(11 ) قواعد الهداية والاضلال فى المشيئة:( فى المحكم والمتشابه )
إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَن يَضِلُّ عَن سَبِيلِهِ:
(11 ) قواعد الهداية والاضلال فى المشيئة:( فى المحكم والمتشابه )
سبق القول أن الفرد يشاء الهداية فتأتى هداية الله جل وعلا تؤيد وتؤكد هدايته ، وأنه يشاء الضلال فتأتى مشيئة الله جل وعلا تزيده ضلالا .أى إن مشيئة الفرد سابقة فى الهداية والضلال لمشيئة الرب جل وعلا. وهذا يمكن فهمه بإتباع المنهج القرآنى فى تفهم الآية طبقا للسياق القرآنى الخاص والعام ،وأيضا بالمنهج القرآنى فى التعامل مع المحكم والمتشابه فى الآيات ، فالآيات المحكمة هى التى تحكم على الآيات المتشابهة ، والآيات المتشابهة يفسر بعضها بعضا بحيث يخرج الباحث القرآنى برأى قرآنى واحد عبرت عنه الايات المحكمة بايجاز وشرحته الايات المتشابهة وفصّلته. وناتى للتفصيل:
أولا :نوعا الهداية :
هناك نوعان من الهداية:الهداية فى الخلق ، والهداية الى الحق .
1ـ الهداية فى الخلق ، هى المرتبطة بالطبيعة والغريزة، والتى بها يسير نظام الكون ومجراته وذراته ، وتسير بها الكائنات الحية الى أن تموت. عن هذه الهداية الطبيعية فى الخلق يقول تعالى :(قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى)(طه 50 )، ويلاحظ هنا ارتباط الخلق بالهداية ،ويقول جل وعلا:(سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى) ( الأعلى 1 : 3 )، وهنا ارتباط الهداية بالخلق والتقدير الالهى.
بهذه الهداية يدور الالكترون حول الذرة وتدور الأجرام السماوية حول مركز كل منها ، وتتفاعل العناصر الكيمائية ، وتتكاثر الحيوانات وتسعى للرزق وتتعايش وتتصارع وتموت. بهذه الهداية يسعى الحيوان المنوى ليلتصق بالبويضة ، ويخرج المولود ليلتقم ثدى أمه.وبتلك الهداية أيضا تتحرك وسائل المناعة الطبيعية بمختلف أنواعها لتدافع عن الجسد ، وفى المقابل تاتى أوامر لبعض الخلايا أن تتكاثر عشوائيا فيحدث السرطان ،أو تاتى أوامر لبعض البيكتريا فى الهواء أو على الجلد لتغزو الجسد فيصاب الانسان بالكبد الوبائى وغيره. نحن محاطون بما نعرف وبما لا نعرف من جنود الله جل وعلا :(وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاَّ هُوَ)( المدثر 31 ).
2 ـ أجهزة الجسد تعمل وفقا للهداية الطبيعية من القلب الى المخ والأجهزة الأخرى فى التنفس والهضم والتناسل والاخراج ،وكذلك بقية الكائنات الحية على اختلاف فى قدراتها. وبينما لا تعرف بقية الكائنات الحية سوى الهداية الطبيعية فإن البشر مزيج من الهداية فى الخلق والهداية للحق بما فضلهم الله تعالى بحمل الأمانة (الأحزاب 72)، وهى التكليف الدينى فى العقيدة والعبادة والأخلاق.وهو إختبار يقوم على حرية الاختبار، أى حرية البشر ومشيئتهم المطلقة فى الطاعة والمعصية ، ومسئوليتهم أمام الله تعالى يوم الحساب عن اختيارهم ومشيئتهم. بتعبير آخر فالانسان جسد ونفس . يسرى على الجسد هداية الخلق،أما النفس فقد خلقها الله جل حرة فى الاختيار بين الشر أو للخير ( الشمس 7 : 10 )،والمفلح منّا يوم القيامة هو من نهى النفس عن الهوى وجاء ربه بقلب سليم أو بنفس مطمئنة.( الشعراء 89 )( النازعات 40).
