأمر" فإنه في الأصل يعنى به الإمام العام للمسلمين؛ لأن ولاة الأمر في عهد الخلفاء الراشدين، وفي عهد معاوية، كانوا يجمعون بين فهم الدنيا وفهم الشريعة.
وأما بعد ذلك فقد قال العلماء: إن ولاة الأمر -كلا فيما يخصه - ، هم العلماء والأمراء؛ فالأمراء في الأمور الدنيوية وكل ما يتعلق بالمسلمين العامة، والعلماء في الأمور الدينية.
العلماء:
والنصيحة لهم - يعني العلماء- أن تحبهم لأجل ما هم عليه من الدين، وما يبذلون للناس من العلم والخير، وأن ينصروا فيما يقولونه من أمر الشريعة، وفيما يبلغونه عن الله -جل وعلا-، وأن يذب عنهم ، وعن أعراضهم، وأن يحبوا أكثر من محبة غيرهم من المؤمنين؛ لأن الله - جل وعلا- عقد الولاية بين المؤمنين بقوله: " والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض"
يعني: بعضهم يحب بعضا، وينصر بعضا، ومن المعلوم أن أعلى المؤمنين إيمانا هم الراسخون في العلم، أو هم أهل العلم العاملون به، كما قال -جل وعلا-: "يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات "
فالنصيحة لأهل العلم أن يحبوا، وأن يذب عن أعراضهم، وأن يؤخذ ما ينقلونه من العلم، وأن ينصروا فيما نصروا فيه الشريعة ، وأن تحفظ لهم مكانتهم ، وهذه كلها حقوق واجبة لهم؛ لأن لهم في الملة مقام عظيم، وإذا طعن في أهل العلم، أو لم تبذل لهم النصيحة الواجبة بهذا المعنى، فإن ذلك يعني أن الشريعة تضعف في الهيبة في نفوس الناس؛ فإنه إذا نيل من العالم، أو لم ينصر، ولم يحترم فإن الشريعة تضعف في نفوس الناس، فإنه إنما ينقلها أهل العلم.وما أفلح قوم – والله – أهانوا علماءهم، واستخفوا بهم، وضربوا بأقوالهم عرض الحائط، وما تخلق رجل أهان من أعزه الله بفقه شريعته.
الأمراء والحكام:
قال الإمام النووي: "وأما النصيحة لأئمة المسلمين فمعاونتهم على الحق وطاعتهم فيه وأمرهم به، وتنبيههم وتذكيرهم برفق ولطف، وإعلامهم بما غفلوا عنه ولم يبلغهم من حقوق المسلمين، وترك الخروج عليهم، وتألف قلوب الناس لطاعتهم. قال الخطابي رحمه الله: ومن النصيحة لهم الصلاة خلفهم، والجهاد معهم، وأداء الصدقات إليهم، وترك الخروج بالسيف عليهم، إذا ظهر منهم حيف أو سوء عشرة، وأن لا يغروا بالثناء الكاذب عليهم، وأن يدعى لهم بالصلاح."
فالنصيحة لأئمة المسلمين أن يعطوا حقهم الذي أعطاهم الله -جل وعلا-، وبينه -تعالى- في الكتاب، وبينه رسول الله (ص)في السنة؛ من طاعتهم في المعروف، قال تعالى:" يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم "وعدم طاعتهم في المعصية ، لكن لا يجوز الخروج عليهم بسببها ،لقوله (ص)" ألا من ولي عليه وال فرآه يأتي شيئا من معصية الله فليكره ما يأتي من معصية الله ولا ينزعن يدا من طاعة "و" من خرج من الطاعة وفارق الجماعة فمات مات ميتة جاهلية " وقال (ص) " على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحب وكره إلا أن يؤمر بمعصية فإن أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة " فلا يجوز منازعة ولاة الأمور ولا الخروج عليهم إلا أن يظهر منهم كفر بواح (أي ظاهر مكشوف) وكانت لهم قدرة على ذلك، أما إذا لم يكن عندهم قدرة فلا يخرجوا، أو كان الخروج يسبب شرا أكثر فليس لهم الخروج رعاية للمصالح العامة، وللقاعدة الشرعية المجمع عليها( أنه لا يجوز إزالة الشر بما هو شر منه بل يجب درء الشر بما يزيله أو يخففه) وأما درء الشر بشر أكثر فلا يجوز بإجماع المسلمين.
