تعليقا على اعتقال الاستاذ رضا عبدالرحمن :(1) السبيل
أولا :
المستبد العادل .. والزير ..!!
1 – يقال أن حاكما مصريا مستبدا كالعادة ـ ولكنه مستبد عادل وطيب القلب – كان يتجول متنكرا فى شوراع القاهرة ليتفقد "أحوال الرعية " فى شهر رمضان المعظم ... فدخل ناحية المقطم ، ولم يكن تتساقط صخوره وقتها على الناس ،وكانت الأحوال فى أحسن ما يكون، فالناس كانت تشترى رغيف الخبز بدون معارك حربية ، وكان الخبز بقرش صاغ فقط ، وكان يخلو من المسامير والسوس والحشرات الميتة ، لم تكن هناك أوبئة أو سرطانات أو لجنة سياسات ، كان الناس يعيشون فى وقت (مبارك) " بدون " جمال أو حسنى مبارك " ، وكانوا يعيشون فى ( سرور) بدون " فتحى سرور " وينعمون ( بالعز) بدون " أحمد عز " ، ويتمتعون بالسير فى شارع ( نظيف ) بدون " أحمد نظيف "، ويتعاملون مع بعضهم البعض بإسلوب ( شريف) بدون " صفوت الشريف " ، ويسود بينهم (الحب والعدل ) بدون " حبيب العادلى"....
2 ـ وقتها أقام بعض الأثرياء سبيلا للخير فى المقطم ، عبارة عن زير يقوم على ملئه بالماء رجل متفرغ لهذا العمل ، فقد كانت المياة تنقطع معظم اليوم عن حى المقطم الأخذ فى التوسع ، فأقام الرجل الثرى هذا السبيل ليروى ظمأ المارة ، وكان المكان نظيفا والماء نقيا .
تصادف أن مر بذلك السبيل الحاكم المصرى – المستبد العادل طيب القلب ـ وكان يسير متخفيا مرتديا جلبابا فى هيئة الفلاحين الغلابة ،أحس بالعطش، فذهب إلى السبيل فشرب كوب ماء رائقا صافيا عذبا.أحس بمتعة وسعادة وهو يشربه ، سأل الحارس فعلم أن الذى أقام هذا السبيل قد توفى ، وأنه يعيش حارسا عليه لأهميته للمنطقة وعابرى (السبيل) ، سأله عمن يعطيه مرتبه ، فقال أن مرتبه هو خمسة جنيهات أنقطعت بسبب أطماع الورثة بعد وفاة مؤسس السبيل ، وأنه حاليا يعيش على صدقات المحسنين...
3 ـ رجع المستبد العادل إلى قصره وهو مشغول بالتفكير فى أمر السبيل.
أخذ يفكر ويفكر ويفكر..!!
إستدعى كبير الياوران وحكى له عما رآه وطلب منه أن يعرف أكثر عن الموضوع مع المختصين. جىء له بالأستاذ عارف فحكى للحاكم بأن السبيل تراث شعبى ، يتردد فى الأغانى كقول أحدهم " عطشان يا صبايا دلونى على السبيل ...." وأن (السبيل) كان من أهم معالم إقامة الخير فى الدولة المملوكية ، وقد انتشر فى القاهرة وظل سائدا طوال العصر العثمانى ، وكانت العادة أن تقام مؤسسات صوفية للعبادة والتعليم والتصوف كالجوامع والخوانق والرباط والزاوية ، والمؤسسة الصوفية إذا كانت كبيرة فقد كان يلحق بها سبيل لإرواء عطش المارة . ثم بدأ الإهتمام بالسبيل لأنه كان فى مواجهة الخانقاه أو القبة أو المسجد أو الرباط أو الزاوية ، فلم يقتصر على وجود زير للماء وأنما أضيف له مكتب لتعليم الصبيان الأيتام والإنفاق عليهم . ثم أصبح السبيل من أهم وحدات الخانقاه أوالقبة أو المسجد أو الرباط أو الزاوية ، فأصبحت الأوقاف المرصوده للنفقة على تلك المؤسسة الدينية تهتم بالإنفاق أكثر على السبيل لأنه أصبح الأكثر إتصالا وتفاعلا بالناس...