3 ـ هذا هو المدخل لقواعد الهداية والاضلال. فالنفس البشرية مخلوقة حرة المشيئة ، ولا جدال فى هذا ، فكل منا يرى فى نفسه حرية القول والفعل ، وحرية الايمان وحرية الكفر، وحرية الطاعة والمعصية. وما يكتبه البشر وما يفعلونه يعكس هذه الحرية،وخير دليل هو الحوار بيننا والحوار الذى يجريه رب العزة فى القرآن الكريم مع البشر ، ولو كانوا مجبرين ما كان هناك حوار .كما إن ارسال الرسل وإنزال الكتب السماوية أبرز دليل على حرية البشر ، ولو كانوا مجبولين على الطاعة ما احتاجوا الى ذلك ، فلم يرسل الله تعالى رسلا الى الحيوانات والجمادات ، ولكن ارسلهم الينا لأننا أصحاب المشيئة فى الهدى أوالضلال.
ثانيا : الايات المحكمات فى قواعد الهداية والاضلال بين الحرية والعدل
1ـ من هنا تكون أولى الآيات المحكمات فى موضوعنا هى ما يتعلق بتقرير الحرية المطلقة للبشر فى الهداية أو الضلال ، ومسئوليتهم على مشيئتهم يوم القيامة .
2 ـ أما الايات المحكمات الأخرى فهى التى تنفى الظلم عن رب العزة وتؤكد العدل، إذ يستحيل على العدل الالهى أن يجبر البشر على شىء ثم يعاقبهم على فعله . إن الله جل وعلا يعفو عمن يرتكب السيئات ساهيا أو ناسيا أو مخطئا بلا قصد أو فى حالة الاكراه والاجبار ، فكيف يؤاخذ الناس يوم القيامة على ضلالهم إن كان قد شاء لهم الضلال وأرغمهم عليه ؟ بل ما هى الحاجة اصلا ليوم القيامة والحساب والثواب والعقاب والجنة والنار إذا كان الله تعالى هو الذى يشاء لهذا الفرد الضلال وللآخر الهدى ؟ وكيف يتفق هذا مع التاكيد الالهى بأنه تعالى لا يظلم الناس شيئا ولا يريد ظلما للعالمين ،بل وقد حرّم الظلم على الناس ؟ وكيف يتسق هذا مع قيام الله تعالى بالقسط وامره بالعدل إذا كان يظلم الناس بهذا الشكل؟ . ونتوقف مع بعض الايات الكريمة لمزيد من التوضيح للآيات.
ثالثا : من الآيات المحكمات فى نفى الظلم وتأكيد العدل والقسط :
1ـ شهادة الاسلام يوصف فيها الله جل وعلا بالقيام بالقسط (شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ )(آل عمران 18). وإقامة القسط هى السبب فى ارسال الرسل وإنزال الكتب السماوية : (لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ) ( الحديد 25 ). وتكرر فى القرآن أمر الله تعالى لنا نحن البشر بالقسط قبل أمره باخلاص العقيدة لله تعالى (قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُواْ وُجُوهَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) ( الأعراف 29 ) لأن القسط فى تعامل البشر مع الله تعالى هو أن يكون له وحده الدين والتقديس والعبادة.وجاء الأمر بالعدل سابقا لأوامر تشريعية أخرى :(إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَىعَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)(النحل90) ،وتكرر مرتين قوله تعالى (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ)(الحجرات 9 )(الممتحنة 8 ).
2 ـ وبينما يعم الظلم الدنيا بسبب سوء استعمال البشر لحريتهم فان يوم القيامة سيشهد انتهاء الظلم ومجىء يوم القسط حيث سيعلن الله تعالى يوم القيامة :أن لا ظلم اليوم:(الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لا ظُلْمَ الْيَوْمَ)(غافر17 )،ولهذا فإن المؤمنين المظلومين فى هذه الدنيا يرجون لقاء الله (أى اليوم الآخر ) طلبا للانصاف ورفع الظلم والغبن ، وينقسم البشر تبعا لذلك الى قسمين : قسم يرجو لقاء الله واستعد له ، وقسم لا يرجو لقاء الله بسبب الظلم الذى كسبته أيديهم فى الدنيا.
