ف1 ب1 : بين اللسان القرآنى واللسان العربى ولهجاته .

آحمد صبحي منصور Ýí 2024-07-30


ف1 ب1 : بين اللسان  القرآنى واللسان العربى ولهجاته . 

كتاب ( القرآن الكريم والنحو العربى )

 الباب الأول : بين اللسان القرآنى العربى والألسنة العربية الأخرى

 الفصل الأول  : بين اللسان  القرآنى واللسان العربى ولهجاته . 

مقدمة :

1 ـ كلمة ( الللغة العربية ) خطأ فادح . لا نستعمله هنا . ونستعمل المصطلح القرآنى ( اللسان ). والمقصود باللسان القرآنى العربى ، وهو ما جاء فى قوله جل وعلا :

1 / 1 : ( فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ ) (97) مريم   )

1 / 2  : ( وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (192) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ (193) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنْ الْمُنذِرِينَ (194) بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ (195)  الشعراء   )

1 / 3 :( فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ ) (58 ) الدخان )

1 / 4 : ( وَهَذَا كِتَابٌ مُصَدِّقٌ لِسَاناً عَرَبِيّاً )(12) الأحقاف ) .

2 ـ هناك ( ألسنة عربية ) أخرى ، نطقت وتنطق بها ( ألسنة ) المتحدثين بالعربية . وهى نوعان :

2 / 1 : نوع إندثر ( مثل بعض ألفاظ العصر الجاهلى ) ونوع يستمر إندثاره بفعل التطور مثل ألفاظ رصدتها القواميس العربية ، وهى تحوى ألفاظا عربية لم تعد مستعملة .

2 / 2 : اللهجات العربية التى نمت وإنتشرت الى جانب العربية الفصحى . وهذه ( العامية ) هى ( لكنات ) مختلفة حسب الزمان والمكان ، وهى مختلفة فى نطق بعض الحروف العربية ، خصوصا القاف والجيم والكاف .. وهى مفهومة بين المتحدثين بها وعسيرة الفهم على غيرهم من أصحاب اللهجات ( اللكنات ) العربية الأخرى فمن الصعب على المصرى فهم اللهجة المغربية . والاختلاف فى اللهجات تراه فى الوطن الواحد ، ففى مصر هناك اللهجة الصعيدية والنوبية والقاهرية والسكندرية والشرقاوية ..الخ . وانتشرت اللهجة القاهرية فى مصر ، بل أصبحت معروفة ومحببة خارج مصر .

3 ـ خارج اللسان العربى القرآنى وغيره ــ ما إندثر منه وما لا يزال موجودا من لهجات ـ  يوجد اللسان غير العربى . هذا اللسان غير العربى ــ بكل أنواعه ــ مذكور فى القرآن الكريم بمصطلح ( الأعجمى ). قال جل وعلا :

3 / 1 : ( وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ (103)  النحل )

3 / 2 : (  وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآناً أَعْجَمِيّاً لَقَالُوا لَوْلا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُوْلَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ (44) فصلت )

ندخل على الفصل الأول من هذا الباب :

أولا :

 ( 1 )

فى تاريخ إبن كثير ( البداية والنهاية ) قصة ظريفة عن عيسى بن عمرو الثقفى ، وكان من موالى خالد ابن الوليد واستاذا للخليل بن أحمد الفراهيدى وسيبويه ، ومن أوائل علماء النحو . وإشتهر بإلتزامه فى كلامه بالغريب من الألفاظ العربية التى إندثرت . وقد حكى الجوهري عنه في الصحاح: أنه سقط يوما عن حماره فاجتمع عليه الناس فقال:  ( مالكم تكأكأتم علي تكأكؤكم على ذي مرة؟ افرنقعوا عني.) . تفسير كلامه : مالكم تجمعتم علي تجمعكم على مجنون؟ انكشفوا عني.

( 2 )

القاضى الأموى يحيى بن معمر كان أيضا مغرما بالغريب من مفردات اللسان العربي القديم الذى تم هجره لتحل محله مفردات جديدة بالظروف الجديدة فى  العصر الأموى ، وكان يستعملها ليدل على علمه وفصاحته . قال عنه المؤرخ ابن الجوزى فى تاريخه ( المنتظم ) : (كان صاحب علم بالقرآن والعربية‏ ، وولي القضاء وكان عالمًا فصيحًا ثقة‏.‏.) ، أى كان يعلم اللسان القرآنى واللسان العربى . ويتفاخر بهذا فى كلامه . وحكى ابن الجوزى هذه القصة التى حدثت فى مجلسه فى القضاء : ( ‏ كان يحيى قاضيًا فتقدم إليه رجل وامرأته، فقال يحيى للرجل‏:‏ أرأيت إن سألتك حق شكرها وشبرها أنشأت تطلها وتضهلها‏ ؟ .‏ فقال الرجل لامرأته‏:‏ لا والله لا أدري ما يقول. قومي حتى ننصرف  .!).

