آحمد صبحي منصور Ýí 2016-06-01
مقدمة :
1 ـ كانت سياسة المأمون أقرب الى سياسة معاوية فى الدهاء ، ومداهنة الخصوم ، والقضاء عليهم بالاغتيال ، وجعل الحرب هى الخيار الأخير ، وهو القائل : ( أخّر الحرب ما إستطعت ، فإن لم تجد منها بُدّا فإجعلها آخر النهار ) وهو بذلك يطبق شعرة معاوية فى قوله ( لو كان بينى وبين الناس شعرة ما انقطعت .. ) . الطريف أن المامون كان كارها لمعاوية وقد أمر بلعنه على المنابر عام 211 ، ووزع منشورا يقول ( برئت الذمة ممن ذكر معاوية بخير، أوفضله على أحد من أصحاب رسول الله، صلى الله عليه ) . ومع ميل المأمون لعلى بن أبى طالب فقد ثار العلويون عليه فى أضخم حركة إنقلابية تشجعت بالقلاقل التى عصفت بخلافة المأمون ، ووضح فيها أنهم كانوا ( الأسوأ ) من العباسيين والأسوأ من أسلافهم الثوار فى العصر الأموى وفى خلافة المنصورـ جد المأمون .
2 ـ نتتبع مسلسل الدم بين المامون والعلويين داخل ما يسمى بمعسكر أو ( دار السلام ) . ويتضح فيه كالعادة ـ أن المال هو المعبود الأعظم لديهم ، لا فارق بين خليفة أو أمير أو قاطع طريق ، كما يظهر من سيرة أبى السرايا :
ثورة ابن طباطبا وأبى السرايا :
ابو السرايا : من (سائق حمير ) الى ( امير )
1 ـ هو ( أبوالسرايا السري بن منصور، وكان يذكر أنه من ولد هانئ بن قبيصة بن هانئ بن مسعود الشيباني).أى يزعم النسب اليه ، وهو فى بدايته كان يستأجر ( يكري ) الحمير، ( أى حمّار ) ثم أصبح زعيم عصابة وقاطع طريق ، تقول الرواية : ( وقوي حاله، فجمع نفرأ ، فقتل رجلاً من بني تميم بالجزيرة، وأخذ ما معه، فطُلب، فاختفى، وعبر الفرات إلى الجانب الشامي، فكان يقطع الطريق في تلك النواحي، ثم لحق بيزيد بن مزيد الشيباني بأرمينية، ومعه ثلاثون فارسأ ، فقوده، ( أى جعله قائدا ) فجعل يقاتل معه الخرمية..) .
2 ـ وفى الحرب بين الأمين والمأمون إنضم الى جيش الأمين الذى يحارب هرثمة بن أعين قائد المأمون ، وإشتهرت شجاعة أبى السرايا ، ( فراسله هرثمة يستميله، فمال إليه، فانتقل إلى عسكره،) وانتقل معه بعض أعراب الحزيرة هناك ، وجعل ابو السرايا لهم مرتبات وأرزاقا ، فصار معه ( نحو ألفي فارس وراجل، فصار يخاطب بالأمير.)
ابو السرايا من أمير الى قاطع طريق
1 ـ بعد قتل الأمين تأزمت العلاقة بين أبى السرايا وهرثمة ، فأنقص هرثمة من عطائه ( أى مرتبه ) ومن عطاء أصحابه ، وتظاهر ابو السرايا بالرغبة فى الحج فأذن له هرثمة بالحج ، وأعطاه ( عشرين ألف درهم، ففرقها في أصحابه ومضى، وقال لهم: اتبعوني متفرقين. ) .