وقد تكرر كثيرا معنى قوله تعالى عن يوم الحساب : (وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ) ( آل عمران 27 ). وتكرر المعنى بأن الله تعالى لا يظلم الناس شيئا ولكن الناس أنفسهم يظلمون ، ومنه قوله تعالى عن اليوم الاخر : (فَالْيَوْمَ لا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَلا تُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ) ( يس 53 : 54 ).
ومثلا ، يقول الله تعالى عمن شاء الضلال ورفض الهدى:(وَإِن كَذَّبُوكَ فَقُل لِّي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَاْ بَرِيءٌ مِّمَّا تَعْمَلُونَ وَمِنْهُم مَّن يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ أَفَأَنتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كَانُواْ لاَ يَعْقِلُونَ وَمِنْهُم مَّن يَنظُرُ إِلَيْكَ أَفَأَنتَ تَهْدِي الْعُمْيَ وَلَوْ كَانُواْ لاَ يُبْصِرُونَ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ)(يونس41:44 ). ردا على تكذيبهم للقرآن الكريم أمر الله جل وعلا خاتم المرسلين أن يتبرأ من أعمالهم،وأن لهم الحق فى التبرؤ من عمله ، وأوضح له رب العوة أنهم اختاروا الضلال بمشيئتهم وصمموا عليها بحيث يستحيل عليه أن يهديهم ، وجاء ختم الآية بقوله تعالى (إِنَّ اللَّهَ لاَ يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ) .
أى هى أعمال أصحاب النار تحولت الى دليل اتهام عليهم يرونها بأنفسهم ليتأكد لهم يوم القيامة أن الله جل وعلا لا يظلم أحدا (وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا)(الكهف 49 )، لذا يقول الله جل وعلا وهم أحياء فى الدنيا إعملوا ما شئتم من إلحاد أو غيره فلا يخفى أمركم على الله تعالى ، وستكون عاقبتكم فى النار:(إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا لا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا أَفَمَن يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَم مَّن يَأْتِي آمِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ)(فصلت 40).
وقد حرّم الله تعالى على نفسه أن يظلم مثقال ذرة(النساء 40 )وقال:(وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ )(الأنبياء 47). أى لا يظلم مطلقا ؛سواء كان قليلا (مثقال ذرة) أوكثيرا يتحول به ( الظالم ) الى (ظلاّم ) أى صيغة مبالغة من الظلم ، لذا تكرر قوله تعالى ( وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ) (الأنفال51 )،(مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ)(ق 29)
ومن نفى الظلم الكثير ( ظلاّم ) نتوقف مع قوله جل وعلا:(لَّقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاء سَنَكْتُبُ مَا قَالُواْ وَقَتْلَهُمُ الأَنبِيَاء بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُواْ عَذَابَ الْحَرِيقِ ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ)(آل عمران:181 :182 )، فهؤلاء ـ بمحض ارادتهم ـ اتهموا رب العزة بأنه فقير وهم أغنياء ، ومن قبل قتلوا الأنبياء، فهم مؤاخذون بما قالوا وبما فعلوا ، وليس الله تعالى ظالما لهم. وهو جل وعلا يقول ذلك لنا فى الدنيا ـ مقدما ـ ونحن أحياء كى نعتبر ونتعظ من دروس الماضى .
