(9 ) قواعد الهداية والاضلال فى المشيئة الالهية والمشيئة البشرية
إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَن يَضِلُّ عَن سَبِيلِهِ:
(9 ) قواعد الهداية والاضلال فى المشيئة الالهية والمشيئة البشرية.(فى السياق القرآنى الخاص )
مقدمة :
1 ـ بعض الأحبة عاب علىّ قسوة الهجوم فى مقالى السابق (قتل الانسان ما أكفره ). وأقول :إننى لا أبدأ أحدا بالاساءة أبدا ، بل أصبر على الأذى وأتسامح وأغفر مرة ومرتين وأكثر ، ثم يفيض بى الأمر فينطلق قلمى ، ولكن مهما قسا ردى فلا يكون إلا حقا من وجهة نظرى ،والقارىء هو الحكم. هذا هو (غضب الحليم ) الذى يتحمل كثيرا ويغضب قليلا ، ولكن إياك من غضبه وإغضابه.
هذا يتمشى مع أدب القرآن الكريم،فالله جل وعلا يجعل من صفات المؤمنين:( وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنتَصِرُونَ ) فإذا بغى عليك أحد فعليك بالانتصار لنفسك وفق القاعدة التى جاءت فى الاية التالية : (وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ ) أى ترد عليه السيئة بمثلها ، وهذا هو العدل . ولكن هناك درجة أعلى من العدل ، وهى (الاحسان ) أى بالعفو ، لذا فمن عفا وأصلح فأجره على الله ، وفى كل الأحوال فان الله جل وعلا لا يحب الظالمين ، أى لا يحب الظالم الذى يبدأ بالعدوان ، أو الظالم الذى يرد على السيئة بأكثر منها. وأيضا ففى كل الأحوال فمن ينتصر لنفسه مدافعا عن نفسه بعد أن يتعرض للظلم فليس عليه سبيل :(وَلَمَنِ انتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِم مِّن سَبِيلٍ ) ( الشورى 39 : 41 ).
2 ـ وبعض الأحبة لامنى على عبارات قلتها فى نفس المقال عن علماء السلفية المعاصرين وأنهم لا يبلغون عشر معشار ما لدىّ من العلم ، واعتبروا ذلك تزكية للنفس منهيا عنها فى القرآن الكريم . وأقول إن المنهى عنه هو تزكية النفس بالتقوى، فهذا حق الله تعالى وحده فهو الأعلم بمن إتقى (النجم 32 )، أما المؤهلات العلمية ، فالحكم عليها للناس ، سواء كانت رسمية بالشهادات العلمية الممنوحة من الهيئات المختصة ،او كانت مؤهلات يحوزها صاحبها بمؤلفاته وأبحاثه ومخترعاته واجتهاده وابداعه ، ويراها الناس ويستفيدون بها ، وتضيف لهم جديدا لم يكونوا يعرفونه من قبل. وهنا يكون من حق الباحث أن يتحدث عن إنجازاته ويقارنها بالآخرين ، كما يكون للآخرين الحق فى الحكم على مؤلفاته ، ويبقى الحكم للقارىء فى هذا العصر وفى العصور القادمة. لا يلوم أحد على الطبيب الذى يزين مكتبه ولافتة عيادته والوصفة الطبية بشهاداته وإنجازاته ، وكذلك المحامى .من حق كل إنسان أن يتحدث عن إنجازاته كيف شاء طالما لا يكذب . ويكون هذا الحق أكثر أهمية للمفكر الاسلامى الذى يكتشف جديدا فى معظم كتاباته الاسلامية،ويتفوق على آخرين بالكم وبالكيف ، ولا يكتفى بالكتابة بل يدعو ناشطا الى الاصلاح السلمى،ويتحمل السجن والتشريد والشتم والسب والهجوم دون أن يتوقف أو يتراجع ، بينما يتمتع الجهلة الأفاقون بالتقديس من الحكام والعوام . ومن حق ذلك المفكر الاسلامى أن يجد بعض الانصاف من المثقفين الذين يدافع عن حريتهم وحقوقهم فلا يجد إلا التجاهل حينا والهجوم حينا، ثم حين يقرر ذلك المفكر المسلم حقيقة واضحة وهى تفوقه على شيوخ الجهل يجد اللوم موجها له .
