الرقص على السّلم

آحمد صبحي منصور Ýí 2010-09-05


قال لي : إن كتاباتك لا تعجب أحدا ، التيار الديني يكره ما تكتب ، والحكومة لا تستريح لما تكتب ،  فأنت تهاجم الحكومة وتتهمها بالفساد وبأنها حولت قوة الشباب وحيويتهم إلى التطرف ، وفى نفس الوقت تهاجم التطرف وشيوخ التطرف ، وبذلك حصدت كراهية الجميع ، وليس ذلك من الكياسة أو السياسة ..

قلت له : أنت على حق بمعيار السياسة ، فالسياسة هي فن المنفعة والمصلحة ، وفى سبيل المصلحة يجوز فى السياسة الكذب وقلب الحقائق وتغيير المواقف ، وذلك ما تراه عند المشغولين بالسياسة فى داخل الح&se;كومة والمعارضة .. وإنا بمقياس السياسة مثل الذي يمارس الانتحار فى كل مقال وكتاب ، أو بتعبير المثل الشعبي مثل الذي يرقص على السلم ..

ولكنني لا أعمل بالسياسة ولا أريدها ، إنني باحث مسلم فى تاريخ المسلمين وتراثهم وقد عشت فى عصر أصبح التراث فيه مادة للارتزاق السياسي ، حيث يريد التيار الديني السياسي إرجاع بلدي إلى الخلف بحجة أن هذا هو الإسلام ، وما أعرفه عن الإسلام من خلال بحثي يخالف كل الأطروحات السياسة للتيار الديني ، لذا رأيت من واجبي أن أوضح الحقائق الإسلامية والتاريخية التي تنقذ الإسلام والمسلمين ومصر وغيرها ..

قال : وأنت بذلك جلبت على نفسك كراهية التيار الديني السياسي الذي يسعى الجميع لإرضائه وتملقه ، وفى نفس الوقت لم تستفد من الحكومة إلا الاضطهاد .

قلت : لأنني لا أفعل ذلك حرصا على الحكومة ، وإنما حرصا على بلدي وديني .. ثم أنني اعتبر الحكومة مسئولة عن الفساد وتضييع آمال الشباب وتحويلهم للتطرف والضياع ، وكان حتما انتقادها ، ولم اكتب ما أندم عليه فى انتقاد الحكومة أو انتقاد التطرف ، فإذا كانت السياسة هي فن المصلحة فلا مصلحة لي هنا أو هناك ، وإذا كانت السياسة هي قلب الحقائق وتغيير المواقف ، فموقفي ثابت ومع ما أعتبره حقا ويرضى عنه ضميري ..

قال :ولكنك كاتب ومفروض أن تحرص على أن يتكاثر القارئون لك ..

قلت : أنا أعلم أن احترام عقل القارئ أهم كثيرا من خداعه والتلاعب بعواطفه ، وأعلم أن بعض ما أكتب يصدم ما تعارف عليه القراء ، وقد يحولهم إلى أعداء ، كلمة الحق قد لا تجعل لك صديقا ، لكنها تكسب فى النهاية ، أننا فى عصرنا الرديء تتكاثر سحب الخرافات والأكاذيب حتى تحجب التمسك بقول الحق ، الله تعالى يقول " أما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث فى الأرض ".

قال : لست أتكلم عن الغد ، وإنما أتكلم عن اليوم فماذا تفعل لو فقدت قراء اليوم انتظارا للقارئ المجهول فى الغد ؟

قلت : أنت تسيء الظن بالقارئ المصري ، قد ينخدع قليلا بما يكتبه المرتزقة وأصحاب المصالح ، ولكنه يعود سريعا إلى رشده . قد يصدق أحيانا بعض محترفي التدين من رافعي الشعارات ولكنه يترك مساحة فى عقله للانتقاد والتشكك والتدقيق.وفى النهاية سيعرف مصلحته ، وسيعرف من يكلمه ويخاطب عقله بآيات الله تعالى وحقائق التاريخ يدعوه للتفكر والتعقل دون أن يطلب زعامة أو جاها أو أجرا ، وسيعرف أيضا أولئك الذين يخدعونه ويتلاعبون بعواطفه ليسير معهم هنا وهناك ..