ويضرب الله تعالى مثلا للحاضر يحدث فى كل زمان ومكان ، حتى نتعظ ونحذر،يقول الله جل وعلا:(وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدًى وَلا كِتَابٍ مُّنِيرٍ ثَانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَذَابَ الْحَرِيقِ ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ ) ( الحج 8 : 10 )، ترى هذه الحالة بكل ملامحها فى عصرنا وفى كل عصر ، تتجسد فى شخص يجادل فى دين الله جل وعلا بلا علم ، فإذا جاءته الحجة من القرآن ثنى عطفه مستكبرا وأعرض مستمرا فى الاضلال عن سبيل الله. يفعل هذا بمشيئته واختياره، ولو مات على ذلك فأمامه عذاب الحريق ، بما قدمت يداه ، وليس الله تعالى بظلام للعبيد. وفى النهاية فهى مشيئة البشر فى عمل الصالحات أو عمل السيئات ، وعلى أساسها يكون جزاؤهم فى الجنة أو النار ، وليس رب العزة ظلاما للعبيد :(مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ ) ( فصلت 46 )
3 ـ ثم لا ننسى أنه ليس فى الاسلام شفاعة بشر لبشر، وأن الشفاعة فى الاسلام هى عمل المؤمن الصالح الذى تحمله الملائكة ليكون هذا العمل الصالح شفيعا لصاحبه . أما الشفاعة فى الأديان الأرضية فهى تكريس للظلم .وهناك عشرات الايات التى تنفى شفاعة البشر.
رابعا : فهم الآيات المتشابهة فى ضوء الآيات المحكمة السابقة فى نفى الظلم وتأكيد العدل
فى إطار الآيات المحكمة عن نفى الظلم وتأكيد العدل والقسط يمكن فهم كل الآيات المتشابهات فى موضوع المشيئة ، ومنها التى عرضنا لها فى موضوع السياق الخاص والسياق العام .ونستشهد بالمزيد.
1 ـ يقول جل وعلا :(وَمَن لَّمْ يُؤْمِن بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَعِيرًا وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَن يَشَاء وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاء وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا )( الفتح 13 : 14): هذا تحذير نزل مسبقا فى هذه الدنيا لينذر من كان حيا،جاء للسابقين،وهو يخاطبنا الان،وسيخاطب اللاحقين . وللبشر مطلق الحرية فى الطاعة أوالعصيان ، ومن يمت منهم على كفره وعصيانه دون توبة مقبوله فالعدل يقتضى مجازاته بعمله ، ومن شاء الهداية والتوبة الحقة فالعدل يقتضى أن يغفر الله تعالى له.ومن الظلم أن يتساوى هذا بذاك .
2 ـ يقول جل وعلا : (وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنسَانِ عَدُوًّا مُّبِينًا رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ إِن يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ أَوْ إِن يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً ) (الاسراء 53 :54 ). هنا دعوة لقول الحق والتحذير من الشيطان ،مع التأكيد على أنه جل وعلا هو الأعلم بمن تاب،ومن نافق ومن يعصى سرا، ومن تم إكراهه على عمل السوء،وبناء على علمه سيعذب من شاء الضلال وسيرحم من شاء الهداية،وهو جل وعلا فى رحمته أو عذابه لا يفعل إلا عدلا. ونفس الحال مع قوله جل وعلا :(وَإِن تُبْدُواْ مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَن يَشَاء وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاء وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)(البقرة 284 )
3 ـ يقول جل وعلا:(ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ)(الأعراف 55 : 56 ). هنا أمر باخلاص الدعاء لله تعالى ، ونهى عن الفساد والاعتداء، والذى يطيع سيكون محسنا قريبا منه رحمة الله ، وفى أمن من عذاب الله جل وعلا.
خامسا : من الآيات المحكمات فى مشيئة الرحمن فى حرية الانسان :
قد تتعدى ألف آية، تلك الآيات التى تؤكد على الحرية المطلقة للبشر فى المعتقد والقول والفعل ومسئوليتهم على اختيارهم .ونقتصر منها على ما يخص مشيئة الرحمن فى جعل البشر أحرارا ، وهى مشيئة منفردة لا دخل للبشر فيها ، فلو شاء الرحمن لجعل الناس أمة واحدة مجبولة على الطاعة ، ولكن ذلك لم يحدث ،إذ شاء لهم حرية الإختيار بين الايمان والكفر .. يقول جل وعلا:(وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْهَا جَائِرٌ وَلَوْ شَاء لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ )(النحل 9) أى هناك أمام البشر طريقان أحدهما خير وعدل والآخر جائر ظالم ، ولو شاء الله تعالى لأجبر البشر على السير فى الطريق المستقيم ، ولكنه جل وعلا إكتفى بتوضيح هذا الطريق المستقيم ، وترك لهم الحرية فى الطاعة أو المعصية.
