قطع العلاقة الزوجية بالخُلع
آحمد صبحي منصور
Ýí
2023-07-08
قطع العلاقة الزوجية بالخُلع
إسلاميا من وجهة نظر قرآنية
بين الخُلع والافتداء
ربما ابتدع الفقهاء هذا المصطلح استنباطا من معنى قوله سبحانه وتعالى عن الزوجين (هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ) البقرة:187 ، فالزوجة حين تكره الزوج وتريد شراء فراقه لها إنما تخلع ثوب الزوجية المشار إليه في الآية الكريمة السالفة . والمصطلح القرآني الأصلي هو ( الافتداء) ، أي انها تفتدي نفسها من الحياة الزوجية معه مقابل أن تعيد إليه بعض ما دفعه إليها ، ويكون ذلك بالتراضي بينهما ، وفي ذلك يقول سبحانه وتعالى (وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً إِلاَّ أَنْ يَخَافَا أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ) البقرة :229 ..
ونضع بعض الملاحظات على الآية الكريمة :ــ
1ــ انها الآية القرآنية الوحيدة الذي تكرر فيها المصطلح القرآني "حدود الله" أربع مرات ، وحدود الله تعني شرع الله وأوامره ونواهيه ، وقد أسلفنا أن التشريع السُّنى اتخذ مفهوم آخر للحدود يعني العقوبات ..
2ــ ان تكرار المصطلح القرآني "حدود الله" أربع مرات في هذه الآية يأتي في سياق المنهج التشريعي القرآني ، وفيه فإن الله سبحانه وتعالى هو الوكيل والرقيبً على الزوجين وعلى السلطة القضائية في تنفيذ أوامره وتشريعاته او "حدوده" الخاصة بالعلاقة بين الزوجين في فترة الحياة الزوجية ، قبل وأثناء عدة الطلاق ، ويلاحظ أن القرآن الكريم يعبر عن هذا المنهج التشريعي بطرق مختلفة ؛ منها التذكير بحدود الله ، وبتقوى الله وعلمه وحكمته واحاطته بكل ما يجري . وفي هذه الآية نجد التأكيد واضحاً بتكرار كلمة "حدود الله" وبالتحذير من تعدى حدود الله ..
3ــ ان هذا التكرار لمصطلح "حدود الله" والتحذير من التعدى عليه يكون دائما لحماية الطرف الأضعف وهو الزوجة ، وهنا فالمرأة وهي الطرف الضعيف التي تطلب الطلاق وتشتريه ، ،والله جل وعلا يعبر عن ذلك بصورة موحية شديدة الدلالة ، وهي "فيما افتدت به" أي افتدت به نفسها ، أي انها وصلت إلى مرحلة أصبحت فيها الحياة الزوجية سجنا وأسراً وعبودية ، وليست مودة ورحمة وسكنا وانسجاماً . ومعنى ان تصل المرأة إلى هذه الحالة هو التضييع الكامل لأوامر الله تعالى ونواهيه وشرعه ، أي التضييع الكامل لحدود الله . وقبل أن تصل الأحوال الى هذه الدرجة من السوء فإن للسلطة القضائية أن تتدخل وتجبر الزوج على اطلاق سراحها وافتداء نفسها بجزء من المال تدفعه إليه مما كان قد قدمه لها في صداقها ..
4ــ ويلاحظ أن القرآن يحرم على الزوج أن يأخذ جزءاً من الصداق فيقول (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهاً وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلاَّ أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ .....) النساء :19 ، أي يمنع الزوج من عضل زوجته المطلقة التي في عصمته ، أي يمنعه من إمساكها في عصمته كرها لإجبارها على تنازلها عن جزء من ماله الذي أعطاه لها في الصداق وغيره ، ويجعل لذلك استثناء واحداً ، هو وقوع هذه الزوجة في جريمة زنا مثبتة مؤكدة . فإذا لم تقع في هذه الجريمة فليس له أن يجبرها على دفع مال مقابل اطلاق سراحها ، اللهم إذا كانت هي الراغبة في ذلك ن وهذا هو معنى قوله تعالى (وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً إِلاَّ أَنْ يَخَافَا أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ ..) .