ثم أؤكد لك أنهم لن يتركوا القارئ يكتشف ذلك بنفسه ، بل هم الذين سيساعدونه فى كشف أنفسهم وخداعهم . لأن فن السياسة القائم على المنفعة وقلب الحقائق وتغيير المواقف سيجعلهم ينكشفون ، بينما الذي يسير مع مبدئه لا يحيد عنه لا يقع أبدا فى تناقض مع ما يكتب . فالفيصل هنا فى موضوع الأجر أو المنفعة أو المصلحة ، ولذلك يقول تعالى " اتبعوا من لا يسألكم  أجرا وهم مهتدون " فالذي يدعو للحق لا يريد أجرا من الناس كى يتبعوه ، ثم هو يكون أكثر الناس التزاما بما يقول واهتداء بما يدعوا إليه . أما محترفو التدين والسياسة فلديهم هدف ثابت يحرصون عليه وهو الأجر والمنفعة ، إما يطلبون حكما وجاها يسعون لتحقيقه ، وإما يطلبون استمرار الحكم والجاه الذي يرتعون فيه، وفى سبيل ذلك يخدعون الناس بالشعارات وأفانين القول .. والأيام كفيلة بفضحهم جميعا ..

قال : ولكنهم قد يجتمعون عليك .. وهذا وارد .. بل مؤكد

قلت : يقول ربى جل وعلا " قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا هو مولانا ".. وما أعظم أن يموت الإنسان فى سبيل الله تعالى .. فى سبيل الحق ..

ثانيا

نشرت هذا المقال بتاريخ  14 مارس عام 1994 ، فى مسلسل (قال الراوي ) فى جريدة الأحرار. وكان من أواخر المقالات التى نشرتها الأحرار إذ سرعان ما منعونى من النشر فيها ، وقد كتبته وقت معركة خفية بين القوى الليبرالية فى حزب الأحرار و القوى الاخوانية ، والتى انتصرت فى النهاية .

بعد 16 عاما من نشر هذا المقال ، حدثت تغييرات كثيرة فى مصر ، وجرت مياه كثيرة فى النهر ، و تبادل بعضهم الأدوار ، و انفضح البعض وسقط البعض ودارت الساقية بهم الرتفاعا وانخفاضا وتغيرا فى المواقف و الآراء ، وفى كل هذا الصخب و تلك التقلبات السياسية والفكرية لازلت فى موقعى ، لا أتغير ، سواء كنت فى مصر أو فى أمريكا .  

 فمن الذى ـ فى الحقيقة ـ يرقص على السلم ؟

اجمالي القراءات 13168

للمزيد يمكنك قراءة : اساسيات اهل القران
التعليقات (2)
1   تعليق بواسطة   آدم قدوره     في   الأحد ٠٥ - سبتمبر - ٢٠١٠ ١٢:٠٠ صباحاً
[50977]

“في البداية يتجاهلونك , ثم يسخرون منك , ثم يحاربونك , ثم تنتصر“

 


الدكتور احمد منصور


“في البداية يتجاهلونك , ثم يسخرون منك , ثم يحاربونك , ثم تنتصر“ كلمات اراها وقد قيلت فيكم ولكم ، فبداية تجاهلوك حين ظنوا انك لست سوى زوبعة في فنجان ، ومن ثم سخروا  منك بعدما رأوا الزوبعة وقد تجاوزت الفنجان الى فناجين بجانبه ، وحين صارت الزوبعة عاصفة وبدأت تبعثر اوراقهم اعياهم عنادك فاعلنوا عليك حربا خسروا نصف معاركها وسيخسرون نصفها الباقي ثم تنتصر .


ثم تنتصر


2   تعليق بواسطة   رمضان عبد الرحمن     في   الأحد ٠٥ - سبتمبر - ٢٠١٠ ١٢:٠٠ صباحاً
[50978]

هم يحاربون في دين الله من أجل المال أو السلطة

المشكلة لدا هؤلاء الذين يحاربون الدكتور منصور أو منهج أهل القران عموما أننا لا نطلب أجر من أحد ولا نبحث عن المال ولا علي السلطة بقدر ما نبحث عن الحق وهذا ما جعلنه علي موقف ثابت لا يتغير وهذا بفضل الله أما هؤلاء أما أن يبحثون عن المال وأما عن السلطة وهم وجهان لعملة واحدة مستخدمين الدين شعار فقط  


 


 


أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق
تاريخ الانضمام : 2006-07-05
مقالات منشورة : 5111
اجمالي القراءات : 56,688,858
تعليقات له : 5,445
تعليقات عليه : 14,818
بلد الميلاد : Egypt
بلد الاقامة : United State

مشروع نشر مؤلفات احمد صبحي منصور

محاضرات صوتية

قاعة البحث القراني

باب دراسات تاريخية

باب القاموس القرآنى

باب علوم القرآن

باب تصحيح كتب

باب مقالات بالفارسي