آحمد صبحي منصور Ýí 2014-09-20
كتاب ( المعارضة الوهابية فى الدولة السعودية فى القرن العشرين )
القسم الثانى : القسم الثانى : المعارضة الوهابية فى عهد سعود وفيصل و خالد
الفصل الثانى جهيمان العتيبى واحتلال الحرم المكى (10/11/1979 –اول محرم سنة 1400 هـ )
موقف جهيمان من الدولة السعودية :
جهيمان بين الاخوان النجديين والملك عبد العزيز :
سبق توضيح موقفه من الدولة من حيث قيمة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر ،ويبقي ان نتوقف مع ارائه الاخري السياسية وصلتها بالامر بالمعروف والنهي عن المنكر ،وهو الاساس الذي قامت عليه الوهابية وفق المفهوم السلفى لامر بالمعروف وتغيير المنكر ، وهو الأساس الذى قامت عليه ( الدول السعودية ) ، والذى قام عليه فكر جهيمان ( الوهابى الثائر ) ،وفكر جهيمان استمرار لما ثار الاخوان من اجله من قبل في عهد عبد العزيز .
وفي البيئة التي عاش فيها جهيمان كان منتظرا ان يعايش الفكرة القائلة بأن الاخوان ،ومنهم جده المباشر هم الذين اقاموا ملك عبد العزيز ال سعود علي اساس الامر بالمعروف والنهي عن المنكر ،فلما طالبوه باستمرار الجهاد حاربهم وانفرد دونهم بالسلطة والثروة .وهذه الفكرة تتردد بين سطور جهيمان ويحاول بمنهجية سلفية ان يدعمها .ونفس الفكرة هي التي حددت موقعه ضد الدولة السعودية ،وجعلته يعد نفسه لهذه الفكرة سياسيا وعسكريا ودينيا ،بالالتحاق بالحرس الوطني وبالجامعة والدراسات في الحديث والتراث السلفي.
ويؤكد نفس الفكرة ان الدولة السعودية منذ عهد الملك فيصل ازداد ارتباطها بالمعسكر الغربي الامريكي خصوصا بعد تدهور مكانة الاتحاد السوفيتي والتقارب السياسي بين مصر والسعودية .فأصبح هذا الوضع الجديد مقلقا لجهيمان ونذيرا له بقيام الساعة علي نحو ما حاول تأكيده في رسائله حين كان يحرص علي الدفاع عن الاخوان النجديين والهجوم علي الملك عبد العزيز .
يقول جهيمان عن عبد العزيز (ان مؤسس دولتهم الملك عبد العزيز والمشايخ الذين كانوا معه في سلطانه وهم مابين موافق له ومعزز له بما يشاء ،واخر ساكت عن باطله ،واخر التبس عليه الامر ،دعا الاخوان رحمهم الله الذين هاجروا في القري المختلفة هجرة لله عز وجل ،دعاهم الي بيعته علي الكتاب والسنة فكانوا يجاهدون ويفتحون البلاد ويرسلون له بما للامام من الغنائم والخمس والفئ ،ونحو ذلك علي انه امام المسلمين ،ثم لما استقر الامر له وحصل مقصوده والي النصاري ومنع الجهاد في سبيل الله خارج الجزيرة ،فلما خرجوا لقتال المشركين في العراق الذين يدعون عليا وفاطمة والحسن والحسين مع الله لقبهم هو ومشايخ الجهل الذين معه ،لقبوهم باسم يكرهه اهل الاسلام وهو الخوارج …مع ان الاخوان رحمهم الله –لم يخرجوا عليه ولم يخلعوا يد الطاعة وانما لم يطيعوه حينما نهاهم عن الجهاد ،وهذا هو الواجب لقول النبي صلي الله عليه وسلم (انما الطاعة في المعروف )متفق عليه ،وقوله ( لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق )رواه احمد وهو حديث صحيح .