آحمد صبحي منصور Ýí 2018-10-15
الصلاة الشيطانية للخوارج ( 2 ): بين دين الخوارج ودين قريش
مقدمة :
1 ـ المعروفون بالخوارج أسلموا من قبل فى عهد النبى محمد عليه السلام بالاسلام السلوكى بمعنى السلام وأوقفوا غاراتهم على بعضهم ، وتحرروا من سلطان قريش التى كانت تتخذ من اصنامهم فى البيت الحرام رهينة كى يخضعوا لها ويمتنعوا عن مهاجمة قوافل قريش فى رحلتى الشتاء والصيف. . ثم إستعادت قريش نفوذها بخلافة أبى بكر ( رأس الذين مردوا على النفاق ) فثار الأعراب رفضا لأخذ ابى بكر منهم الصدقات فأصبح إسمهم المرتدين ، وبعد هزيمتهم صاروا جنود الغزو معتنقين دين قريش وخلفائها الفاسقين فتحولت غاراتهم القبلية فى الجزيرة العربية الى حرب عالمية تنتحل إسم الاسلام زورا وبهتانا. عاملهم (عمر ) بالعدل فى توزيع الغنائم ، ثم ثاروا على ( عثمان ) بسبب فساده وقتلوه فأصبح إسمهم الثوار، ثم إنضموا الى (على ) وأصبحوا من شيعته ، ثم خرجوا عليه وكفروا بقريش كلها ، وحاربوه وقتلوه وإلتصق بهم اسم الخوارج. كل هذا فى جيل واحد.
2 ـ كان الخوارج من القوى الفعّالة فى الفتنة الكبرى ، لم يؤثروا فى حسم إلصراع على السلطة بين أجنحة قريش المتصارعة ( أمويون ـ هاشميون ـ زبيريون ) ، ولكنهم ـ فى الأغلب ـ حاربوا الجميع ، من مقتل الحسين الى مقتل ابن الزبير ، ثم إستمروا فى حرب الأمويين ، واستمروا فى العصر العباسى الأول .
3 ـ حملوا لقب ( الخوارج ) بمعنى الخارجين على الحكم القُرشى والدين القرشى الذى أرساه عمليا الخلفاء الفاسقون بغزوهم وإحتلالهم وبغيهم وعدوانهم. إستمر الخوارج يحملون هذا اللقب وهذا الدين مع إستمرار حكم قريش فى عصر الأمويين والعباسيين. إذ لم يتغير الأمر بالنسبة لهم ، الخلفاء جميعا قرشيون ، لا فارق بين الأربعة الأوائل أو الأمويين أو العباسيين ، ولا فارق ايضا بينهم فى التسلط والاستبداد والإستثار بالسلطة وإعتبار القبائل الأخرى مجرد أعوان يقاتلون فى سبيل مجد قرسش وتوسعها . بإستمرار الإستبداد القرشى فى العصر الأموى ثم العباسى إنضم كثير من الناقمين والطموحين للخوارج وإعتنقوا دينهم ، وإنتشر دينهم ما بين أواسط آسيا الى شمال أفريقيا ، بل إن بعض من خدم الأمويين ( خرج ) على الأمويين معتنقا دين (الخوارج ) عندما صارت له قوة ، مثل إبن الأشعث الذى كان قائدا لجيش أموى فوقع تحت سيطرة الخوارج فإستخدم جيشه فى حرب الأمويين ، وتصارع مع الحجاج بن يوسف .
4 ـ رفض الخوارج ( أن تحكم قريش ) وكما إنتحل الخلفاء الفاسقون إسم الاسلام فى غزوهم وإحتلالهم وبغيهم وعدوانهم فإن الخوارج إنتحلوا ( لا حكم إلا لله ) أو حاكمية الله جل وعلا عنوانا لدينهم الجديد حقدا على إنفراد قريش بالحكم ، وجعلوا ( لا حكم إلا لله ) شهادة دينهم وصيحتهم فى جهادهم فى الخروج على الحاكم وفى قتلهم العشوائى للناس.
5 ـ تميز الخوارج بتطرفهم فى العبادة ( الصلاة وقراءة القرآن ) وتطرفهم فى القتل وإستحلال الدماء. ولنا أن نتخيل ــ وهم بوحشيتهم تلك ــ كيف كانوا يتفانون فى قتل جنود البلاد الذين كانوا يدافعون عن أوطانهم . زاد تفانيهم فى القتل والقتال حين تحولوا الى خوارج ، وزادها تطرفهم فى العبادة وإعتقادهم إمتلاك الحق ، أى كانوا مخلصين فى سفك الدماء بنفس إخلاصهم فى تأدية صلاتهم الشيطانية التى تأمرهم بالفحشاء والمنكر.
