كتاب ( المعارضة الوهابية فى الدولة السعودية فى القرن العشرين )

القسم الثالث المعارضة الوهابية التى أنجبت أسامة بن لادن  

الفصل الاول : المعارضة الوهابية التى أنجبت أسامة بن لادن في تقرير تاريخي موجز

خطاب المطالب : أول خطوة إيجابية للمعارضة الأصولية

 الظروف والتجهيز: النقد والتحليل ، التأثير

تحليل خطاب المطالب :

1-  طالب الخطاب بإنشاء مجلس للشوري ووظيفته البت في كل الشئون واعضاؤه من اهل الخير والاستقامة ،ولكن لم يشر الي طريقة اختيار الاعضاء ،هل بالانتخاب ام بالتعيين ،ومن يقوم بالتعيين هل هو الملك ام ان الاصوليين هم الذين يقيمون أنفسهم اوصياء علي الملك والشعب.والرأي الاخير هو الذي تعتقده الاصولية السنية ،كما سيظهر فيما بعد .

2-  عرض القوانين واللوائح كلها علي احكام الشريعة الاسلامية والغاء ما يتعارض معها ،هذا العرض يستلزم اجتهادا يضع الفقهاء السلفيين في مأزق ، حيث ارتبطوا بأقوال الفقهاء القدامي ،وتعقد الاحوال السياسية والادارية والاقتصادية يستلزم جرأة في الاجتهاد يراعي المصلحة ،وهذا ما عجز عنه الفقهاء منذ عهد عبد العزيز وإبنه سعود . الاجتهاد المحمود جاء من ناصر السعيد ، وهو معارض سياسى معتدل دينيا ، وهم يرفضون آراءه لأنه ليس وهابيا ..

3-  لا شك في اهمية الاستقامة والخبرة لدي المسئولين الحكوميين –وهذا يشمل الامراء والملك –وانعدام الاستقامة والخير يعني تضييع الامانة والاضرار بمصالح البلد وسمعته ،يعنى عزل المسئوال المتهم .!! فكيف يتم ذلك ؟. المضحك أن الذين يطالبون بهذا اجتهدوا في عملهم سرا خوف ملاحقة اولي الامر حتي يتم توصيل الخطاب لولي الامر ..فكيف يطالبونه بعزل نفسه او بعض المقربين اليه ؟ إن هذا المطلب مع مثاليته الا انه يعني اخضاع الحكومة القائمة الي حكومة اخري لم يتم تحدديها في ادبيات الفكر السلفي السياسية، وان كان قد تم تحديدها في الفكر العلماني الغربي خلال الفصل بين السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية وتوازنها في ظل حرية للفكر والعمل السياسي وسيادة القانون الوضعى الذي يعتبره السلفيون كفرا ويطالبون بعرضه علي اقاويل الفقهاء القدامي التي تمثل الشرع لديهم .

4-  ونفس الحال ينطبق علي المطالبة بتحقيق العدل والمساواة بين جميع افراد المجتمع في الحقوق والواجبات ،بما يشمل المساواة بين الامير والاجير والفقير ..وهو شعار سهل في القول ولكن تطبيقه يستلزم آلية واقعية ، والا ظل مجرد شعار يرفعه اصحاب المطامع السياسية ليركبوا به أكتاف الجماهير وصولا للسلطة .

5-  وبنفس الطريقة يمكن ان نقرأ بقية المطالب مثل (الجدية في محاسبة المسئولين بلا استثناء والعدل في توزيع المال العام وإزالة الاحتكار والملك غير المشروع والغاء البنوك الربوية وتحويل الاعلام ليكون معبرا عن الفكر السلفي وبناء السياسية الخارجية وفق عقيدة الموالاة التي تعني الخصومة المطلقة مع الغرب والغاء سفاراته وسيطرة الفكر السلفي علي القضاء والمؤسسات الدينية بعد تطويرها ….) [9] الخ .كل ذلك التغيير في بنية الدولة لا يتأتي الا عن طريقين ،اما باقتناع الملك واما باجباره على الاقتناع ان لم يقتنع ولا يكون ذلك الا بالقوة التي تفوق قوة الملك.

6-  والواقع ان الملك فهد اقتنع ..وبادر في اول مارس 1992 بأصدار ثلاثة مراسيم ملكية عن النظام الاساسي للحكم ومجلس الشوري ونظام المناطق ..كانت بداية ( متواضعة ) للاصلاح السياسي والدستوري ممن يملك القوة علي التشريع وعلى التنفيذ .

تأثر خطاب المطالب : مبادرة الملك فهد بالاصلاح السياسي :

1 ــ انشأ الملك عبد العزيز مجلس الشوري 1343هـ 1952م بفروع له في مكة والمدينة وجدة وينبع والطائف ،بالاضافة الي المرسوم الملكي الصادر في 2/1/1345هـ ،ثم خفت بعدها دور مجلس الشوري خصوصا بعد انشاء مجلس الوزراء سنة 1952 ،الي ان اصدر الملك فهد المراسيم الثلاثة عن نظام الحكم ومجلس الشوري والمناطق سنة 1992 .

