تعليم الطفل إسلاميا في رؤية قرآنية
تعليم الطفل إسلاميا في رؤية قرآنية
أولا : القابلية للتعلم في الطفل
خلق الله جل وعلا آدم وعلّمه الأسماء كلها : ( البقرة 31 ) . الأسماء هنا تعنى معرفة الشىء ، ثم تعريفه باسم خاص به . وبهذا التعليم توارث أبناء آدم القابلية للتعرف على الأشياء و ( المعرفة ) وتدوينها بالقلم ، والله جل وعلا هو الذى علّم الأنسان ما لم يعلم ، وعلّمه بالقلم : ( العلق 4 : 5 ) وهو جل وعلا الذى علّم الانسان البيان ، وهو الذى علّم القرآن ( الرحمن 1 : 4 ) .
ثانيا : الفطرة في داخلنا
ولقد أخذ الله جل وعلا العهد على الأنفس البشرية واشهدهم على أنفسهم أنه جل وعلا لا إله إلا هو ، سيسألهم عن هذا العهد يوم القيامة ( الأعراف 172 : 173 )( 60 : 61 يس ). هذا العهد هو الفطرة التي فطرنا الله جل وعلا عليها ( الروم 30 ) والتي يغطيها المشركون بتقديس البشر والحجر ، و( الكفر ) يعنى التغطية ، وجاءت كلمة الكفار ) بمعنى الزُّراع في الآية 20 من سورة الحديد ، لأن من يزرع ( يكفر ) أي يغطى البذرة بالتراب . ولكن الانسان عندما يتعرّض للخطر تستيقظ فيه هذه الفطرة المُغطّاة فيستغيث بربه جل وعلا ، وبعد النجاة من الخطر يعود الى كفره وضلاله : ( الانعام 63 : 64 )( يونس 12 ، 22 : 23 ) (الروم 33 ) ( الاسراء 67 : 69 ) ( لقمان 32 ) ( الزمر 8 ، 49 ).
ثالثا : النفس بين الفجور والتقوى
1 ـ سوّى الله جل وعلا النفس البشرية على الفجور والتقوى ، وله أن يطهرها ويزكيها ويرتفع بها ، وله أيضا أن يهبط بها لما دون الحيوان ( الشمس 7 : 10 ) . ولكن الفطرة المنيرة في داخله ــ مهما تكاثفت فيها ـ فتظل ( الضمير ) أو ( الأنا الأعلى ) الذى يتبين به الانسان الصواب ، إذا احتكم اليه ، فإذا كان ظالما فهو يرفض أن يقع عليه نفس الظلم الذى يوقعه بالمظلوم . بهذا يكون الانسان على نفسه بصيرة ، ولو ألقى معاذيره ( القيامة 14 : 15 ) . ـ هنا حرية الانسان في الطاعة أو المعصية ، وهنا أيضا الاختبار والابتلاء . وبهذا يتميّز الانسان على الحيوان ، فليس للحيوان ( نفس ) تتعلم وتختار عن علم .
رابعا : التسخير للإنسان
كل ما في هذه الأرض من جماد ونبات وحيوان وبحار قد سخرها الله جل وعلا للإنسان ، بل كل ما فى هذا الكون جميعا منه ( الجاثية 12 : 13 ). وهذا التسخير يعنى مقدرة على التحكّم في الأشياء المُسخّرة . وهى مقدرة يولد بها الانسان ، ويتعلمها ، وهو يستعملها بدرجات متفاوتة ، من القبائل البدائية في غابات الأمازون في أمريكا الجنوبية الى علماء ( ناسا ) في أمريكا الشمالية . وبهذا يختلف الانسان عن الحيوانات . الحيوانات لا تزال كما هي ، بينما تعلّم الانسان أن يسخرها وغيرها لمصلحته .
خامسا : الاستعداد للتعلم
في البداية يعبّر الطفل عن حاجته بالبكاء . يساعده البكاء في التبول والتبرز ، وبه يعبّر عن جوعه وآلامه ورغبته في الالتصاق بأمه وأبيه . لكنه يولد مستعدا للتعلم . وبعد فترة الرضاع وانتهاء مرحلة الالتصاق بالأم يكون قد بدأ يمتصُّ مفردات الكلام وبنفس طريقة النطق ، ويعرف ( الأسماء ) لهذا وذاك ، مما توارثه من علم أبيه ( آدم ). ففي داخل كل نفس بشرية ( مستقر ) لما سبقها من ( أنفس ) أجدادها ، وفى داخلها أيضا ( مستودع ) لأنفس أحفادها ( الأنعام 98 ). هذا هو مخزون يبدأ به الطفل بالتعرف على ما حوله ومن حوله من بشر ومواد ، وخلال عدة سنوات يتعرف على حوالى ثلث المعلومات الأساس من البيئة المحيطة به . ويتشكّل بها .