أيضا من النصيحة لهم أن تنبههم على ما يخطئون فيه، وما يتجاوزون فيه الشرعية لمن وصل له، وهذه المرتبة -كما قال ابن دقيق العيد في شرحه وغيره-: هذه فرض كفاية تسقط بفعل البعض من أهل العلم ونحوهم.
وهذه النصيحة الخاصة لولاة الأمر لها شروط وضوابط:فمن ذلك أن تكون النصيحة برفق، وسهولة لفظ؛ لأن حال ولي الأمر - في الغالب- أنه تعز عليه النصيحة، إلا إذا كانت بلفظ حسن. وقد قال -جل وعلا- لموسى وهارون: "فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى"
ومن الشروط في ذلك أن تكون النصيحة لولي الأمر سرا وليست بعلن؛ لأن الأصل في النصيحة بعامة -لولي الأمر ولغيره- أن تكون سرا بمعنى: أنه لا يعلم بها من جهة الناصح إلا هو، وألا يتحدث بها - بأنه نصح الأمير-؛ لأنه ربما أفسد المراد من النصيحة بذكره ، وصعب قبول النصيحة بعد اشتهار أن ولي الأمر قد نصح.
وفي صحيح البخاري -أيضا-: " أن أسامة بن زيد جاءه جماعة، وقالوا له: ألا تنصح لعثمان؟ ألا ترى ما نحن فيه؟ فقال: أما إني لا أكون فاتح باب فتنة وقد بذلته له سرا " أو كما جاء عن أسامة بن زيد في صحيح البخاري .
فدل ذلك على اشتراط أن تكون النصيحة سرا وسئل مالك بن أنس: أيأتي الرجل إلى السلطان فيعظه وينصح له ويندبه إلى الخير ؟ فقال: إذا رجا أن يسمع منه، وإلا فليس ذلك عليه. وقال أبو عمر: " إن لم يكن يتمكن نصح السلطان فالصبر والدعاء فإنهم كانوا ينهون عن سب الأمراء "وإلى غير ذلك من الشروط والآداب التي سيأتي ذكرها في النصح للعامة."
وتقسيم ولاة الأمر لعلماء وأمراء لا دليل عليه فولى ألأمر هو من يكون مسئولا عن غيره سواء كانوا قليلا أو كثيرا وولى ألأمر لابد أن يكون عالما وإلا فلا ولاية له لأن الله اشترط فى الولى أن يكون عالما فقال :
" وزاده بصطة فى العلم والجسم"
وأخيرا تحدث عن نصيحة عامة المسلمين فقال :
5 – النصيحة لعامة المسلمين:
وأما النصيحة لعامة المسلمين فهي إرشادهم لما فيه صلاحهم في الدنيا والآخرة، بأن يحبوا في الله، وأن ينصروا في الحق، وأن يتعاون معهم على الخير والهدى، وألا يتعاون معهم على الإثم والعدوان، وأن يبين لهم الحق.
و أن تبذل وتحكم فيهم بشرع الله، وأن تعطيهم حقهم، وأن تلزمهم بأمر الله -جل وعلا- إذا كانوا تحت يدك، وهذا على قدر الاستطاعة.
قال ابن الصلاح: "والنصيحة لعامة المسلمين: إرشادهم إلى مصالحهم وتعليمهم أمور دينهم ودنياهم وستر عوراتهم... ونصرتهم على أعدائهم والذب عنهم ومجانبة الغش والحسد لهم، وأن يحب لهم ما يحب لنفسه ويكره لهم ما يكره لنفسه."
فالواجب على العاقل لزوم النصيحة للمسلمين كافة وترك الخيانة لهم، لكن النصح يجب أن يكون بأدب وضوابط: ومنها:
1 – أن تكون خالصة لله ،لا من أجل الاستهزاء أو التعيير ...
2 – أن تكون بالسر قال: الفضيل: " المؤمن يستر وينصح والفاجر يهتك ويعير "وقال ابن رجب الحنبلي: وكان السلف يكرهون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على هذا الوجه، ويحبون أن يكون سرا فيما بين الآمر والمأمور، فإن هذا من علامات النصح، فإن الناصح ليس له غرض في إشاعة عيوب من ينصح له، وإنما غرضه إزالة المفسدة التي وقع فيها."
فشتان بين من قصده النصيحة وبين من قصده الفضيحة، ولا تلتبس إحداهما بالأخرى إلا على من ليس من ذوي العقول الصحيحة. "
اشتراط كون نصح المسلم فى السر لا وجود له فى الوحى فالنصح يكون فى العلن كما يكون فى السر فالسر يكون فى أول الأمر إذا لم يكن جريمة متعلقة بحقوق الغير وأما عند استمرار المعصية فتكون النصيحة فى العلن ثم قال :
3 – أن تكون وجيزة ولينة، قال تعالى: " ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة" وقال تعالى مخاطبا نبيه " ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر "
4 – أن تكون من المطبقين لها، حتى لا ينطبق عليك قول الله تبارك وتعالى: " أتامرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون "
5 – أن تلقى النصيحة بطريقة التواضع.