5 ـ ولاحتمال أن يصطنع الزوج من الأساليب ما ينكد به عيش زوجته ويدفعها للتنازل عن كل شيء ، وليس جزءاً من الصداق ، ولاحتمال أن يجد الزوج من يساعده في هذا الظلم ، ولاحتمال ان تقع الزوجة في عمل يائس تفقد به شرفها أو حقوقها ؛ لكل تلك الاحتمالات وغيرها وبعضها ، تكرر في الآية الكريمة مصطلح (حدود الله) وتدخل المجتمع مخافة ألا تُقام حدود الله في تصرفات الزوجين ، والتحذير من التعدى على حدود الله ، وذلك التحذير موجّه للزوجين والمجتمع والسلطة القضائية..
بين ( الخُلع / الإفتداء ) والطلاق
1 ــ هذا التشريع جاء في سياق تشريعات الطلاق ، وبالتحديد تشريع الطلقتين الأولى والثانية وقبل تشريع الطلاق الثالث ، الذي يستوجب بعده ان تنكح زوجاً غيره . وذلك يؤكد أن الخُلع او الافتداء طريقة للطلاق تختارها المرأة وتدفع تكاليفها ، وبالتالي يسرى عليها ما يسرى على تشريع الطلاق ، من العدة ووجوب النفقة أثناء العدة ، واحتمال الرجوع أثناء العدة برغبة الزوجين .
2 ـ أي أن (الخُلع) " طلاق " . إلا انه جاء بمبادرة من الزوجة وموافقة من الزوج ، عكس الطلاق الذي هو بيد الزوج . مع ملاحظة ان الخلع لا يعني تنازل الزوجة عن مستحقاتها المستقبلية من نفقة العدة والأولاد ومتعة الطلاق ، ولكن التنازل يقع على ما أخذته الزوجة فى الماضي ، بالتعبير القرآني جاء بالماضي (وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً إِلاَّ .... ...) وبمعنى أوضح يحرم عليه أن يجبرها على التنازل عن المؤخر او المتعة او النفقة أو السكنى او حضانة الولاد وسائر ما حدد الله وشرعه في حقوق الزوجة . وهذا يعود بنا إلى مغزى التكرار في مصطلح "حدود الله" في الآية الكريمة..
فى الدين السُّنّى
1 ـ إلا أن أئمة الدين السُنّى الذكورى لم يتنبهوا إلى هذا المغزى ، وربما يرجع ذلك أيضا إلى أن مصطلح الحدود عندهم يعني العقوبة .
2 ـ وقد بدأ مالك ذلك الانحياز حين روى أن امرأة اختلعت من زوجها بكل شيء ، فلم ينكره عبد الله بن عمر ، أي لم يحتج عليه ، وطالما لم يحتج عليه ابن عمر فهو جائز . لأن ابن عمر مصدر للتشريع عند مالك الذى جعل عمل أهل المدينة مصدرا تشريعا يعلو على القرآن الكريم !.
3 ـ وعلق محمد الشيباني بقوله : ( وما نحب له ان يأخذ اكثر مما أعطاها وان جاء النشوز منها ، فاما ان جاء النشوز منه لم نحب له ان يأخذ منها قليلاً او كثيراً ، وإن اخذ فهو جائز في القضاء ، وهو مكروه له فيما بينه وبين ربه ، وهو قول أبي حنيفة ...) أي انه لا يحب للزوج ان يأخذ فدية منها أكثر مما أعطاها ، والمعنى انه يجوز له ذلك بالرغم من حب الشيباني او عدمه ، وبغضّ النظر عن تلك التفصيلات فقد كنا "نحب" أن يلتزم الشيباني ومالك بمنهج القرآن الكريم وليس بما يحبُون أو ما لا يحبّون .
