يوم له ما بعده .!!:
فى مثل هذا اليوم من 30 عاما

آحمد صبحي منصور Ýí 2015-05-05


1 ـ عن الخامس من مايو 1985 أتحدث . عن يوم فاصل فى تاريخ حياتى وتاريخ الحركة القرآنية . يوم صدور قرار رئيس الجامعة ( إسمه د محمد السعدى فرهود ) بإحالتى للتحقيق أمام المستشار القانونى لجامعة الأزهر ( إسمه د . فؤاد النادى )، وبحضور عميد كلية اصول الدين بفرع الجامعة فى اسيوط ، وكان مجهولا وقتها وهو د . محمد سيد طنطاوى . صدر القرار بوقفى عن العمل ووقف مستحقاتى المالية ومنعى من الترقية لاستاذ مساعد ومنعى من السفر ومنعى من وضع الامتحانات لطلابى فى 12 كلية . التهمة أننى فى خمسة كتب قررتها على الطلبة فى هذا العام ــ وخصوصا كتاب : ( الأنبياء فى القرآن الكريم : دراسة تحليلية ) قد : أنكرت : العصمة المطلقة للنبى ، وأنكرت شفاعته ، وأنكرت أفضليته على كل الأنبياء .  

2 ــ قبلها وفى مساء الرابع من مايو 1985 ، فوجئت بزيارة غير متوقعة من رئيس قسم التاريخ والحضارة فى كلية اللغة العربية ــ الذى أعمل فيه وأعمدة القسم والزملاء يطرقون باب شقتى المتواضعة فى حىّ المطرية . جلسوا فى غرفة الصالون التى أيضا مكتبتى وموضع أوراقى وأبحاثى .   إبتلعوا دهشتهم من شقتى المتواضعة فى الحىّ الشعبى وهم يتعجبون من رفضى المستمر الذهاب الى إعارة فى السعودية ، وهى الاعارة التى يتنافسون عليهل ليغيروا سكنهم المتواضع الى شقق فاخرة وربما عمارة راقية . دخلوا فى الموضوع . قالوا أن رئيس الجامعة أصدر قرارا بكذا وكذا ، وعليك أن تحضر الساعة التاسعة صباح الغد جلسة التحقيق ، وهو إجراء شكلى فقط ، وسينتهى الموضوع بمجرد أن تقول إنك إجتهدت فأخطأت وتراجعت عن الخطأ . مجرد سطرين فى محضر التحقيق وستنتهى هذه القرارات . وأن رئيس الجامعة هو الذى كلفهم بهذه المهمة لاحتواء الموضوع ، فقد تعرض لضغوط جعلته يصدر هذه القرارات ، وكان رئيس الجامعة هذا من قبل عميدا لكلية اللغة العربية وبينه وبين أعضاء قسم التاريخ بالكلية مودة . ولهذا يريدهم تسوية الموضوع معى .

3 ـ قلت لهم : أن يبدأ رئيس الجامعة بهجوم شرس بهذه الحدة ثم يطلب منى الاعتراف بالخطأ ، فهذا لا اقبله . ثم أى خطأ هذا الذى وقعت فيه ؟ أتحدى أن يوجد خطأ فيما كتبت ، كل ما كتبته هو آيات قرآنية ، والآية تؤدى لآية أخرى تؤكدها وتشرحها . قالوا : أنت تدعى العصمة من الخطأ بينما تنفيها عن النبى . قلت لم ازعم العصمة ، انا إجتهدت وأقول أننى لم أخطىء فى إجتهادى . بينوا لى الخطأ أين ولنتناقش . قال لى د عبد العزيز غنيم : إننا قلقون بسبب وضعك وظروفك وأنت أب لأربعة أطفال، ونحن نريدك أن توفر عليك هذه المعاناة. قلت : لو كان رزقى فى يد شيوخ الأزهر لعبدتهم ، وإذا كان الله جل وعلا يرزق مناحم بيجن ويرزق شيخ الأزهر فهل سينسانى ؟ قال د عبد الشافى عبد اللطيف : إننا تعبنا حتى وصلنا الى ما نحن فيه . فلماذا تضحى بكل هذا وأمامك مستقبل ؟ قلت : أنا باحث ولا يخيفنى الضغط ، والمفروض أننا فى جامعة علمية ، ولسنا فى كنيسة من العصور الوسطى تقيم محاكم تفتيش . قال د عبد الشافى مهددا : إنت حُرّ . قلت له : فعلا..أنا حُرّ.

