التصوف وحركة التعمير فى مصر المملوكية

آحمد صبحي منصور Ýí 2024-06-02


التصوف وحركة التعمير فى مصر المملوكية.. 

كتاب : أثر التصوف المعمارى والثقافى والاجتماعى فى مصر المملوكية

الفصل الأول : أثر التصوف في ازدهار العمارة الدينية والتعمير فى مصر المملوكية

  التصوف وحركة التعمير فى مصر المملوكية.. 

  كانت مؤسسات الصوفية تقام غالبا على اطراف المدن وبمرور الزمن يتم تعمير المكان وربما يتصل بالمدينة. وبجانب ضريح السيدة نفيسة أنشأت ام السلطان العادل الأيوبي رباطا ، ثم أنشأ الناصر محمد بن قلاوون جامعا بخطبة ، وصار الناس يتقربون اليها بالبناء حول ضريحها ، فأقيم فيها (قُبّة ) دفن فيها اول خليفة عباسي مات بالقاهرة ، وأقيمت بجواره مشاهد لجماعة من الاشراف )[1]..

وأقام الشيخ حسن المسلمي بجامع الفيلة بالرصد، بعد ان كان مهجورا لا يأمن احد على  الإقامة فيه، فلما اقام فيه الشيخ حسن عمّر المكان باجتماع الفقراء المسلمية فيه ) [2]

وأمر الشيخ المتبولي مريده محمد المنير بحفر بئر لزاويته على الطريق المهجور قبل عمارة البلد ، فأقام مدة يسقى عليها ، وبنى لزوجته خُصّا ، أى كوخا ، ثم عمرت الناس حول الخُص الى ان صارت بلدا سميت المنير... )[3]، ولا تزال موجودة .

وأقيمت خانقاه سرياقوس في ارض سماسم في طريق القاهرة ويقول المقريزي : ( رغب الناس فى البناء حول خانقاه سرياقوس ، وبنو الدور والحوانيت والخانات حتى صارت بلدا كبيرة تعرف بمنشاة سرياقوس ، وتزايد الناس بها حتى انشأ بها سوى حمام الخانقاه عدة خانات ، وهي الى اليوم بلدة عامرة ، ولا يؤخذ بها مكس البته ما يباع من سائر الأصناف احتراما لسكان الخاناقاه ، ويُعمل بها يوم الجمعة سوق عظيم ترد الناس اليه من الأماكن البعيدة ، ويباع بها الخيل والجمال والحمير والبقر والطيور والغلات والثياب ) [4]

ويقول ابوالمحاسن عن خانقاه سرياقوس : ( ولم يكن حولها العمران الا القليل ثم عمر حولها ما هو موجود الآن )[5]ويقول أيضا ( وقد صارت الخانقاه مدينة عظيمة) [6].. والتدليل على كثرة السكان فيها أنه مات من سكانها  طاعون سنة 864 ما يزيد على مائة نفس في اليوم (لم بلغ اكثر من ثلاثمائة،و يقول المُكثر اربعمائة في اليوم )[7]وهى تعرف الآن باسم الخانكة..

ويقول المقريزي عن خانقاه بكتمر، أنه ( انشأ بجانبها حماما وبستانا ،وعمرت تلك الخانقاة  القرافة، وصار بها سوق كبير وعدد سكان، الا انه بخراب الخانقاه في سنة 806 خلت من السكان) [8]

والقرافة بما فيها من قبور (الأولياء) وغيرهم من المشاهير حظيت بقدر أكبر من التعمير حتى أصبحت مدينة على حدود القاهرة ومصر تجتذب اهتمام الراحلة . يقول ابن ظهيرة من محاسن مصر "ما اشتملت عليه القرافة من مدراس وجوامع وأنواع من البر والصداقات ) [9]ويقول العلوي عن القرافة ( وهى ما بين مصر والقاهرة ، مدينة منفردة بعيشها مستقلة بسوقها ومساجدها ) [10]

ويقول ابن شاهين الظاهري ( فى القرافة الكبرى عمائر كبيرة قيل انها في العمائر قدر ثغر الإسكندرية. والقرافة الصغرى وهي اعمر واحسن هيئة تضاهي مدينة حمص ) [11]..