ثم أصبح بعضهم يقيم السبيل منفردا مستقلا قائما وحده يحتوى فى الواجهة على خزان ماء كبير له حنفيات تفتح على الشارع يرتوى منه الناس ويأخذون منه كفايتهم الى البيوت،ويقوم مجموعة من السقاة بإمداده بماء النيل بعد ترويقه وتصفيته ببعض الشبة وبذورالمشمش المدقوق،وأحيانا فى رمضان والأعياد يتم توزيع الشربات وماء الورد مجانا على مرتادى السبيل. أما فى داخل السبيل فقد كانت هناك مكتب كبير لتعليم الأطفال الأيتام ورعايتهم وكسوتهم وإعدادهم ليكونوا طلبة علم ...
وختم الأستاذ عارف شرحه بأن ذلك الزير فى المقطم هو إمتداد لفكرة السبيل التى لم تنقرض من الثقافة الشعبية .
4 ـ إستمع المستبد العادل بكل إهتمام.
ثم أخذ يفكر ويفكر ويفكر .
سأل عن أشهر " الأسبلة " التى أقيمت فى القاهرة قديما،فذكر له الأستاذ العارف أشهر الأسبلة التى أقامها السلاطين والأمراء المماليك .
صمم الحاكم المصرى على أن يراها بنفسه فورا،فاستدعى ـ فى منتصف الليل ـ وزير الثقافة ورئيس المجلس الأعلى للأثار ورئيس شعبة الأثار الأسلامية والقائم على قسم الأثار المملوكية وأمرهم بمصاحبته فى جولة سرية مفاجئة ليرى فيها ما تبقى من الأسبلة .
فوجى بالأسبلة الأثرية وقد تحولت إلى خرابات تسكنها الفئران والعائلات التى لا تجد ماوى ، ولا تختلف حياتها عن جرذان الأرض ،مع أنهم (ملح الأرض ).
المستبد العادل ارتاع لما رآه فإستشاط غضبا ولعن سلسفيل وزير الثقافة والعاملين فى الأثار. ثم حقق معهم فتعللوا بأن الميزانية لا تكفى لرعاية أثار القاهرة ومصر ، خصوصا الأثار الأسلامية والقبطية.سأل عن كيفية صرف المخصصات المالية للأثار فعرف أنه بعد استقطاع مرتبات وعلاوات وحوافز وبدلات ومخصصات كبار صغار الموظفين وصغار كبار الموظفين والسادة السعاة والخفراء والعلاقات العامة وشرطة الأثار يتبقى جزء لا يكاد يكفى فى الصرف على إقامة معارض دائمة ومتنقلة للأثار المصرية فى الخارج للدعاية لمصر ، والتى يشارك فيها آلاف العاملن فى الآثار من الكبار والصغار الذين يرافقون المعارض المصرة الثابتة والمتنقلة من طوكيو إلى سان فرانسيسكو.
إزداد المستبد العادل غضبا ـ وهو قليلا ما يغضب ـ وعزم على طرد الوزير والعاملين فى الأثار فنبهه كبير الياوران إلى أنهم جميعا من أهل الثقة ، وأن رحلاتهم ليست لمجرد الترويج للأثار وإنما لتأمين النظام ورجاله الكبار ولمطاردة أعدائه اللئام فى كل مكان ،والإطمئنان على مرونة تحويل الأموال وتسهيل بقية الأعمال... وغمز كبير الياوران بعينه ..
فهم المستبد العادل فحوى العبارة....
وهو هنا يفهم ويفهم.
5 ـ ولكن المستبد العادل طيب القلب عاد يفكر ويفكر ويفكر ..
( زير المقطم ) ماذا يمكن أن يفعل له جزاءا على تلك الشربة العذبة من الماء النقى؟ وخطرت على باله فكرة :لماذا لا يقوم بتحويل الزير إلى (سبيل) ينافس به السلاطين والأمراء المماليك ؟.
