قطع العلاقة الزوجية بالفسخ
قطع العلاقة الزوجية بالفسخ
أولا : الجنس سبب في فسخ النكاح فى الدين السُنّى :ــ
ليس فى القرآن الكريم كلمة ( الفسخ ) وليس فيه أن يكون الجنس بالذات سببا فى الطلاق . عقد النكاح مؤسس على التراضي ، فإذا ظهر ما يخل بالعقد أصبح العقد باطلاً ، بالإضافة لحق الزوجين في الفسخ بالطلاق او الخُلع .
أما فى الدين السُّنّى :
1 ـ جعلوا أسبابا لفسخ الزواج ، مثل العيوب التي توجد في أحد الزوجين وتعطي للآخر فرصة الفسخ ، ومنها الجنون والجذام والبرص ، ومنها ما هو خاص بالعملية الجنسية ، مثل إصابة الرجل العنّة أو العجز الجنسي أو إصابة المرأة بالنزيف المستمر أو هو عندهم (المستحاضة) أو لم يكن لها فتحة تناسلية (رتقاء).ويحق له فسخ عقد النكاح ، لكن إذا رضى بالوضع القائم فلا يحق له الفسخ ..
2 ـ ونبدأ بالرجل العنين العاجز جنسياً ، وقد اعطى له مالك وسعيد ابن المسيب وأبوحنيفة والشافعي وابن حنبل مهلة قدرها عام ، إن لم يستطع خلالها إتيان زوجته فسخ نكاحها باختيارها وإرادتها .
وتحديد المدة بسنة فيه ظلم للمرأة ، وقد حدد الله تعالى للزوج في الإيلاء مدة أربعة أشهر ، والايلاء هو أن يحلف الرجل ألّا يباشر زوجته جنسيا . قال جل وعلا : ( لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (226) وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (227) البقرة ) ، والمفهوم أنها الحد الأقصى الذي تستطيع المرأة تحمله ، هذا مع تقرير حقها في الاختيار ، ولكن إلزامها بالانتظار عاماً بأكمله ليس له سند ، وهي في نهاية الأمر مجرد فتوى ذكورية نرى فيها قدراً من التحيز ضد المرأة ، وكان الأولى القياس على ذلك بموضوع الإيلاء .
3 ـ على أنهم ــ والشافعي بالذات ــ يسقطون حقها في الفسخ إذا تحامل العنين على نفسه وباشرها مرة واحدة خلال العام ، لأنه أثبت بذلك مقدرته على الجماع وهذا يكفي عندهم بالطبع ، بل انه يكفي عند الشافعي مجرد ادخال القضيب مرة واحدة ، فذلك يجعلها محصنة ، أي متزوجة ولا حق لها في الفسخ . وهذا تحامل ذكورى واضح .
4 ـ ويدلنا على وجود التحامل الذكورى ضد المرأة انه إذا كان العيب بها جنسياً فللزوج الخيار في الفسخ دون ان تعطى مهلة للزوجة للعلاج او نحوه . وان علم الزوج قبل أن يمسها بهذا العيب واختار فسخ الزواج فليس لها مهر ولا نصف مهر ولا متعة ، على حد فتوى الشافعي . والعيب المذكور هو مما يمنع المباشرة الجنسية أصلاً مثل الرتقاء . أما ما يمنع اكتمال العملية الجنسية مثل النزيف ــ او المستحاضة ــ فقد اختلفوا فيه ، فالنووى في المنثورات يوجب لها النفقة والكسوة وسائر مؤن الزواج . ويمنع فسخ النكاح ، أما ابن حنبل فيرى الفسخ ، وإذا فسخ قبل الدخول فلا مهر عليه ، وإذا فسخ بعده فعليه الصداق ، وأفتى ابن تيمية بأحقيته في استرداد الصداق ممن غرّر به وخدعه .
5 ـ وقد ذكر مالك روايتين ، أحدهما في الفسخ بسبب عجز الرجل الجنسي ،وقد أعطى الرجل مهلة سنة ، ووافقه فيها أبوحنيفة ثم الشافعي وابن حنبل ، والرواية الأخرى عبارة عن فتوى لسعيد بن المسيب تقول : أيما رجل تزوج وبه جنون او برص فإنها تخيَّر إن شاءت قرَّت وإن شاءت فارقت .
6 ـ ثم توسع الفقهاء في أحوال الفسخ بسبب العيوب ، وأضيف إلى ذلك تفصيلات أخرى كأن تزوج بواحدة معينة فادخلوه على غيرها ، او تزوج ببكر فخدعوه واكتشف انها ثيب ، وفي الحالة الأخيرة أفتى ابن تيمية بحقه في الفسخ ، وحقه ان لم يرد الفسخ بأن يأخذ العوض بين مهر البكر ومهر الثيب ، ويعود بالعوض على من خدعه ، أما إذا ادخلوه على غير امرأته فوطأها فليس عليه عقوبة الزنا ، وهناك اختلاف في موضوع الفسخ حسب توقيت الفسخ أو بعد الدخول .