6 – أن تتخير المكان والزمان والمناسبة التي يسدى فيها نصحه وإرشاده تماما، مثلما تتخير الأسلوب والعبارات اللائقة."
والشىء الوحيد الذى نجح فى تفسيره بلامين هو النصح للمسلمين لأنه طبق معنى النصح الذى ذكره فى أول الكتاب بينما فشل فى الأربعة الأول
وقد علق على الحديث فقال :
"6 – التعليق:
يعتبر حديث "الدين النصيحة" خلاصة لما تهدف إليه الشريعة الإسلامية عقيدة وعبادة ومعاملة.
فهذا الحديث على وجازة ألفاظه وبلاغة عباراته، يمكن تنزيله على ما نعيشه في مجتمعنا:
1 – بعض الناس في مجتمعنا – هداهم الله – يدعون غير الله في أي مكان، ولو لم يكونوا عند القبر، كمن يقول: يا رسول الله! عند قيامه أو مفاجأته بشيء غريب!! أو يقول: المدد يا رسول الله ! أو: يا فلان... وإذا نصحوا قالوا: نحن نعلم أن هؤلاء ليس لهم من الأمر شيء، ولكن هؤلاء أناس صالحون، لهم جاه عند الله، ونحن نطلب بجاههم وشفاعتهم!!
فنسي هؤلاء – غفر الله لهم – قول الله تبارك وتعالى: " ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله قل أتنبئون الله بما لا يعلم في السماوات ولا في الأرض سبحانه وتعالى عما يشركون" وقوله تعالى: " ألا لله الدين الخالص والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى إن الله يحكم بينهم في ما هم فيه يختلفون إن الله لا يهدي من هو كاذب كفار""
وهذا الكلام لا يمكن أن يكون معناه النصح لله لأن النصح لله ممتنع تماما وكذلك لكتابه ثم قال :
2 – انتشار الرذيلة والفسق بين أفراد المجتمع، فتارة تسمع من يسب الله تبارك وتعالى، وتارة تسمع من يسب الدين وهلم جرا، فإذا نصحتهم وأردت الخير لهم، كان جزاءك الشتم والتعيير بأنواع الألقاب المشهورة " تزمت وتطرف، وتعقد .."، قال تعالى: "هل جزاء الاحسان إلا الاحسان"
ولله در الشاعر حين قال:
لقد أسمعت لو ناديت حيا ولكن لا حياة لمن تنادي
ولو نارا نفخت بها أضاءت ولكن أنت تنفخ في رماد
3 – تفشي الغش والكذب والحسد بين أفراد المجتمع، فالبائع يغش في البيع فلا يقيم الوزن بالقسط، والتاجر يكذب في تجارته والمعلم يغش التلاميذ بتهاونه في شرحه وتبليغه الرسالة، والأب يغش أبناءه فلا يربيهم على طاعة الله عز وجل ولا يسأل عنهم وعن أحوالهم. والطالب يسأل صديقه حول ما قاله الأستاذ في غيابه، فيضلله.فأين محبة الخير لعامة المسلمين والنصح والإخلاص لهم؟.
4 – لقد طغت الأقوال على الفعال في أيامنا هذه ولا حول ولا قوة إلا بالله، وأصبح الناصح غير منصوح في حد ذاته، بحيث يقف الرجل أمام الملأ فيحلل ويحرم، ويوعظ ويوجه، ويبشر ويحذر فتذرف من أقواله الدموع، وتتسربل القلوب بالخشوع.
ثم تراه إذا فارق مجلسه فارق مبادئه، وأقواله وخالفها بفعل الحرام وإتيان الموبقات والعياذ بالله، قال تعالى:" أتامرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون "
5 – بعض الناس – غفر الله لهم – ينصحون عامة المسلمين بشدة وقوة، فيكونون سببا في ابتعاد المنصوح عن الحق ،قال تعالى: " ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن" وقال تعالى مخاطبا نبيه (ص) " ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر "
ومن هذا يتبين أن الحديث لم يقله النبى(ص) بصيغته المشهورة لامتناع تطبيق معنى النصح على الله وكتابه
اجمالي القراءات
3086