( سوار الذهب ) هو السبب
( سوار الذهب ) هو السبب
مقدمة
جاءت للسودان فرصة التحول الديمقراطى الحقيقي حين أسقط الفريق عبد الرحمن سوار الذهب الحكم العسكرى لجعفر النميرى وقام بتسليم السلطة الى حكومة منتخبة . هي سابقة لم تحدث في كوكب المحمديين. ومع نُبل الفريق سوار الذهب فقد كان ما فعله أكبر خطأ ؛ إذ بكل دوافعه النبيلة وزُّهده في السلطة ، كان يمكن للفريق سوار الذهب أن يستمر في الحكم ، ليقوم بإصلاحات تشريعية وقانونية يتأسّس بها تحول ديمقراطى ، ينجو به السودان من متاهة الدوران بين حكم ديمقراطى ( صورى ) وانقلاب عسكرى . هذا ما ساد قبل سوار الذهب ، وهذا ما استمر بعده ، وسيستمر طالما لم تتجذر ثقافة الديمقراطية بإصلاح حقيقي لكل أبناء السودان .
2 ـ نعطى بعض التفصيلات :
أولا : السودان الوطن والمواطنون :
1 ـ يتميز السودان بتنوع جغرافى واقتصادى واتساع في المساحة وموقع جغرافى يؤهله لكى يكون أثرى وأقوى دولة في أفريقيا وكوكب المحمديين . النظام السودانى لم يعرف الاستقرار السياسى ، لم يستمر فيه نظام ديمقراطى ولم يستمر فيه نظام استبدادى ، ولهذا لم تتح له الفرصة لاستثمار موارده .
2 ـ التنوع العرقى في أي دولة يزيدها تفوقا إن كانت ديمقراطية ، ويزيدها وبالا إذا كانت نظامها مستبدا . اللغة العربية هي الرسمية ولكن مع وجود حوالى 300 لغة محلية ، هذا مؤشّر هام على وجود تمييز ضد الأفارقة السودانيين . هناك قبائل عربية يعتقدون بتميزهم العرقى على الأفارقة ، حتى من المسلمين منهم . العرب في دارفور ارتكبوا مذابح ضد الأفارقة في الإقليم الذى يضم عشرات من العرقيات المختلفة .
3 ـ يضاف الى ذلك الفجوة الهائلة بين الذين يملكون والذين لا يملكون ، وهشاشة الطبقة المتوسطة ، وتنازع النخبة السياسية والمثقفة سياسيا خارج السلطة وداخلها . تشتتوا بين اليسار بأطيافه والاخوان والأحزاب الدينية السياسية . وتناسوا الأغلبية الساحقة من أهل السودان . تدخل الجيش بانقلابات عسكرية ، ثم كانت الكارثة بتسلل الاخوان اليه كما حدث في انقلاب البشير/ الترابى .
السودان سياسيا
1 ـ أرسل محمد على باشا حملة عسكرية لاحتلال السودان عام 1821 ، وبنى الخرطوم عاصمة له ، وتوسع جنوبا وشرقا وغربا ،بما يقارب ما كان عليه السودان قبل انفصال الجنوب عنه . وبسبب الظلم قامت الثورة المهدية ، ونجحت في تحرير الخرطوم 1885 ، ولكن عام 1898 تمكن المصريون بمساعدة الانجليز من إعادة السودان الى التبعية المصرية الإنجليزية.
2 ـ حصل السودان على استقلاله في يناير 1956 ، لتبدأ مشاكل النخبة السياسية ، وهم من العرب السودانيين أساسا ، وبسبب نظرتهم المتدنية لأهل الجنوب الأفارقة فقد تحولت العلاقة السيئة الى أطول حرب أهلية في أفريقيا ، انتهت بانفصال الجنوب عام 2011 ، وكانت أكبر دليل على فشل الحكم في السودان سواء كان عسكريا أم ديمقراطيا .
ثانيا : حكومات السدوان العسكرية والمدنية ثانيا
1 ـ تولى رئاسة السودان ( إسماعيل الأزهرى ) : 1956 : 1958 ، بحكومة مدنية ، وبسبب فشله عمّ السخط الشعبى .
2 ـ فقام إبراهيم عبود بأول انقلاب عسكرى ، واستمر عبود في السلطة من 1958 : 1964 . وفشل أيضا.
3 ـ فقامت ثورة شعبية أسقطت عبود وأرجعت الحكم المدنى بقيادة إسماعيل الأزهرى، عام 1964 .
4 ـ ثم جاء انقلاب جعفر النميرى عام 1969 ، وحدث انقلاب عسكرى أخر قصير العمر في يولية 1971 بقيادة بابكر النور وهاشم العطا ، وقضى عليه جعفر النميرى . وعاد للحكم وظل فيه يتخبط حتى قامت عليه ثورة شعبية في مارس / ابريل 1985
5 ـ هبت ثورة شعبية جعلت الفريق عبد الرحمن سوار الذهب ، القائد العام للقات المسلحة يطيح بجعفر النميرى ، ثم قام بتسليم السلطة طواعية الى حكومة منتخبة ترأسها الصادق المهدى
6 ـ الصادق المهدى بحكومته المدنية ظل في السلطة من مايو 1986 ، الى يونية 1989 .
