آحمد صبحي منصور Ýí 2015-10-01
( ق2 ف3 ) أ ــ إجتهادات سياسية لإبن خلدون سارية المفعول
كتاب مقدمة إبن خلدون: دراسة تحليلية
القسم الثاني : قراءة في مقدمة إبن خلدون
الفصل الثالث : اجتهادات إبن خلدون لعصره وعصرنا
إجتهادات سياسية لإبن خلدون سارية المفعول
ونعطي لها أمثلة وتفسيرات
1- يقول أن الأوطان كثيرة القبائل والعصائب ( جمع عصبية ) قل أن تستحكم أي تتوطد
فيها دولة [1]. وترجمة هذه العبارة إلى ثقافة عصرنا تعني أن الأوطان كثيرة الأقليات
العنصرية والثقافية والدينية يندر أن تتحكم فيها دولة إذا تمتعت هذه الأقليات بعصبيات
أو قوة مسلحة . واستشهد إبن خلدون بالشمال الأفريقي حيث قبائل البربر وقبائل العرب
، وكلها قوة عسكرية. وقال إن ذلك لايوجد في الشام والعراق ومصر فتمهدت فيها الدول
عكس الشمال الأفريقي . ومعلوم أن الشام والعراق ملئ بالأقليات على اختلاف أنواعها،
ولكنها ليست أقليات مسلحة . لذلك يسهل أن تخضع لحكم مركزي قوي . ويؤكد على
ذلك بالإشارة إلى مصر حيث تخلو من العصبيات ولذلك يسهل إقامة وتوطيد الدولة المركزية
فيها ، وقال إن المصريين غاية في الدعة ، والسلطان راسخ نفوذه ، ومصر عبارة عن
سلطان ورعية . واكتفى بهذا ولم يبحث الموضوع في ضوء الطبيعة النهرية وحاجة
المجتمع الزراعي الممتد حول نهر النيل إلى حكم مركزي يدافع عن العمران ضد
الطامعين فيه ، ويقيم أنظمة الري والصرف وشؤون الزراعة .
2-- وتحت عنوان " كيف يقع الحجاب في الدولة وكيف يتعاظم [2] يشرح ابن خلدون
الإنفصام الذي يحدث بين الحكومة والشعب ، ويقوم بزرع الحاجز بين السلطة الحاكمة والشعب مجموعة الحاشية ، وعندما يتسع نفوذ الملك يحتاج إلى نوعية خاصة من التعامل أو " الإتيكيت " يعرفها الخواص من الملأ أو الحاشية ولا تلبث هذه الحاشية بدورها أن تتخذ لها حاشية ، وهكذا تتعدد الدوائر المغلقة حول السلطان وتتكاثف الحجب ( جمع حجاب ) بينه وبين الشعب ، وتتباعد بينهما المسافات ، إلى أن يفاجأ بسقوط دولته ، وما أشار إليه إبن خلدون ينطبق على السنوات الأخيرة من حكم شاه إيران ، وعلى بعض حكام العالم الثالث حين ترسخ إقدامهم في السلطة . وجدير بالذكر أن القرآن الكريم تحدث عن الملأ الذي ينافق السلطان ، سواء كان إمرأة مثل ملكة سبأ ، أو كان ذكرا مثل حاكم مصر في قصةيوسف ، إلا أنه عندما تحدث عن الملأ في قصةموسى وفرعون فقد ذكر أنواعا مختلفة ومتدرجة من الملأ ، حيث كان فرعون موسى يملك الأرض ومن عليها ، ويمثل أفظع أنواع الإستبداد الذي يصل إلى إدعاء الألوهية .
ثم إن هذا الإستبداد يستلزم درجات من الملأ ومن الحجب ( جمع حجاب ) تبدأ من عند المستبد وتتفرع في قنوات سرية لتصل إلى العمران ، وهذه القنوات تعمل في إتجاه واحد ، هو من الملك المستبد إلى الرعية ، تحمل أوامره ومصائبه للناس ،ولا تقوم بالتوصيل بين الناس والملك ، وبالطبع تستخدم نفوذها في الظلم والفساد . وباعتبارها قناة التوصيل الوحيدة للسلطان التي تأتي له بالمعلومات أو بمعنى أصح التي تحجب عنه المعلومات ، فلا يصل إليه منها إلا ما يفرحه ويسره ، حتى تحل الكارثة ، ولكي تحل الكارثة فإن ذلك السلطان المستبد يقمع كل رأي حر ويجعل مهمة الإعلام والصحافة مقصورة على التهليل والتقديس ، ويصور كل نقد إساءة لشخصه وخيانة وتلطيخا لسمعة الوطن ، حيث يكون هو الوطن والنظام والمجتمع والناس ، وبمرور الزمن تتضخم ذاته حتى تنفجر وينفجر معه نظامه . وسبحان من يرث الأرض ومن عليها .!