نحن هنا نتحدث عن حقيقة قرآنية،هى المشيئة الواحدة للرحمن التى لا يشاركه فيها البشر، والتى بها خلق الله تعالى البشر مجبولين على الحرية والمشبئة المستقلة .ونعطى بعض ملامحها القرآنية:
1 ـ (المشيئة الالهية المنفردة بتقرير حرية الانسان) وسوء استغلالها من أكثرية البشر :
يقول جل وعلا :(وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ )( السجدة 13 ).أى لوشاء الله تعالى لجعل كل الأنفس البشرية مهتدية ، ولكن ذلك لم يحدث،فشاء تعالى أن يكونوا أحرار ، فاستغلوا الحرية فى الكفر و العصيان، ولذلك ستتحقق فيهم كلمة الله فى أن تمتلىء جهنم بالفريقين الناس والجن جميعا. (أى بالأغلبية منهم طبقا للمفهوم القرآنى)
2 ـ دور (المشيئة الالهية المنفردة فى حرية الانسان) فى تعليم النبى محمد :
*التسليم بخلافات البشر الدينية : (وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ )(هود 118: 119).أى لا يحزن لاختلافات البشر فتلك مشيئة الله التى خلقهم عليها ، ولو شاء لجعلهم على رأى واحد ودين واحد ، أمة واحدة مثل أمة النحل أو أمة النمل ..الخ ..
*عدم الاكراه فى الدين :(وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ )(يونس 99 )ولأن الله جل وعلا شاء لهم الحرية فيمتنع على النبى إكراه أحد على الدخول فى الاسلام ، فلو شاء الله تعالى لجعلهم جميعا مؤمنين.
* الاعراض عنهم وعدم مسئوليته عنهم (اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ وَلَوْ شَاء اللَّهُ مَا أَشْرَكُواْ وَمَا جَعَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ )( الانعام 107). كان يلحّ عليهم فى الايمان ،وهم يتطرفون فى الفسوق والعصيان ، فجاء التأكيد بأن الله تعالى لو شاء لأجبرهم على الايمان وباعد بينهم وبين الشرك ، ولكنه جل وعلا شاء لهم أن يكونوا أحرارا فاختاروا الشرك ، وعليه فليس الرسول مسئولا عنهم ، هم مسئولون عن أنفسهم .
* عدم الاهتمام بطلبهم آية حسية :(وَإِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَن تَبْتَغِيَ نَفَقًا فِي الأَرْضِ أَوْ سُلَّمًا فِي السَّمَاء فَتَأْتِيَهُم بِآيَةٍ وَلَوْ شَاء اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ)( الانعام 35). من حرصه على هدايتهم كان يتمنى أن يستجيب له ربه بإعطائه آية حسية مثل التى كانت للأنبياء السابقين ، ويأتى الرد بأن الله جل وعلا لو شاء لهداهم جميعا وجمعهم على الهدى ، ولكن شاء أن يكونوا أحرارا فاختاروا الشرك وطلبوا آية حسية عنادا ، ولن تأتى لهم آيات غير القرآن الكريم ، فإن كان النبى مصمما على الاتيان لهم بآية فليتصرف بنفسه ، ليصعد الى السماء أو ليحفر نفقا فى الأرض ليأتى لهم بآية .
* الاعراض عن اختراعهم الأحاديث ومزاعم الوحى(وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاء رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ )(الانعام، 112 ). كانوا يواجهون الوحى الالهى بالقرآن بأكاذيب يزعون أنها وحى الاهى ( كما فعل المسلمون فيما بعد باختراع أديان أرضية تقوم على مزاعم الوحى الالهى ) . والله تعالى يؤكد أنها عادة ( سيئة ) فى كل زمان ومكان ، أن يوجد أعداء لكل نبى يخترعون وحيا شيطانيا . والله تعالى شاء وسمح بوجود هذا الوحى الضال مقابل الوحى القرآنى المحفوظ. وهوما نراه الان تصديقا لرب العزة، فأحاديث البخارى وغيره مكتوبة منشورة بجانب القرآن ، وللناس حرية الاختيار ، وهذا هو لب الاختبار. اى لو شاء ربك ما فعلوه ، ولكن شاء لهم أن يفعلوه فعلى النبى أن يدعهم ويذرهم مع افتراءاتهم.
