آحمد صبحي منصور Ýí 2015-06-25
1 ــ من بؤس أى شعب أن يقوم الجيش المدافع عن الشعب بالتحكم فى الشعب . نقول التحكم وليس الحكم ـ لأن حكم العسكر بما هو معروف عنهم من غلظة وقتل وقتال وتعامل مع السلاح والدم يؤسّس نظرتهم لغير العسكريين ، أى الشعب ، فيصبح الشعب أسيرا لدى العسكر ، والعسكر بهذا لا يحكمون الأسرى لكن يتحكمون فى الأسرى . هذه هى نظرة العسكر لو تحكموا فى شعب ما ، وحكموه بمنطقهم العسكرى ، وهم يختكرون السلاح ، ويمنعون الشعب من إستعماله حتى فى مقاومة جيش عدو مهاجم .
2 ــ فى العصور الوسطى كان البؤس مُعتادا ، سواء من حُكم خليفة أو نظام عسكرى ، إذ كان الاستبداد هو ثقافة العصر يعيش عليها ويتعايش معها كل شعب فى الغرب والشرق . أما الان فى عصر الديمقراطية وحقوق الانسان وثورة الاتصالات والمواصلات وحرية التعبير على الانترنت فقد أصبح البؤس مؤلما وغير محتمل ، وأصبح ضحايا المستبدين بين نارين : الخضوع للمستبد القائم وصراعه مع حركة معارضة أكثر إستبدادا ، أو الثورة على هذا الحاكم وتحمل النتائج بتقديم آلاف الضحايا ، مع ما يستلزمه هذا من حرص حتى لا يختطف الثورة كلاب الصيد من بقايا المستبد أو من خصومه . هذه هى تجربة ما حدث وما يحدث فى الربيع العربى الملتهب فى مصر وسوريا واليمن والعراق وتونس..وما سيحدث فى الجزيرة العربية والخليج والجزائر والسودان . وغيرها.
3 ــ المستفاد من أثر التصوف السياسى فى الدولة المملوكية العسكرية أن المستبد ـ وخصوصا المستبد العسكرى ـ يحتاج الى طُغمة من رجال الدين الأرضى ، يركبها ، وهى تركب الشعب . هى فى الوسط ، هى راكبة ومركوبة ، تتمتع بتقديس الشعب الجاهل وبأنها واسطته لدى المستبد . وكونها فى الوسط ( راكبة ومركوبة ) فبضاعتها النفاق وفنّ الاسترزاق ممن يركبها وممن تركبه . وهذا الوضع يجعلها أسرع فى التخلى عن الحاكم لو فقد سلطانه ، فهى تهتف له فى سطوته وتُنكره فى محنته . وبنفس الحال مع النظام بأكمله ، سرعان ما تتخلى عنه وتقدم خدماتها للنظام الجديد حتى لو كان غازيا مُحتلّا . وهذا ما فعله الصوفية مع كل سلطان مملوكى فى محنته ، وما فعلوه مع المماليك فى صراعهم مع العثمانيين .
4 ــ وما فعله الصوفية فى الدولة المملوكية لا يختلف عما فعله ويفعله شيوخ الأزهر فى العصر الحديث . كانوا مركوبين من الملك فاروق ، وقد إصطنعوا له نسبا شريفا يصله بالنبى محمد عليه السلام ، ثم ركبهم عبد الناصر واستخدمهم فى سياسته فأطاعوه ، وفى صراعه مع اسرائيل هنتفوا بين يديه بالآية الكريمة ( وأعدوا لهم ما إستطعتم من قوة ) . وجاء السادات بسياسة مختلفة فهللوا له وللصلح مع اسرائيل يقولون ( وإن جنحوا للسلم فإجنح لها ) . وركبهم مبارك فكانوا نعم الركوبة . وشيخ الأزهر الحالى كان عضوا فى لجنة السياسات مركوبا لجمال مبارك ، وظل على ولائه لمبارك حتى إذا تيقن إذا سقط إنتقل الى خدمة المجلس العسكرى ، وبعده إنحاز الى الاخوان ورئيسهم مرسى مع إحتقار الاخوان العلنى له ، وهو الان مركوب من الرئيس السيسى ، ولو عاش بعد السيسى سيكون مركوبا ممن سيأتى بعده .
5 ــ فى كل الأحوال فهذه الطُّغمة من رجال الدين لا دين لها سوى البقاء فى المنصب والتمتع بحُطامه الدنيوى على حساب الدين الالهى أو حتى الدين الوضعى الأرضى ، وعلى حساب الأخلاق وعلى حساب الشعب ، وحتى على حساب المستبد نفسه ، ليس فقط لأنهم يتخلُّون عنه فى محنته ، بل أيضا لأنهم لو لمسوا ضعفا من هذا المستبد فسرعان ما يتآمرون عليه ، بل قد يطمحون للجلوس مكانه .