4 ـ وفي رواية أخرى عن علاقة الخلع بالطلاق رأى مالك أن الخلع تطليقه بائنة ، أي لا يجوز إرجاعها في العدة . ونحن نخالفهم في ذلك في ملاحظتنا الأخيرة السابقة .
5 ـ ولقد بنى الشافعي على ذكره الموطأ خصوصاً في علاقة الخلع بالطلاق ، وزاد في الروايات والتفصيلات .
6 ـ وانفتح باب للخلاف بين الفقهاء ، فقد اعتبره الفقهاء الحنفية والمالكية والشافعية تطليقة بائنة ، واعتبره فقهاء الظاهرية (أتباع داود الظاهري) تطليقة رجعية ، أما ابن حنبل فقد اعتبره فٌرقة بغير طلاق .
7 ـ وهناك خلافات تفصيلية أخرى كثيرة ، ننقل بعضها من ( تفسير الرّازى ) للآية . يقول :
( وقوله هاهنا: {إِلاَّ أَن يَخَافَا أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ الله} هو كقوله هناك: {إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيّنَةٍ} فثبت أن الإتيان بالفاحشة المبينة قد يكون بالبذاء وسوء الخلق، ونظيره قوله تعالى: {لاَ تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلاَ يَخْرُجْنَ إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بفاحشة مُّبَيّنَةٍ} [الطلاق: 1] فقيل المراد من الفاحشة المبينة البذاء على أحمائها ).
( فإن قيل: لمن الخطاب في قوله: {وَلاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُواْ} فإن كان للأزواج لم يطابقه قوله: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ الله} وإن قلت للأئمة والحكام فهؤلاء لا يأخذون منهن شيئاً.قلنا: الأمران جائزان فيجوز أن يكون أول الآية خطاباً للأزواج وآخرها خطاباً للأئمة والحكام، وذلك غير غريب في القرآن، ويجوز أن يكون الخطاب كله للأئمة والحكام، لأنهم هم الذين يأمرون بالأخذ والإيتاء عند الترافع إليهم فكأنهم هم الآخذون والمؤتون.)
( أما قوله تعالى: {إِلاَّ أَن يَخَافَا أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ الله} فاعلم أنه تعالى لما منع الرجل أن يأخذ من امرأته عند الطلاق شيئاً استثنى هذه الصورة وهي مسألة الخلع . وفي الآية مسائل:
المسألة الأولى: روي أن هذه الآية نزلت في جميلة بنت عبد الله بن أبي، وفي زوجها ثابت بن قيس بن شماس، وكانت تبغضه أشد البغض، وكان يحبها أشد الحب، فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقالت: فرق بيني وبينه فإني أبغضه، ولقد رفعت طرف الخباء فرأيته يجيء في أقوام فكان أقصرهم قامة، وأقبحهم وجهاً، وأشدهم سواداً، وإني أكره الكفر بعد الإسلام، فقال ثابتٍ: يا رسول الله مرها فلترد علي الحديقة التي أعطيتها، فقال لها: «ما تقولين؟» قالت: نعم وأزيده فقال صلى الله عليه وسلم: «لا حديقته فقط»، ثم قال لثابت: «خذ منها ما أعطيتها وخل سبيلها» ففعل فكان ذلك أول خلع في الإسلام.وفي سنن أبي داود أن المرأة كانت حفصة بنت سهل الأنصارية.