* الاعراض عن تطبيقهم لتشريعات تلك الأحاديث ومزاعم الوحى (وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ لِيُرْدُوهُمْ وَلِيَلْبِسُواْ عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ وَلَوْ شَاء اللَّهُ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ )(الانعام، 137). بناء على أحاديثهم المفتراه ووحيهم الكاذب أقاموا لهم شرائع منها قتل الذرية. ولو شاء الله جل وعلا ما فعلوا ذلك ، ولكنه شاء لهم أن يكونوا أحرارا فافتروا الكذب على الله تعالى وأسسوا عليه شريعة قاموا بتطبيقها ، ويأتى الأمر لخاتم المرسلين بأن يدعهم ويعرض عنهم وأن يذرهم وما يفترون .
3 ـ فى الرد على مزاعم المشركين :
(سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ لَوْ شَاء اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلاَ آبَاؤُنَا وَلاَ حَرَّمْنَا مِن شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم حَتَّى ذَاقُواْ بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِندَكُم مِّنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ أَنتُمْ إِلاَّ تَخْرُصُونَ قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاء لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ )(الانعام 149 ). ثم هم مع ذلك يتحججون ظلما وعدوانا بأن الله هو الذى شاء لهم الشرك فاشركوا . أى جعلوا المشيئة الأولى للرحمن التى جعلتهم يشركون . هذا الزعم يقتضى أن يكون لديهم دليل علمى من الله تعالى يؤكد أن الله تعالى هو الذى أرغمهم على الضلال وشاء لهم الضلال دون الهداية ، ويقرر رب العزة أنه لو شاء لهداهم جميعا ، ولكن شاء لهم الحرية فاختاروا الضلال .
وتأتى آيات واضحة فى الرد عليهم تقرر لهم حرية المشيئة لمن شاء أن يتقدم أو يتأخر : (نَذِيرًا لِّلْبَشَرِ لِمَن شَاء مِنكُمْ أَن يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ ) (المدثر 36:37) ومن شاء أن يتخذ سبيل الهداية (إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَن شَاء اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلا )( المزمل 19)، وامر الله جل وعلا خاتم المرسلين أن يقول لقومه إنه يعبد الله جل وعلا مخلصا له الدين ، ولهم حرية المشيئة فى أن يعبدوا غير الله:(قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَّهُ دِينِي فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُم مِّن دُونِهِ) (الزمر 14 : 15)
4 ـ : المسئولية الشخصية نتيجة مترتبة على الحرية :
المحمديون ظلموا الله جل وعلا فرفعوا محمدا الى درجة التقديس والتأليه ، وتوجهوا لمحمد وآخرين من الأئمة و العلماء و الأولياء بالخضوع والخشوع فكان سهلا عليهم أن يشاءوا الخنوع والخضوع لبشر آخرين جعلوهم حكاما ، وتركوا هؤلاء الحكام يستبدون بهم.ولا يزال المحمديون حتى الان مطية لأولئك المستبدين ، بحيث أصبح ذلك هو عقابهم الدنيوى الذى شاءوه لأنفسهم ، بل يدافعون عن المستبد ويوجهون غضبهم للغرب لو تدخل لرفع الظلم عنهم ويعتبرونه تدخلا فى شئونهم الداخلية،أى أصبح القهر والظلم والفساد شأنا داخليا للمسلمين يعتزون به ن ويرونه خصوصية قومية ودينية.
صلة هذا بموضوعنا أن الغرب هو الذى يطبق المفهوم الاسلامى فى المسئولية الشخصية ، ويعتبرها نتيجة حتمية لتطبيق الحرية والعدل ، فلو أجرم شخص فلا يعاقب أهله،أو بالتعبير القرآنى (وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى)، بينما السائد فى ثقافة العبيد لدينا أننا نعاقب الآخرين من أقارب الجانى .