2 ـ ولحقوا به فكوّن منهم عصابة تخصصت فى الهجوم على ولاة المدن تنهبهم ، وكان حريصا على إعطاء رفاقه اللصوص ( حقوقهم ) من السلب والنهب .! . وبسبب ( امانته ) تكاثر أتباعه من اللصوص وقطاع الطرق . تقول الرواية : ( فاجتمع معه منهم نحومن مائتي فارس، فسار بهم إلى عين التمر، وحصر عاملهأ ، وأخذ ما معه من المال وفرقه في أصحابه.وسار، فلقي عاملاً آخر ومعه مال، على ثلاثة بغال، فأخذها وسار، فلحقه عسكر كان قد سيره هرثمة خلفه، فعاد إليهم، وقاتلهم، فهزمهم ، ودخل البرية، وقسم المال بين أصحابه، وانتشر جنده، فحلق به من تخلف عنه من أصحابه وغيرهم، فكثر جمعه، فسار نحو دقوقأ ، وعليها أبوضرغامة العجلي، في سبع مائة فارس، فخرج إليه، فلقيه، فاقتتلوأ، فانهزم أبوضرغامة، ودخل قصر دقوقأ ، فحصره أبوالسرايأ ، وأخرجه من القصر بالأمان وأخذ ما عنده من الأموال.وسار إلى الأنبار، وعليها إبراهيم الشروي، مولى المنصور، فقتله أبوالسرايأ ، وأخذ ما فيها وسار عنها؛ ثم عاد غليها بعد إدراك الغلال، فاحتوى عليهأ. ).
2 ـ ، ثم ضجر ابو السرايا من التنقل بين البلاد ، فقصد الرقة، وانضم الى قبيلة بنى تغلب فى حربهم لقيس ، وساعدهم فى التغلب على قيس . وفى الرقة قابل ( محمد بن إبراهيم محمد بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب ) المعروف بابن طباطبأ ، فدخل به أبو السرايا فى دور جديد .
أبو السرايا من قاطع طريق الى زعيم ثورة علوية :
1 ـ فى هذا الوقت عمّ السخط فى العراق على المأمون فى مقامه فى الشرق بعيدا عن عاصمة ملكه ، وأن الفضل بن سهل الفارسى قد أصبح المتحكم فى المأمون ، وسارت الاشاعات بان الفضل بن سهل أنزل المأمون فى قصر وحجبه عن الناس وتحكم فى الأمر دونه ، بالاضافة الى نفوذ الحسن بن سهل أخ الفضل بن سهل ، والذى تحكم فى العراق ، وأغضب الهاشميين من عباسيين وعلويين . كان المناخ مُتاحا لثورة علوية ، وشيوخ العلويين كثيرون ولكن ينقصهم قائد عسكرى . وتمّ هذا عندما إلتقى أبو السرايا بابن طباطبا .
2 ـ بايع أبو السرايا ابن طباطبا ، واتفقا على الهجوم على الكوفة برا ونهرا ، ودخلاها فى نفس التوقيت فجأة ، تقول الرواية (وابتدأ أبوالسرايا بقصر العباس ابن موسى بن عيسى فأخذ ما فيه من الأموال والجواهر، وكان عظيماً لا يحصى، وبايعهم أهل الكوفة.).
