ف 5 : تشريعات الدين السُّنّى فى ( الاستنجاء ولمس المرأة والغُسل )
ف 5 : تشريعات الدين السُّنّى فى ( الاستنجاء ولمس المرأة والغُسل )
القسم الأول من الباب الثالث : عن تشريعات المرأة التعبدية بين الاسلام والدين السنى
كتاب ( تشريعات المرأة بين الاسلام والدين السنى الذكورى)
ف 5 : تشريعات الدين السُّنّى فى ( الاستنجاء ولمس المرأة والغُسل )
الاستنجاء
1 ـ بدلوا التيسير عسراً وإرهاقاً للناس في موضوع الطهارة الجزئية (بعد البول والغائط) والظهارة الكلية بالاستحمام (بعد المباشرة الجنسية) واستحدثوا أبواباً وتفريعات اختلفوا فيها طوائف وأحزابا ، ووصلوا في عصور التخلف والجمود إلى تفريعات مضحكة ومقززة ..
2 ـ ان القرآن الكريم يخاطب بشراً عقلاء ، يعرفون كيف يستحمون وكيف ينظفون انفسهم نظافة شخصية بعد التبول والتبرز ، لذلك فإن القرآن ــ وهو الذي فصّله الله تعالى على علم ــ اكتفى بالأمر بالاغتسال (حتى تغتسلوا) . ولأن التيمم تشريع جديد يحتاج إلى توضيح فقد أوضحه فقال في الآيتين " فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ .." وأشار إلى الطهارة الذاتية الشخصية من البول والغائط بعبارة موحيه راقية فقال " أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ" وتكرر هذا في الآيتين معاً ، ومفهوم أن الذي يأتي من دورة المياه يكون قد قام بتنظيف نفسه ، وليس محتاجا لتشريع يوضح له هذه الكيفية ، فالأم تعلم طفلها ـ وطفلتها ـ قبل القرآن بآلاف السنين كيف تتعود على النظافة الشخصية ، ولذلك فإن القرآن لم يتعرض للموضوع إلا مرتين فقط ، بنفس الألفاظ دون تفصيل لكيفية التنظيف الاتي ، وإنما لنتعلم منه أن الذهاب للبول والغائط يعني الاحتياج لطهارة جزئية قبل الصلاة ، وقد سمى الفقهاء هذه الطهارة الجزئية الوضوء..
3 ـ إلا أن الفقهاء أسرفوا على أنفسهم وعلى المسلمين في تفريعات الطهارة الذاتية والشخصية التي يقوم بها الإنسان ليتطهر من البول والغائط ، فأضافوا تفصيلات شنيعة ومقززة في كيفية ما اسموه بالاستنجاء بالماء وبالأحجار ، مع وصف تفصيلي مقزز يشمل الأعضاء التناسلية...والأشنع من ذلك أن ذلك الفقه القميء مقرر على طلبة الأزهر الاعدادي والثانوي بنين وبنات ...
4 ـ وفقهاء الدين السُنّى الذين شغلوا الناس بهذا الفقه جعلوه دينا تحت مصطلح ( السنّة ) ، ونسبوها ظلما للرسول عليه السلام . ومثلا : فقد افترى الغزالي في (إحياء علوم الدين) حديثا يقول فيه احدهم " علّمنا رسول الله كل شيء حتى الخراءة ".!. ونضطر لنقل ما قاله الغزالى دون التوقف معه بالشرح والتحليل يقول : ( وفي حديث سلمان رضي الله عنه علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم كل شيء حتى الخراءة فأمرنا أن لا نستنجي بعظم ولاروث ونهانا أن نستقبل القبلة بغائط أو بول حديث سلمان علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم كل شيء حتى الخراءة الحديث أخرجه مسلم وقد تقدم في قواعد العقائد وقال رجل لبعض الصحابة من الأعراب وقد خاصمه لا أحسبك تحسن الخراء قال بلى وأبيك إني لأحسنها وإني بها لحاذق أبعد الأثر وأعد المدر وأستقبل الشيح وأستدبر الريح وأقعى إقعاء الظبي وأجفل إجفال النعام الشيح نبت طيب الرائحة بالبادية والإقعاء ههنا أن يستوفز على صدور قدميه والإجفال أن يرفع عجزه ومن الرخصة أن يبول الإنسان قريبا من صاحبه مستترا عنه حديث البول قريبا