3-- والنظم العسكرية في عصرنا أقرب في طبيعتها للدول البدوية التي تتأسس وتقوم بالعصبية العسكرية . ومن هنا فإن بعض ما قالهإبن خلدون عن الدولة البدوية ينطبق على حكم العسكر . يقول إنها في بدايتها وفي نهايتها تحتاج أكثر إلى السيف أو القوة ، ويكون أرباب السيف أوسع جاها وأكثر ثروة ، أما في وسط الدولة فإنها تحتاج إلى أرباب القلم لتنظيم وتكثير الإيرادات . وشواهد عصرنا تؤكد على أن الفترة الأولى من الحكم العسكري يكون النفوذ الأكبر فيها للجيش ، ثم بعد فترة تنتقل السطوة للشرطة السرية والعلنية ، وبسبب القهر والإستبداد والفساد والتجارب الفاشلة يبدأ الإصلاح الجزئي ، وهنا يأتي دور أرباب القلم ، أو الخبراء في الإقتصاد والإدارة ، ولكن لابد أن يكون أولئك الخبراء من أهل الثقة وأصحاب الولاء للحاكم ، وهذا ما لم يغب عن عبقرية إبن خلدون القائل بأن الدولة البدوية تسيطر عصبية السلطان فيها على كل شئ من الأموال والرسائل وغير ذلك ، أي يتحكم فيها أهل الثقة من العسكر ، ثم تضطر الدولة إلى تعيين آخرين مدنيين من أهل الخبرة في الإقتصاد والادارة والكتابة ولكن كانت تجعلهم تحت سيطرة العسكر ، فالدولة المملوكية العسكرية جعلت الأمير المملوكي الداودار – حامل الدواة – هو المسيطر على كاتب السر أو صاحب ديوان الإنشاء ، وهو من غير المماليك.
والمشكلة أن بعض أولئك الموظفين المدنيين الكبار في السلطة العسكرية يتمتعون بالشرط الأساسي ، وهو ثقة السلطان أو الحاكم فيهم ، أي أهل الثقة. إلا أن خبرة بعضهم لا تكون كما ينبغي ، ذلك أنهم في محاولة إكتساب الثقة ينشغلون بالهتاف والتأييد للحاكم على حساب التخصص العلمي أو المهني في مجال عملهم . بينما ينكب المجتهدون على تحصيل العلم والخبرة ، بحيث لا يكون لديهم وقت للرقص أمام السلطان . وحين يحتاج السلطان إلى تعيين خبير فإنه بطبيعة الحال يفضل أهل الثقة فيجعله على قمة الجهاز ، لأن ولاء ذلك المنافق لشخص السلطان القائم في الحكم وليس لمصلحة البلد أو الدولة ، وحين يتربع المنافق على رأس الجهاز يشعر بالنقص العلمي في مواجهة ذلك الخبير المتمكن في العلم ، بينما يشعر الخبير المتمكن في علمه بالإحباط والظلم ، وينتهي الأمر بظلم زائد يقع على الخبير إذا أبدى ضيقا أو إعتزازا بنفسه ، ويفقد الوطن – والدولة – كفاءة لكي يزداد أهل الثقة واحدا إضافيا . ومن هنا فإن الشهرة يحوز عليها من يرضى عنه السلطان ، أي من يتملقون السلطان وينافقونه بينما المتفوق في مجاله قد يترفع عن التملق للسلطان وأصحاب الجاه.
وإبن خلدون مع عبقريته إلا أنه أخضعها لعصره ، من ثوابت فكرية ورموز سياسية ، ومن هنا فإنه لم يتعاطف مع العبقري الذي لم ينافق السلطان وأولى الجاه واعتبره متكبرا ، يقول " وإعلم أن هذا التكبر والترفع من الأخلاق المذمومة ، وإنما يحصل من توهم الكمال ، وأن الناس يحتاجون إلى بضاعته من علم أو صناعة " ، ويصف أولئك الخبراء الأكفاء بأنهم يحقدون على الناس حيث لا يعطيهم الناس ما يستحقون من تكريم . كما أن الناس تمقتهم وتكرهم لتكبرهم واعتزازهم بالنفس ، فيعانون العزلة والفقر ، ولذلك يقرر في موضوع آخر أن الشهرة تأتي بالحظ لمن لا يستحقها وتتجاوز من يستحقها من أهل النبوغ والكفاءة [3].
