عمر الشفيع Ýí 2009-06-13
حسن الترابي وتدبر القرءان (1)
المقالة الأولى: التعريف بالتفسير التوحيدي
هذه المقالة عن التعريف بالتفسير التوحيدي وتلخيص منهجه في التدبر القرءاني وذلك لظني أن غالب القراء ـ وخاصةً في السودان ديار الترابي ـ لم يطلعوا على هذا الكتاب القيِّم في تدبر القرءان العظيم. ثم تتلو هذه المقالة التعريفية مقالات أخرى نقدية لبعض ما ورد في "التفسير التوحيدي".
وباسم الله نبتديء. <يء.
أصدر حسن الترابي الجزء الأول من تدبره للقرءان العظيم (من سورة الفاتحة إلى سورة التوبة) تحت اسم (التفسير التوحيدي) عن دار الساقي في لندن عام 2004 واحتفل الوسط الثقافي اللندني بصدور هذا الجزء الأول من التفسير التوحيدي. ومن الذين استحسنوا هذا التفسير الدكتور محمد عبد الحليم أستاذ الدراسات الإسلامية ومدير مركز الملك فهد للدراسات الإسلامية بكلية الدراسات الشرقية والإفريقية بجامعة لندن ورئيس تحرير مجلة دراسات قرآنية وصرح بأنه قرأ تفسير بعض الآيات في التفسير التوحيدي ووجد فيها جديداً وسوف يعيد ترجمة هذه الآيات في ترجمته الرائعة للقرءان العظيم إلى اللسان الإنجليزي التي صدرت الطبعة الأولى منها عام 2004 قبل التفسير التوحيدي بقليل.
يحتوي الجزء الأول على تمهيد في "النظرية التوحيدية التجديدية" ومقدمة في "منهج التفسير التوحيدي" ثم متن التفسير التوحيدي للثلث الأول من القرءان العظيم "من سورة الفاتحة إلى سورة التوبة".
التمهيد: النظرية التوحيدية التجديدية
التمهيد جاد به قلم الأستاذ المحبوب عبد السلام المحبوب الذي أتيحت له فرصة أن يتتلمذ مباشرةً على شيخه الترابي ولذلك جاء تمهيده مستوعباً تماماً لمصطلح الترابي. أوضح الأستاذ المحبوب أن مجمل فكر الترابي يصح أن نطلق عليه "النظرية التوحيدية التجديدية" لأن (التوحيد هو المدخل الأثير للشيخ حسن الترابي أصلاً وموضوعاً يتوسل به إلى إجتهاده الفكري كافةً، ويؤسس عليه بناءه وإسهامه النظري والعملي ـ ص 9). ويوضح المحبوب أن أخذ الترابي لمنهج "التوحيد" يعود إلى (أوان تليد إتصل عبر مقارباته الواسعة للقرءان، حفظاً ينتقل فيه عبر قراءات الحرف القرءاني ورواياته، أو درساً مدققاً متعمقاً لإجتهادات كبار المفسرين وإسهاماتهم الكثيفة ـ ص 9). والترابي ـ حسب المحبوب ـ يستصحب منهجه التوحيدي للسياق القرءاني في كل مداولاته لشؤون السياسة والحكم والخطاب العام. ويؤكد التمهيد أن منهج التفسير التوحيدي يعتمد الشورى مسلكاً ووسيلةً وسبيلاً قويماً، (فالشورى ـ في النظرية التوحيدية التجديدية ـ تربو مع الإنسان صغيراً في أسرةٍ تدير أمرها عن تشاورٍ وتراضٍ وتهيِّئه فرداً صالحاً لمجتمع ودولة مؤسَّسين على سلطان الأمة وإجماعها وشوراها، تعاقداً وإختياراً وإنتخاباً في حريةٍ وعدل. والشورى في العلم حوار وتداول بين العلماء المختصين، وبينهم وبين عامة المجتمع تساؤلاً وتجاوباً وأخذاً وعطاءً ـ ص 10). وعلى سنة الشورى فقد بسط الترابي تفسيره لحلقة شورى علمية كانت تنعقد مرة كل أسبوع وتمتد لبضع ساعاتٍ في النهار منذ منتصف عام 1994 وقد بلغت تلك الحلقة أول الثلث الأخير من القرءان عندما توقفت. وقدِّر للأستاذ المحبوب أن يقيِّد كل ما تداولت به تلك الحلقة الأسبوعية تسجيلاً ثم كتابةً وصياغةً في تجربة تتلمذ طويلة على منهج شيخه وفكره ومصطلحه. وبعد ذلك إعتنى الترابي نفسه بالصياغة الجديدة لما تداولت به تلك الحلقة فأخرج هذا الجزء الأول من التفسير التوحيدي في تجربة شورى علمية بين العلماء وبينهم وبين المجتمع كما يرى المحبوب.
