نكاح القاصرات

آحمد صبحي منصور Ýí 2015-11-18


نكاح القاصرات  

قال : الشيخ البرهامى يقول إنه يصح الزواج بالطفلة .

قلت : هذا إفتراء على الاسلام .

قال : إنه يستند الى الرواية المشهور بأن النبى عليه السلام تزوج عائشة وهى طفلة .

قلت : هذه كذبة كبرى . فنفس التراث يقول إن عائشة كانت من قبل مخطوبة . أى كانت فى سنّ الزواج بليل خطبتها لشخص من قبل .

قال : فماذا إذا كانت هذه الرواية صحيحة ، رواية أنه عليه السلام تزوجها وهى طفلة ؟

قلت : التشريع الاسلامى يؤخذ من كتاب الله ، وليس من روايات التاريخ أو من الأحاديث المُفتراة التى صنعها البشر ونسبوها ظلما وعدوانا للرسول عليه السلام بعد موته بقرنين وأكثر .

قال : فماذا عن القصص القرآنى ، هل يؤخذ منه التشريع الاسلامى ؟

قلت : التشريع الاسلامى لا يؤخذ من القصص القرآنى نفسه .

قال : كيف ؟ اليس القصص القرآنى جزءا من القرآن ؟

قلت : فى القرآن قصص للعظة وليس للتشريع لنا .  ففى قصة يوسف ( الاية 100 ) أنهم خروا له سُجّدا ، فهذا لا يعنى تشريع السجود للبشر ، ولكنه إخبار عما حدث ، وكان السجود هو التحية وقتئذ . التشريع الاسلامى يأتى فى القرآن الكريم أوامر ونواهى لنا فى العقائد والعبادات والأخلاقيات .

قال : نعود للشيخ البرهامى وهو يعلن أنه من الحلال الزواج بالطفلة القاصر .

قلت : لا يقال ( زواج ) بل ( نكاح )،  فالنكاح هو (عقد الزواج ) فى ثقافتنا الدينية . وبالتالى لا يقال ( زواج القاصرات ) بل ( نكاح القاصرات ) . ونؤكد أن ( نكاح القاصرات ) باطل إسلاميا ، وطالما أنه من البداية باطل فى ( عقد النكاح ) فإن ما يترتب عليه من ( دخول ) أو ( زواج ) هو باطل .

قال : ولكنه يستشهد بقوله جل وعلا فى العدّة : ( وَاللاَّئِي يَئِسْنَ مِنْ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنْ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللاَّئِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُوْلاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ ) (4) الطلاق). يرى أن اللاتى لم يحضن بمعنى البنات الصغار اللاتى لم يحضن.

قلت : هذا خطأ فادح ، لأن الآية الكريمة تتحدث عن العدة فى موضوع الحيض ، أى إن الكلام محصور فى حالات الحيض للنساء فى سنّ الحيض . وللنساء حالات : الحالة العادية الغالبة وهى التى يأتيها الحيض فى ( العادة الشهرية ) ، وهذه إذا كانت مطلقة فعدتها ثلاثة حيضات أو ثلاثة ( قُروء ) يقول جل وعلا :( وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ  ) (228) البقرة ) ، و ( التربص ) يعنى ترقُّب نزول الحيض . هناك من بلغت سنّ اليأس ولا تحيض، وهناك من هى فى سنّ الحيض ولكن لا تحيض لأسباب فسيولوجية خاصة بها . والعدة للحالتين ثلاثة أشهر للتأكد من عدم الحمل ، وهذا معنى قوله جل وعلا : ( وَاللاَّئِي يَئِسْنَ مِنْ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنْ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللاَّئِي لَمْ يَحِضْنَ ) . وهناك التى يظهر أنها حامل فتكون عدتها بوضع الحمل ، يقول جل وعلا : (وَأُوْلاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ ). زهكذى فكل أحكام الحيض لا علاقة لها بالطفلة بل بالمرأة البالغة التى هى فى سنّ الحيض ، ومنه تحريم الاتصال الجنسى بالزوجة عند المحيض ،