4-- هذا . . . وفي موضع آخر يشير إبن خلدون إلى قضية معاصرة في عالمنا اليوم، وهي التكنوقراط من كبار البيروقراطية المكتبية الذين يعملون بالسياسة ، وكل خبراتهم مكتبية نظرية بعيدة عن نبض الواقع ، ويصدرون اللوائح والقوانين التي لا تتفق مع الواقع ، ويريدون إخضاع الواقع لهم ، لا أن تخضع قراراتهم للواقع ، وهذا الصنف لم يوجد بهذه المواصفات كلها في عصرإبن خلدون ، إلا أن عقليته النافذة رصدت البدايات ، وهذا ما نفهمه من قوله عن علماء عصره النظريين ، أنهم أبعد عن السياسة ومذاهبها ، لأن السياسة تحتاج إلى مراعاة الواقع واختلافات أحوال العمران حسب الظروف ، لذلك من الخطأ إخضاع الواقع للفكر ، والسياسة هي فن التعامل مع الواقع ، والتعامل مع الواقع يستلزم سياسيا يستطيع التفاهم مع الجماهير على اختلاف مستوياتها الثقافية ، وذلك لا يتأتى لعالم نظري مكتبي ، بل لا يتأتى لذكي ألمعي عبقري يخرج به ذكاؤه عن مستوى عصره ، ومن هنا يرى أن الأفضل في السياسي أن يكون متوسط الذكاء لأنه أقرب إلى الأغلبية.
وفي موضع آخر يفضل أن يكون الحاكم السلطان متوسط الذكاء ، حتى لا يرهق الناس .[4].
وربما يكون رأى ابن خلدون وجيها فى بعض الظروف ، ولكن يظل هناك فارق بين الذكاء والعقل . العقل أكبر من المهارة فى الذكاء. النصّاب ذكى وليس عاقلا ، وقد يكون الحاكم ذكيا جدا يستخدم ذكاءه الخارق فى التآمر والوقيعة ، مثل الخليفة العباسى الناصر الذى تسبب فيما بعد فى تدمير الدولة العباسية بذكائه ( الأحمق ) . العاقل هو من يتدبر العواقب ، سواء كان حاكما أو شخصا عاديا ، بعقله يكتسب الأنصار ويحوّل الخصوم الى أصدقاء أو على الأقل الى محايدين . الأحمق هم من يفعل العكس ، وهناك حاكم جاهل وغبى وبليد وقد يستمر طويلا فى الحكم بسبب ظروف مواتية محلية واقليمية ودوليو . ومع الأسف ، فهذا الصنف متوافر حاليا فى السوق العربية.
5- وهناك إشارات أخرى كثيرة سارية المفعول ، نقتطف منها :
الترف من عوائق الملك ، وبقدر تغلب العصبية أو القوة المسلحة تكون ثروتها ،أي أن الثروة على قدر النفوذ والسلطة ، ولكن الثروة ما تلبث أن تذهب بأصحاب القوة المسلحة إلى الترف والترهل والضعف .
والنصر في الحرب يأتي تبعا للحظ لأسباب خفية وطارئة ، مهما كانت الإستعدادات ، وحيث لا يمكن الوثوق والتأكد من النصر .
وازدهار العاصمة مقترن بازدهار الدولة ، وتتعرض العاصمة للخراب إذا سقطت الدولة ، والدول الكبيرة لا يؤثر فيها اختلال الحاكم .
والأهم من ذلك كله كلمته المأثورة ، أنه كلما إزداد قهر الحاكم للشعب إزدادت الذلة فيهم ، وأن من مصلحة الحاكم والمحكومين الرفق في الحكم [5]. وهى حكمة بالغة ، ولكن من يعمل بها ؟. يقول جل وعلا عن الحكمة التى يعتاد البشر عدم العمل بها : (وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ الأَنْبَاءِ مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ (4) حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ (5) القمر ).!
شكرا شيخنا الدكتور أحمد للتعليق
بالنسبة لرأي بن خلدون القائل ( " وإعلم أن هذا التكبر والترفع من الأخلاق المذمومة ، وإنما يحصل من توهم الكمال ، وأن الناس يحتاجون إلى بضاعته من علم أو صناعة "
فهو بسبب الوضع المختل الإجتماعيا مما يجعل العبقري غير مستوعب بسبب عدم نفاقة للاسباب التي أوردها بن خلدون .
في حال كانت الأمور الإجتماعية مبنية بشكل سليم يكون للعباقرة دورهم في كل شئ دون الحاجة للنفاق للسلطة ( أمريكا مثل حي لذلك ) يبقى عبقريا معتزا بنفسه ..