المقدمة: منهج التفسير التوحيدي
كتب الترابي مقدمة جيدة في منهج التفسير التوحيدي جاءت في ثلاثة أجزاء هي:الجزء الأول: التفسير التوحيدي ولغة القرءان يليه الجزء الثاني: التفسير التوحيدي ووحدة الهدي للإنسان ثم الجزء الثالث: التفسير التوحيدي وحاضر الوحدة مع القرءان.
وسوف أقتصر على الجزء الأول ولو كان الأمر بيدي لعدَّلت عنوان هذا الجزء وجعلته "التدبر التوحيدي واللسان العربي المبين" لأن لفظ التفسير يمكن قبوله مع عدم الدقة في إطلاقه على تدبر القرءان، وذلك لأنه لفظ من لسان القرءان، أما لفظ "لغة" فكان الأجدر بالترابي تركه لأنه ليس من لسان القرءان بهذه الصياغة وإن ورد جذره في القرءان، ذلك لأن اللسان نظام تواصل دقيق يتصف في القرءان بالإعراب والإبانة في مقاصده بينما اللغة غالبها لغوٌ وإعتباطٌ. والملاحظ أن الترابي قد استخدم هذا اللفظ "لغة" كثيراً في هذه المقدمة التي يبدو عليها أنها لم تكتب خصيصاً لهذا المجلد من التفسير التوحيدي وإنما أُلحقت به والسبب ـ على ما أظن ـ أن الترابي كان في السجن لحظة إصدار الكتاب ولم يتمكن من كتابة مقدمة جديدة تشرح خطوات المنهج التوحيدي تفصيلاً.
ومن أمثلة استخدام الترابي لِلَفظ "لغة" قوله أن (القرءان كتاب عربي مبين يُقرأ صوته بلسان عربي ويبين معناه باللغة العربية ـ ص 15)، ولو قال أن (القرءان عربي مبين يقرأ صوته بلسان عربي ويبين معناه بلسانه العربي المبين) لكانت الجملة أدق في استخدامها ألفاظ القرءان نفسها، وذلك لأن الإعراب ورد صفةً للقرءان واللسان والحكم ولم يرتبط بالكتاب. أما الإبانة (والتبيان والتبيين) فتقترن بالكتاب والقرءان وآياته ولسانه حيث أن الكتاب تبيان لكل شيء والقرءان مبين بنفسه ولسانه مبين وآياته بيِّنات بنفسها ومبيِّنات لنفسها ولغيرها من الآيات. وشتان ما بين لسان القرءان العربي المبين ولسان العرب.
يؤكد الترابي في أول هذه المقدمة أن (الإجتهاد في تفسير القرءان لا فكاك له من منهج التوحيد، ذلك لأن الدين كله يتأسس على الإيمان بوحدانية الله عقيدةً يبلغها الإنسان من تعرف الآيات في ظواهر الكون المتفرقة المشهودة وفي مغازي حادثات الحياة المضطربة ببلاءاتها ـ ص15).
ثم ينتقل الترابي إلى "التفسير التوحيدي ولغة القرءان" ليقول قولاً نفيساً في تطور علوم اللسان القرءانية عند المفسرين الأوائل والمتأخرين حيث أن التفسير إبتدأ أصلاً بمعالجة (مشكلات اللغة في بيان كَلِم القرءان بجذر المعاني والتصاريف والنحو أو كشف صور التعبير البلاغي وإشارات التأويل البعيد، أو إظهار وجوه الإعجاز البياني في القرءان ـ ص 17).
ويبدأ الترابي شرح منهجه اللساني في تدبر القرءان بالحرف العربي حيث يشرح نظريته في الحروف العربية قائلاً أن لكل حرفٍ من هذه الحروف العربية معنى وتتصل تركيباً وتصريفاً لتبين معاني الكلمات. ونظرية دلالة الأصوات (أي الحروف المفردة) لو قدِّر لها أن تتطور لساهمت في حل كثير من مشاكل الغموض في كثير من آيات القرءان العظيم. وأول من إبتدأ القول من القدماء بمعانٍ للحروف تتشكل منها معاني الألفاظ هو ـ حسب علمي الحالي ـ عبَّاد ابن سليمان الصَّيْمَري وساهم فيها مساهمةً رائعة في العصر الحديث المهندس ومتفكر اللسانيات العراقي عالم سبيط النيلي رحمه الله. ويبدو في المقدمة إقتناع الترابي بهذه النظرية التي ليس بمستطاعه استخدامها لأنها لم تكن تحت يده إلا إذا كان له إجتهاد في معاني الحروف لم يحبذ إقحامه في تفسيره الذي أراده مختصراً بعيداً عن التفسير ذي المجلدات الكثيرة، وفي هذه الحال أرجو أن ينشر الترابي تفكره في نظرية دلالة الأصوات التي أشار لها في هذه المقدمة.