6 ــ بدينهم المتطرف هذا إختلفوا عن دين الخلفاء الفاسقين ، سواء فى العبادة أو فى إستحلال الدماء . تطرفوا ــ وبكل خشوع شيطانى ــ فى العبادة وقيام الليل ، وتطرفوا ــ وبكل شجاعة ــ فى إستحلال الدماء لكل ( المسلمين ) حتى الأطفال والنساء والذرية وحتى كانوا يبقرون بطون الحوامل ليقتلوا الأجنّة. وكأى دين أرضى إنقسم الخوارج طوائف وشيعا تسمّت بأسماء قوادها أو ببعض سماتها ، وكلها تتفق فى أنه ( لا حكم لله ) إعلانا للثورة على السلطان وقتل الناس جميعا ، ثم يختلفون فى بعض الفرعيات
لم يقع الخلفاء الفاسقون فى التطرف فى العبادة أو التطرف فى القتل. كان همُّهم الأكبر وإلاههم الأكبر هو المال. إذا حصلوا عليه بالجزية وبالصلح بدون حرب فلا داعى للحرب. وإذا حاربوا قتلوا الجنود وإسترقوا ذريتهم وتركوا الباقين يعملون عندهم سواء كانوا فلاحين أو عاملين فى جمع المال . أما الخوارج فقد دفعهم حقدهم على قريش أن قتلوا كل من يقع فى أيديهم ، ولم يكن إهتمامهم بالمال بقدر إهتمامهم بسفك الدماء .
7 ـ ولقد قضى ( على بن أبى طالب ) على معظم الخوارج ، ولكن إستمر الخوارج بعده ، بل قتلوه . ولم يفلح أيضا الخلفاء اللاحقون فى القضاء على الخوارج . إنتشر دين الخوارج لسببين :
7 / 1 : الأصل فى ثورة الخوارج هو إستئثار الخليفة القرشى بالحكم ، وقد إستمر هذا بعد قتل ( على ) ومعززا بالفساد وقوة السلاح ، وبلا أمل فى الاصلاح .
7 / 2 : جاذبية الفكرة وعدم مواجهتها من داخل الاسلام لأن الاسلام أصلا ضد خلفاء قريش كما هو ضد دين الخوارج. بالتالى كانوا يقضون على الأشخاص مع بقاء الإستبداد والفساد دون إصلاح ، ومع عدم مواجهة الفكرة نفسها ، لذا إستمرت الفكرة وأنجبت آلافا مؤلفة فيما بعد قتلوا آلافا مؤلفة من الأبرياء الذين لا ذنب لهم .
7 / 3 : وهذا يؤكد ــ لمن يهمه الأمر ــ أن مواجهة داعش وغيرها من بنات الوهابية ليس بالعسكر ، ولكن بعلاج المرض الذى أنتج داعش ، وأنتج من قبله الخوارج . وهو الاستبداد والفساد وتحكم الملأ والنخبة بالحديد والنار، لذا تشتعل ثورات الناقمين تحت أى شعار ، وأصعبها الشعار الدينى كما فعل الخوارج والدواعش . وسيظل الفشل نصيب كل من يتصدى لحرب ما يسمى بالارهاب بقوة الجيش واسلحة الأمن ، مع الابقاء على الفساد والظلم الذى تنبت فيه وتترعرع الحركات الارهابية من الخوارج الى حركة الزنج الى القرامطة الى الوهابية وبناتها . وسيظل الشرق الأتعس يعايش حركات الارهاب طالما يرتع فيه الاستبداد مصاحبا الفساد ، وطالما يرفض الاصلاح والعدل.
وعن الخوارج نعطى بعض التفصيلات :
أولا : دينهم ( لا حكم إلا لله )
1 ـ تولد هذا الدين فجأة بإعتراض ( القُرّاء ) أو الأعراب المتشددين فى العبادة والمتفانين فى الحرب مع على ضد معاوية فى معركة (صفين ) . تقول الروايات :
1 / 1 : ( وخرج الأشعث بالكتاب ( أى كتاب التحكيم ) يقرؤه على الناس حتى مر على طائفة من بني تميم فيهم عروة بن أدية أخو أبي بلال فقرأه عليهم، فقال عروة: تحكّمون في أمر الله الرجال؟ لا حكم إلا لله! ثم شد بسيفه فضرب به عجز دابة الأشعث ضربةً خفيفة واندفعت الدابة.. ) .