سادسا : بداية التعلم : الأسئلة ووسائل الإجابات
1 ـ يبدأ الطفل في طرح أسئلة ( فلسفية ) عن الوجود ولماذا وكيف ومتى وأين .. هي أسئلة تظل محور حياة المفكرين والفلاسفة ، بينما ينشغل عنها بقية البشر . الإجابة عليها تكون معتمدة على ما في الطفل من فطرة ، يجب تنميتها ، في ناحية الأخلاق الحميدة و ( لا إله إلا الله ).
2 ـ الوالدان عليهما توصيل المعلومة للطفل مُحمّلة بالتربية الخُلُقية والتعقّل . وافضل طريقة هي والقصص وما يتخللها من نقاش محترما عقلية الطفل . بهذا يتغذى خيال الطفل ويتعلم .
سابعا : تعليم الطفل الأخلاق الحميدة : عدم الشُّح ( الأنانية )
1 ـ الطفل يعبّر في إدراكه المبكر عن انانية مفرطة ، يتصور كل شيء ملكاً له بدءاً من الاستحواذ على أمّه الى الاستحوذ على الألعاب التي يرفض أن يشاركه فيها احد ، يلعب الكرة ويغضب إذا شاركه فيها أحد ، ويريد أن يأخذ اللعبة من غيره . ثم يتعلم بالتدريج انه يحتاج لمن يلعب معه الكرة فيضطر للمشاركة او ان يشاركه طفل آخر في كرته . وبالتدريج يدرك أن من مصلحته وسعادته فى المشاركة .
2 ـ سبقت الإشارة الى النفس البشرية التي ألهمها الله جل وعلا الفجور والتقوى ، وقابليتها لهذا وذاك ، ثم يختار الانسان هذا أو ذاك . أساس الفجور في النفس هو الأنانية في تعبيرنا ، أو ( الشُّح ) بالتعبير القرآنى .
3 ـ وعن غريزة الأنانية أو الشُّح المتأصّلة فى النفس البشرية يقول جل وعلا : ( وَأُحْضِرَتْ الأَنفُسُ الشُّحَّ) النساء:128 . والله جل وعلا يجعل ( الشُّح ) مرضا ، من يتخلّص منه يكون مُفلحا . جاء مرتين قوله جل وعلا : ( وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ) الحشر9 ) التغابن 16 ).
4 ـ وجعل رب العزة جل وعلا الاحسان والتصدُّق والتقوى علاجا لهذا المرض . قال جل وعلا : ( فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنفِقُوا خَيْراً لأَنْفُسِكُمْ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ (16) إِنْ تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً يُضَاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ (17) التغابن ).
5 ـ مرض الشُّح ( الأنانية )
5 / 1 : يفسد العلاقات الزوجية وعلاجه الاحسان والتقوى : ( وَإِنْ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزاً أَوْ إِعْرَاضاً فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحاً وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتْ الأَنفُسُ الشُّحَّ وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً (128) النساء )
5 / 2 : يفسد العلاقة بين الأخوة والأقارب والأصدقاء وبين أفراد المجتمع في الجيرة والعمل وشئون المال والاقتصاد والسياسة ، وبين الدول وبعضها البعض.
5 / 3 : ومرض الشح يتجلى أكثر لدى المستبد ، وهو أكبر (أنانى ) في قومه وبلده . لذا فإن نقيض (الشُّح ) هو ( المُشاركة ). المشاركة هي أساس ثقافة الديمقراطية ، المشاركة السياسية تتنافى مع وجود مستبد .
6 ـ عليه فالشُّح الغريزى فى داخل النفس البشرية يمكن علاجه مبكرا عند الطفل بتعليمه :
6 / 1 :مبدأ المساواة بين البشر جميعا ، فهم أبناء آدم وحواء مهما إختلفت الأعراق والألسنة والمستويات الاقتصادية والاجتماعية، وان أكرمهم عند الله جل وعلا هم أتقاهم ، وهذا سيُعرف يوم القيامة. قال جل وعلا : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)الحجرات ).
6 / 2 : التعاون على الخير وليس على الشّر، قال جل وعلا : ( وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ) (2) المائدة )
6 / 3 : قوله جل وعلا : ( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (90) النحل )
7 ـ هذا التعليم يكون بالقصص ، ومنه قصة عظماء الصحابة الذين كانوا يؤثرون على أنفسهم مع ما بهم من فقر وخصاصة . قال عنهم جل وعلا : ( وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ) الحشر :9 )
ثامنا : ( لا إله إلا الله ) جل وعلا : هنا دور التعقل والتفكر .