من صاحبه متفق عليه من حديث حذيفة فعل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم مع شدة حيائه ليبين للناس ذلككيفية الاستنجاء ثم يستنجي لمقعدته بثلاثة أحجار فإن أنقى وإلا استعمل رابعا فإن أنقى وإلا استعمل خامسا لأن الإنقاء واجب والإيتار مستحب قال صلى الله عليه وسلم من استجمر فليوتر حديث من استجمر فليوتر متفق عليه من حديث أبي هريرة ويأخذ الحجر بيساره ويضعه على مقدم المقعدة قبل موضع النجاسة ويمره بالمسح والإدارة إلى المؤخر ويأخذ الثاني ويضعه على المؤخر كذلك ويمره إلى المقدمة ويأخذ الثالث فيديره حول المسربة إدارة فإن عسرت الإدارة ومسح من المقدمة إلى المؤخرةأجزأه ثم يأخذ حجرا كبيرا بيمينه والقضيب بيساره ويمسح الحجر بقضيبه ويحرك اليسار فيمسح ثلاثا في ثلاثة مواضع أوفى ثلاثة أحجار أو في ثلاثة مواضع من جدار إلى أن لا يرى الرطوبة في محل المسح فإن حصل ذلك بمرتين أتى بالثالثة ووجب ذلك إن أراد الاقتصار على الحجر وإن حصل بالرابعة استحب الخامسة للإيتار ثم ينتقل من ذلك الموضع إلى موضع آخر ويستنجي بالماء بأن يفيضه باليمنى على محل النجو ويدلك باليسرى حتى لا يبقى أثر يدركه الكف بحس اللمس ويدرك الاستقصاء فيه بالتعرض للباطن فإن ذلك منبع الوسواس وليعلم أن كل ما لا يصل إليه الماء فهو باطن ولا يثبت حكم النجاسة للفضلات الباطنة ما لم تظهر وكل ما هو ظاهر وثبت له حكم النجاسة فحد ظهوره أن يصل الماء إليه فيزيله ولا معنى للوسواس ويقول عند الفراغ من الاستنجاء اللهم طهر قلبي من النفاق وحصن فرجي من الفواحش ويدلك يده بحائط أو بالأرض إزالة للرائحة إن بقيت والجمع بين الماء والحجر مستحب فقد روى أنه لما نزل قوله تعالى فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل قباء ما هذه الطهارة التي أثنى الله بها عليكم قالوا كنا نجمع بين الماء والحجر حديث لما نزل قوله تعالى فيه رجال يحبون أن يتطهروا الحديث في أهل قباء وجمعهم بين الحجر والماء أخرجه البزار من حديث ابن عباس بسند ضعيف ورواه ابن ماجه والحاكم وصححه من حديث أبي أيوب وجابر وأنس في الاستنجاء بالماء ليس فيه ذكر الحجر وقول النووي تبعا لابن الصلاح إن الجمع بين الماء والحجر في أهل قباء لا يعرف مردود بما تقدم كيفية الوضوء إذا فرغ من الاستنجاء اشتغل بالوضوء. ) ( الغزالي : الإحياء 1/130 ).
5 ـ وفارق هائل بين هذا اللفظ البذيء ( الخراءة ) وبين تعبير القرآن الراقي " أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ" ، وفارق هائل بين تلك الكلمة القرآنية الموجزة وبين آلاف الصفحات الفقهية عن تشريعات الاستنجاء للمرأة والرجل ، والتي آثرنا أن نغفلها رحمة بالقاريء... ولغة القرآن الراقية عبّرت عن اللقاء الجنسي بين الرجل والمرأة بمصطلحات شتى منها " لامَسْتُمْ النِّسَاءَ" ، " كُنْتُمْ جُنُباً" ومثلها في تشريعات أخرى " تَقْرَبُوهُنَّ" ، " تُبَاشِرُوهُنَّ" ، " تَمَسُّوهُنَّ " ، " يَتَمَاسَّا "
( لمس المرأة )
1 ـ ولكن التشريع السنى قام بتعقيد الموضوع .. إذ جرى خلاف بين الفقهاء حول لمس المرأة هل ينقض الوضوء أم لا ..؟ على اعتبار أن الملامسة لا تعني المباشرة الجنسية وإنما تعنى لمس المرأة ، ولآن المرأة شيطان للفتنة فإن لمسها باليد ــ وإن كان لا يوجب الغسل ــ فهو على الأقل يوجب الوضوء ، وعارض بعض الفقهاء هذا الرأي ، وصارت معركة بين المذاهب..
