متى تكون الخمر حلالا؟
متى تكون الخمر حلالا؟
أ.د. عبد الرزاق منصور علي
ينبغي أن نعرف أولا بعض المصطلحات القرآنيه:
الٳجتناب: تعني شدة التحريم لأن شرب الخمر ليس محرما فقط، بل الوسائل التي تؤدي لشربها محرمه أيضا- والٳثم محرم بنص القرآن الكريم (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا) الأعراف33-ونستنتج هذا المفهوم من قوله تعالى (ياأيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم) الحجرات12- حيث إن: بعض الظن = إثم، أي محرم. إذن كثير من الظن = إثم كبير يستحق الإجتناب. والخمر إثم كبير فبالتالي يناسبها الإجتناب, أي أن الإجتناب أكثر من التحريم. بما أن الخمر ٳثم - والٳثم محرم بنص القرآن الكريم ٳذن الخمر حرام ولاجدال في ذلك.
أما من يدعي أنها غير محرمه مستشهدا بالأيه (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ ولاجنبا ٳلا عابري سبيل حتى تغتسلوا) النساء43- فهذا قصور في فهم المصطلح القرآني، كالتالي:
1- أن سياق الآيه لا يتحدث عن موضوع الحلال والحرام، بل يبين الحكمه في منع الٳقتراب من الصلاه في حالة السكر وتشويش العقل والوعي بدليل ختم الآيه بقوله "حتى تعلموا ماتقولون " أي لأنكم تكونون في حالة عدم إدراك.
2- لم يرد ذكر كلمة الخمر في الآيه ولاحتى في سياقِ الآيات السابقه للآيه ولا اللاحقه لها مما يعني أنه من تأثير تلوث عقول الناس بتفسيرات التراثيين المضلله, والدليل ذكرالسُكَٰر في آيات أخرى من القرآن غير مرتبط بالخمر كما نرى في الآيات التاليه.
3- السكارى من السُكَٰروقد تم توصيف حالة السُكَٰرَهذه من خلال سورة الحج2-حال رؤية حالة الناس عند زلزلة الساعه (وتَرَى ٱلنَّاسَ سُكَٰارَىٰ وَمَا هُم بِسُكَٰارَىٰ، وَلَٰكِنَّ عَذَابَ ٱللَّهِ شَدِيدٞ) وسورة الحجر/72 (لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لفي سكرتهم يعمهون). نستنتج إذن أن السكر هو حالة خلل واضطراب القدره المعرفيه للمخ وينتج عنه ضبابية الوعي (التوهان) وعدم التركيزوقلة الادراك: وعلميا تحدث هذه الحاله بسبب عوامل كثيره منها ٳضطرابات الجهاز العصبي كالتوتر والقلق وٳدمان المخدرات والخمور- والأمراض العضويه مثل تليف الكبد ويحدث كأعراض جانبيه ومضاعفات لبعض الأدويه (وخاصة الأدويه التي تستخدم في علاج الأمراض النفسيه)-.
الخمر: ورد ت في القرآن الكريم تحمل ثلاثة معاني هي:
1- بمعنى الشراب المحرم المعروف (يَٰٓأَيُّهَا الذين آمنوا إِنَّمَا الخمر والميسر والأنصاب وَٱلۡأَزۡلَٰامُ رِجۡسٞ من عَمَلِ الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون) المائده90-
2- بمعنى الماده الخام "اللازمه لتصنيع وإنتاج الخمر" مثل العنب، قال تعالى على لسان صاحب يوسف في السجن
(إني أراني أعصر خمرا) يوسف36- فالخمر هنا تعني العنب لأن العنب هو الذي يعصرلا الخمر.
3- بمعنى عملية تصنيع وإنتاج الخمر وهو ما يطلق عليه علميا " التخمير"Fermentation
وهي عمليه كيميائيه حيويه تعتمد على وجود سلالات من البكتيريا والانزيمات وتمرعبر سلسله من التفاعلات لإنتاج الخمائر الحيويه وتستخدم في إنتاج العديد من المركبات والمستحضرات الطبيه والغذائيه الحيويه والمفيده لصحة الإنسان- واحد فقط من هذه المستحضرات يعتبر ضارا للإنسان لأنه يذهب العقل ويسبب السكر والعربده وهو شراب الخمر المعروفه. (وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا) النحل67 – أي تقومون بعملية إستخراج منتوجين من ثمار "النخيل والأعناب" منتوج الخمر المسكر ومنتوج آخرجيد.