ثم يشير الترابي إلى "الدلالة المحورية" لَّلفظ ـ وإن لم يسمِّها ـ بقوله (والقرءان لغة إصطلاحه واحدة. فالكلمة في كل مواقعها فيه بتصريفاتها المختلفة، ترجع إلى معنىً واحد أصله قد يكون مدىً واسعاً يتحرك فيه الوقع المعين حيثما اندرج في السياق ـ ص 16). والواضح أن الترابي حادّ الوعي بالدلالة المحورية والدلالة الفرعية للألفاظ أو المعنى والمدى في لفظه حيث يقول (كذلك، ينبغي أن يرد القرءان بعضه إلى بعض، أن تراجع كل كلمة إلى موردها لينضبط معناها أو مداها، وتوصل كل كلمة بما يجاورها لتبين في السياق وتتألف جمل الكلم في الآي، وتوصل الآي في السورة ... ـ ص18).
وبقوله هذا "توصل كل كلمة بما يجاورها لتبين في السياق"، إنتقل الترابي إلى بيان تركيب الجمل وسياقها في إبراز الدلالات المقصودة من المركبات والجمل والتعابير المختلفة في الآيات وإبراز الدلالات المقصودة من الآيات نفسها في تركيبها وسياقها. وهذه القاعدة " توصل كل كلمة بما يجاورها لتبين في السياق " هي من القواعد النفيسة في تدبر لسان القرءان وسوف نرى هل إلتزم بها الترابي بالدقة اللازمة.
وقبل ذلك لابد من المعرفة الدقيقة لأصول الكلمات وجذورها إذ أن الجذر أساس في "اللغة العربية" حيث أنها (لغة من جذر واحد لم ترتَّق من أصولٍ شتى تولِّد فيها تبايناً، ولكي يُفسَّر كلم القرءان بلوغاً إلى معانيه لا بد من تعرف جذور الكلمات لتبين أصول المعاني ـ ص 16)
وتحدث الترابي ـ أيضاً ـ عن تطور الدلالة في لسان العرب موتاً وحياةً للكلمات وتحدث أيضاً عن تطور دلالة بعض كلمات القرءان عند فقهاء الأحكام وعلماء الكلام وأئمة التصوف ولكنه يرى أن الدلالة في ألفاظ القرءان ينبغي إرجاعها إلى أمة الخطاب عهد التنزيل ويقول في ذلك (وينبغي للتفسير الصادق للقرءان أن يوحد لغة القرءان في جملته، وفي ما بينها وبين أمة الخطاب عهد التنزيل دلالةً لا تفارقها، ليضبط التفسير معاني القرءان حقاً، مهما يمض بعد، فيخاطب عصره بلغة عربية يفهمها الخلف، لكنها تترجم تلك المعاني بما يصدِّق وقعها الأصيل ـ ص 18). وفي هذا القول فإن الترابي يحصر دلالة اللفظة القرءانية في بيئة عرب الجزيرة عهد التنزيل ولا يطبِّق ما قاله عن تطور الدلالة في الألسنة المختلفة على لسان القرءان الذي هو خطاب للناس ـ كل الناس ـ في كل الزمان وكل المكان ولا بد لهؤلاء الناس أن يجدوا جديد الدلالات في هذا الكتاب الذي يقول لهم أنه لهم وأنه صالح لكل أجيالهم.
وبإختصار يرى الترابي أن الإنطلاق من فقه لسان القرءان والنظر إلى وحدة رسالات الهدى للإنسان وحشد كل طاقة العلم بالمحسوس يقود إلى توحيد حياة المؤمن عبادةً لله سبحانه وتعالى في كل المجالات، وعلى المتدبر للقرءان العظيم أن يوحِّد بين كل الموضوعات فيه من عالمي الغيب والشهادة لتنسلك كلها في سبيل التوحيد.
المتن: التفسير التوحيدي
اتبع الترابي في التفسير التوحيدي منهج تدبر القرءان على مستوى السورة (المنهج التسويري ـ من السورة) محاولاً ربط معاني الآيات في السورة ببعضها في سياق يبدأ بالآية الأولى ويتدرج حتى الآية الأخيرة ليحاول أن يربط بين الآيات ويوحِّد بينها في المعاني في السورة الواحدة. ولا يهمل أيضاً علاقة الآية بآيات سبقت في سور سابقة و علاقة السورة بالسورة السابقة لها غالباً وأحياناً بسور أخرى. ويحاول في مرات عديدة ربط موضوع الآية بما يكمله في بقية الكتاب (التدبر الترتيلي) وهو يفعل ذلك كثيراً بالإشارة إلى جزء من الآيات المتممة من السور الأخرى للموضوع في الهامش.