مراحل الثورة العلوية ( ابو السرايا / ابن طباطبا )
1 ـ وتقول الرواية فى أحداث عام 199 ( خرج بالكوفة " محمد بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب " يوم الخميس لعشر خلون من جمادى الآخرة يدعو إلى الرضى من آل محمد، والعمل بالكتاب والسنة، وهو الذي يقال له: ابن طباطبا. ) ( وكان القائم بأمره وتدبير الحرب بين يديه أبو السرايا السري بن منصور الشيباني، وقد اتفق أهل الكوفة على موافقته، واجتمعوا عليه من كل فج عميق، ووفدت إليه الأعراب من نواحي الكوفة. ) أى تزعم ابن طباطبا العلوى ثورة إشتعلت فى الكوفة وإنضم اليه الأعراب ، وكان أبو السرايا الشيبانى قائده الحربى . وحاول الوالى العباسى على الكوفة ( الحسن بن سهل ) حفيد أبى جعفر المنصور ترغيب وترهيب ابن طباطبا فارسل له يعظه وبعث بجيش من عشرة آلاف فارس ، فهزم أبو السرايا الجيش العباسى وهرب قائده (زاهر بن زهير بن المسيب ) ، تقول الرواية ( فتقاتلوا خارج الكوفة فهزموا زاهراً ، واستباحوا جيشه ونهبوا ما كان معه، وذلك يوم الأربعاء سلخ جمادى الآخرة. )
2 ـ فى اليوم التالى مات زعيم الثورة ابن طباطبا فجأة ، وإغتاله ابو السرايا بالسُّم ، وولى مكانه صبيا ، تقول الروايات عن موت ابن طباطبا : (سمّه أبوالسرايا؛ وكان سبب ذلك أنه لما غنم ما في عسكر زهير منع عنه أبا السرايأ ، وكان الناس له مطيعين، فعلم أبوالسرايا أنه لا حكم له معه، فسمه فمات، وأخذ مكانه غلاماً أمرد يقال له محمد بن محمد بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، عليه السلام، فكان الحكم إلى أبي السرايا.وكان أبو السرايا هو الذي ينفَذ الأمور ويولي مَنْ يرى ويعزل من يريد ) أى هو المال المعبود الأعظم لديهم .
3 ـ وارسل الوالى العباسى جيشا من أربعة آلاف فارس مددا للمهزوم زاهر الذى إنسحب الى قصر ابن هبيرة ، وهزمهم ابو السرايا للمرة الثانية هزيمة تامة فلم ينج منهم أحد . تقول الروايات : ( ووجّه أبو السرايا جيوشًا إلى البصرة وواسط فدخلوها وكان بواسط ونواحيها عبد الله بن سعيد الحَرَشيّ واليًا عليها من قبل الحسن بن سهل فواقعه جيش أبي السرايا قريبًا من واسط فهزموه فانصرف راجعًا إلى بغداد وقد قُتل من أصحابه جماعة وأسر آخرون ) ( وانتشر الطالبيون ( العلويون ) في تلك البلاد، وضرب أبو السرايا الدراهم والدنانير في الكوفة، ثم بعث أبو السرايا جيوشه إلى البصرة وواسط والمدائن فهزموا من فيها من النواب ( الولاة العباسيين ) ودخلوها قهراً، وقويت شوكتهم. )
4 ـ إضطر والى الكوفة العباسى ( الحسن بن سهل ) الى طلب مساعدة القائد الحربى ( هرثمة بن أعين )، وجاء هرثمة وهزم أبا السرايا وطرده حتى رده إلى الكوفة، تقول الرواية : ( فلما قدم هرثمة خرج إلى المدائن فقاتل بها أصحاب أبي السرايا .. فانكشف أصحاب أبي السرايا .. رجع أبو السرايا من نهر صَرْصَر إلى قصر ابن هبيرة فنزل به وأصبح هرثمة متوجهًا في طلبه فوجد جماعة كثيرة من أصحاب أبي السرايا فهزمهم وقتلهم ، وبعث برؤوسهم إلى الحسن بن سهل . فلما صار هرثمة إلى قصر ابن هبيرة كانت بينه وبين أبي السرايا وقعة وقتل فيها خلق كثير ، فلما رأى ذلك أبو السرايا انحاز إلى الكوفة ).
5 ـ وانتقم العلويون بنهب مساكن العباسيين فى الكوفة والبصرة ، عن الكوفة تقول الرواية : ( وثب الطالبيون على دور بني العباس بالكوفة فنهبوها وخربوا ضياعهم، وفعلوا أفعالاً قبيحةً.) ( فوثب محمد بن محمد ومن معه من الطالبيين على دور بني العباس ودور مواليهم وأتباعهم بالكوفة فانتهبوها وهدموها وأحرقوها وخربوا ضياعهم وأخرجوهم من الكوفة وعملوا في ذلك عملًا قبيحًا واستخرجوا الودائع التي كانت لهم عند الناس فأخذوها . ).