2 ـ ويبدو أن عصر مالك وأبي حنيفة لم يشهد هذه المعركة ، لأن مالك في الموطأ يذكر أن الرجال والنساء كانوا يتوضأون جميعاً في عصر النبي ، وقد شهدنا طرفاً من التفاعل النسائي في مجتمع المدينة في عهد النبي ، حيث لم يكن شيطان الفتنة بالمرأة قد شغل المسلمين بعد ، لذلك كان عاديا أن يتوضأ الرجال والنساء دون ذلك الهاجس الجنسي والفقهي . ورأى أبوحنيفة وأتباعه في ذلك الوقت أنه لا بأس بأن تتوضأ المرأة وتغتسل مع الرجل من إناء واحد " وأن تلامست أيدهما لأن قضية لمس المرأة لم تكن مطروحة حينئذ..
3 ـ بدأ الشافعي المعركة ، فاعتبر من نواقض الوضوء لمس المرأة بشهوة او بدون شهوة ، وتوسع في اللمس فجعله يشمل أي عضو من الأعضاء ، وأن اللمس ينقض وضوء اللامس والملموس . ولم يجعل لمس شعر المرأة مما ينقض الوضوء ، ثم تكرم فلم يجعل لمس الرجل لثوب المرأة او لمس المرأة لثوب الرجل مما ينقض الوضوء...!! ووقف الفقهاء الأحناف على النقيض فاعتبروا اللمس غير ناقض للوضوء إلا إذا تحول إلى ملامسة بين الرجل والمرأة ودخول في المباشرة الجنسية. وفي منتصف الطريق بين الشافعية والأحناف تأرجح الفقهاء الحنابلة والمالكية حول اللمس بشهوة وبغير شهوة وكون المرأة فاتنة او عجوزا شوهاء ، والفرق بين اللمس والمس ، وخلافات تفصيلية وردود ونظريات وافتراضات تعبر عن الافتتان المعروف بكل ما يمس المرأة من موضوعات ..
4 ـ وفى عصرنا ، حاول الشيخ شلتوت في الفتاوى التوفيق بين الآراء مع التأكيد بأن مصافحة المرأة لا تنقض الوضوء ، ولكنه لم ينجح في عقد هدنة بين فقهاء المذاهب الأربعة ، إذ لا يزال كل فريق على مذهبه ..( عن قضية لمس المرأة في الوضوء : الموطأ 39: 40 ، الأم للشافعي 1/12 : 13 ، ابن تيمية : فتاوى النساء 13 ، الجزيري الفقه على المذاهب الأربعة 1/81 : 84 ، الفتاوى للشيخ شلتوت 78 : 79 )
( الغُسل )
1 ـ لفظ الاستحمام لم يستحمل في القرآن ولا في التراث ، وقد ورد المفهوم بمعنى الطهارة " فاطهروا" ، و "يطْهرن" وبالاغتسال "حتى تغتسلوا" وكل إنسان يعرف كيف يستحم أو يغتسل .
2 ـ ولكن الفقهاء أفاضوا في شرح الاغتسال كما أفاضوا في موجبات الغسل من الالتقاء الجنسي وتحديده بالإضافة إلى الإنزال الجنسي من الرجل ــ منفرداً ــ أو من المرأة ــ عن طريق الاحتلام مثلا ، وأوجبوا الغسل عليها عند ذلك ، برغم أن السياق القرآني لا يساعدهم في هذا الاستنتاج ..
3 ـ وإفتروا أحاديث عن اغتسال الرجل مع زوجته في إناء واحد ، وقالت امرأة زيد بن ثابت " كنت اغتسل أنا وزيد بن ثابت من إناء واحد " وذلك ما ذكره ابن سعد في أقدم مصنّف تاريخي سبق البخاري ومسلم ، ثم كتب البخاري ومسلم نفس الحديث ينسبونه لأزواج النبي ، وكيف أن النبي كان يغتسل مع فلانة وفلانة من إناء واحد ، ولا أدري ما الحكمة في الاعتداء على خصوصية النبي مع ازواجه ، ولماذا نقتحم حرماته داخل بيته بهذا الكلام الذي لا يفيد جديداً ، اللهم إلا أن يتخيل بعض من في قلوبهم مرض ذلك الوضع بين النبي والزوجة التي يسندون إليها هذه الرواية...