قال : هذه هى وجهة نظرك أن (وَاللاَّئِي لَمْ يَحِضْنَ ) تعنى اللاتى هن فى سنّ الحيض ولم يأتهن الحيض ، وهو له وجهة نظر أخرى ، أن (وَاللاَّئِي لَمْ يَحِضْنَ ) تعنى الطفلة التى لم تحض . فما هو الدليل الذى يُؤجّح وجهة نظرك ؟

قلت : سبق أن قلت أن الكلام عن الحيض وليس للطفلة علاقة به اساسا . الحيض مشكلة للنساء البالغات ، وله تشريعاته الخاصة فى ( العدة ) وفى تحريم اللقاء الجنسى بالزوجة أثناء المحيض . يقول جل وعلا  ( وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ ۖ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ ۖ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىٰ يَطْهُرْنَ ۖ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّىٰ شِئْتُمْ ۖ وَقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُمْ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُم مُّلَاقُوهُ ۗ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ ) البقرة222 : 223  ). وحتى فليس للطفلة علاقة بقوله جل وعلا : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمْ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً (49) الاحزاب ) بمعنى أنه لا عدة على المُطلّقة قبل الدخول بها ، أى طالما لم يدخل بها فلا يوجد أى إحتمال لأن تحمل منه ، لذا فلا وجود للعدة لو طلقها قبل الدخول ، لأن العدة هى لاستبراء الرحم من الحمل ، والطفلة غير مؤهلة للحمل أساسا .

قال : ليس فيما تقول دليل قاطع .

قلت : يقول جل وعلا : (وابْتَلُوا الْيَتَامَىٰ حَتَّىٰ إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ ۖ ) النساء 6 ). هذه الآية الكريمة تكفى .

قال : هى عن مال اليتيم وإختبار قدرته على التصرف فى ماله ، هل يُحسنُ التصرف فى ماله أم يكون سفيها . لا علاقة بالآية هنا فى موضوع الزواج بالطفلة ، أقصد بنكاح القاصرات .

قلت : أنت تنسى أن الآية الكريمة تتحدث عن اليتامى ذكورا وإناثا .

قال : نعم تتحدث عن اليتامى الذكور والاناث ، أى عن مال اليتيم واليتيمة ، وليس عن النكاح .

قلت : تنسى قوله جل وعلا : (وابْتَلُوا الْيَتَامَىٰ حَتَّىٰ إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ ) أى بلوغ مرحلة النكاح ، وهى نزول المنى من الذكر ونزول الحيض من الأنثى . و ( بلوغ النكاح ) يعنى الصلاحية للزواج ، فالطفل قبل ( بلوغ النكاح ) لا يصلح للزواج ذكرا كان أو أنثى .

قال : ماذا يعنى ( بلوغ النكاح ) ؟

قلت : أن يكون الانسان صالحا للزواج وتحمل مسئولياته بما فيها حمل وتربية الأطفال ، أى لا يصلح لطفلة أن تحمل ثم تربى طفلة مثلها . بلوغ النكاح يعنى ايضا مفارقة مرحلة الطفولة الى أن يبلغ الانسان ( أشُدّه )  ويستوى ( شابا ) ، وهذا ما جاء فى قصص بعض الأنبياء . يقول جل وعلا عن يوسف عليه السلام : ( وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا ) يوسف 22 ) لذا فإن إمرأة العزيز الذى تربى فى حجرها طفلا ثم شبّ وبلغ أشده راودته عن نفسه . لم تراوده عن نفسه وهو طفل .  ونفس الحال لو ربّى رجل طفلة يتيمة ليست إبنته ثم بلغت مرحلة النكاح ،وقد يريد نكاحها . وعن موسى عليه السلام يقول جل وعلا :(وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَىٰ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا ۚ وَكَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ) القصص 14 ).