4 ـ فى صباح اليوم التالى 5/ 5 / 1985 كنت أمام  مجلس التحقيق . وتوالت جلسات التحقيق ولم يُفلح ترجى د محمد سيد طنطاوى فى أن أتراجع عن اقوالى . كنت أتكلم بالقرآن ، اٌقرأ له الاية وأتوقف فى منتصفها فيكمل لى الاية ، فاقول له : اليس هذا كلام الله ؟ فيسكت .. باقى الأحداث سبق أن تكلمت فيها من قبل .

5 ـ لم تعرف زوجتى بما حدث . أثار دهشتها حضور هؤلاء الأساتذة . وكنت أكتم عنها الموضوع والجلسات التى أحضرها ، الى أن أتى لزيارتى زملاء التخرج وأعز الأصدقاء وقتها : د سعيد رزق حجاج الزميل فى نفس القسم ، ود عبد الرزاق الطنطاوى الزميل فى قسم التاريخ بفرع الجامعة فى أسيوط ، ولا أتذكر إن كان معهم زميلنا الثالث د مالك رشوان ـ أم لا . لم أكن موجودا فى شقتى ، ورحبت بهم زوجتى ، ولدينا معرفة عائلية ، وتكلموا معها مستنكرين عنادى . وكانت أول مرة تعرف فيها زوجتى ما حدث وما يحدث . رجعت لبيتى فأخبرتنى عاتبة لأننى كتمت عليها ما حدث . إعتذرت متعللا بأنى أريد أن أُجنبها المتاعب . وسألتها عن رايها فى موقفى . قالت كلمة لا أنساها : " أحمد صبحى الذى أعرفه لا يتراجع عن حق يؤمن به . "  

5 ـ بعدها بسنتين ــ على ما أذكر ــ زارنى الزميل الصديق حسين الهنيدى ، وهو أسبق منى فى سنوات التخرج . جاء قلقا يريد أن يطمئنّ على أحوالى بعد أن تركت الجامعة .  نظر فى شقتى المتواضعة وفى نفس العمارة المتواضعة التى كنت أعيش فيها وأنا مدرس مساعد ثم ظللت فيها . قال إن زميلك فلان سافر إعارة الى السعودية واشترى شقة فى مدينة نصر وبنى عمارة فى بلدهم ، و زميلك فلان بنى عمارة فى مدينة نصر ، وفلان ..وفلان .. وأنت لا تزال تعيش فى هذه الشقة التى ضاقت عليك وعلى اولادك . اليس لأولادك حق عليك ؟ قلت له : لن أترك لأولادى شُققا وعمارات . سأترك لهم إسما يفخرون به . وهم الذين سيشترون لأنفسهم الشقق والعمارات . الآن أحمد الله جل وعلا أننى أفخر بأبنائى الأربعة الذين شهدوا مأساة يوم 5/ 5 / 1985 ، وما جاء بعده من مآسى . هذه الصعوبات خلقت منهم رجالا يتحملون المسئولية ، وكل منهم شق طريقا متميزا ، لا أحد منهم يعيش فى جلباب أبيه ، بل كل منهم له شخصيته وله إنجازاته ، وهذا يجعلنى أفخر بهم ربما أكثر من فخرهم بأبيهم .  مأساة يوم 5/ 5 / 1985 مسئولة عن تربية أبنائى ليكونوا فخرا لهم ولعائلتهم ولمن يعرفهم .

6 ــ مأساة يوم 5/ 5 / 1985 أفادتنى علميا وإيمانيا . حررتنى وأعتقتنى من الأزهر . حررت عقلى ليفكر بلا حدود وبلا ضغوط . خرجت من الأزهر وكنت لا أزال أحمل أوزارا من تراثه ، وكانت تعكسها مؤلفاتى . حتى يوم 5/ 5 / 1985 ، كنت لا أُمانع فى قبول ( الحديث ) طالما لا يخالف القرآن ، وكنت أستشهد به مع الآيات القرآنية . فعلت هذا فى كتبى الخمس التى حوكمت بسببها فى مأساة يوم 5/ 5 / 1985 ، لذا لم يتهمونى بإنكار السّنة . بعد  مأساة يوم 5/ 5 / 1985 ،عكفت على القرآن للمزيد من الهداية ، ومن يومها وأنا متفرغ للبحث القرآنى والبحث التاريخى والتراثى . تخلصت بحمد الله جل وعلا من أساطير وأبقار مقدسة مثل تقديس الفتوحات ( العربية ) أصبحت أعتبرها مسئولة عن نشر الكفر بالاسلام وتأسيس الديانات الأرضية للمحمديين ، وآمنت أن شهادة ( التوحيد ) الاسلامية واحدة هى ( لا إله ألا الله )، وأن الخلفاء ( الراشدين ) هم مرتدون حقيقيون عن الاسلام بما ارتكبوه من غزو وإحتلال ومذابح وحروب أهلية ، أنتجت شقاقا لا يزال المحمديون يعيشون فيه حتى الآن ، لا يزالون فى نفق مظلم يقتتلون .