عرض الفكرة على كبير الياوران فتشجع لها، واقترح إنشاء لجنة للإشراف على الزير وتحويله إلى (سبيل) يعيد التراث المملوكى ويجمع بين "الأصالة والمعاصرة"..
فوض المستبد العادل خادمه كبير الياوران بهذه المهمة، فقام كبير الياوران بتعيين أحد أقاربه مشرفا على المشروع ، ووفر له الإعتمادات المالية اللازمة ...
ذهب المشرف باعوانه وأفراد شلّته ليرى مكان المشروع ولمعاينة الزير والحارس والموقع والمنطقة حوله. بعد تفكير قرر المشرف ترك الزير والحارس بنفس الحال وأن يقام فوق الزير شقة لإقامة اللجنة المكلفة بمشروع السبيل ، وقام بتعيين أعضاء اللجنة من الشلة المقربة إليه .
لم تعد الشقة تتسع للمكاتب فأقيمت شقة أخرى بجانبها . ثم إحتاجت اللجنة لقسم للحسابات المالية والعلاقات العامة فأقيمت شقة ثالثة، إحتاج الموظفون الجدد إلى مساعدين واحتاج المساعدون إلى سعاة وفراشين فقررت اللجنة بالاجماع أن تقيم عمارة كاملة تكون فخرا للعهد الجديد للحاكم (المستبد العادل ).
عرض رئيس اللجنة الأمر على كبير الياوران ، فقرر تحويل اللجنة إلى (الهيئة القومية العامة لإدارة السبيل)،وأوصى كبير الياوران أعوانه من (ترزية القوانين ) بإصدار قانون خاص بالهيئة ومذكرة تفسيرية له، ووضع قواعد العمل والحضور والانصراف والجزاءات والعلاوات والمكافئات وكل ما هو آت آت . كما أمر بإنشاء أقسام مختلفة للهيئة مثل الشئون القانونية وشئون العاملين والأدارة المالية وصندوق رعاية الموظفين، وأوصى بتوفير الاعتمادات المالية اللازمة لتعيين كل ما تحتاجه الهيئة من خبراء ومتخصصين شريطة على أن يكونوا من أهل الثقة .
أصبح اسم المشرف على المشروع ( رئيس الهيئة القومية العامة لإدارة السبيل )، وبهذه الصفة أصدر أمرا مباشرا إلى صديقه رئيس مجلس إدارة المقاولات العامة ببناء مبنى حكومى ملائم للهيئة مع الحفاظ على مكان الزير وموقعه للمقارنة بين الماضى التليد و الحاضر السعيد. وفى إحتفال بهيج قام الحاكم (المستبد العادل ) بوضع حجر الأساس، وتبارى الإعلام المرئى والمقروء والمسموع بالإشادة بالمشروع ، وفى أقل من عام اكتمل البناء وقام بوظيفته خير قيام ...
6 ـ فى رمضان وبعد خمس سنوات طرأت للحاكم فكرة أن يتجول متنكرا فى شوارع القاهرة ليتفقد أحوال الرعية،قادته قدماه إلى المقطم ،رأى مبنى شاهق الأرتفاع، إقترب منه وحاول الدخول فمنعه الحراس ، رأى بابا جانبيا أسفل المبنى ، فتح الباب فوجد حجرة شبه مظلمة مع شعاع بسيط من النور يوضح ما فيها ... كان فيها زير قديم مكسور ورجل عجوز نائم بجواره ، والقذارة والذباب فى كل مكان ...الحارس العجوز وبدون أن يتكلم أشار له بأن الزير قد جف ماؤه...
لم يفهم الحاكم ..... ولن يفهم .....لأنه هنا لا يفهم .