أتذكر أن الفريق المصرى فى كرة القدم فاز مرة على الفريق الجزائرى فى أواخر الثمانينيات فقامت مظاهرات فى الجزائر هاجمت مساكن المصريين هناك ، وكان من الضحايا مدرس أعرفه ألقوا بأمتعته خارج شقته بعد أن دمروها،وعاد للقاهرة خالى الوفاض ، وفى عصر صدام وعنفوانه كان بعض المصريين فى قهوة فى بغداد يهللون لفوز الفريق المصرى فى مباراة فاقتحم عراقى القهوة بسيارته وقتل وجرح عددا منهم حنقا على فوز الفريق المصرى. وفى العادة يدفع المصريون ( الغلابة ) العاملين فى البلاد العربية فاتورة الخلاف السياسى،فعندما ساءت العلاقات بين صدّام ومبارك حلّ موسم النعوش الطائرة من العراق لمطار القاهرة ، تحوى جثث المصريين تحمل آثار التعذيب، بينماكان من مآثر القذافى أثناء خلافه مع السادات أن يجمع المصريين فى شاحنات ويلقى بهم على الحدود بعد تجريدهم من مستحقاتهم المالية ، ولم تتخلف عن الركب مملكة (قطر ) العظمى وبعض دويلات الخليج. وفى داخل البلاد العربية يدفع المجموع ثمن خطأ الفرد،طبقا لقانون متعارف عليه يقول ( السّيئة تعم والحسنة تخص ) أى سياسة العقاب الجماعى بسبب خطأ فردى. وصدام حسين أبرز منفذى هذا القانون الهمجى،ودفع الثمن أطفال ونساء وعجائز حلبجة والأنفال والدجيل وغيرها. وتفوق نظام مبارك فى أخذ النساء والأقارب رهائن لارغام المطلوب على تسليم نفسه،وهو يعاقب أهل القرآن فى مصر بسبب حريتنا فى الكتابة خارج مصر. الغرب لا يعرف هذه النوعية الحقيرة من الظلم.الغرب يتبع ـ دون أن يدرى ـ تشريع الرحمن فى المسئولية الشخصية وألاّ تزر وازرة وزر أخرى.
ونتعرض لهذا القانون الالهى فى سياقه الخاص بكل آية :
* فهو مرتبط ارتباطا عضويا بعقيدة ( لا اله إلا الله )،يقول جل وعلا يأمر خاتم المرسلين : (قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَلاَ تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْهَا وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُم مَّرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ) ( الانعام 164):أى ( لا اله إلا الله ) + المسئولية الشخصية + مرجعنا الى الله تعالى ليحكم بيننا .
* وهو أساس الحساب يوم القيامة ، حيث سيؤاخذ كل فرد بكتاب أعماله الشخصى، وسيقرؤه بنفسه ، وبالتالى فإن اهتدى فلنفسه ،ةوإن ضلّ فعلى نفسه، ولا يتحمل وزر غيره: (وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنشُورًا اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا مَّنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً)(الاسراء 15).
* (وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَإِن تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى إِنَّمَا تُنذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِالْغَيْبِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَمَن تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ ) ( فاطر 18). أى يوم القيامة لن يرضى أحد أن يتحمل وزر أحد بل يتمنى أن يفتدى من عذاب الآخرة باولاده ورفيقة حياته وقومه: (يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْويهِ وَمَن فِي الأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ يُنجِيهِ )(المعارج 11: 14)،لذا يفر منهم منشغلا بنفسه:(فَإِذَا جَاءَتِ الصَّاخَّةُ يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ )(عبس 33 : ) هذا بينما يكون المؤمن هو من تزكى وتطهر: (وَمَن تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ).