المسألة الثانية: اختفلوا في أن قوله تعالى: {إلا أن يخافا} هو استثناء متصل أو منقطع، وفائدة هذا الخلاف تظهر في مسألة فقهية، وهي أن أكثر المجتهدين قالوا: يجوز الخلع في غير حالة الخوف والغضب، وقال الأزهري والنخعي وداود: لا يباح الخلع إلا عند الغضب، والخوف من أن لا يقيما حدود الله، فإن وقع الخلع في غير هذه الحالة فالخلع فاسد وحجتهم أن هذه الآية صريحة في أنه لا يجوز للزوج أن يأخذ من المرأة عند طلاقها شيئاً، ثم استثنى الله حالة مخصوصة فقال: {إِلاَّ أَن يَخَافَا أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ الله} فكانت الآية صريحة في أنه لا يجوز الأخذ في غير حالة الخوف، وأما جمهور المجتهدين فقالوا: الخلع جائز في حالة الخوف وفي غير حالة الخوف والدليل عليه قوله تعالى: {فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيء مّنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَّرِيئاً} [النساء: 4] فإذا جاز لها أن تهب مهرها من غير أن تحصل لنفسها شيئاً بإزاء ما بذل كان ذلك في الخلع الذي تصير بسببه مالكة لنفسها أولى، وأما كلمة {إِلا} فهي محمولة على الاستثناء المنقطع كما في قوله تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلاَّ خطئاً} [النساء: 92] أي لكن إن كان خطأ {فتحريرُ رَقبةٍ مؤمنةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ} [النساء: 92].
( المسألة الثالثة: الخوف المذكور في هذه الآية يمكن حمله على الخوف المعروف، وهو الإشفاق مما يكره وقوعه، ويمكن حمله على الظن، وذلك لأن الخوف حالة نفسانية مخصوصة، وسبب حصولها ظن أنه سيحدث مكروه في المستقبل وإطلاق اسم المعلول على العلة مجاز مشهور فلا جرم أطلق على هذا الظن اسم الخوف.. )
( المسألة الرابعة: اعلم أن ظاهر هذه الآية يدل على أن الشرط هو حصول الخوف للرجل وللمرأة، ولا بد هاهنا من مزيد بحث، فنقول: الأقسام الممكنة في هذا الباب أربعة لأنه إما أن يكون هذا الخوف حاصلاً من قبل المرأة فقط، أو من قبل الزوج فقط، أو لا يحصل الخوف من قبل واحد منهما، أو يكون الخوف حاصلاً من قبلهما معاً.
أما القسم الأول: وهو أن يكون هذا الخوف حاصلاً من قبل المرأة، وذلك بأن تكون المرأة ناشزة مبغضة للزوج، فهاهنا يحل للزوج أخذ المال منها والدليل عليه ما رويناه من حديث جميلة مع ثابت، لأنها أظهرت البغض فجوز رسول الله صلى الله عليه وسلم لها الخلع ولثابت الأخذ.
فإن قيل: فقد شرط تعالى في هذه الآية خوفهما معاً، فكيف قلتم: إنه يكفي حصول الخوف منها فقط.
قلنا: سبب هذا الخوف وإن كان أوله من جهة المرأة إلا أنه قد يترتب عليه الخوف الحاصل من قبل الزوج، لأن المرأة تخاف على نفسها من عصيان الله في أمر الزوج، وهو يخاف أنها إذا لم تطعه فإنه يضربها ويشتمها، وربما زاد على قدر الواجب فكان الخوف حاصلاً لهما جميعاً، فقد يكون ذلك السبب منها لأمر يتعلق بالزوج، ويجوز أن تكره المرأة مصاحبة ذلك الزوج لفقره أو لقبح وجهه، أو لمرض منفر منه، وعلى هذا التقدير تكون المرأة خائفة من معصية الله في أن لا تطيع الزوج، ويكون الزوج خائفاً من معصية الله تعالى من أن يقع منه تقصير في بعض حقوقها.
القسم الثاني: أن يكون الخوف من قبل الزوج فقط، بأن يضربها ويؤذيها، حتى تلتزم الفدية فهذا المال حرام بدليل أول هذه الآية، وبدليل سائر الآيات، كقوله: {وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُواْ} إلى قوله: {أَتَأْخُذُونَهُ بهتانا وَإِثْماً مُّبِيناً} [النساء: 19، 20] وهذا مبالغة عظيمة في تحريم أخذ ذلك المال.