ولتسهيل التفسير التوحيدي على القاريء فقد قام الترابي بتنظيم تدبره للسورة عبر ثلاثة أقسام هي خلاصة هدي السورة وترتيل المعاني وعموم المعاني.
أولاً ـ خلاصة هدي السورة
ينظر الترابي في البداية إلى السورة نظرة عامة يربط فيها كل آياتها ببعضها البعض ويحاول أن يجد موضوعاً أو مواضيع تدور حولها السورة. وخلاصة هدي السورة هي مدخل يعبر فيه المفسر عن وحدة آيات السورة وترابط موضوعاتها لأنها مهما تطل وتتشعب فهي تتسق وتتماسك. وفي سورة البقرة ـ مثالاً ـ فقد ذهب الترابي إلى أن هذه السورة هي أول التنزيل في المدينة لكنها إمتدت حتى نزلت أواخرها في آخر التنزيل. وكانت من ثَمَّ فسطاطاً هدياً للحياة التي اجتمعت شعاب الدين فيها للمجتمع المسلم في المدينة. ثم يشرع الترابي في ربط موضوعات الهدي المتشعب في هذه السورة بمجتمع المدينة الناشيء لتهديه في كل علاقاته البينية من تفصيلٍ في الإيمان والشرائع والشعائر من صلاةٍ وصيامٍ وحج، وفي علاقاته الخارجية أيضاً وخاصةً في تفاعله مع الثقافة الكتابية المنبسطة في المدينة.
والترابي يهتم كثيراً بتوصيل المعاني بعضها ببعض ويبدو أحياناً أنه يحصر المعاني في عهد التنزيل ومجتمع مكة والمدينة وهو يرى أصلاً أن دلالات الألفاظ ينبغي أن تحصر في أمة الخطاب عهد التنزيل وبهذا الرأي فقد حرم نفسه كثيراً من الدلالات الجديدة لألفاظ القرءان في تطورها وصلاحها لكل الزمان وكل المكان.
ومن الذين حاولوا أن يتدبروا موضوع السورة في العصر الحديث الشيخ محمد الغزالي عليه رحمة الله في كتابه "نحو تفسير موضوعي لسور القرءان الكريم". ولكن واحدة من المحاولات الناضجة في هذا المجال هي التي قام بها الأستاذ أمين أحسن إصلاحي رحمه الله وحاول فيها أن يجد لكل سورة موضوعاً واحداً تدور حوله سماه "عمود السورة" وجعله أساساً لتدبره النفيس للقرءان العظيم الذي أسماه تدبر القرءان ونشره باللسان الأوردي (تدبرِ قرآنِ).
ثانياً ـ ترتيل المعاني
وبعد أن يفرغ الترابي من خلاصة هدي السورة يعمد إلى آيات السورة فيقسمها إلى مجموعات مثل سورة البقرة التي قسمها إلى ثلاث وعشرين مجموعة أطولها المجموعة التي تحوي الآيات من 190 إلى 220 وأقصرها المجموعة التي تكونت من الآيتين الأخيرتين من السورة ويفسر آيات كل مجموعة في ترتيل معانيها ويحاول أن يوحد بين معاني الآية موضوع التفسير والآية السابقة لها. والترتيل عنده يأتي في معناه القرءاني قريباً من دلالة التتابع في أرتال ولا علاقة له بدلالة "التغني بالقرءان". وقد أحسن المحبوب في التمهيد تلخيص المقصود بـ"ترتيل المعاني" حيث قال (ترتيل المعاني، اي التفسير لآيات السورة آيةً بعد آية، رتلاً تتوالى معانيه وتتوحد، وقد كان ذلك في أصل جهده تدارساً وتداولاً يطيل النقاش في أيما حرف أو كلمة ويمعن النظر في أيما مشكل أو معنى أو قضية مما سبق لكتب التفسير وإجتهاده السالف أن وقفت عنده، أو طرأ على المتدارسين وهم يفسرون الآيات وينسقون رتلها ويوحدون معانيها ـ ص 12). وفعل التدبر على مستوى ربط المعاني بين الآية وسابقتها ولاحقتها قد يدخل في علم المناسبة. وأشهر محاولة في علم المناسبة بين الآيات وبين السور هي التي كتبها برهان الدين البقاعي ـ في العصر المملوكي ـ تحت اسم "الدرر في تناسب الآيات والسور" وهي محاولة تدبر جادة أنشأ بها البقاعي علم المناسبة بإعتباره علماً جديداً يتحدث عن المناسبة بين الآية القرآنية وسابقتها ولاحقتها من الآيات، والمناسبة بين السورة وسابقتها ولاحقتها من السور وهو علم يعتمد على فهم كامل للنسق القرآني وتدبر عميق للآيات والسور في القرآن العظيم، وللأسف فإن "الدرر في تناسب الآيات والسور" لم يشتهر ولم يخضع للنقد والبناء عليه إلا من من قلة من طلاب الدراسات العليا.