ثانيا :
من الممكن وجود الزير ..ولكن هل يمكن أن يوجد ( حاكم مستبد عادل ) ؟
1 ـ الاستبداد والعدل نقيضان لا يجتمعان . ومن أسف أن دفع المسلمون معاناة استمرت قرونا بسبب اقتناعهم باسطورة المستبد العادل ، وفى كل مرة ينخدعون بالشعارات والدعايات التى تزعم مجىء المهدى المنتظر ـ وغير المنتظر ـ الذى سيملأ الأرض عدلا بعد أن إمتلأت جورا .. ثم يسفر الأمر وقد سكن الحاكم الجديد مساكن أسلافه من الذين ظلموا وسار على طريقتهم الى أن يأتى مخادع جديد يرفع نفس الراية وأنه سيكون حاكما عادلا أى مستبدا عادلا .
بداية الخطأ فى أن يكون شخص ما (حاكما)على الشعب،لأن الأصل أن يكون (خادما ) للشعب، فالشعب فى الشورى الاسلامية هو الذى يحكم نفسه بنفسه عبرأصحاب الشأن والاختصاص و الخبرة ـ وهذا هو معنى ( أولى الأمر ). وهو ـ أى الشعب ـ الذى يملك تعيينهم وحسابهم وعزلهم . ومن هنا فليس فى الشورى الاسلامية حاكم اوحكومة ، بل إدارة تخشى الشعب وتخدم الشعب،وأصحابها يطلق عليهم ( خدم الشعب ). وهذا هو جوهر الديمقراطية الغربية التمثيلية النيابية ، والشورى الاسلامية تتفوق عليها فى أنها ديمقراطية مباشرة لها آلياتها التى أوضحتها فى كتاب ( الاسلام الديمقراطى و طغيان المسلمين ) وهو منشور فى موقعنا باللغة الانجليزية.
كون شخص ما (حاكما ) للشعب معناه أنه فوق الشعب ، وهذا ظلم هائل ، يسوغ له أن يتحسب لغضب الشعب وثورة الشعب بأن يقوم بارهاب الشعب وتخويفه بقوة عسكرية يجندها من داخل الشعب ، ويدفع اجورها من عرق الشعب ليقهر بها الشعب ، وبالتالى يزداد ظلمه مهما زعم أنه عادل لأن استبداده بأمر الشعب أعظم ظلما للشعب . ويدخل هذا المستبد فى دوامة الخوف والظلم ، ويظل يدور فيها الى أن يفقد حياته وسلطانه . لكى يحمى نفسه لا بد من فرض هيبته ـ ويسميها زورا هيبة الدولة لأنه هو ـ بسلامته ـ الدولة والدولة هو . ولكى يفرض هيبته لا بد من القمع و التعذيب لتخويف الناس ، وبالتالى يتكاثر الضحايا ويتضاعف الأعداء فيتضاعف خوف المستبد من احتمال الثورة عليه فيزيد فى القمع و التعذيب والظلم وشراء الأتباع والاغداق عليهم من عرق الشعب ، وبازدياد الظلم يزداد الخوف وبازدياد الخوف يتعاظم الظلم ، ويظل المسكين يدور فى تلك الحلقة الشيطانية متنقلا بين الظلم والخوف الى أن يفقد حياته وسلطانه، ويخسر نفسه فى الدنيا والآخرة.
باختصار ...فان العدل أن يكون الشعب هو الحاكم ..وأن يكون من يتولى إدارة شئون إلشعب هو ( المحكوم ) من الشعب. هذا هو العدل .. وغيره هو الظلم ..
أقل مستبد يشترك مع فرعون موسى حين قال لقومه (مَا أُرِيكُمْ إِلاَّ مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلاَّ سَبِيلَ الرَّشَادِ )( غافر 29 ) أى هو الذى يحتكر الرأى الصواب وطريق الرشاد ، ثم تاتى النهاية فى أن يضيع قومه ووطنه مثلما فعل فرعون موسى ،، ومن جاء بعده من فراعنة المسلمين ، وليس أولهم ناصر وليس آخرهم صدام .
أضاعوا القسط فأضاعوا أنفسهم وأوطانهم وشعوبهم.
2 ـ ولكن كيف يمكن تحقيق العدل والقسط ؟
قالها رب العزة جل وعلا ، حين أكّد أنه أرسل كل الرسل وأنزل كل الرسالات لتحقيق هدف واحد ، هو أن يقوم الناس بالقسط (لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ) ( الحديد 25).