وحدث نفس الشىء فى البصرة ، وتزعّم السلب والنهب فيها ( زيد بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن أبي طالب الذي يقال له: زيد النار - وإنما قيل له ذلك لكثرة ما حرق من دور بني العباس وأتباعهم بالبصرة. ) أى كان يحرق البيوت بأصحابها ..!! وفى رواية أخرى عنه : ( زيد بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسن بن علي، عليه السلام، وهوالذي يسمى زيد النار، وإنما سمي بها لكثرة ما أحرق بالبصرة من دور العباسيين وأتباعهم، وكان إذا أتى رجل من المسودة ( أى أتباع العباسيين ) أحرقه.! وأخذ أموالاً كثيرة من أموال التجار سوى أموال بني العباس .) أيضا : فالمال معبودهم الأعظم ..
نهاية ابى السرايا
1 ـ عام 200 : حاصره هرثمة فى الكوفة ، وضيق عليهم فضجروا من القتال ، فهرب أبوالسرايا من الكوفة، ومعه 800 فارس ، ودخل هرثمة الكوفة فأمّن أهلهأ ، ولم يتعرض إليهم.
2 ـ أما أبو السرايا فقد سار من الكوفة وأتى القادسية ( وسار منها إلى السوس بخوزستان ، فلقي مالاً قد حمل من الأهواز، فأخذه، وقسمه بين أصحابه.وأتاه الحسن بن علي المأموني ... فكره قتاله ، فأبى أبوالسرايا إلا قتاله، فقاتله، فهزمه المأموني وجرحه، وتفرق أصحابه. ، وسار أبو السرايا جريحا الى منزله برأس عين، ومعه بعض أصحابه ، فلما انتهوا إلى جلولاء ظفر بهم حماد الكندغوش، فأخذهم، وأتى بهم الحسن بن سهل، وهو بالنهروان، فقتل أبا السرايأ، وبعث رأسه إلى المأمون، ونصبت جثته على جسر بغداد. )
العلويون وانتهاك حرمة البيت الحرام
1 ـ فى عام 199 استولى ابو السرايا على مكة والمدينة ، وتأثرت شعيرة الحج بما حدث ، فقد بعث أبو السرايا الى مكة ( حسين بن حسن بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب وبعث إلى المدينة محمد بن سليمان بن داود بن الحسن بن الحسن ابن علي بن أبي طالب ليأخذها وكان الوالي على مكة والمدينة داود بن عيسى بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس . فأما المبعوث إلى المدينة فإنه دخلها ولم يمنعه أحد . وأما المبعوث إلى مكة فإنه لما مضى توقف هُنيْهة لمن فيها . وكان ( الوالى عليها ) ( داود بن عيسى ) لما بلغه توجيه أبي السرايا حسين بن حسن جمع موالي بني العباس والعبيد . وكان ( القائد العسكرى التابع للمأمون ) "مسرور الكبير الخادم " قد حجَّ تلك السنة في مائتي فارس من أصحابه، وتعبأ لحرب من يريد دخول مكة من الطالبيين . فقال لداود: " أقم لي شخصك أو شخص بعض ولدك وأنا أكفيك قتالهم " .فقال له داود: " لا استحل القتال في الحرم والله لئن دخلوا من هذا الفجّ لأخرجن من هذا الفجّ " . فانحاز داود من مكة وقال لابنه : " صلّ بأهل الموسم وبتْ بمنىً ثم الحقني ". وخشي مسرور أن يقاتل فيميل عنه أكثر مَنْ جمع .فخرج إلى العراق . ودفع الناس لأنفسهم من عرفة بغير إمام حتى أتى مزدلفة فصلى بهم المغرب والعشاء رجل من عرض الناس من أهل مكة ، وحسين بن حسن ( الأفطس ) واقف يرهب أن يدخل مكة فيدفع عنها فخرج إليه قوم يميلون إلى الطالبيين فأخبروه أن الأماكن قد خلت من السلطان، فدخل قبيل المغرب ومعه نحو من عشرة ، فطافوا وسعوا ومضوا إلى عرفة بالليل ، ثم رجع إلى مزدلفة ، فصلى بالناس الفجر ودفع بالناس وأقام بمنى أيام الحج فلم يزل مقيمًا بها حتى انقضت سنة تسع وتسعين وأقام محمد بن سليمان الطالبي بالمدينة حتى انقضت سنته أيضًا .)