تاريخ الانضمام | : | 2006-07-05 |
مقالات منشورة | : | 5130 |
اجمالي القراءات | : | 57,289,422 |
تعليقات له | : | 5,458 |
تعليقات عليه | : | 14,839 |
بلد الميلاد | : | Egypt |
بلد الاقامة | : | United State |
أسئلة عن : ( بوتين سيقتل بشار ، سوريا وثقافة الاستبداد والاستعباد )
الغزالى حُجّة الشيطان ( الكتاب كاملا )
خاتمة كتاب ( الغزالى حُجّة الشيطان فى كتابه إحياء علوم الدين )
دعوة للتبرع
ان يكون مسالما: انا كنت سلفية ثم صرت قرءان ية..... الان بقي لي...
لأنهم ظالمون .!: لدي سؤال أتمني من حضرتك أن تجيبن ي عليه ، قال...
أحاديث الشيعة : . جاءت احادي ث كثيره في كتب الشيع ه توافق...
الخلافات الزوجية: بدون سبب تركت زوجتى منزلن ا ومعها ولدى...
ذكر الله فى القلب: أحيان ا أذكر الله جل وعلا فى ضميرى يعنى فى...
more
لماذا فضل بن خلدون أن يكون الحاكم متوسط الذكاء .
السبب الإستبداد والظلم . والأمور لا تمشي في الوضع الطبيعي المفترض .
للتقريب مثلا شيخ الأزهر يجب أن يكون متوسط الذكاء كي لا يرهق الناس .
لو مثلا تم تعيين الشيخ الدكتور أحمد صبحي منصور شيخ للأزهر سيرهق الناس بطلبه مخالفه السائد الذي إعتادوا عليه من التدين الأرضي وسوف يدخل في مهاترات مع شيوخ الازهر ومع العامة ومع السلطة بسبب أنه ذكي في زمن منحط لهذا الحل أن يكون شيخ الازهر متوسط الذكاء من اجل إداراة الموجود دون الدخول في إشكالات .
ماذا يترتب على تعيين الأذكياء في المجتمعات التي تظلم نفسها أولا إستبعادهم ومنعهم من نشاطهم الإصلاحي . فلا هم اصلحوا ولاهم بقوا في مناصبهم ..
السياسة نفس الأمر . بسبب ان المنظومات إستبداية تحتاج ناس يمشوا مع التيار بدون تفكير ( متوسطي الذكاء ) لأنهم إذا كانوا أذكيا سيطلبون وضع الأمور في نصابها وبهذا يرهقون الناس . كما يرى إبن خلدون .
هذا في الدول الإستبدادية ..
أما في المجتمعات العادلة (وفق القوانين الفطرية ) ( كلما كان الحاكم أكثر ذكا كلما كان أفضل )
لهذا تجد الدول الأكثر عدالة في العالم تدفع بأذكيائها إلى الأعلى . مثل أمريكا ودول الغرب وإسرائيل .
بينما المجتمعات المستبدة التي تظلم بعضها البعض يتم محاربة الأذكياء وتهميشهم .
ملاحظة بن خلدون لموضوع ذكاء الحاكم سببه الواقع الذي رأه ففضل ان يكون الحاكم متوسط الذكاء .. لم يقل عديم الذكاء لأن ذلك غير صالح للأمور السياسية اساسا وكذلك لغيرها غالبا . المطلوب متوسط يمشي مع الوضع ويرضي الناس على حق وعلى باطل بدون إستغراق في التفكير ..
رأي بن خلدون بأن الحاكم الذكي غير مناسب للسياسية يتلائم مع مقدمته التي شرحت الظلم السائد حينها .
المقدمة لها قوانين موحده فيما يخص علم العمران تتناغم مع بعضها ، فإذا مثلا أردنا عنونه فصل فيما يخص ذكاء الحاكم وقلنا (كلما كان الحاكم أكثر ذكاء كلما كان أنسب للسياسة ) هذا يحتاج تغيير أغلب محتوى المقدمة كي تتناغم الفصول الخاصة بالعمران مع الوضع الجديد . أي تغيير المقدمة جملة وتفصيلا ، أو إعتبار مقدمة بن خلدون شرحت المشاكل (التي تجعل الذكي غير مرغوب به ) والإتيان بالجزء الأهم أو المطلوب الذي يجعل للذكي الأولوية في تخصصة في كل المجالات بما يعود على الناس بالخير والرخاء ووفرة العمران وتوسعه وإستمراراه وديمومته ..