القسم الثالث: أن لا يكون هذا الخوف حاصلاً من قبل الزوج، ولا من قبل الزوجة، وقد ذكرنا أن قول أكثر المجتهدين: أن هذا الخلع جائز، والمال المأخوذ حلال، وقال قوم إنه حرام.
القسم الرابع: أن يكون الخوف حاصلاً من قبلهما معاً، فهذا المال حرام أيضاً، لأن الآيات التي تلوناها تدل على حرمة أخذ ذلك المال إذا كان السبب حاصلاً من قبل الزوج، وليس فيه تقييد بقيد أن يكون من جانب المرأة سبب لذلك أم لا ولأن الله تعالى أفرد لهذا القسم آية أخرى وهو قوله تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا} [النساء: 35] الآية، ولم يذكر فيه تعالى حل أخذ المال، فهذا شرح هذه الأقسام الأربعة، واعلم أن هذا الذي قلناه من هذه الأقسام إنما هو فيما بين المكلفين وبين الله تعالى، فأما في الظاهر فهو جائز هذا هو قول الفقهاء.
المسألة الخامسة: قرأ حمزة: {إِلاَّ أَن يخافا} بضم الياء والباقون بفتحها، قال صاحب الكشاف وجه قراءة حمزة إبدال أن لا يقيما من ألف الضمير، وهو من بدل الاشتمال، كقولك: خيف زيد تركه إقامة حدود الله، وهذا المعنى متأكد بقراءة عبد الله {إِلا أَنْ يخافوا} وبقوله تعالى: {فَإِنْ خِفْتُمْ} ولم يقل: خافا، فجعل الخوف لغيرهما، وجه قراءة العامة إضافة الخوف إليهما على ما بينا أن المرأة تخاف الفتنة على نفسها، والزوج يخاف أنها إن لم تطعه يعتدي عليها.
المسألة السادسة: اختلفوا في قدر ما يجوز وقوع الخلع به، فقال الشعبي والزهري والحسن البصري وعطاء وطاوس: لا يجوز أن يأخذ أكثر مما أعطاها، وهو قول علي بن أبي طالب رضي الله عنه، قال سعيد بن المسيب: بل ما دون ما أعطاها حتى يكون الفضل له، وأما سائر الفقهاء فإنهم جوزوا المخالعة بالأزيد والأقل والمساوي، واحتج الأولون بالقرآن والخبر والقياس، أما القرآن فقوله تعالى: {وَلاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُواْ مِمَّا ءَاتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا} ثم قال بعد ذلك: {فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افتدت بِهِ} فوجب أن يكون هذا راجعاً إلى ما آتاها: وإذا كان كذلك لم يدخل في إباحة الله تعالى إلا قدر ما آتاها من المهر، وأما الخبر روينا أن ثابتاً لما طلب من جميلة أن ترد عليه حديقته، فقالت جميلة وأزيده، فقال صلى الله عليه وسلم: «لا حديقته فقط»، ولو كان الخلع بالزائد جائزاً لما جاز للنبي صلى الله عليه وسلم أن يمنعها منه، وأما القياس فهو أنه استباح بعضها، فلو أخذ منها أزيد مما دفع إليها لكان ذلك إجحافاً بجانب المرأة وإلحاقاً للضرر بها، وأنه غير جائز، وأما سائر الفقهاء فإنهم قالوا الخلع عقد معاوضة، فوجب أن لا يتقيد بمقدار معين، فكما أن للمرأة أن لا ترضى عند النكاح إلا بالصداق الكثير، فكذا للزوج أن لا يرضى عند المخالعة إلا بالبذل الكثير، لا سيما وقد أظهرت الاستخفاف بالزوج، حيث أظهرت بغضه وكراهته، ويتأكد هذا بما روي أن عمر رضي الله عنه رفعت إليه امرأة ناشزة أمرها فأخذها عمر وحبسها في بيت الزبل ليلتين، ثم قال لها: كيف حالك؟ فقالت: ما بت أطيب من هاتين الليلتين، فقال عمر: اخلعها ولو بقرطها، والمراد اخلعها حتى بقرطها وعن ابن عمر أنه جاءته امرأة قد اختلعت من زوجها بكل شيء وبكل ثوب عليها إلا درعها، فلم ينكر عليها.