1 ـ يولد الفرد على الفطرة النقية البيضاء لا تعرف تقديس البشر أو الحجر ، وقد يتعلم من المجتمع بعض ذلك ، وقد يطرح هذا في أسئلته ذلك كله مرتبطا بالفكر الديني الشعبي المتوارث وبالقيم الاجتماعية السائدة . هنا تكون أهمية التعقل والتفكر التي توقظ الفطرة السليمة النقية في داخل الطفل . إن تقديس البشر والحجر يتعارض ليس فقط مع الفطرة ولكن أيضا مع التعقل والتفكر . لذا يكون سهلا تعليم الطفل وتوعيته بضرب الأمثلة والحكايات . حكاية الطفل إبراهيم الذى وصل بفطرته الى رفض عبادة قومه الكواكب والشمس ( الأنعام 75 : 78 ) ، والذى قال لقومه ( أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ (95) الصافات ). ويعطى للطفل مثلا ببناء قبور من نفس الأحجار ومواد البناء في أي مكان ، ثم يتبركون بها ، يزعمون أن تحتها إله ميت . وتنبيه الطفل أن يتعقّل ويدرك أن كل البشر سواء كونهم مخلوقات تولد وتعيش وتموت ، وتأكل الطعام وتتبرّز وتتبول وتمرض ، وحين تموت تصبح جيفة يجب دفنها إتقاء سوء شكلها وسوء ريحتها . فكيف نقدس بشرا موتى أو أحياء . وأن يعلم أن الخالق جل وعلا هو وحده المستحق للعبادة ، فهو وحده خالق البشر وخالق الكون وما فيه ومن فيه .
2 ـ وللقرآن الكريم وسائله في التعليم والتي يُستفاد بها في تربية الطفل وتعليمه . منها :.
2 / 1ــ التعليم الحسي :ــ أي بالتجربة العملية ، بشرح قوله جل وعلا :
2 / 1 / 1 : ( إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا قُلْ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلا تُنظِرُونِ) الأعراف 194 : 195) أي فالذين يعبدون القبور المقدسة ويعتقدون فيها النفع والضرر يوجه إليهم هذا الخطاب بطلب العون من تلك العظام الميتة ... وهذا هو الأسلوب الحسي التجريبي .
2 / 1 / 2 : كلمة ( أرونى ) : أن يقال لهم : أرونى هذه الآلهة الموتى ، وما خلقوه قال جل وعلا : ( قُلْ أَرُونِي الَّذِينَ أَلْحَقْتُمْ بِهِ شُرَكَاءَ كَلاَّ بَلْ هُوَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (27) سبأ ) ( قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكَاءَكُمْ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنْ الأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَوَاتِ أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَاباً فَهُمْ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْهُ بَلْ إِنْ يَعِدُ الظَّالِمُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً إِلاَّ غُرُوراً (40) فاطر )( قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنْ الأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَوَاتِ اِئْتُونِي بِكِتَابٍ مِنْ قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (4) الاحقاف )
3 / 2 ــ ومنها الأسلوب العقلي البسيط :ــ بشرح مبسّط لقوله جل وعلا : ( لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلاَّ اللَّهُ لَفَسَدَتَا) الأنبياء:22 )، ( قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ قُلْ اللَّهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ لا يَمْلِكُونَ لأَنفُسِهِمْ نَفْعاً وَلا ضَرّاً قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلْ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (16) الرعد )
أخيرا
1 ـ بتربية الطفل وتعليمه إسلاميا وقرآنيا يتحول ضعفه الى قوة نفسية ، وينشأ غير خاضع لخرافات الكهنوت .
2 ـ حيث يسيطر الكهنوت يكون الاستبداد والفساد والظلم الذى يمارسه القوى على من هو أقل منه قوة ، والضعيف على منه أضعف منه .
3 ـ لا يمكن أن ينجح التحول الديمقراطى في مجتمع يسيطر عليه قادة الكهنوت .
4 ـ لا سبيل للتخلص من الاعتقاد في الكهنوت إلا بالوعى الدينى . وبه يكون التخلص من الخضوع لمستبد ، فالعادة أن يتحالف أكابر المجرمين من الكهنوت والمستبدين ، ويتعاونون على استضعاف الأغلبية حين تركن الأغلبية الى ثقافة الاستبداد والاستعباد والاستبعاد.
اجمالي القراءات
2942