1 / 2 : ( لما أراد (علي ) أن يبعث أبا موسى للحكومة ( التحكيم ) أتاه رجلان من الخوارج: زرعة ابن البرج الطائي وحرقوص بن زهير السعدي فقالا له: لا حكم إلا لله! فقال علي: لا حكم إلا لله. وقال حرقوص بن زهير: تب من خطيئتك وارجع عن قضيتك واخرج بنا إلى عدونا نقاتلهم حتى نلقى ربنا. فقال علي: قد أردتكم على ذلك فعصيتموني ).
2 ـ ولاحقوا (على بن أبى طالب ) بهذا الشعار الذى صار دينا للخوارج . واصبح تعبيرا وقتها أن يقال ( حكّم ) أى صرخ بشعار ( لا حكم إلا لله ) ، واصبح لقب الخوارج : ( المُحكّمة ) . تقول الرواية عن (على ) وهو يخطب ( فى المسجد ):
2 / 1 ( وخطب (علي ) ذات يوم، فحكّمت المُحكّمة في جوانب المسجد، فقال ( علي ) : " الله أكبر، كلمة حق أريد بها باطل" ! . )
2 / 2 : ( ثم خطب (علي ) يوماً آخر فقام رجل فقال: " لا حكم إلا لله! " ، ثم توالى عدة رجال يحكّمون. فقال علي: " الله أكبر، كلمة حق أريد بها باطل "! )
3 ـ والخارجى عبد الرحمن بن ملجم هتف بهذا الشعار وهو يضرب عليا بالسيف ، تقول الرواية : ( فلما كان ليلة الجمعة، وهي الليلة التي واعد ابن ملجم أصحابه على قتل علي ومعاوية وعمرو، أخذ سيفه ومعه شبيب ووردان وجلسوا مقابل السدة التي يخرج منها علي للصلاة، فلما خرج علي نادى: أيها الناس الصلاة الصلاة. فضربه شبيب بالسيف فوقع سيفه بعضادة الباب، وضربه ابن ملجم على قرنه بالسيف، وقال: الحكم لله لا لك يا علي ولا لأصحابك! )
4 ـ وتواتر هذا التعبير فى تاريخ الخوارج بعد مقتل (على ) ، فيأتى التعبير عن ثورة فلان من الخوارج بأنه ( حكّم ) . ومثلا فى عام 64 تقول الرواية : ( ذكر خروج سهم والخطيم:وفيها خرج الخطيم، وهو يزيد بن مالك الباهلي، وسهم بن غالب الهجيمي، فحكّما؛ فأما سهم فإنه خرج إلى الأهواز فحكّم بها، ثم رجع فاختفى وطلب الأمان فلم يؤمنه زياد وطلبه حتى أخذه وقتله وصلبه على بابه.)
ثانيا : وصف دينهم بالمروق ( أى مرقوا من دين قريش )
1 ـ بدأ هذا فى روايتين عن (على بن ابى طالب ) :
1 / 1 : (.. قد روى جماعة أن علياً كان يحدث أصحابه قبل ظهور الخوارج أن قوماً يخرجون يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، علامتهم رجل مخدج اليد، سمعوا ذلك منه مراراً، فلما خرج أهل النهروان سار بهم إليهم ( علي ) وكان منه معهم ما كان، فلما فرغ أمر أصحابه أن يلتمسوا المخدج، فالتمسوه، فقال بعضهم: ما نجده، حتى قال بعضهم: ما هو فيهم، وهو يقول: " والله إنه لفيهم، والله ما كذبت ولا كذبت! " ثم إنه جاءه رجل فبشره فقال: يا أمير المؤمنين قد وجدناه.) ( وقيل: بل خرج (علي ) في طلبه قبل أن يبشره الرجل ، ومعه سليم بن ثمامة الحنفي والريان بن صبرة ، فوجده في حفرة على شاطىء النهر في خمسين قتيلاًن ، فلما استخرجه نظر إلى عضده فإذا لحم مجتمع كثدي المرأة وحلمة عليها شعرات سود فإذا مُدّت امتدت حتى تحاذي يده الطولى ثم تترك فتعود إلى منكبيه. فلما رآه قال: " الله أكبر ما كذبت ولا كذبت، لولا أن تنكلوا عن العمل لأخبرتكم بما قص الله على لسان نبيه، صلى الله عليه وسلم، لمن قاتلهم مستبصراً في قتالهم عارفاً للحق الذي نحن عليه.. ) . غنى عن الذكر أن النبى محمدا عليه السلام لم يكن يعلم غيب المستقبل وإذا قاله (على ) ونسبه للنبى عليه السلام فقد إفترى برهانا وإثما عظيما يضاف الى سجل أعماله فى القتل فى سبيل السُّلطة والمال.