2 ـ وتقول رواية أخرى أن أبا السرايا بعث : ( حسين بن حسن الأفطس ليقيم لهم الموسم فخاف أن يدخلها جهرة، ولما سمع نائب مكة - وهو: داود بن عيسى بن موسى بن علي بن عبد الله بن عباس - هرب من مكة طالباً أرض العراق، وبقي الناس بلا إمام فسئل مؤذنها أحمد بن محمد بن الوليد الأزرقي أن يصلي بهم فأبى، فقيل لقاضيها محمد بن عبد الرحمن المخزومي فامتنع، وقال: لمن أدعو وقد هرب نواب البلاد، فقدم الناس رجلاً منهم فصلى بهم الظهر والعصر، وبلغ الخبر إلى حسين الأفطس فدخل مكة في عشرة أنفس قبل الغروب فطاف بالبيت، ثم وقف بعرفة ليلاً وصلى بالناس الفجر بمزدلفة وأقام بقية المناسك في أيام منى، فدفع الناس من عرفة بغير إمام.) دخل مكة بلا قتال ، فأفسد فيها وانتهك الحرم .!!
3 ـ فلأن المال معبودهم الأعظم فلم تنج الكعبة من سلبهم ، ففى أول يوم من عام 200 ( جلس حسين بن حسن الأفطس على طنفسة مثلثة خلف المقام ، وأمر بتجريد الكعبة مما عليها من كساوي بني العباس، وقال: نطهرها من كساويهم. وكساها ملاءتين صفراوتين عليهما اسم أبي السرايا، ثم أخذ ما في كنز الكعبة من الأموال، وتتبع ودائع بني العباس فأخذها، حتى أنه أخذ مال ذوي المال ويزعم أنه للمسودة ( أى يسلب أموال الناس بزعم أنها ودائع لبنى العباس عندهم ) . وهرب منه الناس إلى الجبال، وسبك ما على رؤوس الأساطين من الذهب، وكان ينزل مقدار يسير بعد جهد، وقلعوا ما في المسجد الحرام من الشبابيك وباعوها بالبخس، وأساؤوا السيرة جداً. ) .
وتقول رواية أخرى فى المنتظم : (في أول المحرم بعدما تفرّق الحاج من مكة جلس حسين بن حسن الأفطس خلف المقام على نُمرقة مثنيَّة وأمر بالكعبة فجردت من الثياب حتى بقيت حجارة مجردة ثم كساها ثوبين من قَز كان أبو السرايا وجههما معه عليهما مكتوب: " مما أمر به الأصفر بن الأصفر أبو السرايا داعية آل محمد لكسوة بيت الله الحرام وأن يطرح عنه كُسوة الظلمة من ولد العباس ليطهره من كُسوتهم وكتب في سنة تسع وتسعين ومائة" . ثم أمر حسين بالكسوة التي كانت على الكعبة فقسمت بين أصحابه العلويين وأتباعهم . وعمد إلى ما في خزانة الكعبة من مال فأخذه، ولم يسمع بأحد عنده وديعة لأحد من ولد العباس وأتباعهم إلا هجم عليه في داره، فإن وجد من ذلك شيئًا أخذه ، وإذا لم يجد شيئًا حبسه وعذبه حتى يفتدي نفسه .وهرب كثير من الناس فهدم دورهم . وجعلوا يحكُّون الذهب الرقيق الذي في رؤوس أساطين المسجد الحرام فيخرج من الأسطوانة بعد التعب الشديد قدر مثقال، وقلعوا شباك زمزم فبيع بالثمن .)