لكن ما معنى (لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ ) ؟
صحيح أن القسط هو الهدف الأعظم لكل الرسالات السماوية ،ولكن وجود الرسالة السماوية وحدها لايكفى ، لأن آخر رسالة سماوية ـ وهى القرآن الكريم المحفوظ من لدن الله جل وعلا ـ وقع أصحابها تحت نير الاستبداد والاستعباد ـ شأن غيرهم فى العصور الوسطى ، ثم تحرر غيرهم وأقاموا ديمقراطيات ، بينما يظل المسلمون أسرى للاستبداد حتى اليوم ، لأن الاستبداد ارتدى رداء أديان أرضية حملت اسم الاسلام وهى أعدى أعداء الاسلام.
معنى (لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ ) يبدأ أولا بالايمان بالكتاب السماوى حق الايمان ، بحيث يقوم المؤمن الحق بتغيير نفسه من الداخل تغييرا جذريا ،بأن يؤمن أن الله وحده هو النافع الضار،وأنه جل وعلا وحده هو الذى قرر سلفا الحتميات الأربع لكل انسان من الموت والمصائب والرزق والميلاد ، وبالتالى فلا تستطيع قوة فى الأرض أن تميتك قبل أوان موتك ،ولا تستطيع قوة فى الأرض أن تنقذك من الموت ، ولا تستطيع قوة فى الأرض أن تحميك من مصيبة قدرها الله تعالى ،أو أن تمنع رزقا مكتوبا لك ، أو أن تعطيك رزقا ليس مقسوما لك . ما عدا تلك الحتميات الأربع فكل انسان له الحرية المطلقة فى الايمان والكفر و الطاعة و المعصية ، وسيحاسب يوم القيامة على تلك الحرية.
وبذلك فان المؤمن بالكتاب السماوى حق الايمان لابد أن يكون فعّالا فى الخير آمرا بالمعروف ناهيا عن المنكر ملتزما بحدود الله تعالى ، مقيما للعدل و القسط فى نفسه ومجتمعه موقنا أن الأعمار بيد الله تعالى وأن الرزق بيد الله تعالى وأنه لايصيبنا إلا ما كتب الله لنا ..وبالتالى فلن يخشى سوى الله تعالى ، ولن يخاف إلا من مولاه جل وعلا.
وسيتعرض للاضطهاد هذا المؤمن لو كان فردا أوأفرادا قلائل يدعون الى الديمقراطية (العدل السياسى) والعدل الاجتماعى والاقتصادى ، والعدل مع الله جل وعلا بعدم اتخاذ أولياء و شفعاء و آلهة مع الله ـ وهذا ما يحدث لنا ( أهل القرآن ) ،ولكن دعوتهم لن تضيع هباءا ، وتضحياتهم لن تذهب سدى ، فاذا أنكرها الجيل المعاصر لها فستثمر فى الجيل القادم ، وإن أنكرها الناس فلن تضيع عند رب الناس .
وفى النهاية ستنتشر الفكرة ويصل المجتمع الى التسليم بأنه لا بد من إقرارالعدل حماية للجميع ، أى لا بد أن ( يقوم الناس ) معا ( بإقامة القسط ) قانونا ملزما للجميع ، ولكى يتحقق هذا فلابد ـ اجتماعيا ـ من تحول الأغلبية الكبرى من المجتمع الى نشطاء مدافعين عن العدل والقسط وحقوق الانسان والديمقراطية.
هذا العمل الجماعى ضد السلطة المستبدة يؤسسه وعى جماعى تبدأ به تلك النخبة المؤمنة وتتمسك بما تؤمن به مهما قوبلت من صعاب واضطهاد إلى أن تقتنع به الأغلبية ، وتدرك أن نجاتها فى أن تتصدى للظلم لتقيم مكانه القسط ، وأنه لا بأس بالتضحيات ومعاناة التعذيب والسجن والتشرد من اجل الحرية والحياة الكريمة للجميع.