قال : هل يعنى بلوغ النكاح القابلية للتكليف والمسئولية ؟

قلت : بلوغ اليتيم ( النكاح ) مقترن ببلوغه القدرة على التصريف فى ماله ، وقبل أن يصل الى هذه المرحلة يحرم الاقتراب من ماله إلا بالتى هى أحسن ، يقول جل وعلا : ( وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّىٰ يَبْلُغَ أَشُدَّهُ ۖ  ) ( الانعام 152 )( الاسراء 34 ). ويقول جل وعلا عن يتيمين كان أبوهما المتوفى صالحا :  (وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَن يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا ) الكهف 82 ). أى أن يبلغا مبلغ الشباب والأشُدّ فيستخرجا كنزهما . بلوغ الانسان ( أشُدّه ) يعنى قدرته على مسئولية الزواج ، أى يعنى  (بلوغه النكاح ) ، وقبلها فى مرحلة الطفولة لا يجوز للطفل النكاح ، ذكرا كان أو أنثى .

قال : هل تعنى أن مرحلة الطفولة تختلف عن مرحلة ( بلوغ النكاح ) .

قلت : بالتأكيد ، وهذا ما تكرر فى القرآن الكريم . يقول جل وعلا : (  يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍ مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِّنُبَيِّنَ لَكُمْ ۚ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ۖ مِنكُم مَّن يُتَوَفَّىٰ وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَىٰ أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِن بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا ۚ ) الحج 5  ) . يخرج الانسان من بطن أمه طفلا ، وبعد الطفولة يبلغ أشُدّه ، هذه هى المرحلة الثانية ، ثم يدخل الشيخوخة ، وهى المرحلة الثالثة . هذا أيضا جاء فى قوله جل وعلا : (  هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخًا ۚ وَمِنكُم مَّن يُتَوَفَّىٰ مِن قَبْلُ ۖ وَلِتَبْلُغُوا أَجَلًا مُّسَمًّى وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ) غافر67 ). أى للإنسان مرحلة ضعف ، وهى الطفولة ، ثم يبلغ مرحلة النكاح والقوة والأشُدّ ، ثم تتبعها مرحلة الضعف والمشيب والشيخوخة . يقول جل وعلا :  (هُو الَّذِي خَلَقَكُم مِّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً ۚ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ ۖ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ ) الروم  54  ) . وفى كل هذا فمرحلة الطفولة هى التى تسبق مرحلة ( بلوغ النكاح ).

قال : أراك تستشهد بآيات كريمة واضحة المعنى فعلا . فلماذا لم تأت آية واضحة تُحرم نكاح الأطفال ؟

قلت : القرآن الكريم نزل يعترف بالعُرف أو المعروف ، أى المتعارف على أنه عدل وليس ظلما ، يقول جل وعلا  (خُذْ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنْ الْجَاهِلِينَ (199) الاعراف). ونجد للعُرف أو المعروف جانبا هاما فى تشريعات الأحوال الشخصية من زواج وطلاق وما يتعلق بهما ، يقول جل وعلا عن صداق ملك اليمين وانه بالمعروف : ( وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ) النساء 25  )، ويقول جل وعلا عن زواج الأرملة بعد تمام عدتها   ( فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ ) (234) البقرة ) ، فالمعروف هنا يعنى الزواج الشرعى .ونفس المعنى فى قوله جل وعلا عن حق الأرملة فى البقاء فى بيت زوجها المتوفى وخروجها منه لتتزوج  : (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً وَصِيَّةً لأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعاً إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ فِي أَنفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ )(240) البقرة ) ،  وأيضا يقول جل وعلا  فى تحريم ( العضل ) وهو منع المرأة المطلقة من الزواج : ( وَإِذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ )(232) البقرة  ).

قال : وما صلة هذا المعروف أو ( العُرف ) بتحريم نكاح الأطفال ؟

قلت : يعنى أنه كان معروفا عدم نكاح الأطفال . لذا لم يأت النهى الصريح عنه ، لأنه أمر معروف ، ولأن القرآن الكريم ليس كتابا فى الثرثرة ، بل هو قول فصل وما هو بالهزل ( الطارق 13 : 14 ).