ثالثاً ـ عموم المعاني
وبعد أن يفرغ الترابي من تدبر المجموعة من الآيات بالتفصيل يكتب خلاصةً في عموم المعاني المستخلصة من الآيات موضوع التدبر، وهي خلاصة تتوخى إيصال المعنى بأوجز الأساليب إختصاراً وإجمالاً. ويكتب المحبوب (وإذ أن منهج هذا التفسير وعنوانه هو التوحيد فقد وحَّدنا في كل سورة جملة من الآيات تمثل موضوعاً متصلاً أو موضوعاتٍ موصولة أسورةً تتواصل في بناء السورة حملت عنوان "عموم المعاني"، وهي كذلك خلاصات أكثر تفصيلاً لما أجمل أولاً في خلاصة "هدي السورة"، بما يعين الذين تضيق أوقاتهم عن قراءة كامل نص التفسير فيجدون بعض غنىً في الإجمالات والخلاصات ـ ص 12).
ختام المقالة
وبعد فقد حاولت ـ عزيزي القاريء ـ أن أقدم لك مختصراً لمنهج هذا الكتاب الضخم الذي تقارب صفحاته الألف من القطع الكبير.
وتبقى ملاحظتان صغيرتان أولاها أن الآيات كتبت بالرسم العربي الإملائي مشكولةً ولم تكتب بالرسم القرءاني الذي يمكن أن يدخل هو أيضاً في تدبر القرءان لأنه مقصود. والترابي يبدو أنه لا يدخل الرسم القرءاني في تدبره وإلا لإنتبه مثلاً إلى أن إبراهيم ورد في القرءان برسمين مختلفين مقصودين هما الرسم الأول (ابرهم) الذي ورد 15 مرة في سورة البقرة والرسم (ابرهيم) في بقية سور القرءان العظيم ليدل كل من الرسمين على فترة في حياة إبراهيم. وثاني الملاحظات هي أن هذا الكتاب القيِّم يخلو من الفهارس التي تعين القاريء على سرعة الوصول إلى مبتغاه من الألفاظ المفتاحية والأعلام، ويخفف من وطأة عدم وجود هذه الفهارس أن الآيات يمكن الوصول إليها بسهولة.
وحبذا لو أُعيد نشر خلاصة هدي السورة لكل سور القرءان العظيم في كتيِّب منفصل حتى تصبح تدبراً مختصراً في مقاصد السور يجمل موضوعاتها ويوحِّد معانيها.
والله أعلم. وإلى اللقاء في المقالة التالية.
لقد ورد في تعليق سيادتك ما يلي :
الحقيقة أنني بدأ يتملكني شعور أن هذا القرءان وضع هكذا من أجل أن يُختَلَف فيه .
وأيضا ورد في نهاية التعقيب ما يلي :
أي أن القرءان يبدو لي و كأنه وضع أساساً لتشجيع هذا الأختلاف.
وهنا يمكنني الجزم بان ما يبدوا لسيادتك هو ظن خاطئ .
إذ كيف يكون السبب الأسااسي لإنزال القرآن الكريم هو بيان ما أختلفوا فيه 64 النحل ، علاوة على تحذير شديد اللهجة بعدم الفرقة والاختلاف 105 ، 106 آل عمران ، ثم تأتي سيادتك بقولك هذا " من أجل أن يختلف فيه ، وضع أساسا لتشجيع الاختلاف " .
معذرة أخي دكتور محمود لم أعهدك هكذا طوال فترات نقاشنا ، حيث ما يبدوا لك شيء وجهلنا بحقائق القرىن شيء آخر .
وهذه الأطروحة قد سبقت فيها كل من النيلي والترابي ، وهذا منشور في مجمل مقالاتي على هذا الموقع ، ولم يستطع أحد دحضه حتى الآن .
فقد دعوت لتلك الأفكار منذ أكثر من ثلاثين عاما .
لذا أرجو منك أخي المراجعة حتى نراك كما عهدناك .
وفي النهاية أتقدم بالشكر للأستاذ عمر الشفيع كاتب المقال كما أرجوا منه مراجعة كتاباتي من أول إشكالية الاختلاف ، وسوف تجد مالم تجده عند النيلي أو الترابي .