4 ــ ثم هرب الأفطس حين أتاه خبر هزيمة أبى السرايا وهربه من الكوفة . تقول الرواية عن هذا الأفطس : (واستمر على سوء السيرة، ثم هرب في سادس عشر المحرم منها، وذلك لما قهر هرثمة أبا السرايا وهزم جيشه وأخرجه ومن معه من الطالبيين من الكوفة،. )
5 ـ وفى حوادث نفس العام 200 : يعود الى مكة ( حسين بن حسن الأفطس العلوى ) . فبعد مقتل أبى السرايا إجتمع العلويون فى مكة بزعامة الأفطس وأرغموا رجلا من العلويين على أن يبايعوه حليفة فى مكة ، وهو ( محمد بن جعفر بن محمد بن علي بن حسين بن علي بن أبي طالب ) وكان مشهورا بالزهد والعلم ، تقول الرواية : ( بويع لمحمد بن جعفر بن محمد بن علي بن حسين بن علي بن أبي طالب ، وذلك أن حسين بن حسن الذي حكينا عنه ما فعل بمكة عن أمر أبي السرايا ــ لما تغير الناس له لسوء سيرته ، وبلغه أن أبا السرايا قد قتل وأنه قد طرد من كان بالكوفة والبصرة وكور العراق من الطالبيين ورجعت الولاية بها لولد العباس ــ اجتمعوا إلى محمد بن جعفر بن محمد بن علي - وكان شيخًا محببًا في الناس حسن السيرة يروي العلم والناس يكتبون عنه ويظهر زهدًا وسمتًا - فقالوا له: " قد نعلم حالك في الناس فأبْرِزْ شخصك نبايع لك بالخلافة فإنك إن فعلت ذلك لم يختلف عليك اثنان " ، فأبى عليهم ، فلم يزل ابنه به وحسين بن حسن الأفطس حتى غلباه على رأيه ، فأجابهم ، فأقاموه بعد صلاة الجمعة لثلاث خلون من ربيع الآخر فبايعوه بالخلافة ، وحشروا إليه الناس من أهل مكة والمجاورين ، فبايعوه طوعًا وكرهًا. فأقام كذلك أشهرًا ، وليس له من الأمر سوى الاسم . ثم أقبل إسحاق بن موسى بن عيسى العباسي من اليمن فاجتمع العلويون إلى محمد بن جعفر فقالوا له: هذا إسحاق بن موسى قد أقبل في الخيل والرحل وقد رأينا أن نخندق على مكة ونحاربه . فقاتلوه أيامًا ، ثم كره إسحاق الفتال فرجع ، ثم ردّ عليهم، وكانت الهزيمة على محمد بن جعفر وأصحابه فطلب محمد الأمان حتى يخرج من مكة فأمنوه .) . إنتهاك معتاد للبيت الحرام ، سبق به عبد الله بن الزبير ثم إعتاده العلويون فى مكة ، والذين حملوا لاحقا لقب الأشراف .