1 / 2 : ( وقال (على ) : " إذا حدثتكم فيما بينى وبينكم فإن الحرب خدعة ، وإذا حدثتكم عن رسول الله ، فوالله لأن أخرّ من السماء أحبُّ إلى من الكذب عليه ، وإنى سمعته يقول : يخرج قوم فى آخر الزمان أحداث الأسنان سفهاء الأحلام يقولون من خير قول البرية ، لا يجاوز إيمانهم حناجرهم ، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ، فأينما لقيتهم فاقتلهم فإن قتلهم أجر لمن قتلهم يوم القيامة ) . يذكر ما سيحدث ( آخر الزمان ) مع أن وقت ظهور الخوارج لم يكن آخر الزمان. هذا إفتراء ، . ولكن يهمنا هنا أن تشريع الدين القرشى يأتى بقتلهم وقتالهم والمثوبة على ذلك ، والمعنى أن الدين القُرشى يواجه دين الخوارج بالاتهام بالمروق ( عن دين الخلفاء الفاسقين ) .
2 ـ ومع إستمرار الخروج فى العصرين الأموى والعباسى راجت صيغ أخرى من أحاديث تتهم الخوارج بالمروق عن الدين القرشى. فقد صاغوا حديثا منسوبا للنبى محمد عن الشاعر الأموى المشهور ( الفرزدق ) يرويه عن أبى سعيد الخدرى يزعم : ( قلت لأبى سعيد الخدرى : قبلنا قوم يصلون صلاة لا يصليها احد ويقرءون قراءة لا يقرؤها أحد " ، وكان متكئا فاستوى جالسا ، وقال : " سمعت رسول الله يقول : " إن قبل المشرق قوما يقرءون قراءة لا تُجاوز حلوقهم ) . لم يذكروا ظهور الخوارج غربا فى شمال أفريقيا .
3( ﻗﺎﻝ ﺃﺑﻮ ﻫﺮﻳﺮﺓ ﻗﺎﻝ ﺭﺳﻮﻝ ﷲ ﻳﺨﺮﺝ ﻓﻲ ﺁﺧﺮ ﺍﻟﺰﻣﺎﻥ ﻗﻮﻡ ﻳﻘﺮﺅﻭﻥ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﻓﺎﺗﺤﺘﻪ ﺇﻟﻰ ﺧﺎﺗﻤﺘﻪ ﻻ ﻳﺠﺎﻭﺯ ﺣﻨﺎﺟﺮﻫﻢ ﻳﻤﺮﻗﻮﻥ ﻣﻦ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﻛﻤﺎ ﻳﻤﺮﻕ ﺍﻟﺴﻬﻢ ﻣﻦ ﺍﻟﺮﻣﻴﺔ ) ( يخرج فيكم قوم تحقرون صلاتكم مع صلاتهم وصيامكم مع صيامهم وأعمالكم مع أعمالهم ، يقرآون القرآن ولا يجاوز حناجرهم. يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية تنظر فى القدح فلا ترى شيئا وتنظر فى الريش فلا ترى شيئا .. ) يهمنا هنا تكرار وصف الخوارج بالتطرف فى العبادة من صلاة وصوم وقراءة للقرآن .
وللحديث بقية .
تاريخ الانضمام | : | 2006-07-05 |
مقالات منشورة | : | 5111 |
اجمالي القراءات | : | 56,688,533 |
تعليقات له | : | 5,445 |
تعليقات عليه | : | 14,818 |
بلد الميلاد | : | Egypt |
بلد الاقامة | : | United State |
دعوة للتبرع
المسجد الاقصى: السلا م عليكم أولا أود أن أشكرك م على هذا...
شركة تجارية شفهية : سؤال : تراضى الشرك اء شفهيا دون كتابة . هل تصح...
حوار مع مأفون: دار حوار بيني وبين احد شيوخ الدين الارض ي عن...
الوصى الشيعى : في احدي فتاوي ك ترد علي السائ ل ان الاما مه ...
إبن القحبة : آسف . شتمته بالشت يمة المعت ادة ( يا ابن...
more