فتبين ضلالتهم في حكمهم علي من خالفهم انه خارجي ،ولكنهم يلبسون علي عوام المسلمين الذين لا يتبصرون في دينهم ويجدون من مشايخ الضلال من يعطيهم الفتاوي بلا ورع ولا تقوي ، وليس لنا مراد في الخوض في الاموات ،فقد افضوا الي ما قدموا ،ولكن لأمرين :الامر الاول دفع الشبهة عن اخواننا الذين جاهدوا في سبيل الله وكانوا صادقين مع الله ثم مع ذلك تلبسهم هذه الدولة وعلماء السوء لباس الخوارج المارقين عن دين الاسلام ، حتي انك لتجد اليوم من اهل الخير الملتبس عليهم امرهم من لا يترحم عليهم (سبحانك هذا بهتان عظيم ) وانما هم –رحمهم الله –كما اشرنا لك الي طرف من اخبارهم .ولكن ان اردت المزيد من اخبارهم والتثبت من ذلك فستجد اليوم من هو علي قيد الحياة من اخوانهم الذين جاهدوا معهم ويعرفون حقيقتهم حتي لا تغتر بثناء الحكام علي انفسهم وتشنيعهم علي من خالفهم .ولا غرابة في ذلك من اهل ملك يريدون تثبيت ملكهم ،ولكن الغرابة ممن يدعي الي الصلاح والخير ثم يتهم المؤمنين بما هم منه ابرياء ..وبعد ما لقبهم –أي الملك عبد العزيز –بالخوارج وحمل اخوانهم الذين لم يخرجوا معهم علي قتالهم .فخرج بهم علي طريقهم وبدأهم بالقتال …وقبل ذلك ارسل الي الشريف حسين بكتاب يقول فيه (حسين يا خوي انت في نحورهم وانا في ظهورهم) فلما قتلهم وشتتهم واستقر سلطانه الجبري والي النصاري وعطل الجهاد في سبيل الله وانفتح من الشر ابواب مغلقة ، ثم واصل ابناؤه السير علي منهجه من بعده ..
الامر الثاني :حملنا علي الكلام في تاريخ هذه الدولة مع اهل الحق الصادقين وتلقيبهم بالخوارج تلبيسا علي العوام والجهال انه لا يزال الي اليوم من هو علي هذه الضلالة من مشايخ الجهل والضلال يعتقدون ان الاخوان الماضيين خوارج ،ويسمون من يدعو الي الحق الذي جاء في الكتاب والسنة اليوم خوارج ويفتون بقتله )[32].
وقد اضطررنا الي نقل هذا النص بطوله لأنه يعبر فيه جهيمان بوضوح عن رأيه في الدولة السعودية من عهد عبد العزيز ،وكيف انه ينحاز اساسا للاخوان ويعادي من اجلهم الدولة ،ويعادي من يساندهم من العلماء ،ويري استمرار الدولة في عداء الاخوان ومنهجهم واتهامها لهم بأنهم خوارج في نفس الوقت الذي توالي فيه الدولة النصاري ،أي الغرب ، وتسكت عن الشيعة (المشركين ).
وهذه الخلفية النفسية والثقافية لجهيمان لم تحدد فقط موقفه مع الاخوان وضد الملك عبد العزيز وابنائه من بعده ،ولكنها جعلت جهيمان يقوم بعمل عجز عنه الاخوان في عهد عبد العزيز ،وهو التبحر في الثقافة السلفية للهجوم علي الدولة السعودية من خلال ايدولوجيتها ،وتنوع هذا الهجوم ليكون فقهيا شرعيا يستعمل مصطلحات الفقه الحنبلى الوعظى : ( تعطيل الامر بالمعروف والنهي عن المنكر ، تعطيل الجهاد ،موالاة النصاري )وليحمل معه هجوما فقهيا سياسيا يبحث في مشروعية النظام السعودي ومدي صحة البيعة والطاعة لهم ،ومشروعية العمل لدي الدولة وامكانية تكفير الحكام ،ونتعرض لهذه القضايا بالتفصيل والتحليل .
وصف الخليفة كما ينبغي ان يكون عند جهيمان :
يراه جهيمان متمتعا بصفتين ،انه يحكم بين الناس بالحق وانه لا يتبع الهوي ،ويقول (فأما من نبذ الحكم بالكتاب والسنة وراءه ظهريا واتبع هواه ولم يحكم بين الناس بشرع الله فقد ضل عن سبيل الله )[33] وفي موضع اخر يشترط في الخليفة ان يكون مسلما قرشيا مقيما للدين ،ويقول (وعلي هذا لا يجوز عقد البيعة لمن لا تتوفر فيه هذه الشروط [34].وإشتراط أن يكون قرشيا يؤكد رغبة جهيمان فى عدم شرعية حكم آل سعود .