3 ـ حين تحدثت فى المقال رقم (7 ) من هذه السلسلة عن شروط الهداية العلمية والايمانية لامنى بعض الأحبة معتقدا أننى أقصد نفسى فقط بتلك الصفات،وبالتالى فلا تنطبق على الآخرين ، ورأى ذلك متناقضا مع تأكيدى المستمر على أننا بشر نخطىء ونصيب ، وأننا نتعلم من بعضنا ، وأننا جميعا أمام القرآن الكريم تلاميذ. وأقول :
*مع استبعاد شيوخ الجهل الذين يكررون فقط ما قاله السلف فإن ما أقصده بتلك الشروط العلمية هو حث أهل القرآن على تحصيل أدوات الاجتهاد لإكتشاف المزيد من الجديد بالبحث القرآنى والبحث التراثى .
*الشروط العلمية المذكورة هى ماينبغى أن يكون ، وهى موجهة أساسا لشباب فى ضمير الغيب لا يزال لديهم العمر والصحة والطاقة على البناء فوق ما وصلنا اليه.
*هذه الشروط لا تنطبق علىّ إلا بنحو خمسين فى المائة . قلت وأكرر إننى لا زلت على ساحل البحث القرآنى ، ولو عشت مائة عام فسأقول نفس الكلام . وأقول إن معرفتى ليست كاملة بتراث المسلمين وتاريخهم . أنا راض عن نفسى فى مجال اللغة العربية ومصطلحاتها وتطورها وبلاغتها وقواعدها ، والتصوف ،والتراث السنى ، وتاريخ المسلمين من بداية الاسلام الى انتهاء الخلافة العباسية بسقوط بغداد، والعصر المملوكى فى مصر والشام . ولكن معرفتى سطحية بالتشيع والدول الشيعية والتاريخ العثمانى فى مصر وغيرها ،وتاريخ العراق والشرق بعد سقوط بغداد وحكم المغول ومن بعدهم. معرفتى هامشية بتاريخ مناطق اسلامية كثيرة منها شمال أفريقيا والأناضول والهند وأواسط آسيا وجنوبها الشرقى،وتفاصيل التاريخ الأندلسى ووصول الاسلام الى أفريقيا .أى إن ما أجهله أكبر وأكثر مما أعرفه،مع إنه تخصصى الذى تفرغت له طيلة حياتى. وما تبقى من عمر هو لاستكمال بحوث لم تكتمل ونشر بحوث لم تنشر ،أى لا وقت عندى لأن أبحث مناطق جديدة ، ولذلك أخاطب بكلامى السابق شباب الباحثين ليكملوا نقص السابقين.وقد قلت وأؤكدها إن ما أقوله يحتمل الصواب والخطأ،وأسارع بالتصحيح لو اكتشفت خطأه تحسبا ليوم العرض على الله جل وعلا.
*وإذا كان التأسيس العلمى صعبا ـ وهو كذلك فعلا ـ فإن ما لا يدرك كله لا يترك كله،لذا جاءت تلك الشروط ضمن ( الينبغيات ):(أى ما ينبغى ) ،أى المطلوب تحقيق ما يمكن تحقيقه.وفى النهاية فالفكر عمل جماعى يستفيد فيه الباحثين بعضهم من بعض ، إذا كانوا باحثين حقيقيين يبحثون عن الحق والحقيقة ويتحاورون فى رقى حضارى .