6 ــ وفى تفصيلات أكثر عن مساوىء الأفطس وأهله تقول الرواية عنهم وهم يحكمون مكة بعد أن أكرهوا محمد بن جعفر ليكون خليفة بالاسم فقط : ( .. فامتنع من ذلك، فلم يزل به ابنه علي والحسين بن الحسن الأفطس، حتى غلباه على رأيه، وأجابهم، وأقاموه في ربيع الأول، فبايعوه بالخلافة، وجمعوا له الناس، فبايعوه طوعاً وكرهأ ، وسموه أمير المؤمنين، فبقي شهوراً وليس له من الأمر شيء، وابنه علي والحسين بن الحسن وجماعتهم أسوأ ما كانوا سيرة وأقبح فعلاً. فوثب الحسين بن الحسن على امرأة من بني فهر كانت جميلة، وأرادها على نفسهأ ، فامتنعت منه، فأخاف زوجهأ، وهومن بني مخزوم، حتى توارى عنه، ثم كسر باب دارهأ، وأخذها إليه مدة ثم هربت منه.ووثب علي بن محمد بن جعفر على غلام أمرد، وهوابن قاضي مكة، يقال له إسحاق بن محمد، وكان جميلأ، فأخذه قهرأ، فلما رأى ذلك من أهل مكة ومن بها من المجاورين اجتمعوا بالحرم، واجتمع معهم جمع كثير، فأتوا محمد بن جعفر، فقالوا له: لنخلعنك، أولنقتلنك، أولتردن غلينا هذا الغلام! فأغلق بابه وكلمهم من شباك، وطلب منهم الأمان ليركب إلى ابنه ويأخذ الغلام، وحلف لهم أنه لم يعلم بذلك، فأمنوه، فركب إلى ابنه وأخذ الغلام منه وسلمه إلى أهله.ولم يلبثوا إلا يسيراً حتى قدم إسحاق بن موسى العباسي من اليمن فنزل المشاش واجتمع الطالبيون إلى محمد بن جعفر، وأعلموه، وحفروا خندقأن وجمعوا الناس من الأعراب وغيرهم، فقاتلهم إسحاق، ثم كره القتال، فسار نحوالعراق، فلقيه الجند الذين أنفذهم هرثمة، إلى مكة، ومعهم الجلودي ورجاء بن جميل، فقالوا لإسحاق: ارجع معنأن ونحن نكفيك القتال، فرجع معهم، فقاتلوا الطالبيين، فهزموهم، فأرسل محمد بن جعفر يطلب الأمان، فأمنوه، ودخل العباسيون مكة في جمادى الآخرة وتفرق الطالبيون من مكة.)
ثورة ( الجزار ) العلوى باليمن
1 ــ وتقول الرواية في أحداث عام 200 : ( خرج باليمن إبراهيم بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي، ويقال له: الجزار لكثرة من قتل من أهل اليمن، وأخذ من أموالهم. وهو الذي كان بمكة وفعل فيها ما فعل كما تقدم، فلما بلغه قتل أبي السرايا هرب إلى اليمن، فلما بلغ نائب اليمن خبره ترك اليمن وسار إلى خراسان واجتاز بمكة وأخذ أمه منها. واستحوذ إبراهيم هذا على بلاد اليمن وجرت حروب كثيرة يطول ذكرها، ورجع محمد بن جعفر العلوي عما كان يزعمه، وكان قد ادعى الخلافة بمكة. وقال: كنت أظن أن المأمون قد مات وقد تحققت حياته، وأنا أستغفر الله وأتوب إليه مما كنت ادعيت من ذلك، وقد رجعت إلى الطاعة وأنا رجل من المسلمين. ) أى بعد أن قتل وسلب ونهب تاب خوفا من العقاب . وفى رواية أخرى (خرج إبراهيم بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي باليمن وذلك أنه كان بمكة ، فلما بلغه خبر أبي السرايا والطالبيين بالعراق خرج باليمن في جماعة من أهل بيته .. وكان يقال: لإبراهيم بن موسى الجزار لكثرة من قتل باليمن من الناس وسبى وأخذ من الأموال . )