من المفروض أن يتكلم الفقيه العالم مع الناس بطريقة يفهمونها ، أى بلسان ميسّر سهل ، وقد قيل إن أساس البلاغة هو مراعاة حال المخاطب ( بفتح الطاء ) أى المستمع ، أى ان تخاطب الناس على قدر عقولهم وبما يفهمون ، ولكن هذا القاضى المتحذلق يحيى بن معمر استخدم مهارته اللسانية و فصاحته المبالغ فيها حتى فى مجلسه فى القضاء. جاءت اليه زوجة تشكو زوجها فلما استمع اليها خاطب الزوج بلسان عربي قديم لم يكن مفهوما فى ذلك العصر الأموى .قال للزوج :( أرأيت إن سألتك حق شكرها وشبرها أنشأت تطلها وتضهلها‏ ؟) وترجمة هذا الكلام من العربية الى العربية : هل لأنها طلبت منك حقها كزوجة فترد عليها بأن تبطل حقها أو تعطيها حقها قليلا قليلا؟ فالشكر و الشبر كناية عن النكاح وحق الزوجة، و ( تطلها ) أى تبطل حقها ، و ( تضهلها ) أى تعطيها حقها قليلا قليلا. وطبعا لم يفهم الرجل المسكين ما يقوله القاضى ، ولم تفهم المسكينة زوجته أيضا ،و لا بد أن الزوجين وجدا نفسيهما فى مشكلة أعقد من الخناقة الأصلية التى جاءا من اجلها للقاضى ، ولا بد أن الزوج قرر أن الأيسر له أن يفر من أمام هذا القاضى الذى ( يرطن) بلسان غير مفهوم ...تقول الرواية : (فقال لامرأته ‏:‏ لا والله لا أدري ما يقول. قومي حتى ننصرف) يعنى قال بلهجتنا المصرية العربية المعاصرة : ( علىّ النعمة ما أنا فاهم حاجة. قومى يا وليّة نفلسع من الراجل المناخوليا ده !! ) هذا عن اللسان المصرية ( اللهجة المصرية فى عصرنا ، فماذا عن عصر هذا الفقيه المتحذلق ، وهو يتكلم بلسان عربى لم يعد مفهوما فى عصره فى القرن الأول الهجرى ؟ وان كان العصر الأموى ـ الذى حدثت فيه هذه القصة ـ لا يمكن أن يفهمها فكيف بعصرنا ؟!! هذا القاضى الذى مات سنة 89 هجرية استعمل ألفاظا عربية كان قد بطل استعمالها فى هذا العصر المبكر. فكيف بعصرنا بعده بأربعة عشر قرنا ؟

( 3 )

3 / 1 : قبل ذلك لم يكن للقبائل العربية لسان عربى واحد متفق عليه . كان هناك اختلاف فى الكلمات بين القبائل ، خصوصا بين قبائل اليمن ( العرب القحطانية ) وقبائل عدنان / نزار ( مضر / قيس ) ( العرب المستعربة ) من نسل اسماعيل بن ابراهيم عليهما السلام . قبائل اليمن القحطانية ـ  مثلا ــ كانت تقول عن ( الملك ) (قيل ) أى الذى يقول ، فيطاع قوله . المقابل له فى لسان العرب المستعربة هو ( الزعيم ) أى الذى يزعم شيئا فيصدقونه .

3 / 2 : الملاحظ أن لفظ ( قيل ) لم يرد فى اللسان القرآنى بمعنى الملك الحاكم ، بل جاء مبنا للمجهول من الفعل ( قال ) وتكرّر كثيرا ، ومنه الآيات الكريمة التالية من سورة البقرة : ( وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ (11)) ، ( وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ أَلا إِنَّهُمْ هُمْ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لا يَعْلَمُونَ (13) ) ومن سورة النحل (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ مَاذَا أَنزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ (24) ( وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا خَيْراً لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَلَدَارُ الآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ (30).

3 / 3 : المصطلح ( زعم ) مستعمل كثيرا فى اللسان القرآنى . نقرأ الآيات الكريمة : ( زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (7) التغابن) ( أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفاً أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلاً (92) الاسراء ) ( وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ صَفّاً لَقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِداً (48) الكهف ) ( وَيَوْمَ يَقُولُ نَادُوا شُرَكَائِي الَّذِينَ زَعَمْتُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ مَوْبِقاً (52) الكهف ) ( سَلْهُم أَيُّهُمْ بِذَلِكَ زَعِيمٌ (40) القلم ) (فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ جَعَلَ السِّقَايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ (70) قَالُوا وَأَقْبَلُوا عَلَيْهِمْ مَاذَا تَفْقِدُونَ (71) قَالُوا نَفْقِدُ صُوَاعَ الْمَلِكِ وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ (72) يوسف ) . وواضح أن معناه غالبا فى الزعم الكاذب .

3 / 4 : وقالت العرب المستعربة ( ما لسان حمير واقاصى اليمن بلساننا ولا عربيتهم بعربيتنا )، وقال النحوى إبن جنّى : ( لسنا نشك فى بُعد لغة حمير ونحوها عن لغة بنى نزار ). هذا إعتراف بعُمق الاختلاف بين لسانين عربيين .