7 ــ منذ عامين زارتنى صحفية كندية تؤلف كتابا عن الاسلام وعلمائه . فى نهاية أسئلتها سألتنى السؤال المعتاد عمّن تأثرت بهم فى أجتهادى ومن سبقنى فى أقوالى هذه . قلت إن 90% من إجتهاداتى لم يسبقنى اليها أحد . قالت : فمن صاحب الفضل عليك ؟ قلت : خصومى . لولاهم ما تفرغت للبحث فى الاسلام والقرآن وتراث المحمديين ، حمقهم هو الذى دفعنى للإجتهاد لأعرف الحق .

8 ـ أتخيل سيناريو مختلفا عن مأساة يوم 5/ 5 / 1985 . أتخيل أن رئيس الجامعة إستدعانى فى مكتبه وتكلم معى فى رقة وترجانى أن أتراجع عن آرائى حتى لا أسبب له الحرج ، وأنهم يضغطون عليه حتى يصدر قرارات كذا وكذا ، وهو يرفض حرصا علىّ وتقديرا لشخصى . أراهن أننى وقتها كنت سأتعاطف معه واشعر بالحرج من مخالفته ، واستمر شيخا عاديا فى الأزهر متمسكا ب ( الثوابت ) مجتهدا تحت سقفها فقط دون المساس بها .  

لو حدث هذا لكان قد تغير تاريخ الفكر الدينى عند ( المسلمين ) ولظلّ البخارى مقدسا ، وينحصر الجدل حول حديث الذبابة وحديث ( سحر النبى ) وحديث ( رهن درع النبى عند يهودى ). ولظلت ( السّنة ) مقدسة ، ولا يقترب أحد من الخلفاء الراشدين والصحابة وأئمة المذاهب إلا بالتقديس. ولظل الناس كلهم يؤمنون بأكاذيب ( حد الردة ، حد الرجم ، قتل تارك الصلاة ، عذاب القبر ، الشفاعة ، العصمة ، تفضيل النبى محمد على الأنبياء .. وجوب الحج الى القبر المنسوب اليه .الخ ) ..أبقار مقدسة كثيرة فى عقائد المحمديين تم ذبحها ، وتم تحرر الملايين منها . كل ذلك بسبب مأساة يوم 5/ 5 / 1985 . مأساة يوم 5/ 5 / 1985 جعلتنى أستمر فى طريق تدمير أساطير الدين السّنّى على الملأ ،واسهم حمقهم فى إضطهادى وسجنى الى إيصال فكرى  من بين عتبات الأزهر وجدرانه الى فضاء الاعلام عندما تركت الأزهر وعملت كاتبا حُرا أنشر فى الصحف والدوريات وفى المؤتمرات ، ثم فى فضاء الانترنت .

تشجع كثيرون خلال عشرين عاما من الجهاد التنويرى بعد مأساة يوم 5/ 5 / 1985 ،على السير فى الطريق ، مع إختلاف المستويات ، منهم من صعد الى المستوى الذى كنت عليه فى مأساة يوم 5/ 5 / 1985 ،أى لا مانع من الحديث طالما يتفق مع القرآن ، وتوقف عند هذا . وبعضهم تخصص فى التشهير بالبخارى والأئمة الآخرين ,تحطيم أسطورتهم المتوارثة ، ومنهم من سار معى جنبا الى جنب ثم تركنى لأنه لا يزال يحمل تقديسا للنبى محمد ، ومنهم من يتفق معى فى أنه لا تقديس لبشر أو حجر ، وأنه لا تأخذه فى الله جل وعلا وحقّه لومة لائم . ومنهم من يزايد علينا بجهل عجيب ، ينكر الصلاة والعبادات ، ومنهم من يصل به جهله الى تأويلات مزعجة للقرآن ..