وفى القرافة الكبرى اثنا عشر الف مسجد . وانشأ الناس بتربة باب النصر تربا وزايا ومساجد لا تحصى.  وكان بها الى مطلع القرن العاشر من المساجد الجامعة سبع خطب ويقول  السخاوى الصوفى صاحب كتاب ( تحفة الأحباب ) : ( وهذا لا يكون الا في بلد كبير )[12]وكثر عدد السكان في القرافة . وفي طاعون 833 مات بالقرافتين من السودانيين فقط نحو ثلاثة ألاف انسان ما بين رجل وامرأة وصغير وكبير بالطاعون ) [13]..

وبسبب تضخم عدد سكانها تم تعيين والى لقرافة مصر العتيقة في سنة 786 وهو سليمان الكردي. ( وكان يتحدث على ولاية القرافة والى القاهرة فأخرجت عنه ) [14]

وفي سنة 871 قطع الطريق على جماعة من سكان القرافة في طريق الصحراء ) [15]وبسبب المخاطر نودي يمنع السكن بالصحراء وبعدم المبيت في التربة )[16]  وما لبثت القاهرة ان ضاقت بمن فيها فاتسعت شرقا نحو الشرقية خارج بإنشاء الكثير من المساجد والقباب ) [17]وهكذا ..... فالتعمير جهد إيجابي في تاريخ صوفية العصر المملوكي حيث امتدت الحضارة والعمران في أماكن كان من الصعب الإقامة فيها لولا الصوفية وأتباعهم .

ولنتعرف الآن على أنواع المؤسسات الصوفية وأشهرها ..

مدخل عن تعريفات المؤسسات الصوفية  :

   للباحثين المحدثين اجتهادات في التفرقة بين مدلولات المؤسسات الصوفية المملوكية من الناحية التاريخية [18]أو المعمارية [19]أو الوثائقية[20] وكلها انصبت على التفرقة بين الخوانق والربط والزوايا وأهملت ما عداها  من ترب وقباب وغيرها . على أن المصادر المملوكية لم تفرق بين تلك المؤسسات ، لأنها جميعاً اتخذت منازل للصوفية : ففى المصادر التاريخية للعصر المملوكى نجد أن :

.الخوانق : اختلطت بالجوامع [21] والزوايا[22]والربط[23]والقبة[24] والتربة[25],:

واختلط مفهوم الزوايا بالخوانق [26] والمقابر[27] والربط[28] والقباب[29]والجوامع[30]

وتداخل مفهوم الربط مع الزاوية [31]والخانقاه[32] والمشهد[33]أو القبة .

وأدت المؤسسات المجمعة إلى زيادة الخلط حيث كانت تضم مختلف النشاطات الصوفية بين الاعتكاف والتصوف والتعليم مع المدافن والقباب مثل مجموعة برقوق ( مسجد وخانقاه ومدافن ومدرسة وسبيل للشرب) ومجموعة برسباي (خانقاه وحوش للقبور وقبة ومصلى) ومجموعة قايتباي بالقرافة الشرقية ( مسجد ومدرسة وسبيل وكتاب وضريح) ومجموعة الغوري ( وكالة حمام ومنزل ومقعد وسبيل وكتاب ومدرسة وقبة) ومجموعة قلاوون (ضريح ومدرسة وبيمارستان)[34]

 ويقول النويري (اهتم ركن الدين بيبرس بعمارة خانقاه ورباط وتربة لدفنه )[35].

وفي داخل القرافة تباينت القبور فاستحدثت لها الأسماء وحدث نوع آخر من الخلط بين التربة والمسجد والقبة والتربة[36]وعرفت (الحومة) وهى مجموعة القبور والمساجد المتجاورة[37] ومثلها تقريباً (الزريبة)[38] (والجوسق) وهو " قبة بغير سقف وقد بنى على هيئة الكعبة " ويحوي داخله القبور الهامة[39] .

هذا .

و( الخانقاه ) أو ( الخانكاه ) لفظ فارسى جلبه التصوف علما على مؤسسة صوفية يتفرغ فيها الصوفية للعبادة ( الصوفية ) ، ويقوم صاحب الخانقاة بالانفاق عليهم ، مقابل أن يدعو له وأن يشفعوا له يوم القيامة . وقد يضاف الى الخانقاة وظائف تعليمية للفقه والحديث والتفسير مع قراءة القرآن ، وقد تضم مكتبة وسبيلا لتعليم الأطفال . ويتم الانفاق عليه من مصدر دخل مستمر يوقف عليها مثل أرض زراعية أو محال تجارية . وظهرت مع الخوانق مؤسسات أصغر كالزوايا والأربطة ( جمع رباط ). ثم إتسع نشاط الصوفية بتأثير التصوف ليشمل المساجد والجوامع والقباب والتُّرب .  وموعدنا مع بعض التفصيل .