*وإذا كان التأسيس العلمى صعبا ـ وهو كذلك فعلا ـ فان الأهم منه والأول والأخير فى البحث القرآنى هو الهداية الايمانية ،أى أن تدخل على القرآن تطلب الهداية مخلصا ،وباستعداد تام فى قلبك لأن تضحى بأى فكر أو عقيدة يظهر لك بالبحث أنها تخالف القرآن . أن تتدبر كل الايات المتصلة بالموضوع وتحللها معا بعد أن تفهم معناها من خلال سياقها القرآنى وليس من خلال ما وجدنا عليه آباءنا . هذه الهداية الايمانية تعلو الهداية العلمية أوالتحصيل العلمى مع أنها أسهل كثيرا ، ويمكن لكل إنسان أن (يشاء ) مخلصا (الهداية ) فيضىء قلبه بالهداية .
4ـ وبهذا ندخل على موضوعنا اليوم . فقد قلت ان الفرد يشاء الهداية فتأتى هداية الله جل وعلا تؤيد وتؤكد هدايته ، وأنه يشاء الضلال فتاتى مشيئة الله جل وعلا تزيده ضلالا .أى إن مشيئة الفرد سابقة فى الهداية والضلال لمشيئة الرب جل وعلا. وقد تحفظ الاستاذ ليث عواد واستشهد بآيات كثيرة يرى أنها لا تتفق مع ما قلت . وسأرد بأكثر من مقال حسبما تاخذنا آيات القرآن الكريم .
وقبل أن أدخل فى الرد أنوّه بالدور البنّاء الذى يقوم به الاستاذ فوزى فراج والاستاذ ليث عواد وآخرون فى إثارة النقاش وإثراء الحوار. معظم ما كتبته خلال الشهور الستة الماضية جاءا نقاشا مع الاستاذ فوزى فراج ، وهو يكتب سلسلة من التساؤلات لأهل القرآن الكريم ، فيها الكثير من الاستنباطات الذكية والتعليقات اللماحة ، وفى الرد عليه استفدت معرفة جديدة بالقرآن الكريم . وبذلك يقوم أولئك الأحبة بدور (الموجّه ) لى ولغيرى فى موقع ومدرسة (اهل القرآن )، ونقوم نحن بمحاولات الاجابة ، فنستفيد ـ كلنا ـ علما.
أولا : مدخل لفهم الموضوع :
1 ـ استمال معاوية واحدا من أبناء عم الامام على وجعله من جلسائه،وقال له مرة : ( أعطيك مائة ألف لو قمت خطيبا ولعنت ابن عمك عليا).قام صاحبنا وخطب قائلا ( إن معاوية أمرنى أن ألعن عليا بن أبى طالب ، وأننى ألعنه فالعنوه معى ). وعاد لمعاوية يطلب المكافأة ، فقال له معاوية :إنك لم تحدد من لعنت . فقال :( قلت لك ما أردت ، ولكل منا ما نوى) . الشاهد هنا هو الضمير فى قوله ( العنوه ) قد يرجع الى (على ) أى العنوا عليا ،أو يرجع الى معاوية ، أى العنوا معاوية.
والأمر يتوقف فعلا على نية القائل.ولقد حاول النحاة حل هذه المعضلة بقولهم أن (الضمير ) يرجع الى أقرب الأشياء اليه،ولكنها ليست قاعدة عامة ، وفعلا فهى مسألة (ضمير ) ، والنحاة أنفسهم هم الذين أطلقوا عليه مصطلح (ضمير) ، وهم الذين قسموا (الضمائر ) الى ضمير بارز وضمير مستتر ، ففى قول الخطيب السابق (أمرنى ) تجد الضمير البارز هنا هو (الياء) وهى مفعول به ، أما الفاعل فهو ضمير مستتر تقديره (هو ) فى داخل كلمة ( أمرنى ).أى أن هناك مجالا (للضمير)أوللتقدير الشخصى فى فهم الكلام العربى وفى فهم القرآن الكريم ، وهو مجال ألصق بمشيئة الانسان فى الضلال أوالهدى حسبما تدل عليه تلك الروايةالسابقة. ونعطى مثالا قرآنيا متصلا بموضوعنا .