دمتم جميعا بكل خير .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
نعم لقد أصبح القرآن وكفى اكثر إنتشارا وأصبح يتكلم به الكثيرين في أحاديثهم الخاصة والعامة ، وهذا بالطبع في مجتمع النخب ، ومن المؤكد أنه سينتقل من مجتمع النخب إلى مجتمع القراء العاديين ..!!
السلام عليكم
الحقيقه ان الله لم يرد للناس ان يختلفوا وانما ارادهم ان يكونوا احرارا ، والاختلاف الحاصل هو ضريبة الحريه التي ارادهم الله ان يتمتعوا بها ، فهم لانهم احرار لم يجتمعوا على الهدى وهم لانهم احرار لم يكونوا امة واحدة ، كان الله قادرا لو اراد ان يجعلهم امة واحده وان يجمعهم على الهدى ، لكنه لو قدر لهم هذا لانتفت عنهم صفة الحريه وهذا لا يريده الله انما ارادته ان يكون الناس احرارا ، ولانهم احرارا اختلفوا ، فالخلاف صناعه بشريه بحته افرزتها حالة الحريه وليست اراده او غايه الهيه .
من ناحيه اخرى نجد ان القرءان يحمل صفة الحياه اي ثبات النص وحركة المحتوى ، كأن ياتي احدهم مثلا ويكتب مقالا عن البنيه التحتيه لمدينة نابلس ووصفا كاملا للبناء والشوارع وحركة السير واعمدة الكهرباء ، ووصفا كاملا عن الحياه الاقتصاديه والاجتماعيه والسياسيه لسكان المدينه ، وياتي احدنا ويقرأ المقاله فيجدها مطابقه تماما لما تتمتع به مدينة نابلس في الواقع من بنيه تحتيه وحالة اقتصاديه وحياه اجتماعيه ، ولو جاء شخص بعد الفين عام من الآن وقرأ نفس المقال بعد ان تكون فيها مدينة نابلس قد طرأ عليها تغيير جذري كامل من بنيه تحتيه وحياه اقتصاديه واجتماعيه وسياسيه فسيجد ان المقال نفسه مطابق تماما لما تتمتع به مدينة نابلس من بنيه تحتيه وحاله اقتصاديه وحياه اجتماعيه على الرغم من التطور الهائل الذي حدث للمدينه والناس والمجتمع والاقتصاد في الفين سنه مضت ، وهذا حال القرءان تماما ولله المثل الأعلى فهو ثابت في النص ومتحرك في المحتوى يحمل صفة الحياه الى قيام الساعه ( وهذا هو بالضبط معنى التشابه حين قال عنه كتابا متشابها ) ، فالاسلاف حين قرؤوه القرءان قرؤوه ضمن مستوى معارفهم ومشاكلهم الاجتماعيه والاقتصاديه والسياسيه واشكالاتهم المعرفيه ووجدوا فيه ما يلبي طموحاتهم ويعبر عن واقعهم المعاش ، ونحن الان حين نقرأ القرءان نشعر وان القرءان قد صيغ في القرن الواحد والعشرين فنراه مطابقا تماما لواقعنا المعاش ونحس احيانا ان بعض الايات قد جاءت حصرا لتعبر عن واقع نعيشه الان ، وهذا يثبت ان التنزيل يحمل صفة الحياه ، ويحمل دائما صفة القراءه المعاصره ،ومن هنا جاء التحدي فأتوا بسورة من مثله اي سورة واحده تحمل صفة الحياه وتكون مطابقه للواقع المعاش الى قيام الساعه ، فانت حين تقف كقارىء في نقطه معينه من التاريخ ، منطلقا من نظام معرفي معين ، حاملا اشكاليات اجتماعيه ومعرفيه معينه ستفهم من القرءان ذي النص اللغوي الثابت امورا ويفهم غيرك غيرها مع تغير احداثياته ومنطلقاته .
وتقبل خالص ودي
أخي العزيز الدكتور / محمود دويكات
تحية مباركة طيبة وبعد
إذا وضعت ما تفضلت به سيادتك وهو :
إنظر ( ولو شاء الله لجمعهم على الهدى ) أنعام ،و قوله (ولو شاء الله لجعلكم امة واحدة) مائدة وقوله (ولو شاء ربك لجعل الناس امة واحدة) هود ..
أمام تعليقي وهو :
السبب الأسااسي لإنزال القرآن الكريم هو بيان ما أختلفوا فيه 64 النحل ، علاوة على تحذير شديد اللهجة بعدم الفرقة والاختلاف 105 ، 106 آل عمران .
يتضح وجود تناقض في القرآن ، وحاشا وكلا أن يكون ذلك .
فحين النظر إلى تعقيبكم نجد أنه موجه للناس كافة ، ولكننا نتحدث عن الأمة الإسلامية ، وهو يتفق مع تعليقي .