2 ــ وفى عام 200 أرسل ذلك العلوى المتغلب على اليمن ابن عمه من ولد عقيل بن أبى طالب قائدا لبعثة الحاج الى مكة ، ومعه جند كثيف ، فمنعوه من دخول مكة بجيشه وهزموا جيشه ، فعاد ، وهو فى الطريق ( مرت به قافلة من الحاج والتجار وفيها كسوة الكعبة وطيبها ، فانتهب ذلك. وكان على الموسم أبو إسحاق بن الرشيد فبعث إليه من قتل من أصحابه وهرب الباقون . ) وفى رواية أكثر تفصيلا : ( وجه إبراهيم بن موسى بن جعفر من اليمن رجلاً من ولد عقيل بن أبي طالب في جند ليحج بالناس، فسار العقيلي حتى أتى بستان ابن عامر، فبلغه أن أبا إسحاق المعتصم قد حج في جماعة من القواد، فيهم حمدويه بن علي بن عيسى بن ماهان، وقد استعمله الحسن بن سهل على اليمن، فعلم العقيلي أنه لا يقوى بهم، فأقام ببستان ابن عامر، فاجتاز قافلة من الحاج، ومعهم كسوة الكعبة وطيبهأ، فأخذ أموال التجار، وكسوة الكعبة وطيبهأ، وقدم الحجاج مكة عراة منهوبين.فاستشار المعتصم أصحابه، فقال الجلودي: أنا أكفيك ذلك، فانتخب مائة رجل، وسار بهم إلى العقيلي، فصبحهم، فقاتلهم، فانهزموأ، واسر أكثرهم، وأخذ كسوة الكعبة، وأموال التجار، إلا ما كان مع من هرب قبل ذلك، فرده ، وأخذ الأسرى، فضرب كل واحد منهم عشرة أسواط، وأطلقهم، فرجعوا إلى اليمن يستطعمون الناس، فهلك أكثرهم في الطريق . ).
أخيرا : حتى لايضيع منا طرف الخيط :
نذكركم بعنوان الكتاب : الأصل التاريخى لتقسيم العالم الى ( دار السلام ودار الحرب ).
ونذكركم :
1 ـ بأن الله جل وعلا لم يخلق البشر ليكونا معسكرين متحاربين ، بل خلق البشر جميعا أخوة من أب واحد وأم واحدة ، وجعلهم شعوبا وقبائل كى يتعارفوا سلميا ، لا لكى يتقاتلوا ، يقول جل وعلا يخاطب البشر جميعا : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13) الحجرات )
2 ـ إن الله جل وعلا أرسل رسوله بالقرآن الكريم رحمة للعالمين وليس لقتال العالمين ، يقول جل وعلا : ( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ (107) الأنبياء )
3 ـ إن الله جل وعلا أمر المؤمنين بالدخول فى السلام كافة ، فقال جل وعلا : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (208) البقرة ). وتشريعات القتال الدفاعية هى إستثناء يخدم السلام . ولكن الصحابة إتبعوا خطوات الشيطان بالفتوحات ، وجعلوها دينا ، نتج عنه تقسيم العالم الى معسكرين متحاربين ـ حربا مستمرة ، لا يزال الوهابيون يواصلونها حتى اليوم
4 ـ القتال فى الاسلام هو لرد العدوان فقط ، وهذا معنى أن يكون فى سبيل الله جل وعلا . أما القتال المعتدى الذى فعله الصحابة فهو فى سبيل الشيطان ، وليس هناك توسط : إما قتال دفاعى فى سبيل الله جل وعلا ، وإما قتال باغ معتد ظالم يريد الثروة والسلطة ، أى فى سبيل الشيطان . يقول جل وعلا عن نوعى القتال : (الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ )(76) النساء ) .
تاريخ الانضمام | : | 2006-07-05 |
مقالات منشورة | : | 5111 |
اجمالي القراءات | : | 56,686,716 |
تعليقات له | : | 5,445 |
تعليقات عليه | : | 14,818 |
بلد الميلاد | : | Egypt |
بلد الاقامة | : | United State |
دعوة للتبرع
تحميل كتبى : نفسي تعمل باب مخصص لتحمي ل كل كتبك .تسهل علي...
حطام : أنت تكرر عبارة ( حطام الدني ا ) عن ما في الحيا ة ...
إبتعد عنه : -------- ---------- ---------- ---------- ---------- -- ترد دت ...
الامام الأعظم: تقول ان الاما م أبا حنيفة هو أقدم الأئم ة ،...
التراضى فى الزنا: بعد عام من الإنك ار، أقر طارق رمضان ، ...
more