2 ــ ويأتي النظام الجديد لمجلس الشوري استجابة للاصلاح المشار اليه في خطاب المطالب حيث يعمل من اجل توسيع قاعدة اتخاذ القرار ، وتوسيع صلاحيات المجلس الرقابية علي ايرادات الدولة ومصروفاتها واموال الدولة المنقولة والثابته ، والتأكيد علي حسن استعمالها ورفع تقرير سنوي عن ذلك لمجلس الوزراء ، وتشكيل جهاز رقابي تكون مهمته الرقابة علي الاجهزة الحكومية والتأكد من حسن الاداء وترشيد الانفاق للمال العام .كما يقوم مجلس الشوري باستحداث انظمة ،( حيث يتحاشي المرسوم كلمة تشريع وقانون) يختص ايضا بأبداء الرأي في السياسات العامة للدولة ،ومناقشة خطط التنمية ودراسة المعاهدات والاتفاقيات الدولية والامتيازات وتفسير الانظمة (القوانين )ومناقشة التقارير السنوية التي ترد من الوزراء . و يتشكل المجلس من 60 عضوا يختارهم الملك من اهل العلم والخبرة والاختصاص ، والا يقل عمره عن ثلاثين عاما ، ولا يجمع بين عضوية المجلس ووظيفة حكومية او ادارية ،أي ستكون عضوية المجلس مفتوحة لجميع المواطنين , ومدة المجلس اربعة اعوام قابلة للتجديد .

3 ــ اما نظام المناطق فيمنح الامراء سلطات اوسع ويسمح بمشاركة منظمة للاهالي من خلال مجالس محلية في مناقشة قضاياهم وخدمة قضايا بلادهم وذلك من خلال اربعين مادة .

4 ــ في النظام الاساسي للحكم (الدستور ) تقول المادة الاولي ان المملكة العربية السعودية دولة عربية اسلامية ذات سيادة تامة دينها الاسلام ودستورها كتاب الله تعالي وسنة رسوله صلي الله عليه وسلم ،ولغتها هي اللغة العربية وعاصمتها هي مدينة الرياض ،وتقول المادة 6 :يبايع المواطنون الملك علي كتاب الله تعالي وسنة رسوله وعلي السمع والطاعة في العسر واليسر والمنشط والمكره ،والمادة 8 تقول :يقوم الحكم في المملكة العربية السعودية علي اساس العدل والشوري والمساواة وفق الشريعة الاسلامية .والمادة 26 تنص علي ان تحمي الدولة حقوق الانسان وفق الشريعة الاسلامية ،وتتعلق باقي مواد الباب الخامس المختص بالحقوق والواجبات بحقوق المواطنين في العدالة والضمان الاجتماعي والتعليم والصحة والعمل والمحافظة علي البيئة ، وواجب الدولة في توفير وصيانة هذه الحقوق . ويتحدث الباب السادس عن سلطات الدولة في 28 مادة منها المادة 44 التي تنص علي تأسيس ثلاث سلطات متميزة وان كانت متعاونة ويكون الملك هو مرجعيتها وهي السلطات القضائية والتنفيذية والتنظيمية (التشريعية )، وتنص المادة 46 علي ان القضاء سلطة مستقلة ولا سلطان علي القضاة في قضائهم الا سلطان الشريعة الاسلامية [10] وهذا الاصلاح يحاول المواءمة مع مطالب المعارضة السلفية بالاصلاح الذي يناسب الثقافة السائدة في الجزيرة العربية .ولكن يبقى مجلس الشورى مجرد مجلس للملأ الذى يفكر فيما يُرضى الفرعون ، هو خادم للملك ، يفكر للملك ، ويعينه الملك ، ويستطيع تهميشه ، وعزل بعض إعضائه . هو مجلس يخدم الملك ولا صلة له بالشعب ، فلم ينتخبه الشعب . هو خطوة متواضعة بسيطة .

5 ــ وكان ممكنا ان تتخذ المعارضة من خطوة الملك فهد اساسا للاصلاح تتعاون فيه مع السلطات في سبيل تحويل القرارات الي واقع وتطوير هذا الواقع نحو الافضل الا ان ذلك يستلزم المواجهة مع الواقع الذى يستلزم اجتهادا فقهيا يواكب العصر ولا تستطيعه الأصولية الوهابية المقيدة بالأحاديث والفتاوى السلفية وتعاليم ابن عبد الوهاب وابن تيمية ، كما يستلزم تغييرا ثقافيا فى العقلية الشعبية لتتقبل الاصلاحات ، وهذه العقلية الشعبية قد تربّت على الفكر السلفى وتعتبر تغييره والمساس به كفرا بُواحا . لذا كان الاسهل لدى المعارضة الأصولية السنية الوهابية هو المزايدة بالشعارات لتحقيق مكاسب سياسية ..ومن هنا استمرت المعارضة في طريقها من خطاب المطالب الي مذكرة النصيحة ثم ظهور اللجنة الشرعية وصراعها مع الحكومة السعودية .