تعرف مدينة بورسعيد بإسم "المدينة الباسلة" أسسها الخديوي سعيد، يوم 25 من إبريل عام 1859 م، بعد أن أعلن فريناند ديلسبس، بدأ الحفر في قناة السويس، وتعد بورسعيد من أهم المدن لمصرية تاريحيآ وجغرافيآ للأسباب الآتية :

 

أولآ/ أن بورسعيد تقع شمال قناة السويس، وهي أهم ممر ملاحي في العالم. 

ثانيآ/ أن بورسعيد هي أحد الخطوط الرئيسية عسكريآ كنقطة دفاع أولى من الجهة الشرقية. 

ثالثآ/ دفعت بورسعيد بالعديد من أبنائها دفاعآ عن مصر، عام 1956، و 1967، و1973، ومنها خرج الفدائيون، الذين قدموا أمثلة رائعة في الدفاع عن الوطن. 

رابعآ/ تعد بورسعيد ثالث أكبر إقتصاد، كترتيب بين محافظات مصر، يسبقها القاهرة في المركز الأول والإسكندرية في المركز الثاني. 

 

من خلال رصد أهمية بورسعيد، يتضح أن المدينة حديثة بالقياس بمدن مصر العديدة الأخرى، إلا أن جغرافية المدينة، فرضت عليها ظروف تاريخية لم تتوافر لغيرها من المدن، بيد أن المدينة وشعبها كانت مواقفهم مشرفة تجاه ما تعرضت مدينتهم إليه في التاريخ المعاصر، مما جعلها "المدينة الباسلة". 

 

ومن خلال ما قدمته المدينة الباسلة إلى الوطن من تضحيات، فرض ذلك على حكام مصر أن يعاملوا بورسعيد معاملة خاصة، فعلى سبيل المثال :

 

- كان الزعيم جمال عبد الناصر، يشيد مرارآ وتكرارآ ببطولات شعب بورسعيد، وقام عبدالناصر بتوزيع أراضي شريط خط القناة على عائلات الفدائيين من أهالي المدينة، بعد العدوان الثلاثي عام 1956، وبعد التهجير الذي لحق نكسة 1967، أصدر الزعيم جمال عبد الناصر تعليماته بأن يعامل شعب بورسعيد معاملة خاصة، فهي المحافظة المظلومة إقليميآ بعد التهجير ! فلا هي كمحافظة الإسماعيلية ولا هي كمحافظة السويس. 

 

- عندما إنتصرت مصر في حرب 1973 م، أراد الرئيس السادات تكريم بورسعيد، فأصبحت بورسعيد مدينة حرة إبتداء من 1 يناير 1976، ثم أصدر القانون رقم. 12 سنة 1977، والذي جعل من بورسعيد مدينة حرة، إوقد كان لهذا القانون فعل السحر بالمدينة، فقد تحولت المدينة من بعد تواضع المعيشة والحال، إلى ثالث أقوى إقتصاد في مصر بين محافظاتها ! لقد أنعش قانون السادات المحافظة، وطور من المدينة الباسلة بسرعة فاقت كل التوقعات، وأنعش حق الإمتيازات الجمركية أهل المحافظة، ونالوا حقآ يستحقوه على ما قدموه للوطن. 

 

- في عهد الرئيس مبارك، بدء الركود يسود بورسعيد مرة أخرى، وذلك بعد زيارة مبارك للمدينة الباسلة يوم 6 سبتمبر عام 1999، فبعد محاولة إغتيال مبارك، في هذا العام، بدء التعسف من قبل الدولة مع المدينة الباسلة، وتم إغتيال المدينة ماديآ ومعنويآ فطفأت أنوارها، وقل دخلها وضعف إقتصادها، بعد القرارات التي تبعت محاولة إغتيال الرئيس مبارك، وبغض النظر عما إذا كان أحد أبناء بورسعيد أراد حقآ إغتيال مبارك أم أنه قتل ظلمآ أو بالخطأ من حرس مبارك، إلا أن تلك الواقعة كانت سببآ في نكسة إقتصادية للمدينة، فقد تم فرض الجمارك على كافة السلع بإستثناء ثلاثة سلع فقط ! فتحولت بورسعيد من مدينة حرة إلى منطقة حرة، ثم قامت وزارة المالية بضم صندوق المنطقة الحرة إليها بعد أن كان تابعآ لمحافظة بورسعيد. 