6 ــ الأزهر منذ إنشائه على يد الفاطميين ـ وحتى الآن ـ وهو مركوب للسلطة ، سواء كانت شيعية فاطمية أو مملوكية عسكرية أو عثمانية ، أو من أسرة محمد على أو من العسكر المصرى الذى يدمّر مصر منذ 1952 . شيوخ الأزهر من خدم السلطة لم ينتفضوا ضد الظلم والفساد ولم يأبهوا بحال الشعب المقهور الذى يدمّر مصر منذ 1952 . شيوخ الأزهر من خدم السلطة ليس لهم على الاطلاق سجل فى الاجتهاد العلمى أو الاصلاح الدينى ، سجلهم الوحيد الذى يتفوقون فيه منذ أكثر من ألف عام هو كونهم حميرا للسلطان القائم ، يتنافسون فى إرضائه طالما كان قويا ، فإذا سقط إنفضوا عنه ليرقصوا فى موكب السلطان القادم . لا يهمهم إسلام ولا سنة ولا تشيع ولا تصوف ولا أخلاق ولا مظاليم . يهمهم ان يظلوا فقط فى ( تكية ) السلطان القائم يسبحون بحمده ، ثم إذا لمسوا منه ضعفا حازوا سلطة أكبر ، ثم إذا سقط لم يستحق منهم دمعة واحدة ولا حتى برقية عزاء .!! هم متفوقون فى الجهل وفى النذالة أيضا .
7 ــ وإذا كان صعبا التخلص من حكم المستبد ، فإن الأصعب التخلص من هذه الطُّغمة الحقيرة من رجال الدين . وتجربة الغرب ( الشيوعى ) تعتبر دينهم أفيون الشعوب وتنادى بشنق آخر مستبد بأمعاء آخر قسيس. وتجربة الغرب البرجوازى الرأسمالى بعد معاناة قرون من الكنيسة البابوية هو إعتقال الدين فى الكنيسة وحظر تجوله خارجها . والعرب والمحمديون يعيشون الآن نفس العصر الذى عانته أوربا من القرن 16 الى القرن العشرين بعد هزيمة هتلر وموسولينى آخر واشرس الطُّغاة . حربان عالميتان والعديد من الحروب والثورات والحروب الأهلية دخلتها أوربا والعالم معها حتى وصلت الى الديمقراطية الغربية الراهنة . فقدت أوربا فى تلك الحروب ما يقرب من اربعين مليونا من البشر وتدمير العشرات من المدن وسقوط دول وأمبراطوريات وتأسيس دول ، وتغيير خرائط وتحالفات وعقد مختلف المعاهدات . ويبدو أن طريق المحمديين مفروش بالدم ومحفوف بالأشلاء والجماجم كى يتخلصوا من نفس الاكليروس ( تحالف أو تصارع المستبد والكهنوت الدينى )، وأن مدائن المحمديين ينتظرها نفس التدمير الذى يجتاح الآن مدن سوريا والعراق . وليس مستغربا أن يتحالف الخصوم ( المستبد والوهابيون ) ضد أى حركة تنوير تدعو الى الاصلاح السلمى بالديمقراطية والعدل وحقوق الانسان والحرية المطلقة فى الدين . وهذه هى تجربتنا ــ أهل القرآن ــ مع العسكر والوهابيين ، وهم الكهنوت الدينى الذى يخدم المستبد فى بلد ويعارضه فى بلد آخر.
8 ــ ولكن يمكن إختصار الطريق وتقليل المعاناة وإنقاذ ما يمكن إنقاذه بالتنوير الدينى من داخل الاسلام ، وهذا هو ما نفعله الآن . التنوير يقضى على نفوذ وصُدقية أحقر البشر ، وهم طُغمة رجال الدين ، يكفى أنه ليس فى الاسلام ( رجال الدين ) ولا كهنوت . هو قتل معنوى لهم يُظهرهم على حقيقتهم مستحقين للإحتقار بدلا من التقديس والاحترام . بالتخلص من هذه الطغمة التى تركب الشعب ويركبها الحاكم يصبح المستبد بلا غطاء عاريا أمام الشعب فيسهل القضاء عليه .
9 ــ ماذا لو تعاون أو تنافس الأحرار المثقفون فى إنتاج حلقات على اليوتوب تسخر من كل رجال الدين الشيعى والسنى والصوفى والمسيحى ، لتدمر هيبتهم المزعومة ، وتظهرهم على حقيقتهم ، مجموعات من الحمير يركبها المستبد ، ويتحكم من خلالهم فى االشعب ؟.. هذا الجهاد السلمى التنويرى أفضل كثيرا من الشعار الشيوعى القائل :" إشنقوا آخر مستبد بأمعاء آخر قسيس ."
هذا مجرد إقتراح لتقصير أمد المعاناة .. إذ لا أمل فى أن يتنازل مستبد عن سلطانه بإختياره ، ولا أمل فى أن يتوب أحقر البشر عن إستغلالهم لدين الله جل وعلا وخداعهم للناس . بالنسبة للمستبد وأعوانه من أحقر الخلق ـ هو صراع وجود . ومعهم القوة والثروة .. فلا سبيل إلا المقاومة للحصول على الحرية ، والتنوير هو السلاح الفعّال ــ لو كنتم تعلمون .!!
أحمد صبحى منصور
21 مايو 2015
تاريخ الانضمام | : | 2006-07-05 |
مقالات منشورة | : | 5111 |
اجمالي القراءات | : | 56,687,710 |
تعليقات له | : | 5,445 |
تعليقات عليه | : | 14,818 |
بلد الميلاد | : | Egypt |
بلد الاقامة | : | United State |
دعوة للتبرع
سؤالان : حوار : الس ال الثان ى : هل ( انكاث ) فى قوله جل...
القرآن فى الصلاة: ما هى الآيا ت القرآ نية التى تقرؤه ا فى...
عمل الصالحات: اعمل في شركة دعاية وإعلا ن تتعام ل مع مختلف...
فارق السن فى الزواج : هل يصح أن تتزوج إبنتى شخصا أكبر منها بعشري ن ...
قرار / استقرار : ما معنى كلمة ( قرار ) فى القرآ ن الكري م ؟ هل هو...
more