7 ـ بقي أن نقول ان للفقهاء موقفاً حازماً من تحريم ممارسة الشذوذ مع الزوجة ، أي بإتيانها في الدّبر .. وتكاثرت في تحريم ذلك وتجريمه الفتاوى والأحاديث ، من عصر الشافعي في القرن الثالث الهجري إلى عصر ابن تيمية وابن الحاج في القرن الثامن حتى عصر ابن حجر في القرن التاسع ، وكلهم ينكر ذلك ويشجبه ، وقد كان الشذوذ منتشراً بكل انواعه ، واستعصى على كل الفتاوى والأحاديث ... لأن المرض كان أعمق مما يتصورون ..
ثانيا : فسخ الزواج بسبب الدين
إسلاميا من وجهة نظر قرآنية :
1 ـ قال جل وعلا : ( وَلا تَنكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلا تُنكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُوْلَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (221) البقرة ) . هذا يعنى تحريم النكاح أى ( مجرد عقد الزواج ) بالمشركة المعتدية حتى تؤمن بسلوكها وتكفّ عن الاعتداء ، وتحريم عقد الزواج بين مشرك معتد ومؤمنة مسالمة حتى يكفّ عن عدوانه .
2 ـ الكافرون المشركون ـ حسب سلوكهم المُعلن ـ هم نوعان: القادة الشيوخ المُحرّضون على القتل والقتال والإكراه فى الدين ، ومن يقومون بالتنفيذ . مثلا : أصدر عبد الغفار عزيز فتوى فى مقالة منشورة جريدة ( النور ) يوم الأربعاء الأخير من شهر مايو 1992 تدعو لقتل فرج فودة وقتل أحمد صبحى منصور ، لأننا كنا على وشك تكوين حزب المستقبل . وفى الاسبوع التالى كان إغتيال فرج فودة بناءا على هذه الفتوى . والقاتلان إعترفا أنهما لم يقرءا شيئا لفرج فودة ، ولكنهما طبقا حكم الردة بناءا على فتوى العلماء . هؤلاء ( العلماء ) هم الجُناة الحقيقيون ، واللذان قاما بالاغتيال هما مجرمان وضحايا فى نفي الوقت . ويجمعهما بالشيخ عبد الغفار عزيز معا أنهم معا ( يدعون الى النار ) وهذا هو وصف الله جل وعلا لهما فى الآية الكريمة السابقة : (أُوْلَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ ).
هذا ينطبق أيضا على كلّ دُعاة الدين السنى الارهابى كما ينطبق على الارهابيين السنيين الذين يعتبرون قتل الأبرياء جهادا فى سبيل الله ، ويطيعون شيوخهم دُعاة الجهاد الارهابى السلفى ، ويفجّرون أنفسهم لقتل المُصليين والسائرين فى الطرقات والمتسوقين فى الأسواق وراكبى المواصلات .
3 ـ إذا كنت قرآنيا مسلما متمسكا بالكتاب وحده ولم تتزوج بعدُ بوهابية متعصبة فإنه يحرم عليك أساسا أن تعقد عليها زواجك بها.
إذا تزوجتها من قبل وكنت على دينها فليست هنا مشكلة . إذا أصبحت قرآنيا مؤمنا بالله جل وعلا إلاها وبالقرآن الكريم وحده حديثا ، وظلت زوجتك على دينها تنغّص عليك حياتك تريد إكراهك فى الدين ولم تفلح فى تحييدها بأن تحترم حريتك فى دينك كما تحترم حريتها فى دينها ، هنا يجب عليك فسخ نكاحك بها .
4 ـ قال جل وعلا : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمْ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآتُوهُمْ مَا أَنفَقُوا وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنكِحُوهُنَّ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ وَاسْأَلُوا مَا أَنفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُوا مَا أَنفَقُوا ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (10) وَإِنْ فَاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ فَعَاقَبْتُمْ فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُمْ مِثْلَ مَا أَنفَقُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ (11) الممتحنة ).
هنا حُكم إستثنائى فى حلّ مشكلة حدثت بعد هجرة المؤمنين من مكة الى المدينة ، أى إن الوضع هنا فى حالة هجرة من معسكر مشرك الى معسكر مؤمن ، والعلاقات بينهما عدائية لأن الطرف المعتدى ــ الذى أخرج المؤمنين المستضعفين من ديارهم وأموالهم ــ يواصل إعتداءه عليهم فى موطنهم الجديد الذى هاجروا اليه ، وظل المؤمنون يكفون أيديهم دون دفاع عن أنفسهم الى أن نزل لهم الإذن بالقتال الدفاعى . فى هذه الحالة الاستثنائية هاجرت زوجات مؤمنات وتركن أزواجهن الكفار ، وهاجر أزواج مؤمنون وتركوا خلفهم زوجات كافرات ، وكل فريق إختار المعسكر الذى ينتمى اليه . وحدث إنفصال حقيقى بين أولئك الأزواج ، ونزل الحكم الالهى بالانفصال تشريعيا بسبب إنفصال واقعى حقيقى .
5 ـ هذه حالة إستثنائية ، ولكن قابلة للتكرار . وتأتى الىّ مشاكل من هذا النوع .