صناعة الخمر أو"التخمير"هي عمليه قديمة قدم وجود الخمر. أما الآن فأصبحت تكنولوجيا متطوره تستغل دورة حياة ونمو البكتيريا والميكروبات لٳنتاج الأغذيه بدءا من " اليوجورت الزبادي وأنواع الجبن اللذيذه مثل الروكفور" مرورا بسكرالخمر "السوربيتول" المفيد لمرضى السكري والسمنه- وليس ٳنتهاءا بتصنيع بعض الأدويه مثل الإنسولين والأدويه الحديثه التي تعالج أمراض الجينات الوراثيه النادره مثل مرض ضمور العضلات الشوكي.
معلومه: تم الشفاء تماما من مرض ضمور العضلات الشوكي (الناتج من خلل في الجينات) بعد ٳعطاء المريض حقنه حقنه واحده من دواء Zolgensma"زولجينيزما" والتي يبلغ ثمنها 2.1 مليون دولار! وطبيعي فٳن باكورة الٳنتاج تكون مكلفه في البدايه- وفي الغرب دائما ما يستمر التطوير والتجارب العلميه فتننخفض سعر تكلفة الدواء لتكون في متناول الجميع وفي المقابل فٳن التراثيين ورواة الأحاديث لم يفلحوا ٳلا في صناعة الأحاديث والعنعنه وتطوير الخرافات حتى أصبحت سما قاتلا أصاب العقل الجمعي للأمه وأصبح سوق وصفات الأدويه التراثيه هي الرائجه مثل- "الحجامه في الصحه علامه"- "شربة الحاج عبد الموجود لعلاج الدود" -"والمرميه تجعل العجوزه صبيه" مما جعلهم لايفكرون بالعلم بل يحاربونه ويكفرون العلماء والمفكرين, لأنهم متأكدون أن العلم هو حقائق لاتبنى على حكايات وأساطير الأولين: وكما قال أمير الشعراء أحمد شوقي:
بالعلم والمال يبني الناس ملكهم ... لم يبن ملك على جهل وإقلال
كفاني ثراء أنني غير جاهل ... وأكثر أرباب الغنى اليوم جهال..
نستنتج ٳذن أن عملية التخميرأو صناعة الخمر لٳنتاج الغذاء والدواء هي حلال تماما لأن فيها منافع للناس كما سبق توضيحه (يَسۡـَٔلُونَكَ عَنِ ٱلۡخَمۡرِ وَٱلۡمَيۡسِرقُلۡ فِيهِمَآ إِثۡمٞ كَبِيرٞ وَمَنَٰافِعُ لِلنَّاسِ) البقره 219 - أي أن الاثم الكبير ينتج من ٳستعمال منتج أومستحضر واحد من منتجات الخمر بمعنى التخميرحالة ٳستعماله كشراب فقط- أما ٳستعماله كمطهر للجروح وقتل الميكروبات فهو حلال بالطبع. وباقي منتوجات عملية تكنولوجيا التخميرمثل المواد الغذائيه والأدويه والعلاجات المتطوره فهي حلال.
لقد تم ٳيجازعملية الخمر"التخمير" في بضع كلمات دقيقه ومعبره في قوله تعالى (وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا) - أي أنه كما نستطيع إنتاج مشروبات ضاره ومسكره مذهبه للعقل فيمكن أيضا تصنيع منتوجات مفيده للٳنسان وهذا هو الرزق الحسن في الأيه الكريمه. وقد يسأل أحدنا: معنى ذلك أنه يوجد رزق ضار أو سيئ. ونقول نعم يوجد هذا النوع من الرزق وهو ٳستخراج الخمر كشراب مسكر من ثمرات النخيل والأعناب وغيرها حسب الآيه- وكيف ترد على الجهلاء المتفلسفين الذين يقولون بان الخمر حلال لأنه حسب منطقهم: الخمرهي في الأصل من ثمار العنب والنبات وبالتالي فهي حلال لأن ثمار العنب والنبات حلال؟ نقول
ثمرات النخيل والأعناب وغيرها وما ننتجه منها من أغذيه وأدويه هي الرزق الحسن الحلال كما وضحته الآيه (لِيَأۡكُلُواْ مِن ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتۡهُ أَيۡدِيهِمۡۚ أَفَلَا يَشۡكُرُونَ) يس35- أما ما ينتج من شراب الخمر المسكر فذلك هو الرزق الضار الحرام - فالله تعالى يريد منا أن نكون عقولا واعيه عظيمه تناقش الأفكار لا عقولا تراثيه مغيبه بسيطة تناقش الأشخاص فيرددون أقاويل لا نعرف صدقها أو مصداقيتها.
اجمالي القراءات
1994
وجهة نظرى فى الآية 67 من سورة النحل أن ( سكرا ) بالسين المفتوحة تعنى مادة السُّكّر الذى هو رزق حسن ، ( ورزقا حسنا ) ، ويكون باستخلاصه من الثمرات . وهذا ما جاء فى سياق نعم الله جل وعلا علينا. وبهذا يختلف عن ( سُكارى ) من ( السُكر ) بالسين المضمومة .