[1]
ــ تحفة الأحباب 119

[2]ــ الدرر الكامنة 2ر 122

[3]ــ الطبقات الكبرى 2ر 114 : 115 وهناك رواية أخرى في الكواكب للغزى 1 / 96

[4]ــ خطط المقريزي 4 / 285

[5]ــ المنهج الصافي مخطوط 3 / 311

[6]ــ النجوم الزاهرة 9 / 182

[7]ــ  النجوم الزاهرة 16 / 139 : 140

[8]ــ خطط المقريزي 4 / 287

[9]ــ محاسن مصر والقاهرة 191

[10]ــ رحلة العلوى : مخطوط 59 : 60

[11]ــ زبدة كشف الممالك 27

[12]ــ تحفة الأحباب 318 ، 37 ، 202 وانظر المقفى 3 / 162 والكواكب السيارة 106 ، شذرات الذهب 6 / 149

[13]ــ النجوم الزاهرة 14 / 342

[14]ــ تاريخ ابن اياس 1 / 2 / 355 : 356

[15]ــ تاريخ القاعى مخطوط 15 ب

[16]ــ حوادث الدهور 2 / 334

[17]ــ تاريخ العمارة 2 / 240

[18]ـ عاشور : البدوى 223 : 224 .

[19]ـ دولت عبد الكريم : الخوانق 26 : 33  رسالة دكتوراة غير منشورة .

[20]ـ محمد أمين الأوقاف 278 : 282  رسالة دكتوراة غير منشورة .

[21]ـ ابن دقماق الانتصار 101 الخطط المقريزية  4 /  9 ، 21 282،  نهاية الأرب 30 ، 75 .   

[22]ـ رحلة ابن بطوطة 1/ 23 .

[23]ـ الخطط 4 / 297 .

[24]ـ وثيقة وقف الامير صرغتمش .

[25]ـ النجوم الزاهرة 11/218 ، 219 وحاشية  (1)

[26]ـ الطبقات الكبرى للشعراني 2/28 .

[27]ـ الكواكب السيارة 182 ، 189، تحفة الأحباب 147 .

[28]ـ النجوم الزاهرة 11/ 125 , تحفة الأحباب 62 ،148 ، 149 ، 476 ، 477 ، 162 ، 163 .

[29]ـ المنهل 3/ 104 شذرات الذهب 8 / 130 .

[30]ـ المنهل 3/ 104 .

[31]ـ الطبقات الكبرى للشعراني 2/ 90 .

[32]ـ المدخل 2/ 197 .

[33]ـ رحلة ابن بطوطة 1/21 .

[34]ـ العمارة الإسلامية  سامح  99  ، 100 ، 106 ، 210.

[35]ـ نهاية الأرب 30 / 24 : 25 .

[36]ـ الكواكب السيارة 145 ، 18 تحفة الأحباب 310  وغيرها .

[37]ـ الكواكب السيارة 66 ، 12 ، 102 ، 120، 123 ، 150 ،155، 183 تحفة الأحباب 302 ، 304 ، 305 وغيرها ،

[38]ـ الكواكب السيارة 246 ، 301 ، تحفة الأحباب 250 .

[39]ـ الكواكب السيارة 154 ، 155 ، تحفة الأحباب 290 ، 211 .

اجمالي القراءات 1357

للمزيد يمكنك قراءة : اساسيات اهل القران
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق
تاريخ الانضمام : 2006-07-05
مقالات منشورة : 5111
اجمالي القراءات : 56,688,688
تعليقات له : 5,445
تعليقات عليه : 14,818
بلد الميلاد : Egypt
بلد الاقامة : United State

مشروع نشر مؤلفات احمد صبحي منصور

محاضرات صوتية

قاعة البحث القراني

باب دراسات تاريخية

باب القاموس القرآنى

باب علوم القرآن

باب تصحيح كتب

باب مقالات بالفارسي