قال : هل كانت هناك ممارسات فى الزواج ( المعروف ) نزل تشريع القرآن فى تصحيحها ؟

قلت : نعم : المحرمات فى الزواج وفرضية الصداق ( النساء 22 :24 ) وحقوق الزوجة المطلقة ، والعدة وحضانة الأطفال ورضاعتهم، وهى آيات كثيرة. ويقول جل وعلا عن يتامى النساء ، اى الفتاة اليتيمة التى تكون فى وصاية قريب لها ويريد زواجها : ( وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلْ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ اللاَّتِي لا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنكِحُوهُنَّ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنْ الْوِلْدَانِ وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتَامَى بِالْقِسْطِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِهِ عَلِيماً (127) النساء ). هنا الأمر بالقسط فى التعامل مع اليتامى ذكورا وإناثا. ومن الظلم المحرم نكاح الطفلة القاصر فى كل الأحوال .

قال : هناك مشكلة : أن فى المحرمات من النساء فى سورة النساء ( 22 : 24 ) لم يرد فيها تحريم نكاح الطفلة.بل ورد فيه ٌوله جل وعلا : (وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاءَ ذَٰلِكُمْ أَن تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُم مُّحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ ۚ )( النساء 24 ). هذا يعنى أنه خارج المحرمات فى النكاح كل النساء حلال لمن أراد الزواج بما فيهن الطفلة . وإلا كان رب العزة قد ذكر الطفلة ضمن المحرمات .

قلت : أنت لم تقرأ الآية جيدا . الله جل وعلا يقول : (وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاءَ ذَٰلِكُمْ أَن تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُم مُّحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ ۚ ) يعنى النكاح بالاحصان بدون ( سفاح ) أو بالتعبير القرآنى (غَيْرَ مُسَافِحِينَ ۚ ). والسفاح فى المصطلح القرآنى يعنى الزنا بأجر ، أى الزنا بالعواهر المحترفات . وليس لهذا علاقة بالطفلة . ثم إن رب العزة يحرّم على المؤمنين زواج الزانية والزانى ، ومفهوم أنه للبالغين من الذكور والاناث ، وليس الأطفال ، يقول جل وعلا : (الزَّانِي لَا يَنكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ ۚ وَحُرِّمَ ذَٰلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ) النور 3 ). وهذا تأسيسا على التصريح بالنكاح بالمحصنات العفيفات وإبتغاء الزواج بلا سفاح طبقا لقوله جل وعلا : (وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاءَ ذَٰلِكُمْ أَن تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُم مُّحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ ۚ )

 قال : هل هناك تشريعات خاصة بالأطفال ذكورا وإناثا تجعلهم مختلفين عنهم عندما يبلغون الحُلُم ؟

قلت : نعم . يقول جل وعلا  فى وجوب أن يستأذن الأطفال قبل الدخول على البالغين من الوالدين والأخوة : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمْ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنْ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشَاءِ ثَلاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ الآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (58) النور ) بعد بلوغهم ( الحُلُم ) اى ( بلوغ النكاح ) عليهم التصرف كالبالغين من الرجل والنساء  فى الاستئذان فى كل الأوقات : ( وَإِذَا بَلَغَ الأَطْفَالُ مِنْكُمْ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (59) النور ). يأتى هذا التشريع مراعاة للطفولة وبراءتها .

قال : هل لديك أقوال أخرى ؟

قلت : نعم . أرجو أن تتدبر قوله جل وعلا : ( وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُوا (3) وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً (4) وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمْ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَاماً وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفاً (5) وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافاً وَبِدَاراً أَنْ يَكْبَرُوا وَمَنْ كَانَ غَنِيّاً فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيباً (6) النساء ). فى الاية رقم 3 : التشجيع على تزويج الأرملة نوعا من القسط مع أولادها الأيتام . وهنا مقابلة بين الأطفال الأيتام و ( النساء ). للأيتام القسط أما النكاح فهو ( للنساء ) . الآية رقم 4 عن مهور ( النساء ) . الآية رقم 5 : تمنع إعطاء السفهاء المال . الآية رقم 7 : عن إختبار اليتامى ذكورا وإناثا إذا بلغوا النكاح فإذا لم يكونوا سفهاء تولوا مسئولية أموالهم . هنا يبدو الفارق بين الطفل والبالغ مرحلة النكاح فى موضوع النكاح . ومراجعة الآيات توضح أن ( النساء ) الصالحات للنكاح فى هذا السياق هنّ مقابل الطفولة التى تحتاج للقسط والرعاية .  