أى إن الكتاب السماوى ـ وهو أساس العدل ـ يحتاج الى قوة المؤمنين به لتفعيله وتطبيقه . والقوة تتمثل فى (الحديد) العنصر الأساس فى صناعة السلاح .
لذا فان الله تعالى بعد أن تكلم فى نصف الآية عن انزال الكتب السماوية ليقوم الناس معا بالقسط تكلم بعدها فى نفس الآية عن (إنزال ) الحديد ـ رمز الحرب و المقاومة والبأس الشديد ، باعتبار أن الحديد هو رمز القوة فلا بد من القوة لتعزز الحق الالهى فى الكتاب بما فيه من القسط والعدل ، يقول تعالى(وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ). فللحديد بأس شديد وفيه منافع للناس لو استخدمه الناس فى إقامة القسط ومواجهة الظلم الذى يستعمل الحديد والنار فى ارهاب الناس واستعبادهم لسلطة المستبد. وبسبب أن هذا الحديد يستعمل فى الحق لاقامة القسط ويستعمل فى فرض الاستبداد والظلم فان الله تعالى الذى أنزل الحديد وأنزل الرسائل السماوية لكى يقوم الناس بالقسط هو الذى يعلم من يستعمل الحديد ـ القوة ـ لاقامة العدل انتصارا للحق الالهى ، يقول تعالى فى نهاية الآية : (وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ ) ( الحديد 25).
وشرف أكبر لأهل القرآن تلك التضحية التى يقدمونها على أمل أن يكونوا ممن ينصر الله جل وعلا ورسله بالغيب ..
أخيرا :
السبيل ..
1 ـ ليس المقصود هنا ( السبيل ) الذى ترتوى منه الأجساد بالماء رحيق الحياة ، ولكن السبيل المقصود هنا هو الايمان الحق الذى ترتوى به النفس المطمئنة لتكون صالحة للخلود فى الجنة.
كيف يمكن أن يتحول المسلمون من ثقافة العبيد الى ثقافة القوة والعدل والقسط ؟
يقول تعالى(وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ). لا بد من القوة لاقامة الحق و القسط ، ولا بد من القوة لاستدامة الحق والقسط . والقوة هنا هى قوة الشعب أولا وقبل كل شىء ، واستعداده للتضحية دفاعا عن كرامة شخص واحد مظلوم بغض النظر عن دين ومعتقد ولون وطبقة هذا الشخص الواحد المظلوم. ومن الممكن أن يغيّر الشعب ما فيه من ضعف وخور ولا مبالاة و خنوع وصبر على الظلم وخضوع له ليتحول الى شعب قوى أبىّ يرفض الظلم ويقف ضد الظالم ويقيم القسط فى داخل المجتمع . والبداية بتغيير ما فى أنفسهم بايمان حقيقى يصدر عنه القبول مقدما بالتضحيات فى سبيل إقرار العدل والحق حماية للمجتمع . حين يقوم المؤمنون بتغيير ما بأنفسهم يقوم الله تعالى بتنفيذ رغبتهم ، يقول رب العزة : (إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ ) ( الرعد 11 ).
2 ـ ولقد بدأ أهل القرآن هذه المسيرة كهولا وشبابا منذ ربع قرن .. ودفعوا الكثير من أجلها ..ولا يزالون.وهم مستعدون للمزيد من التضحية ابتغاء مرضاة الله جل وعلا..
وهذا هو (السبيل ) ..
من أجل هذا ( السبيل ) يقبع الباحث الاسلامى الشاب (رضا عبد الرحمن على ) فى زنزانة مجهولة ..لا نعلم ماذا يحدث له فيها..
ولكننا نؤمن ونعلم علم اليقين إن الله جل وعلا يمهل ولا يهمل ، وأنه جل وعلا للظالمين بالمرصاد ، وأن كل ظالم لا بد أن سيلقى عذابه فى الدنيا قبل الآخرة ليكون عبرة ..
3 ـ (وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ) ؟؟!!.
اجمالي القراءات
16357
هل هناك تحليل آخر لهذا المقال (الدرامى )؟؟؟