9 ـ وتظل الحقيقة فى أن مأساة يوم 5/ 5 / 1985 ،التى حدثت من ثلاثين عاما بالضبط قد أحدثت تغييرا غير مسبوق فى تاريخ ( المسلمين ) الفكرى والعقيدى ، إذ قيل ما لم يُقل من قبل ، وهوجم من لم يُهاجم من قبل ، ودخل كثيرون على البخارى وغيره يقرأونه قراءة نقدية لم تحدث من قبل ، ودخل كثيرون على القرآن الكريم يقرآونه بتدبر لم يحدث من قبل .

10 ــ لقد تحركت عجلات قطار التنوير على مستوى العالم  .وبعونه جل وعلا لن تتوقف .  

اجمالي القراءات 12094

للمزيد يمكنك قراءة : اساسيات اهل القران
التعليقات (5)
1   تعليق بواسطة   عبدالرحمن المقدم     في   الثلاثاء ٠٥ - مايو - ٢٠١٥ ١٢:٠٠ صباحاً
[78172]

اكثر من ثلاثين عاما


منذ اكثر من ثلاثين عاما لم اري في اخلاصك لله عز وجل في اظهار الحقائق بسهولة ويسر - ولا املك لك الا الدعاء - وفقك الله -


2   تعليق بواسطة   دياب فرهود     في   الثلاثاء ٠٥ - مايو - ٢٠١٥ ١٢:٠٠ صباحاً
[78173]

كل الحق على بيت فرهود !


كل الحق على بيت فرهود :)

جزاك الله خيراً د. منصور على كل ما تقدّمه من فكر سليم للناس، وهدانا الله وإياك لنوره العظيم ولصراطه المستقيم ولأن نرى الحق حقاً ويرزقنا اتباعه ونرى الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه.

3   تعليق بواسطة   عبدالوهاب سنان النواري     في   الأربعاء ٠٦ - مايو - ٢٠١٥ ١٢:٠٠ صباحاً
[78180]

ما أروعها من مأساة


مأساة يوم 5/ 5 / 1985 جعلتنى أستمر فى طريق تدمير أساطير الدين السّنّى على الملأ ،واسهم حمقهم فى إضطهادى وسجنى الى إيصال فكرى  من بين عتبات الأزهر وجدرانه الى فضاء الاعلام عندما تركت الأزهر وعملت كاتبا حُرا أنشر فى الصحف والدوريات وفى المؤتمرات ، ثم فى فضاء الانترنت .



مأساة يوم 5/ 5 / 1985 أفادتنى علميا وإيمانيا . حررتنى وأعتقتنى من الأزهر . حررت عقلى ليفكر بلا حدود وبلا ضغوط .



عكفت على القرآن للمزيد من الهداية ، ومن يومها وأنا متفرغ للبحث القرآنى والبحث التاريخى والتراثى .



4   تعليق بواسطة   عبدالوهاب سنان النواري     في   الأربعاء ٠٦ - مايو - ٢٠١٥ ١٢:٠٠ صباحاً
[78181]

ولكن


صاحب الفضل عليك يا سيدي الكريم هو الله الله وحده لا شريك له



5   تعليق بواسطة   آحمد صبحي منصور     في   الأربعاء ٠٦ - مايو - ٢٠١٥ ١٢:٠٠ صباحاً
[78182]

شكرا أحبتى ، ولله جل وعلا الفضل وحده ، وما كنا لنهتدى لولا أن هدانا الله جل وعلا .


قد أكون رائدا فى مسيرة الاصلاح ، ولكن الريادة تحتاج الى من يكمل المسيرة ، وهذه مسئوليتكم أحبتى .

أعانكم الله جل وعلا ، وجمعنا فى مقعد صدق عند مليك مقتدر ، سبحانه جل وعلا.

أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق
تاريخ الانضمام : 2006-07-05
مقالات منشورة : 5111
اجمالي القراءات : 56,686,176
تعليقات له : 5,445
تعليقات عليه : 14,818
بلد الميلاد : Egypt
بلد الاقامة : United State

مشروع نشر مؤلفات احمد صبحي منصور

محاضرات صوتية

قاعة البحث القراني

باب دراسات تاريخية

باب القاموس القرآنى

باب علوم القرآن

باب تصحيح كتب

باب مقالات بالفارسي