4 ــ ثم تتطرف بعض روايات البخاري ومسلم لتزعم أن بعضهم دخل على السيدة عائشة وسألها كيف كان يغتسل النبي من الجنابة ، تقول الرواية " فدعت بإناء قدر الصاع فاغتسلت وبيننا وبينها ستر ، وأفرغت على رأسها ثلاثا "هذا ما يقوله مسلم ، أما البخاري فيقول " فاغتسلت وأفاضت على رأسها وبيننا وبينها حجاب" ولنا أن نتساءل عن هذه الرواية المكذوبة والحكمة فيها ، وما جاءت به من جديد ، سوى تعرية ام المؤمنين ـ كذباً ـ مهما قالوا عن وجود حجاب او ستر ... وتأتي رواية أخرى قميئة تصف كيف كان النبي يغسل جسده ، وتتعرض للأعضاء التناسلية بما ينافي الذوق وتوقير النبي عليه السلام ، وان قالوا أن الغرض من ذلك هو التعليم والتشريع ، فهل كان المسلمون لا يعرفون كيفية الغسل والاستحمام .؟ وهل أصبحت كيفية الغسل " الفريضة الغائبة" حتى يأتي ذلك التفصيل المزعج في كتب الأحاديث الهامة لنجعل من النبي وامهات المؤمنين وسائل تعليمية نعرف منها ما كنا نجهل..؟
5 ـ وقد صنع البخاري ومسلم أحاديث متعارضة في وجوب الغسل أو الوضوء عندما لا تكتمل العملية الجنسية . زعموا أنه سئل عثمان بن عفان عن الرجل يجامع زوجته ثم يقوم عنها دون إنزال هل يجب عليه الغسل ، وتأتي الإجابة مسندة إلى النبي بأنه يتوضأ ويغسل عضوه التناسلي ، ولا حديث عن المرأة وما يجب عليها حينئذ ، ويتأكد ذلك بحديث آخر يزعم " يغسل ما مسّ المرأة منه ثم يتوضأ ويصلي" . ولا نعرف المقصود من قوله ( ما مسّ المرأة منه ) إلا فى ضوء إعتبارهم جسد المرأة نجاسة .! وقبل ذلك يأتي البخاري بحديث آخر يقول : ان الرجل إذا جلس بين اطراف المرأة الأربعة وأجهدها ــ في المباشرة الجنسية ــ فقد وجب الغسل عليه وعليها . قوله ( أجهدها ) وهو تعبير جنسي من الوزن الثقيل ، ومع ذلك يثير سؤالا : هل أنزل أم لا .؟
أما في " صحيح" مسلم فقد جاءت أحاديث جديدة ــ متعارضة في نفس الموضوع زيادة على ما أورده البخاري ، فالرجل إذا أصاب من المرأة ثم "تكاسل" أي عن إتمام العملية الجنسية ، يقال أنه يغسل ما أصابه من المرأة ثم يتوضأ ويصلي . ، وأحاديث أخرى تربط الغسل بتدفق المني ، ثم احاديث أخرى على العكس من ذلك توجب الغسل عندما يمس الختان الختان ، او تتماسّ الأعضاء التناسلية ، حتى بدون إدخال..
6 ـ وتعرض ابن حنبل للزوجة إذا كانت صغيرة لم تبلغ الحلم ، وباشرها زوجها جنسياً ، فأوجب عليهما الغسل ، كما اوجب الغسل على الزوجة الكتابية ، النصرانية واليهودية ، وجعل من حق زوجها المسلم أن يجبرها على الغسل..
7 ـ وفي تفريعات أخرى للغسل أجاز مالك للمرأة أن تغسل زوجها المتوفي ، كما أفتى بأن ذي جلباب المرأة الذي تلوثه الأرض تطهره الأرض أيضاً ، وأشاد هذه الفتوى ابن تيمية وابن القيم مع انهما حنابلة.
( عن الغسل : البخاري ( 1/56 ، 2/228) ، مسلم (1/175 ، 185 ، 171 ، 173) ، طبقات ابن سعد (8/351 ) ، الأم للشافعي ( 1/31 ) ، الموطأ (50 : 51 ، 109 ، 107) ، أحكام النساء لابن الجوزي (20 ) ، فتاوى النساء لابن تيمية 9 ، 16 ، 18 ، 20 ، 24 ، أحكام النساء لابن حنبل 54 ، 18 ، ابن القيم : إغاثة اللهفان 1/147 ).
اجمالي القراءات
2789