الله جل وعلا يقول:(وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ )(الكهف 29 ). من الممكن لصاحب (الضمير) الضال أن يجعل الضمير المستتر فى كلمة (شَاء ) راجعا لله تعالى ، وعندها يكون المعنى أن الله تعالى هو الذى يشاء لمن يؤمن أن يؤمن ، وتكون له حجة ( نحوية ) بأن الضمير المستتر يرجع الى أقرب كلمة له وهو (رَّبِّكُمْ)، وبالتالى يصف الله جل وعلا بالظلم ،إذ كيف يشاء لبعض الناس الكفر ثم يعاقبهم عليه.هذا مع أن المعنى الواضح هو التأكيد على حرية البشر فى الايمان والكفر.
2 ـ يتصل بهذا ما تعرفه البلاغة العربية من فصاحة الايجاز ، ومن أنواع الايجاز الايجاز بالحذف . وفصاحة القرآن الكريم تستعمل الايجاز بالحذف كثيرا ، وبكل أنواعه ، وهناك بحث قادم فى هذا الموضوع. ولكن نلفت النظر هنا على عجل الى فصاحة الايجاز بالحذف فى الآية الكريمة السابقة : (وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ ). المحذوف هنا إيجازا نعرفه عند شرح معنى الآية:(وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء( منكم أن يؤمن ) فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء( منكم أن يكفر ) فَلْيَكْفُرْ ) أى تم حذف كلمات (منكم أن يؤمن) (منكم ان يكفر). ومن يترجم هذه الآية ترجمة صحيحة عليه أن يترجمها بهذا الشكل ،لأن هذا الايجاز ـ بهذا الشكل ـ قد لا يوجد فى اللغات الأخرى، ولأن الترجمة الحرفية ستضيع المعنى تماما.
نؤكد هنا ان الايجاز بالحذف فى القرآن الكريم يمكن استغلاله من جانب أصحاب (الضمير ) (الضال ) فى تحريف معانى القرآن الكريم وإضلال الناس ، حتى فى موضوع الهداية والاضلال،مثلا : يقول جل وعلا (قُل لِّلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَن يَشَاء إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ )( البقرة 142 ) المحذوف هنا ( من الناس ) والمعنى (يَهْدِي (الله من الناس ) مَن يَشَاء ( منهم الهداية )إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ) . الفريق الآخر سيقرؤها على أن الله تعالى هو الذى يشاء وحده أولا وأخيرا الهداية أو الاضلال ، وبالتالى يصف رب العزة بالظلم لأنه شاء أن يضل الناس ثم يعذبهم وهم مجبرون على الضلال وليست لهم مشيئة فى اختيار الضلال او الهدى.
3ـ الذى يحدد الصواب موضوعيا هو إتباع المنهج القرآنى فى تفهم الاية طبقا للسياق الذى جاءت فيه وما يتصل به ، وبمنهج التعامل مع المحكم والمتشابه فى القرآن الكريم ، ولقد سبق لنا توضيح معنى الشفاعة فى القرآن باتباع هذا المنهج ، وبنفس الطريقة نتعامل مع المحكم والمتشابه فى قواعد الهداية والاضلال. كما تعرضنا لفهم كثير من الموضوعات القرآنية طبقا للسياق التى جاءت فيه.
وقد قلنا من قبل أن القرآن الكريم يمكن أن يكون هدى وشفاءا ويمكن أن يكون سبيلا للاضلال ( الاسراء 82 ، فصلت 44 )، يتوقف ذلك على مشيئة الباحث فى القرآن ،إذا شاءالضلال يمكنه أن يتلاعب بالآيات حيث شاء ، ويمكن لو شاء الهداية ان يتتبع المنهج القرآنى فى بحث السياق القرآنى ، وكيفية التعامل مع المحكم والمتشابه .