قال : سؤال أخير : لماذا يقول فقهاء السلفية هذه الفتاوى المُنافية للفطرة والذوق ؟ ولماذا كل هذا التركيز على العلاقات الجنسية وفقه النصف الأسفل ؟

قلت : هم مرضى بالجنس ولديهم ولع بالمرأة ، يلعنونها ويشتهونها ويحملونها ( عورة ) بين سيقانهم ، ولا يرون فيها ( الانسان ) بل يرونها جسدا للفراش. وقد وضعوا هذا الجسد فى مرمى فتاويهم ، واصدروا فتاوى تعبر عن إنحطاطهم وشذوذهم الفكرى والُخلُقى . ومنها ما يتواتر فى الانترنت عن فتاويهم فى جهاد المناكحة والتصريح للمجاهد بالزنا بأمه وأخته .. فتاوى يهون الى جانبها روايات التراث القديمة عن رضاعة الكبير وخنان البنات وخرافة الزواج بعائشة وهى طفلة . فقهاء الوهابية فى عصرنا البائس وصلوا الى درك إنحطاط غير مسبوق . والمُفجع أنهم ينسبون أنفسهم الى الاسلام .!

قال : وكيف التعامل مع هؤلاء الفقهاء الوهابيين السلفيين ؟

قلت : تحويلهم فورا الى أقرب مستشفى لعلاج الحمير ..!

اجمالي القراءات 19628

للمزيد يمكنك قراءة : اساسيات اهل القران
التعليقات (5)
1   تعليق بواسطة   لطفية سعيد     في   الأربعاء ١٨ - نوفمبر - ٢٠١٥ ١٢:٠٠ صباحاً
[79497]

على اساس اننا نشكو قلة في عدد النساء البالغات


السلام عليكم دكتور جزاك الله خيرا..  فيروسات التراث كثيرة  ومعظمها يستعصي على العلاج ،ولا يصلح معه كل المضادات ، وقد  تعاظم خطرها  حيث ان المسكنات لتي يتم طرحها من فترة لاخرى قد زادت الطين بلة  ... وكما نعلم انه كلما كانت المناعة ضعيفة كان لها اثرا فعالا في سرعة الاستجابة للأمراض ولأوامر الشيطان ..  ولا ادري ما حاجتنا لزواج القاصرات والمجتمع يشكو من زيادة عدد البالغات وعدم زواجهن .... أضف غلى ذلك زيادة عدد الإناث كما نعلم اضعاف  عن عدد الذكور !!! كل يوم فتوى يندى لها الجبين خجلا ... وانقلبت حياة المسلمين بفعل تلك الأوبئة إلى معيشة ضنكا كما قال رب العزة  لأن مسلي اليوم قد أعرضوا عن ذكر الله



 وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيراً (125) طه 



ودائما صدق الله العظيم 



2   تعليق بواسطة   ليث عواد     في   الأربعاء ١٨ - نوفمبر - ٢٠١٥ ١٢:٠٠ صباحاً
[79498]

زمن ردئ يا أستاذنا العزيز


كنت مكتئبا و لكن عندما قرأت أخر سطر إنفجرت ضاحكا



لله درك يا شيخ، حتى في مزاحك تكون قرأني



مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفارا بئس مثل القوم الذين كذبوا بآيات الله والله لا يهدي القوم الظالمين



3   تعليق بواسطة   داليا سامي     في   الخميس ١٩ - نوفمبر - ٢٠١٥ ١٢:٠٠ صباحاً
[79503]

الدكتور الفاضل احمد صبحي


 



هناك روايات للسيده عائشة تقر بان عمرها كان وقت الزواج بالرسول 18 سنة وروايات قليله تقول بانها 21 .. هم يتمسكون برواية الـ 9 سنوات ليجعلوها حجة وتشريع يرضي مرضهم النفسي وشذوذهم الجنسي وولعهم بالتعامل مع الاطفال والحقيقه اطفال بنات وولاد !! .. 