 

- بعد ثورة يناير 2011 والتي قام بها شباب مصر، حدث وأن أختطفت ثورة الشباب تلك فيما بعد من جماعة الإخوان، وإستطاع الإخوان بالتزوير والترويع والتهديد الوصول إلى سدة حكم رئاسة مصر، وقبع على عرش مصر أحد أعضاء مكتب إرشاد جماعة الإخوان، وهو محمد مرسي، والذي أثبت فشله هو وعشيرته من جماعة الإخوان في إدارة أمور البلاد، فأهانوا مؤسسات الدولة، من جيش وشرطة وقضاء ! وكان لأفعال جماعة الإخوان ورئيسهم محمد مرسي تجاه القضاء، أثر سلبي جاءت نتائجه السيئة كالطامة على رؤوس الجماعة ومحمد مرسي، ففي عام 2012، حدثت مذبحة بورسعيد والتي قتل فيها من مشجعي النادي الأهلي، ما يفوق السبعين قتيل ! وأحيلت الجناية إلى القضاء، وحكم القضاء على بعض المدانين بالإعدام شنقآ، فثارت مدينة بورسعيد غيرة على أبنائها، وقناعة منهم من أن القضاء فاسد، ويحكم طبقآ لأهواء نظام الإخوان الحاكم، وترسخت قناعتهم تلك بسبب إساءة جماعة الإخوان للقضاء، وكانت نتيجة الحكم على أبناء بورسعيد بالإعدام أن قتل ما يفوق الأربعين شخصآ من أبناء المدينة الباسلة !

 

نستطيع أن نقول الآتي :

لقد وجدت مدينة بورسعيد تقديرآ في عهد الزعيم جمال عبد الناصر، ومكافأة في عهد الرئيس السادات، وعقابآ في عهد الرئيس مبارك، وعنف وقسوة في عهد جماعة الإخوان ورئيسهم محمد مرسي. 

 

والآن وبعد ما سردنا بعضآ عن المدينة الباسلة وشعبها، بقي لنا أن نعلم ما الذي تريده بورسعيد، وقبل الخوض في هذا المضمار، علينا أن نفرق بين مصطلح "المدينة الحرة" ومصطلح "المنطقة الحرة" وعلينا أن نعلم ماهية وطبيعة "صندوق المنطقة الحرة" وسبب إنشائه، ثم علينا أن نعلم . 

 

أولآ/ يعني مصطلح "المدينة الحرة" أي أن يرفع الحظر الجمركي عن كافة السلع الواردة. 

ثانيآ/ يعني مصطلح "المنطقة الحرة" أي وجود حظر جمركي على أغلب السلع، وإستثناء القليل منها من الجمارك. 

ثالثآ/ إنشاء "صندوق المنطقة الحرة" كان بسبب صعود التجار في بورسعيد، وبقاء الحال المادي الثابت للموظفين في المدينة الباسلة ! فتم التفكير في إنشاء صندوق، تكون حصيلته من تجار بورسعيد، بحيث يدفع كل تاجر 2٪ من حصيلة دخله كل عام، على أن توزع تلك الحصيلة على موظفي المدينة الباسلة، من أجل تحقيق نوع من التكافل الإجتماعي، في ظل قاعدة عدالة التوزيع، وكانت نتيجة إنشاء "صندوق المنطقة الحرة" أن إمتلأت خزينته، فحتى بعد أن تم إستقطاع الجزء الخاص بالموظفين، تبقى أموالآ كثيرة بالصندوق، فما كان من المحافظة إلا أن قررت أن تستثمر ما يتبقى في خزينة الصندوق، فقامت بإنشاء ستة قرى سياحية، وإهتمت المحافظة بالسياحة، وتم توفير فرص عمل في مجالات عديدة وجديدة. 

 

الوضع الحالي لبورسعيد في ظل حكم جماعة الإخوان :

تعيش بورسعيد أسوأ فترات تاريخها في ظل حكم الإخوان ورئيسهم، فلا تقديرآ وجدت أو تكريمآ أو حتى عقابآ ! لقد وجدت في عهد الإخوان أسوأ أنواع المعاملات وأقصى درجات العنف، هذا من جانب، وعلى الجانب الآخر تعيش بورسعيد في عهد الإخوان كمنطقة حرة، وليس كمدينة حرة ! وفي الوقت ذاته مكبلة بالمنافذ الجمركية والتي تقييد من حركة أهلها معنويآ وماديآ. 

 

إن لبورسعيد أحد مطلبين لا ثالث لهما :

المطلب الأول/ أن تعود المدينة الحرة وليس المنطقة الحرة. 

المطلب الثاني/ في حال عدم عودة المدينة الحرة، فإن المدينة الباسلة تريد رفع القيود الموجودة عليها من خلال المنافذ الجمركية. 

 

قبل النهاية على القارئ أن يعلم لماذا أعطى الرئيس السادات لبورسعيد حق المدينة الحرة ولم يعطيه لمحافظة السويس أو الإسماعيلية ؟

 

إن محافظة السويس محافظة غنية بمواردها فهي قابعة عى آبار بترولية، وفرص العمل فيها إذا ما تم توظيفها بشكل صحيح فإنها تكفي لتشغيل أبناء السويس، أما محافظة الإسماعيلية فإنها قريبة من محافظة الشرقية وبها أراض زراعية، ووضعها المادي أيضآ جيد ولا بأس به، أما محافظة بورسعيد فلا هي بالصناعية أو الزراعية، وليست مساحتها التي لا تتجاوز 1350 كلم مربع بالكبيرة، لذلك كانت بورسعيد هي الأولى بحق إمتياز المدينة الحرة.

 

أقول قولي هذا وأسال الله المغفرة لي ولكم

 

شادي طلعت