4 ـ للسياق القرآنى نوعان متداخلان : السياق الخاص المباشر الذى جاءت فيه الآية ،أى ماجاء فى الآية وما قبلها وما بعدها فى نفس الموضوع ، والسياق العام الذى يتعرض للموضوع فى القرآن الكريم كله . وبالتالى فلا بد للباحث أن يجمع كل الآيات المتصلة بالموضوع ويبحثها سويا ، ليحدد معنى المصطلح القرآنى ـ لو كان هناك مصطلح أو مفهوم فى الموضوع المراد بحثه ، ثم تفاصيل الموضوع من خلال السياق الخاص والسياق العام. ونتوقف فى هذا المقال مع لمحة عن السياق القرآنى الخاص وعلاقته بقضية المشيئة فى الهداية و الضلال. ونضع عنوانا لكل حالة حسب معنى السياق فيها .
ثانيا : أمثلة فى السياق الخاص المباشر :
1 ـ السبق بالدعوة للهداية
* يقول جل وعلا : (وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُورًا نَّهْدِي بِهِ مَنْ نَّشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا). من يفهمها خطأ يرى إن الله جل وعلا هو وحده الذى يهدى من يشاء، وبالتالى فمن لم يشأ الله هدايته يكون مجبرا على الضلال ، ويدخله الله الجحيم. وهنا اتهام لله تعالى بالظلم.
الباحث عن الهداية يقرأ السياق المباشر للآية التى جاءت فيها هذه الفقرة القرآنية :وهى قوله جل وعلا (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإِيمَانُ وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُورًا نَّهْدِي بِهِ مَنْ نَّشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ )( الشورى 52 )، وهى آية تتحدث عن نزول القرآن الكريم على خاتم المرسلين . ونزل القرآن دعوة للهداية لمن أراد الهدى،ولم ينزل مع القرآن ملائكة تجبر الناس على الايمان ، بل على العكس جاء يؤكد حرية البشر فى الايمان به أو الكفر به ، ومسئوليتهم على ما يختارون ، وأن من اهتدى فقد اهتدى لنفسه ، ومن ضل فقد ضل عليها . وبالتالى فإن الآية هنا تسبق بالدعوة للهداية لكل إنسان ، ويكون معنى (وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُورًا نَّهْدِي بِهِ مَنْ نَّشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا) أن نور القرآن يهتدى به من يشاء الهداية ، وبمجرد إرادته الهداية يهده الله جل وعلا.
* يقول جل وعلا (وَيَهْدِي مَن يَشَاء إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ). أيضا المشيئة هنا متوقفة على دعوة موجهة للبشر ، فالآية بأكملها تقول:(وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلامِ وَيَهْدِي مَن يَشَاء إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ )( يونس :25 ). الدعوة هنا سابقة للهداية ، والدعوة تقوم على حرية الاستجابة أو الرفض ، وبالتالى فإن من يشاء الهداية من البشر يهده الله تعالى.
* يقول جل وعلا : (يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاء)
هذه أيضا فقرة من آية قرآنية تتحدث عن الهداية كنور الاهى ويضرب لها مثلا تقريبيا فى قوله تعالى :(اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لّا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاء وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ )( النور، 35 ). فالنور الالهى موجه للجميع ، ولكن من يريد الهداية به هو الذى يشاء الله تعالى الهداية به ،أما الأعمى الرافض للنور والرافض لأن يرى النور فكيف يجبره الله تعالى على أن يرى ؟
* ونفس الحال فى قوله تعالى (لَقَدْ أَنزَلْنَا آيَاتٍ مُّبَيِّنَاتٍ وَاللَّهُ يَهْدِي مَن يَشَاء إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ )( النور 46). فالآيات البينات الواضحات أمام الجميع ، والراغب فى الهداية يشاء الله تعالى هدايته. وفى كل الأحوال فلو كان هناك إجبار لما إحتاج الأمر لارسال الكتاب السماوى ودعوة الناس للايمان به .