كيف هؤلاء هم شيوخ الدين وعلماؤة !!



4   تعليق بواسطة   أبو أيوب الكويتي     في   الخميس ١٩ - نوفمبر - ٢٠١٥ ١٢:٠٠ صباحاً
[79505]

جزاك الله خيرا يادكتور أحمد ... سؤال لو تكرمتم !


دكتوري العزيز باديء ذي بدء أود أن أشكركم على هذا المقال الذي أثر فيني كثيرا ! 



دكتوري سؤال لو تكرمتم وسمح وقتكم الثمين وأعتذر بشدة لخروجي بسؤالي عن موضوع هذا المقال ! 



دكتوري العزيز لقد تسبب تسجيل مرئي لمحاضرة للدكتور محمد شحرور في فيينا في ربكة ولخمة في نفوخي ! 



أبدع الدكتور محمد شحرور في تلك المحاضرة في التفريق بين المسلمين والمؤمنين ... كما يقول ليس كل مسلم أن يكون بالضرورة مؤمن لكن كل مؤمن مسلم ... وقال أيضا ما معناه أن المسلم الذي يسلم بوجود الله أما المؤمن فزاد على ذلك قبوله بالتكاليف التي كلفها الله به من صلاة وزكاة وصيام واجتناب الفواحش .. الخ 



سؤالي لحضرتكم دكتوري العزيز لو سمح وقتكم الثمين : 



عطفا على ماقاله الدكتور شحرور , فمن كان يقصد ابليس بعباد الله المخلصين ؟ هل عباد الله المخلصين هم المؤمنين أم المسلمين أم كلاهما ؟ 



(( قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ ))[الحجر:40]



تحياتي وجزاك الله خيرا مرة أخرى على هذة المقالة الجميلة ! 



تحياتي ودمتم بخير 


5   تعليق بواسطة   آحمد صبحي منصور     في   الخميس ١٩ - نوفمبر - ٢٠١٥ ١٢:٠٠ صباحاً
[79506]

شكرا جزيلا .. وأقول :


1 ــ السيدة عائشة : بسبب نشاطها التاريخى ( أول إمرأة تقود حربا أهلية فى تاريخ المسلمين ) فقد أصبحت شخصية جدلية تتناثر حولها الروايات المتناقضة . 

2 ـ الفرد الذي ( يخلص ) لرب العزة جل وعلا قلبه هو ( المتقى ) وهو الذى أخلص لرب العزة جل وعلا الدين والعبادة . هو فى قمة الايمان والاسلام. وكررنا كثيرا أن الاسلام له معنى ظاهريا ( السلام ) ومعنى قلبى الاستسلام والانقياد لرب العزة وحده جل وعلا . وأن الايمان له معنى قلبى هو الايمان برب العزة وحده الاها وبملائكته وكتبه ورسله دون تفريق بين رسله ، وللإيمان معنى سلوكى ظاهرى من ( الأمن ) وإيثار ( السلامة ) ولذا ففى الايمان الظاهرى ( كفر قلبى ) ولكنه إيمان قليل . ونفس الحال فى الكفر والشرك ، هما معا فى المعنى فى السلوك الظاهرى ( الاعتداء والظلم والاكراه فى الدين ) وفى الايمان القلبى ( الكفر : تغطية الفطرة السليمة بالاعتقاد فى آلهة مع الله جل وعلا ، أى الوقع فى الشرك ) . التفاصيل فى مقالات كثيرة سبقت ، منها ( الاسلام دين السلام ) و ( معنى الكفر والشرك والطاغوت ) .

أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق
تاريخ الانضمام : 2006-07-05
مقالات منشورة : 5111
اجمالي القراءات : 56,688,124
تعليقات له : 5,445
تعليقات عليه : 14,818
بلد الميلاد : Egypt
بلد الاقامة : United State

مشروع نشر مؤلفات احمد صبحي منصور

محاضرات صوتية

قاعة البحث القراني

باب دراسات تاريخية

باب القاموس القرآنى

باب علوم القرآن

باب تصحيح كتب

باب مقالات بالفارسي