( 4 )

4 / 1  ـ الفتوحات العربية فى القرن الأول الهجرى أحدثت إنفجارا فى اللسان العربى على عدة مستويات : إختلطت القبائل العربية ، وإنساحت فى القارات الثلاث ، وإختلطت أيضا بشعوب لها ألسنة مختلفة ، قبل ذلك كان لكل قبيلة لهجتها ، وألفاظها العربية ، بالفتوحات حدث تواصل وتلاقح بين لهجات اللسان العربى ، وبالتعامل مع الأمم المفتوحة تم تناسى ألفاظ عربية صميمة ، بحيث كان ذكرها تقعّرا ، وحتى إن بعضهم أراد التميّز بإستعمال هذه المفردات العربية المهجورة ، فيسخر منه الناس .

4 / 2 :  اللسان البشرى أو ( الكلام البشرى ) كائن حىّ يتطور باستمرار، تموت منه ألفاظ وتتولد ألفاظ جديدة ، و بالاحتكاك بالألسنة الأخرى يتم التلقيح وتوالد واستعارة ألفاظ اجنبية وتعريبها. كل هذا يؤكّد  أنّ إختلاف الألسنة آية جاءت ملحقة بآية خلق السماوات والأرض . قال جل وعلا : ( وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّلْعَالِمِينَ )  الروم ). الطفل يتأقلم لسانه ومخارج حروفه على نطق معين ، ينشأ عليه ويستمر معه . ونرى هذا التنوع اللسانى على مستوى الأمكنة والأزمنة . ومهما يتعلم الانسان لسانا آخر ـ غير لسانه الأم ـ فتظل له ( لكنة ) حين ينطق باللسان الجديد الذى تعلمه . وترى هذا فى أمريكا بين المهاجرين وأولادهم المولودين أمريكيين . الوالدان لهم لكنة ، بينما أولادهم ينطقون اللسان الأمريكى بطلاقة . بل تراه بين الأمريكيين من أصول أفريقية ، مهما إختلفت الولايات التى يعيشون فيها ترى لهم لكنة مميزة ، ونفس الحال مع الآسيويين الأمريكيين ومع الأسبان الأمريكيين . هذا ما لاحظته بنفسى .  

4 / 3 ـ اللهجات العربية الآن :

4 / 3 / 1 : تختلف فيها نطق الحروف ، مثل حروف الضاد / الزاى ، الزاى / الزين / الجيم / القاف / الكاف / السين والثاء ..الخ .

4 / 3 / 2 : تختلف فيها معانى بعض الكلمات ، وينتج عن ذلك سوء تفاهم ونوادر :

4 / 3 / 2 / 1 : تعرفنا الى سيدة مغربية فى بوسطن. رأتنا فى موقف اتوبيس ، قالت لنا بعدها : أنا عيطت عليكم . تقصد ناديت عليكم بصوت مرتفع . عندنا ( عيّط ) يعنى بكى بصوت مسموع .

4 / 3 / 2 / 2 : مدرس مصرى فى العراق ، كان مع زملائه سألوه : كيف حالك ؟ قال ( مبسوط ) فاندهشوا وقالوا له : من بسطك ؟ فقال أنتم . زادت دهشتهم . ( بسط ) فى اللهجة العراقية تعنى ضرب ، وفى اللهجة المصرية تعنى السرور .

4 / 3 / 2 / 3 : مدرس مصرى فى دولة خليجية أراد أن يمدح شخصا فقال له : إنت صاروخ ، فغضب الشخص لأن صاروخ عندهم يعنى الشاذ جنسيا .

4 / 3 / 2 / 4 : المطرب اللبنانى وديع الصافى فى حفلة فى ليبيا قال يشكر ويُحيّى الجمهور : ( الله يعطيكن العافية ) فتجهموا وبان الغضب عليهم ، فأسرع متعهد الحفل وقال له : إن العافية تعنى الموت ، يعنى انت تدعو عليهم بالموت . فأسرع وديع الصافى وقال لهم : الله لا يعطيكن العافية . هلّلوا !.

أخيرا :

لم نذكر قصة ذلك النحوى وذلك القاضى الأموى المتحذلق للتسلية ، ولسنا هنا فى مجال التقصي فى فقه اللسان العربي وتطوره وأسراره ، ولكنه تمهيد لموضوعات لاحقة فى الفصول والأبواب التالية .  

اجمالي القراءات 1423

للمزيد يمكنك قراءة : اساسيات اهل القران
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق
تاريخ الانضمام : 2006-07-05
مقالات منشورة : 5111
اجمالي القراءات : 56,691,249
تعليقات له : 5,445
تعليقات عليه : 14,818
بلد الميلاد : Egypt
بلد الاقامة : United State

مشروع نشر مؤلفات احمد صبحي منصور

محاضرات صوتية

قاعة البحث القراني

باب دراسات تاريخية

باب القاموس القرآنى

باب علوم القرآن

باب تصحيح كتب

باب مقالات بالفارسي