2 ـ سبق الايمان :
يقول جل وعلا :(وَاللَّهُ يَهْدِي مَن يَشَاء إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ )(البقرة 213). الفهم الضال أن الله تعالى يهدى من يشاء الهداية ، وبالتالى يترك الآخرين بلا هداية ، ثم يدخلهم النار. وبهذا يصف الله جل وعلا بالظلم.
فهم الآية حسب سياقها ينفى هذا الفهم ، فالآية تقول:(كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ الَّذِينَ أُوتُوهُ مِن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ لِمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَن يَشَاء إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ )(البقرة 213 ). هنا سبق الايمان. أى حدث اختلاف ، هناك بغاة يبغون على آيات الله وهناك الذين آمنوا ، وجاءت هداية الله لاحقة ومؤيدة للذين آمنوا ،والقاعدة إن الله تعالى يهدى الذين آمنوا الذين يريدون الهداية الى صراط مستقيم .
3 ـ سبق الحكمة :
ويقول جل وعلا : (يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاء) والفهم الضال على انها تحيز من الله جل وعلا لبعض الناس الذين شاء أن يؤتيهم وحدهم الحكمة . ولكن السياق ينفى ذلك . فهو سبق الحكمة لأولئك الناس وجاءت مشيئة الله جل وعلا لتؤكد على إعطائهم الحكمة. فالآية بأكملها تقول : (يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاء وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ)( البقرة 269 ،)فالقرينة فى نهاية الآية (وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ) ومن صفات الذين آمنوا أنهم أولو الألباب الباحثون عن الحكمة ، وبالتالى فطالما شاءوا الحكمة فإن مشيئة الله أن يعطيها لهم .
4 ـ سبق الاحسان :
* يقول جل وعلا : (لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاء) . عرفنا الفهم الخاطىء لها، ولكن هذه الجملة القرآنية جاءت فى سياق متصل يتحدث عن الاحسان والصدقة ، يقول جل وعلا ( للمؤمنين والنبى محمد عليه السلام ): (وَمَا أَنفَقْتُم مِّن نَّفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُم مِّن نَّذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ إِن تُبْدُواْ الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاء فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنكُم مِّن سَيِّئَاتِكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاء وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلأنفُسِكُمْ وَمَا تُنفِقُونَ إِلاَّ ابْتِغَاء وَجْهِ اللَّهِ وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ)(البقرة: 270: 272 ). أى أن المحسنين باحسانهم شاءوا الهدى فهداهم الله تعالى لأنه يهدى من يشاء الهداية. فى نفس الوقت تمسك بعض الفقراء بالضلال ، وهم مستحقون للصدقة ، والله تعالى يقول للنبى لست مسئولا عن هدايتهم ، ولا تحرمهم من حقهم فى الصدقة بسبب ضلالهم .
5 ـ التسابق فى الخير
ويقول تعالى (ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء) ولا يعنى هذا أن فضل الله تعالى يؤتيه من لايستحق لأن الاية تقول:(سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاء وَالأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ )( الحديد 21).هنا دعوة مفتوحة للتسابق فى الخيرابتغاءالمغفرة والجنة.أى إن فضل الله المقصود هنا هو لمن يفوز فى هذه المنافسة فى الخير،أو لمن يشاء أن يسبق فى مجال الخير.
6 ـ السبق بالتكذيب :
*يقول جل وعلا :( مَّا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ إِلاَّ أَن يَشَاء اللَّهُ)، قد يفهمها بعضهم على أن الله لم يشأ لهم الايمان فكفروا،وإذن يتهمون الله تعالى بالظلم لأنه يعذبهم بعد أن شاء لهم الكفر. الآية بأكملها تقول:(وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً مَّا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ إِلاَّ أَن يَشَاء اللَّهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ )( الانعام،111). الحديث هنا عن كفار سبق لهم الكفر وصمموا عليه وطلبوا معجزات وآيات حسية مثل نزول الملائكة وإحياء الموتى ، ويقول جل وعلا إنه لو أنزل لهم ملائكة فلن يؤمنوا أيضا إلا لو شاء الله تعالى إكراههم على الايمان . هنا سبق الكفر والاصرار عليه .