* والله جل وعلا شاء لنا أن نكون أحرارا فى إختيار الايمان أوالكفر، مع إنه لا يرضى لنا الكفر ،بل يرضى لنا الايمان ،ولكن الأمر ليس برضاه بل بمشيئتنا نحن،وهى مشيئة فردية ومسئولية شخصية على صاحبها فقط،وفى النهاية فمرجعنا لله جل وعلا يوم القيامة ليخبرنا بأعمالنا ويحاسبنا عليها، هذا معنى قوله جل وعلا: (إِن تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنكُمْ وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِن تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُم مَّرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ) (الزمر 7 )
* ما سبق لم يرد فى القرآن الكريم فقط بل جاء من قبل فى صحف ابراهيم وموسى حيث قال رب العزة : (أَلاَّ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَأَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الأَوْفَى وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنتَهَى ) (النجم 38 : 42 )
5 ـ ضلال أقارب الأنبياء نتيجة للحرية الفردية :
ولذا فليس فى مقدرة النبى نفسه أن يهدى من أحبّ ، ولكنها مسئولية ذلك الشخص ،إذا شاء الهدى هداه الله جل وعلا:(إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاء) (القصص 56).ولذلك لم تتحقق أمنية نوح فى هداية إبنه وزوجته،ولم يؤمن آزر والد ابراهيم ، ولم تؤمن زوجة لوط ، ولم يؤمن ابو لهب، بينما آمنت زوجة فرعون:( هود ـ 46 )(التوبة 114)(التحريم 10 : 2 ).كل منهم (شاء )،وهو مسئول عن مشيئته.
ذلك شرع الله جل وعلا فى الدنيا والاخرة لكى يكون المسلمون خير أمة أخرجت للناس ، ولكن شاء المسلمون أن يكونوا محور الشّر فى هذا العالم ،باتباعهم أديانهم الأرضية، وبها حولوا دنياهم الى فساد ومحسوبية ووساطات وظلم ، وحولوا اليوم الاخر الى سوق للشفاعات والوساطات بنفس فسادهم فى الدنيا. فخسروا الدنيا،ولهذا ندعو الأحياء لانقاذ ما يمكن إنقاذه ، وحتى لا نخسر الدنيا والآخرة معا.
سادسا : فهم الآيات المتشابهة فى ضوء الايات المحكمة السابقة فى تأكيد حرية الانسان والمسئولية الفردية
وبعد هذه المشيئة الالهية فى أن يكون البشر أحرارا فى القول والفعل والاعتقاد نأتى الى هذه الدائرة الحرة فى مشيئة الهدى والضلال ، لنجدها تتعلق أولا وأساسا باختيار البشر ، يليها مباشرة المشيئة الالهية بالتأكيد الالهى على ما اختاره كل فرد لنفسه ،إن هدى وإن ضلالا . وبهذا نفهم ـ مثلا ـ قوله جل وعلا : (وَلَوْ شَاء اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِن يُضِلُّ مَن يَشَاء وَيَهْدِي مَن يَشَاء وَلَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ)( النحل 93 )(وَالَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُمَاتِ مَن يَشَإِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَن يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ )( الانعام 39 )(وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِن يُدْخِلُ مَن يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمُونَ مَا لَهُم مِّن وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ )(الشورى 8).
المقال القادم ( 12 ) قواعد الهداية والاضلال فى الارادة الالهية والارادة البشرية .
اجمالي القراءات
17942
مفارقة غريبة يا دكتور بارك الله لنا في صحتك .فهو في الدنيا أقصد الاب يقوم بكل ما في وسعه وما ليس في وسعه أيضا كي يجلبه لأبنائه فهو ممكن أن يظلم ويرتكب كل الموبقات كي يأمن اولاده في الدنيا بالأموال وهو لا يعلم أن الآمان الحقيقي لهم هو التقوى واسمح لي أن أسأل عن معنى الآية {وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُواْ مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافاً خَافُواْ عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللّهَ وَلْيَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيداً }النساء9
وفهمت من الآية إن تقوى الآباء تنفع ذريتهم فكيف وما ذنب الأبناء الذين لم يكن آبآؤهم أتقياء ؟!!