7 ـ قام عمر البشير بانقلاب عسكرى تحت مسمى ( الإنقاذ الوطنى ) في يونية 1989 ، ومعه الاخوان ( المسلمون ) بقيادة حسن الترابى الذى كان وزيرا للعدل ثم الخارجية في وزارة الصادق المهدى وخان صديقه ( الصادق المهدى ) وانقلب عليه . أعلن البشير نفسه رئيسا مدنيا في أكتوبر 1993 ، واصبح حسن الترابى رئيسا للبرلمان 1996 . إختلف البشير مع الترابى فأدخل الترابى السجن مرتين في عامي 2001 ، 2004 . ومات الترابى في 5 مارس 2016 ، فاستراح البشير. البشير هو أسوأ من حكم السودان في العصر الحديث ، جمع في داخلة سيئات العسكر والسودان ، وشهد عصره مذابح في دارفور وغيرها جعلته مطلوبا للمحمكة الدولية مجرم حرب ، وفى عهده انفصل الجنوب عام 2011 .
8 ـ اشتعلت ثورة شعبية على عمر البشير ، فقام عليه انقلاب عسكرى استمر يوما واحد قاده الفريق احمد عوض في 11 ابريل 2019 ، ثم خلفه رئيس المجلس العسكرى الحالي عبد الفتاح البرهان ، ومعه نائب رئيس المجلس محمد حميدتى قائد ما يسمى بقوات التدخل السريع . انتقلت السلطة من المجلس العسكرى الانتقالي الى مجلس السيادة السودانى . قام هذا المجلس بتعيين عبد الله حمدوك رئيسا للوزراء خلال الفترة الانتقالية ، وأدى اليمين الدستورية في 21 أغسطس 2019 . لم يتحمل هذا الوضع قادة العسكر ( البرهان وحميدتى ) فقاموا بانقلاب عسكرى في 25 اكتوبر 2021 . ومنتظر ـ حتى كتابة هذا المقال 31 أكتوبر 2021 ـ فشل الانقلاب. قد تعود حكومة مدنية للمرة الرابعة في السودان.
9 ـ المتوقع أن يظل السودان يعيش مدة طويلة بين انقلاب وثورة شعبية وحكم مدنى يعقبه انقلاب عسكرى . لماذا ؟ لأن الفريق سوار الذهب ، أنبل شخصية عسكرية في بلاد المحمديين ـ لم يستمر في السلطة ليؤسس إصلاحا حقيقيا ينجو به السودان .
ثالثا : خلاص السودان من دائرة الانقلابات
1 ـ هو إصلاح دستورى قانونى ، يمهد على مهل للتحول الديمقراطى ، بمنع العسكريين من التدخل في السياسة ، ويتفرغون لحماية الوطن ، وأن يكون الشرطة لحماية المواطن وليس لقهره ، وتأكيد حرية الدين والتعبير والعمل السياسى والمدنى ، والمساوة التامة بين كل المواطنين أمام القانون، وبرعاية للفقراء والمحتاجين ، وإصلاح حقيقى للتعليم ، يتعلم فيه الطالبة حقوقهم الإنسانية والدستورية ،وتكوين أجهزة للمساءلة والمحاسبة ، والفصل بين السلطات الثلاث ، التنفيذية والتشريعية والقضائية ، وتأسيس حكم لا مركزى في كل إقليم ، حيث ينتخب سكان الإقليم مجلسه النيابى والمدعى العام ورئس الشرطة. وتتفرغ الحكومة للتخطيط العام والعلاقات الخارجية .
2 ـ التحول الديمقراطى وتعليم وتجذير ثقافة الديمقراطية بين عموم المواطنين يستلزم وقتا وجهدا ، وقبل ذلك يستلزم إخلاصا . وهناك أمل في أن يتحقق هذا . فالجيش السودانى نشأ في ظل حكومة مدنية ، والشعب السودانى مُمثّلا في الهبّات الشعبية أصبح الرقم الصعب في تغيير الوضع القائم . لذا يجب على النُّخب السودانية أن تُصلح من شأنها ، حتى لا تظل في دوامات الفشل والانقلابات العسكرية . وبعد انفصال الجنوب وخسارة نحو مليون سودانى في الحروب الأهلية لا مفرّ من التفكير الوطنى العقلانى الذى يسمو فوق التطلعات الفردية والنزعات الحزبية والتعصبات القبلية .
أخيرا
ندعو للسودان الحبيب أن يكون سبّاقا لدخول العالم الديمقراطى .!
اجمالي القراءات
3475