وفقنا الله سبحانه وتعالى إلى صراطه المستقيم .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
dear friends. Mr Murad: you got it straight in a nice way, and Mr Sha'ban you i guess you are right too.
Thanks
M.
أشكرك على نشر هذه المقالة.رغم أن هناك عدد كبير من المثقفين لا يتفقون وأراء الترابي السياسية .لكن الترابي حسب وجهة نظري كمفكر له رؤية ,نستطيع تقسيمها الى مرحلة الحكم ومرحلة ما بعد الحكم.وأعتقد أن أرائه بعد الحكم وخاصة فيما يتعلق بمقاربتها مع فكر أهل القرآن فأنني وجدت الكثير من التلاقي , وهذا شيء إيجابي. موضوع الاختلاف .أتفق مع رأي الأخ محمود. لكن لي وجهة نظر بسيطة ,القرآن الكريم لايمكن تصنيفه على أنه كتاب يعالج مواضيع دنيوية ملموسة فقط,هذه المواضيع نادراً ما يتم الأختلاف فيها وعليها.أما مواضيع القرآن الكونية والغيبة, لا اعتقد أننا سنتوصل الى رؤية موحدة تجمع الناس والمفكرين والمثقفين عليها.الأختلاف هنا شرط ضروري ,لأن الأختلاف هو دافع للحوار الفردي والجماعي.هو طاقة تدفع الناس لإعمال العقل....لماذا نعتبر الأختلاف وكأنه نهاية الدنيا.صحيح نحن أمة واحدة في التوحيد .... لكن الوصول العقلي لصحة التوحيد طرقه مختلفة ,وهذا لايعني سلبية في تناوله.سنبقى مختلفين الى أن يأتينا اليقين.
إخواني الأعزاء / أهل القرآن
تحية مباركة طيبة وبعد
أخي الدكتور / محمود دويكات
شكرا لك اخي على حسن أدبك وخلقك ، والتي يشيد بها جميع من على الموقع
أخي الستاذ / عمر الشفيع
أحيط سيادتكم علما بأنني دائم الطلب للعمل الجماعي في فهم القرآن ، وهذه من اولويات ما اطالب به .
وسؤالي لسيادتك : ما هى المناهج المتعددة التي ستتبعها الجماعة ، وما موقف تلك المناهج المتعددة من المنهج العلمي ، وهل كل مجتهد سيتبع منهج مخالف لمنهج الآخر ؟
وأخيرا لا بد من التفرقة بين التنوع للتكامل ، والاختلاف الذي هو الثبات عند هذا التنوع .
أخي الأستاذ / زهير قرطوش
أرجوك أخي بحكم صداقتنا أن تعيد قراءة " إشكالية الاختلاف " إن لم تكن قرأتها ، لأن هذه القضية غاية في الأهمية والخطورة .
وفي النهاية لكم مني جميعا كل الحب والاحترام
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أخي الفاضل الأستاذ / عمر الشفيع
تحية مباركة طيبة وبعد
أنا لا أنكر أي مما تفضلت به سيادتك .
وسؤالي هو : ألستا معنيين بالتفكير للوصول لتلك المناهج .
طوال تاريخ عرضي لأفكاري أطالب بأن يتقدم أي أحد برؤى أخرى .
ويعلم الدكتور دويكات حين إشارته لي إلى النيلي ، كدت أطير فرحا للوصول إلى تكامل أو بيان خطئي .
وحين حواراتنا تعرفت على منهج النيلي وهو مختلف مع منهجي ، رغم التوافق في الرؤى .
وقد كان نقدي له حول منهجه ، وعمل مقارنة بين منهجينا ، وأرحب بكل منهج طالما كان منطقيا " علميا " .
مع الدعوة للعمل الجماعي لإيجاد عصف ذهني مثلما هو حادث في وادي السيليكون مثلا .
وهذا ما ناديت به مرارا من خلال كتاباتي .
وما أقدمه ما هو إلا نتاج هذا المنهج من خلال تتبعي لشبكة العلاقات بالقرآن الكريم ، فهذا هو انتاج هذا المنهج " نور الله " ، اقرأ موضوع النور والليزر .
دمت أخي بكل خير .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
يمتاز عمر الشفيع بلغة عربية راقية ( آسف ) بلسان عربى راق . وهو متمكن من لسانه و ادواته التعبيرية ، وأعتبره نافذة يطل منها أهل القرآن على الاجتهادات القرآنية الأخرى ومناهجها المختلفة . ويهمنى هنا أن أعيد التذكير بالاتى
1 ـ مع اعتقادى بصحة المنهج الذى نتبعه فى فهم القرآن بالقرآن موضوعيا وبتجرد من الهوى فهذا لا يعنى عدم صحة المناهج الأخرى أو عقمها ، فالقرآن الكريم ـ فيما يخص التدبر العلمى و العقل ـ هو أكبر من أن يحتكر فهمه شخص أو مجموعة أو ملايين الأشخاص أو ملايين المجموعات.
