ف ( 12 ) المال هو الإله الأعظم فى دين قريش
ف ( 12 ) المال هو الإله الأعظم فى دين قريش
القسم الأول من الباب الثالث : عن تشريعات المرأة التعبدية بين الاسلام والدين السنى
كتاب ( تشريعات المرأة بين الاسلام والدين السنى الذكورى)
(12 ) المال هو الإله الأعظم فى دين قريش
أولا
1 ـ ( قريش ) ليس مثلها فى التأثير على معظم العالم فى العصور الوسطى . هى أول من إحتكر التجارة العالمية بين الشرق والغرب من خلال رحلتى الشتاء والصيف ، وهى التى سيطرت على معظم العالم المعروف فى عصر الخلفاء ، وهم جميعا من قريش ، وصلت غزواتهم وسيطرتهم فيما بين حدو الصين والهند شرقا الى جنوب فرنسا غربا ، مع السيطرة على جزر البحر المتوسط والجزء المعروف من أفريقيا ، وحتى الآن ينتمى الى قريش أسرات حاكمة فى الأردن والمغرب .
2 ـ هذه العبقرية السياسية أساسها الدهاء ، وهو نفس الدهاء الذى مكّن انجلترة من تكوين إمبراطورية لا تغيب عنها الشمس فى العصر الحديث . ( الدهاء ) تعبير الأقرب اليه فى مصطلحات القرآن الكريم هو ( المكر ) . ولقد وصف رب العزة جل وعلا بعض الكافرين بالمكر ، وإختص قريش بقوله جل وعلا فى خطاب مباشر : ( وَسَكَنتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمْ الأَمْثَالَ (45) ابراهيم ) ثم قال عن عبقريتهم فى المكر : ( وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ (46) ابراهيم ).
3 ـ إستخدمت قريش عبقريتها فى المكر جهادا وقتالا فى سبيل إلاهها الأعظم وهو ( المال ) مستخدمة التجارة بالدين ، وإستغلال المسجد الحرام وفريضة الحج فى الاستحواذ على الثروة ، ومن ثمّ الاستحواذ على السلطة .
4 ـ قبل نزول القرآن الكريم مكرت قريش بقبائل العرب بتحكمها فى البيت الحرام وفريضة الحج . قامت بتجميع أصنام العرب فى ساحة المسجد الحرام تحت رعايتها ليكون لها نصيب من تقديس الحُجّاج ، وهذا فى مقابل أن يحموا تجارتها العالمية بين الهند وأوربا . كانت تنقل بضائع الهند الآتية الى اليمن الى الشام حيث الدولة البيزنطية ، وتجلب بضائع أوربا وتحملها الى اليمن حيث تنقلها السفن الى الهند . وبعضها يُباع للعرب فى موسم الحج داخل مكة . كان رأس المال عبارة عن أسهم يشترك فيها القرشيون ، وهذا هو الايلاف الذى يعنى الاتفاق مع الفبائل على حماية رحلتى الشتاء والصيف ، ويعنى فى الداخل توزيع المكاسب على حاملى الأسهم القرشيين . وبدأ وضع جديد : غارات مستمرة ومتواصلة وضياع للأمن بين القبائل مع جوع وفقر ، بينما تنعم فيه قريش بالأمن والثروة . لم يذكر رب العزة جل وعلا العرب أو ( عربى ) إلا وصفا للّسان الذى نزل به القرآن الكريم . ولكن ذكر قريش وخصائصها من رحلتى الشتاء والصيف و ( إيلافها ) والمسجد الحرام فى قوله جل وعلا : ( لإِيلافِ قُرَيْشٍ (1) إِيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ (2) فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ (3) الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ (4) قريش )
5 ـ كمجتمع تجارى رأسمالى كانت قريش تدرك تماما ما تفعله من خداع ، ولا تشعر بأى تأنيب من الضمير وهى ترى الأعراب يتقاتلون ويجوعون بينما تتضخّم ثرواتها من غباء العرب وجوعهم .
5 ـ دخلت الرأسمالية القرشية فى إختبار بنزول القرآن الكريم داعيا الى السلام ( الاسلام السلوكى ) وإخلاص الدين للرحمن جل وعلا ونبذ عبادة الأصنام والأنصاب والأوثان . كانت قريش تعرف أن هذا هو الهدى ، ولكن إتّباع الهُدى يعنى مواجهة قبائل العرب ويعنى فقدانهم لثرواتهم ، وهذا ما جاء فى قوله جل وعلا عنهم : ( وَقَالُوا إِنْ نَتَّبِعْ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقاً مِنْ لَدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (57) القصص ). مع هذا الردّ عليهم جاء ردُّ آخر فى قوله جل وعلا : ( أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ (67) العنكبوت ). أى إن تكذيبهم بالقرآن الكريم له دافع إقتصادى ، قال جل وعلا لهم فى خطاب مباشر : ( أَفَبِهَذَا الْحَدِيثِ أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ (81) وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ (82) الواقعة ).