* ونفس المعنى فى قوله جل وعلا فيمن يعرض عن الهدى ولا يسمعه :(وَمَا يَسْتَوِي الأَحْيَاء وَلا الأَمْوَاتُ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَن يَشَاء وَمَا أَنتَ بِمُسْمِعٍ مَّن فِي الْقُبُورِ إِنْ أَنتَ إِلاَّ نَذِيرٌ ) (فاطر 22 )
7 ـ سبق العدوان والعصيان :
*يقول جل وعلا : ( يُعَذِّبُ مَن يَشَاء وَيَغْفِرُ لِمَن يَشَاء). مشيئة الله تعالى هنا نفهمها من سياق الآية وهى تتحدث عن جزاء السرقة (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا جَزَاء بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ فَمَن تَابَ مِن بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يُعَذِّبُ مَن يَشَاء وَيَغْفِرُ لِمَن يَشَاء وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ )(المائدة:39 : 40 ).والمفهوم منها أن التوبة تسقط عقوبة قطع اليد عن السارق،والتفاصيل فى بحث قادم عن تطبيق الشريعة الاسلامية .المهم هنا ان من يتوب ـ مخلصا ـ يتوب الله تعالى عليه (فَمَن تَابَ مِن بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) أى إن من يشأ الهداية يهده ويغفر له الله ، ومن يرفضها يضله الله تعالى ويعذّبه .
* ويقول تعالى للمؤمنين فى المدينة:(أَتُرِيدُونَ أَن تَهْدُواْ مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً ). ليس المعنى أن ضلال الناس من الله تعالى ولكنهم شاءوا الضلال ونفذوه بالاعتداء فأضلهم الله . الآية بأكملها تقول: ( فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللَّهُ أَرْكَسَهُم بِمَا كَسَبُواْ أَتُرِيدُونَ أَن تَهْدُواْ مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً وَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُواْ فَتَكُونُونَ سَوَاء ) ( النساء 88 : 89) . الآيات وما بعدها تتحدث عن الأعراب المنافقين المتآمرين على المسلمين . وهنا سبق العدوان وما يترتب عليه من إضلال الاهى لهم : (وَاللَّهُ أَرْكَسَهُم بِمَا كَسَبُواْ).فقد سبقوا بالظلم الذى عملوه أو بالتعبير القرآنى (بِمَا كَسَبُواْ) والنتيجة أن الله تعالى (أَرْكَسَهُم ). ولا سبيل لهدايتهم وهم على بغيهم مستمرون ، لذا يقول جل وعلا لبعض المؤمنين حسنى النية (أَتُرِيدُونَ أَن تَهْدُواْ مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً). ولأن إضلال الله تعالى لهم مترتب على سلوكهم فلو كفّوا عن العصيان وآثروا الهدى لهداهم الله ، لذا جاءت التفصيلات فى الآيات التالية ( النساء 89 : 91)تضع التشريعات التى يتبعها المؤمنون طبقا للمواقف المتغيرة لأولئك الأعراب المخادعين، ومنها قوله تعالى عنهم (فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلاً)( النساء :90)
8 ـ السبق على مستوى الطرفين ( الهدى و الضلال )
* يقول جل وعلا : (فَيُضِلُّ اللَّهُ مَن يَشَاء وَيَهْدِي مَن يَشَاء)، ليس المعنى ان الله تعالى يضل ويهدى حسب ارادته المنفردة ،لأن الآية تتكلم عن ارسال الرسل : (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَن يَشَاء وَيَهْدِي مَن يَشَاء)(ابراهيم 4). كل رسول عانى من اضطهاد قومه بسبب حريتهم فى الكفر والضلال ، أى هى دعوة مقدما لمن أراد الهدى ، وبعضهم يشاء الهداه فيشاء الله تعالى هدايته ، وبعضهم (أكثرهم ) يختار الضلال فيشاء الله تعالى ضلاله .