2 ـ لا يزعجنى الاختلاف بل أره وسيلة مثلى للوصول للصواب طالما تمت إدارته بطريقة متحضرة أو اسلامية حقيقية بالحكمة و الموعظة الحسنة .
3 ـ بعد تجاهل وتغييب للقرآن الكريم استمر طيلة القرون الماضية ، وبعد قراءة مبتسرة له من خلال الهوى نبدأ فى العصر الحديث (إكتشاف القرآن ) . وليس منتظرا أن نتفق فى مرحلة الاستكشاف هذه حول كل شىء . إننا فقط نكتشف ونتحاور فيما نكتشفه على أمل ان يأتى الجيل القادم اكثر علما وفقها منا. ويظل القرآن ساميا عاليا فوق هامة البشر الى أن يأتى الله جل وعلا بتاويله أى تجسيده عمليا يوم القيامة.
4 ـ خالص محبتى اليك ايها العمر الشفيع ( فى الدنيا فقط )
الرجم للزاني حكم توراتي تسلل إلى القرآن
ألخمار والحجاب في القرأن الكريم
الرقم 9 وعلاقته بالقرءان الكريم
الاسلام والايمان الجزء الثاني (أركان الإسلام)
اللغة العربية(القرءانية) مليئة بالكنوز الرقمية (2)
دعوة للتبرع
خلق آدم وزوجه: هل ذكر في القرا ن خلق حواء لانه الاية التي...
استحلال السرقة : الفتو ى باستح لال سرقة الدول ة الأور بية ...
الدعاء والاسباب: دكتور حياك الله لدي سؤال من فضلك أتمنى أن...
قلب برىء: انا طالب فى مرحلة تساوى الثان وية فى مصر و...
more
حقيقة الأمر.. بعد أن قضيتُ الكثير من الوقت في دراسة ما يريد النيلي قوله .. و ها أنت هنا تعطينا عن ما يريد الترابي قوله أيضا بخصوص فهم القرءان. الحقيقة .. استشعرت أنه و إن كان الرجلان ( و الكثير من الناس) يحومون حول أفكار تبدو لنا أنها متجانسة - إلا أن الأختلاف في تفاصيلها قد يكون كثيرا لدرجة أنها تفضي الى علوم و من ثم مذاهب مختلفة. المشكلة هنا هي ..لو تخيلت تلك التشعبات لوجدت أننا بعد -50 سنة مثلا - سنعود الى فرق يسودها الاختلاف حول معاني القرءان نظرا لاختلاف العلوم التي يتبناها كل فصيل . يعني و كأننا عدنا من حيث بدأنا لكن في قوالب و صور فكرية مختلفة ... الحقيقة أنني بدأ يتملكني شعور أن هذا القرءان وضع هكذا من أجل أن يُختَلَف فيه... و إن هذا الأختلاف مقّدر و موضوع من عند الله كفتنة لكل من يؤمن بهذا الكتاب ..و إن أي محاولة لتوحيد منهجية فكرية فيه إنما هي تؤدي الى مجرد زيادة عدد الفرق الإسلامية بمقدار فرقة واحدة... صحيح أن بعض الفرق قد يبدو أحسن من آخرى - بغض النظر كيف تنظر الى معنى كلمة احسن - لكن في جميع هذه الفرق نجد أن القاسم المشترك بينها هو وجود كم لا بأس به من الظن! .. و الله تعالى قال لنا إن الظن لا يغني من الحق شيئا و لكن أنظر أن أي متدبر في القرءان فإنه لا يعدم الحاجة الى شيء من الظن ... كيف هذا؟ لا أدري!! فالنيلي عندما وضع نظريته في القصدية و من ثم النظام القرءاني ..لا تقل لي أن معظم ماجاء به كان علما بحتا بل كان فيه ظنٌ كثيرٌ. و مثله يفعل الترابي .. و مثلهم يفعل أهل القرءان هنا... إن أي تعريف أو مبدأ أو قاعدة فكرية يضعها أي شخص هي بحد ذاتها يعتريها ظنُ كثير لأن منبعها ببساطة من ذات الأنسان صاحب الظن. فإن كان الأمر كذلك فعندها لا يغدو هناك فرق كبير - من ناحية فكرية و منطق - بين أي نظرية تأتي لتقريب فهم القرءان لنا و أخرى. أي أن القرءان يبدو لي و كأنه وضع أساساً لتشجيع هذا الأختلاف. هل من رأي لك في هذا الموضوع أستاذي الكريم؟
و الله المستعان