6 ـ تعقّد الموقف بانتشار الاسلام بين المستضعفين داخل مكة . أولئك المستضعفون وجدوا فيه المساواة والعدل والمُسالمة ، مع حرية الدين ، أى لا مانع أن تكون مسلما سلوكيا ومحتفظا بتقديس الأوثان والأنصاب . بهذا أصبح الاسلام الآخد فى النمو والانتشار تهديدا حقيقيا للسادة من قريش ، وبالتالى لسيطرتها وتجارتها . وكان لا بد من المواجهة ، بالقضاء على راس الدعوة ( محمد عليه السلام ) . كانت هناك حلول ثلاثة : السجن / القتل / الإخراج والطرد . العبقرية القرشية فى المكر رفضت السجن والقتل حتى لا يغضب بنو هاشم عائلة النبى . إختارت الإخراج والطرد . ولكن الخطورة فى الاخراج إنه قد يعود من مهجره ليحاربهم . لذا كان لا بد من إحاطته بجواسيس يكونون الأقرب اليه ، فإذا نجح فى دعوته قفزوا الى السلطة ، وأعادوها لقريش . عن مكر قريش قال جل وعلا يخاطب النبى محمدا عليه السلام : ( وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ (30) الأنفال ). هنا نتذكر قوله جل وعلا فى أواخر ما نزل من القرآن الكريم : ( وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ (101) التوبة ). أنبأ الله جل وعلا هنا مقدما أن حقيقتهم ستظهر فيما بعد ، فلن يتوبوا ، بل سيترتكبون آثاما يعاقبهم بها الله جل وعلا مرتين فى حياتهم الدنيا ثم ينتظرهم عذاب عظيم فى الآخرة . عذاب الدنيا حدث فى عام الرمادة وفى وباء عمواس على نحو ما فصّلناه فى كتابنا ( المسكوت عنه فى تاريخ الخلفاء الراشدين ) ثم فى تقاتلهم فى الحرب الأهلية التى يقولونه عنها ( الفتنة الكبرى ).
حفلت سورة التوبة بالحديث عن الكافرين ناقضى العهود من قريش وعن المنافقين الصُّرحاء من أهل المدينة ، وجاءت إشارة وحيدة عن الذين مردوا على النفاق ، ذلك إنهم لم يتفوهوا ولم يفعلوا شيئا سوى الطاعة والولاء ، وبه إستحقوا أن يرثوا السلطة بموت النبى محمد عليه السلام . وبموته بدأت الرّدّة الحقيقية عن الاسلام ، بإخضاع العرب الثائرين ثم بتوجيه قوتهم الحربية ـ تحت قيادة قريش ـ نحو غزو واحتلال معظم العالم المعروف وقتها .
7 ـ عبقرية المكر القرشى تلاعبت بالأعراب : قبل نزول القرآن الكريم جعلتهم يحمون قوافلها ، وأثناء نزول القرآن الكريم إستعانت بهم فى حرب المؤمنين ، وبعد موت النبى محمد أقنعتهم إن الجهاد فى الاسلام يعنى الغزو والاحتلال لدول وأُمم لم تعتد عليهم وربما لم تسمع بهم من قبل إلا حين اتوا غُزاة .
8 ـ فى سبيل المال إلاههم الأعظم قاموا بالفتوحات ، وفى سبيل المال إلاههم الأعظم تحاربوا فى حرب أهلية طاحنة ، وتوارث المحمديون هذه الحروب الأهلية فلا يزالون يقتتلون ، يشترون السلاح من الشرق والغرب ليقتلوا به أنفسهم .
9 ـ جمع أساطين الصحابة الملايين من ثروات الأمم المفتوحة : نذكر بعض ما جاء فى الروايات عن بعضهم :
9 / 1 : الزبير بن العوام : كانت له ( الغابة وإحدى عشرة دارا بالمدينة ودارين بالبصرة ودارا بالكوفة ودارا بمصر ) ( وكان الزبير اشترى الغابة بسبعين ومائة ألف فباعها عبد الله بن الزبير بألف ألف وستمائة ألف ) ( وكان للزبير أربع نسوة قال وربع الثمن فأصاب كل امرأة ألف ألف ومائة ألف قال فجميع ماله خمسة وثلاثون ألف ألف ومائتا ألف ) .
9 / 2 : طلحة بن عبيد الله : ( قُتل يوم الجمل وعليه خاتم من ذهب ) ( كان في يد طلحة خاتم من ذهب فيه ياقوتة حمراء ) ( كان ابو محمد طلحة يغل كل يوم من العراق الف واف درهم ودانقين ) ( كان طلحة بن عبيد الله يغل بالعراق ما بين اربعمائة الف الى خمسمائة الف ، ويغل بالسراة عشرة الاف دينار او اقل او اكثر وبالاعراض له غلات ) ( ترك الفي الف درهم ومائتي الف درهم ومائتي الف دينار ) ( كانت قيمة ما ترك طلحة بن عبيد الله من العقار والاموال وما ترك من الناض ثلاثين الف الف درهم ترك من العين الفي الف ومائتي الف درهم ومائتي الف دينار والباقي عروض ) ( قتل طلحة بن عبيد الله يرحمه الله وفي يد خازنه الفا الف درهم ومائتا الف درهم وقومت اصوله وعقاره ثلاثين الف الف درهم )( طلحة بن عبيد الله ترك مائة بهار في كل بهار ثلاث قناطر ذهب ).
9 / 3 : عمرو بن العاص : ترك الأموال السائلة " 140" أردبا من الدنانير !!
9 / 4 :عبد الرحمن بن عوف : ( ترك عبد الرحمن بن عوف ألف بعير وثلاثة آلاف شاة بالبقيع ومائة فرس ترعى بالبقيع وكان يزرع بالجرف على عشرين ناضحا ) ( وكان فيما ترك ذهب قطع بالفؤوس حتى محلت أيدي الرجال منه ) .
أخيرا
1 ـ مكرت قريش بالمحمديين فجعلتهم يقدسون صحابة الفتوحات وخلفائهم ، وهم أحقر المجرمين . وعجيب أن تقدس الشعوب مجرمين إحتلوا بلادهم وإسترقوا أجدادهم ونهبوا ثرواتهم .
2 ـ مكرت قريش بأئمة الدين السُنى وغيره فى موضوع الزكاة ، فلم يتطرقوا الى حق الشعوب فى أموالهم المنهوبة، وركزوا على فروع فى الزكاة ، نشير اليها فى المقال القادم .
اجمالي القراءات
2357