6 ـ أحد أهل القرآن إستعدت عليه زوجته شيخا سنيا وهابيا متعصبا سيطر عليها فجعلها تغادر بيت الزوجية ليرجع عن دينه . قلت له: حاول مع زوجتك بكل ما تستطيع أن تعود لبيتها وأن يكون ولاؤها لبيتها ووالد اطفالها ، وهى حُرة فى عقيدتها لا تفرضها عليك وأنت أيضا لا تفرض عقيدتك عليها ،وأن ينشأ الأولاد على القيم الاسلامية الصحيحة وأخلاق الاسلام الرفيعة ، وأن تتعاشرا بالمعروف حرصا على الأطفال وتنشئتهم فى اسرة مستقرة . إن رفضت هذا فقد إختارت أن تعاديك فى دينك الاسلامى القائم على الحرية المطلقة فى الدين ، وعليه يجب عليك أن تنفصل عنها .
7 ـ هنا يكون الفسخ فى رؤيتنا الاسلامية المبنية على تدبّر قرآنى .
فى الدين السُنّى
1 ـ كان الشافعي أول من ذكر مصطلح "المحلل" تحت عنوان "نكاح المتعة" وقد ربط بينهما في موضوع اشتراط المدة أي انه نكاح محدد بمدة في الحالتين ، وأفتى بأن كل نكاح مؤقت حكمه الفسخ ، أما إذا بيّتا النية دون التلفظ بها فإن النية لا تفسد النكاح ، أي أن التلفظ أو الاتفاق على وجود محلل يفسد زواج المحلل عند الشافعي إذا كان ذلك التلفظ أثناء العقد. ولذلك حفل كتاب "الأم" للشافعي بأحكام فقيهة خاصة بإسلام الزوجة إذا كان زوجها على غير الإسلام ، وحكم زواج المرتد واستمرار هذا الزواج أو بطلانه او التفريق بين المرتد وزوجته. فقد حكم الشافعي بفسخ النكاح إذا أسلم أحد الزوجين دون الآخر ، إذا لم يسلم ذلك الآخر خلال العدة ، ورأي أن الفسخ أو التفريق يحدث مالم يتدارك الآخر نفسه وبدخل في الإسلام . أما المرتد عن الإسلام فقد أفتى الشافعي بأنه إذا نكح امرأة مسلمة أو مرتدة او مشركة أو وثنية فإن نكاحه باطل ..!! ونسى ان ذلك المرتد طالما خرج عن الإسلام فلن يحتاج إلى فتوى الشافعي أوغيره.
2 ـ ونأتي إلى ابن حنبل ونتوقع منه أن يتوسع في الموضوع برغم ضآلة حجم كتابه "أحكام النساء" .. وقد فعل .. فيقول أن زوجة النصراني او اليهودي إذا أسلمت يُعرض على زوجها الإسلام فإن أسلم فهي امرأته وإلا يفرّق بينهما ، إن لم يسلم قبل انتهاء عدتها منه ، وفي تعبير آخر في الكتاب ، أنهم ينزعونها منه إذا أسلمت ، وهي حجة ظريفة لكل امرأة نصرانية تكره زوجها وتريد التحرر من عشرته ، ودينها يمنع أو يصّعب موضوع الطلاق ، وحينئذ تعلن إسلامها بمجرد النطق ، وتتركه . وابن حنبل يحكم بالتفريق بين الزوجين إذا كان الزوج تاركاً للصلاة ، وبهذه الفتوى أخذ الشيخ العثيمين أحد شيوخ الوهابية المعاصرين ، كما يفتى ابن حنبل بالتفريق إذا جمع الرجل بين المرأة وخالتها او المرأة وعمتها ، كما يفتى بالتفريق في موضوع الشغار ، أي أن يتزوج رجلان كل منهما من ابنة الآخر دون ان يدفع أحدهما مهراً ، اكتفاء بتبادل البنتين ..
3 ـ ونلمح تأثر البخاري بابن حنبل فيما يرويه من احاديث ، إذ يروى عن ابن عباس فتوى تقول أن النصرانية إذا أسلمت قبل زوجها بساعة حرمت عليه ، ورواية عن آخر تأتي بفتوى غريبة هي انها إذا أسلمت ثم أسلم زوجها في العدة ــ بعد فسخ نكاحها ــ فهي لا تُعـدُّ امرأته وهي في العـدة إلا أن تشاء هي الرجوع إليه بنكاح جديد وصداق جديد ، وحينئذ يبيحون له أن يتزوجها في العدة ..!!
3 ـ ونلاحظ :
3 / 1 أن الفسخ أخذ تعبير التفريق بين الزوجين .
3 / 2 ـ أن التيار الوهابى قد نجح فى إستصدار حكم قضائى بالتفريق بين د . نصر حامد أبى زيد وزوجته إبتهال يونس ، أى فسخ زواجهما بناء على أتهامهم له بالردة . وقد دافعنا عن د نصر فى مؤتمرات وبمقالات ، وبكتاب عن الحسبة منشور هنا .
اجمالي القراءات
3469