المسألة السابعة: الخلع تطليقة بائنة وهو قول علي وعثمان وابن مسعود والحسن والشعبي والنخعي وعطاء وابن المسيب وشريح ومجاهد ومكحول والزهري، وهو قول أبي حنيفة وسفيان، وهو أحد قولي الشافعي رضي الله عنهم، وقال ابن عباس وطاوس وعكرمة رضي الله عنهم: إنه فسخ للعقد، وهو القول الثاني للشافعي، وبه قال أحمد وإسحاق وأبو ثور.
(حجة من قال إنه طلاق) أن الأمة مجمعة على أنه فسخ أو طلاق، فإذا بطل كونه فسخاً ثبت أنه طلاق وإنما قلنا: إنه ليس بفسخ لأنه لو كان فسخاً لما صح بالزيادة على المهر المسمى: كالإقالة في البيع، وأيضاً لو كان الخلع فسخاً فإذا خالعها ولم يذكر المهر وجب أن يجب عليها المهر، كالإقالة، فإن الثمن يجب رده، وإن لم يذكر ولما لم يكن كذلك ثبت أن الخلع ليس بفسخ.. ).
نعتذر عن الازعاج . ولكنه : ( التفسير ).!
اجمالي القراءات
2245
للتبسيط، أرى أن الزواج هو عبارة عن عقد بين طرفين، كباقي العقود، يقتضي فسخه من قبل أحد الأطراف تعويض الطرف الآخر لما يخسره من جراء الفسخ. القرآن يفترض (عند قوامة الرجل) أن ينفق الرجل على زوجه عند عقد الزواج وأثناء الزواج، فإذا فسخ هو هذا العقد، فليس له أن يسترجع ما دفعة، وإن فسخت المرأة العقد، فعليها إرجاع بعض ما دفع الرجل. أما إذا كان العقد ينص شيئًا آخر، فللعقد القرار الأخير.
بالنسبة للمقال السابق عن اللعان عندي تساؤل عن آيات سورة النور من 6 - 9: الآيات تتحدث عن الرجال الذين يرمون أزواجهم، والرمي هنا يعني الزنى لأن العقاب المذكور هو عذاب، والعذاب جاء عقاب للزنا (مئة جلدة). المرأة هنا في حالة دفاع (تدرأ عنها العذاب). السؤال: وماذا لو حصل العكس والرجل هو من يزني؟ هنا ليس للمرأة إلا طلب الطلاق (الخلع)، ولكي يعاقب الرجل يجب أن تأتي المرأة بأربعة شهود، فلماذا هذا الفرق بين الحالتين؟ وماذا لو رمت زوجها بالزنا ولم تأتي بأربعة شهود؟ وإذا لم يكون بإمكانها رمي الزوج بالزنا لعدم تواجد الشهود، فليس لها إلا طلب الخلع مع إرجاع بعض ما أعطاها الرجل، أي تفتدي نفسها بجزء من الصداق. ما أستطيع تصورة كسبب منطقي لذلك هو نتيجة الجريمة (الزنا) المحتملة في كلا الحالتين، فزنا المرأة يمكن أن ينتج عنه حمل ونسل لا يعود للزوج. أما عن زنى الرجل فيدخل في نطاق جريمة أخرى مع أمراة أخرى وتتعلق بها. باختصار: تحديد النسب هو بيت القصيد في القضية.