* يقول جل وعلا :( قُلْ إِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاء وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ). الآية باكملها تتحدث عن عناد الكافرين وطلبهم آية حسية بديلا عن القرآن ، ويأتى الرد بأمر خاتم المرسلين أن يقول لهم أن الله يضل من يشاء من الناس الضلال،ويهدى من ينيب ويهتدى ، ولنقرأ الآية بأكملها :( وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ قُلْ إِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاء وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ )(الرعد 27 )
* نفس الحال فى قوله جل وعلا : (يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاء )(ابراهيم 27 ). فهنا سبق بالايمان للذين آمنوا يترتب على إيمانهم أن يثبتهم الله جل وعلا بالقول الثابت، وفى المقابل هناك سبق بالظلم يترتب عليه أن يضلهم الله جل وعلا، وتلك هى مشية الله تعالى التى تؤكد إختيار البشر فيما يفعل .
* نفس الحال فى قوله جل وعلا (وَالَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُمَاتِ مَن يَشَإِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَن يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ )( الانعام 39 ). هنا سبق بالتكذيب يترتب عليه الضلال ، وسبق بالايمان يترتب عليه الهداية الى صراط مستقيم .
* نفس الحال فى قوله جل وعلا:(أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاء وَيَهْدِي مَن يَشَاء فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ)( فاطر 8 )، فهنا سبق فى الكفر وإصرار عليه ، وبالتالى فان الله تعالى يضل ذلك الذى شاء الضلالة وأصرّ عليها كما يهدى من يشاء الهداية .
*يقول تعالى (وَلَكِن يُضِلُّ مَن يَشَاء وَيَهْدِي مَن يَشَاء ). الآية بأكملها تقول: (وَلَوْ شَاء اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِن يُضِلُّ مَن يَشَاء وَيَهْدِي مَن يَشَاء وَلَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ)( النحل 93 ).أى لوشاء الله تعالى لجعل كل الناس أمة واحدة مؤمنة ، أى أجبر الجميع على الايمان ، ولكن شاء لهم حريتهم ، وبالتالى يضل الله تعالى من يشاء منهم الضلال ويهدى من يشاء منهم الهداية ، ثم يأتى يوم الحساب والمساءلة .
*وهو نفس الحال فى قوله تعالى :(وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِن يُدْخِلُ مَن يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمُونَ مَا لَهُم مِّن وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ)(الشورى 8)
* وهو نفس الحال حتى مع الأنبياء ، وقد اختاروا الهداية فهداهم الله، ولو حدث وأشركوا فإن الله تعالى يحبط أعمالهم الصالحة : (ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُواْ لَحَبِطَ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ )( الانعام 88 )
ختاما :
1 ـ هى لمحة عن السياق الخاص الذى جاء فى آيات قرآنية تؤكد أن البشر يتمتعون بحرية المشيئة فى الهدى أو الضلال ، وتأتى مشيئة الله جل وعلا تؤكد ما شاءه البشر . والدليل العملى أن لكل فرد حريته فى قبول معانى هذه الآيات القرآنية أو رفضها.
2 ـ وبعونه جل وعلا يأتى المقال رقم (10 ) فى قواعد الهداية والاضلال فى المشيئة الالهية والمشيئة البشرية/ فى السياق القرآنى العام ،والمقال (11 ): فى قواعد الهداية والاضلال فى المشيئة الالهية والمشيئة البشرية./فى المحكم والمتشابه )،والمقال ( 12 ) فى قواعد الهداية والاضلال فى إرادة الله وإرادة البشر، والمقال (13 ) فى قواعد الهداية والاضلال فى الإذن والتزيين ..والله جل وعلا هو المستعان .
اجمالي القراءات
23178