ويقول جهيمان (واعلم انه انه قد جاء في الشرع انه لا يقوم علي المسلمين الا خليفة واحد ،فأن بويع لاخر قتل الاخر ) واستشهد بحديث سلفى إحتفل به ابن تيمية : ( اذا بويع لخليفتين فاقتلوا الاخر منهما )[35] مع ان تاريخ المسلمين في معظمه يقوم علي تعدد الحكام في نفس الزمن ،وكل منهم كان يزعم نفسه الخليفة ،حدث هذا في التاريخ العباسي والتاريخ الفاطمي والتاريخ الاندلسي .
اما القرآن الكريم فيقول (وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (9) الحجرات ) . ومفهوم من الآية الكريمة وجود طائفتين متنازعتين ،ولابد من وجود قائد لكل منهما .ثم تقوم طائفة اخري بالاصلاح .والطائفة هنا ذات الجيش والقيادة والمصالح تعني الدولة. اذن فالتشريع الاسلامي يتسع لوجود دول اسلامية متنازعة ،ويأمر بالتدخل الدولي من خلال تحكيم دولة مسلمة اخري في النزاع .وبالتالي فان المقولة السلفية بأنه لا يكون للمسلمين الا خليفة واحد ليست صحيحة علي اطلاقها .وقد تعني وفقا للحديث ان يكون ذلك في نفس الدولة ونفس المكان ونفس الزمان.
علي ان استشهاد جهيمان بذلك الحديث في معرض خصومته للدولة السعودية ليس في صالحه ،لأنه في وجود الحاكم السعودي الذي بايعته الاغلبية فان الحديث يحكم بقتل الذي بويع مؤخرا .أي اعدام القحطاني المهدي المنتظر الذي اقامه جهيمان .
ونعود الي وصف جهيمان للخليفة (المنتظر ) وقدرأيناه يتهم من لا يحكم بالشرع بالضلال .الا ان جهيمان عقد فصلا في المقارنة بين الخلافة الشرعية وما اسماه بالملك الجبري او الحكم المستبد .
بين الخلافة والملك الجبري :
يري جهيمان ان هناك خلافة علي منهج النبوة وملكا عضوضا وملكا جبريا .وانه بعد النبي عليه السلام جاءت خلافة علي منهاج النبوة ،ثم جاء الملك العضوض ،ثم جاء بعده الملك الجبري ،ويري طبقا لما جاء في احاديث الغيبيات السلفية ان المستقبل يحمل بشري طيبة بعودة الخلافة التي تقوم علي منهاج النبوة .وفي تلك الخلافة النبوية تكون البيعة علي قول الحق ولنصرة دين الله والجهاد عليه حتي لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله ،ويقول (وبلا شك ان هذا يستلزم قتل خيارهم ومفارقة الناس وعض السيوف ) ولعله يشير بذلك الي الاخوان في عصر عبد العزيز وفي عصره .لأنه بعد ذلك قال مباشرة (واذا نظرت اليوم في تطبيق هذا علي الواقع رأيت انا نعيش اليوم في الملك الجبري الذي ليس المسلمون فيه هم الذين يختارون الخليفة ،وانما هو الذي يفرض نفسه عليهم ثم يبايعونه بيعة مجبورين عليها ،ولا يترتب علي عدم رضاهم بهذا الخليفة انه ينعزل ،كلا، بل الامر جبري .وان حكام المسلمين اليوم لم يبايعوا الناس علي ما بايع عليه الصحابة رسول الله صلي الله عليه وسلم من القول بالحق حيثما كانوا ونصرة الدين ،بل علي نظام وقوانين ليس فيها من الشرع الا ما وافق الهوي ،واما ما خالف فلا .)
والمستخلص من كلامه ان الدولة السعودية تنتمي الي الملك الجبري المعتمد علي قوانين ليس فيها من الشرع الا ما وافق الهوي ،وبالتالي فان الوصول من الحكم الجبري الي استعادة الخلافة القائمة علي المنهاج النبوي يستلزم بيعة علي قول الحق ونصرة دين الله والجهاد عليه ،وهذا يستلزم قتل خيار الناس ومفارقة للاهل ومعاناة الحرب.
وقد اشار في السطور السابقة الي الاختلاف بين البيعة في الخلافة الشرعية والبيعة فيما اسماه بالملك الجبري ،ففي الاولي يختار المسلمون الخليفة بحريتهم ،أي ان الامة هي مصدر السلطات ، اما في الثانية فالملك هو الذي يفرض نفسه علي المسلمين بقوته .
ولأهمية موقع البيعة وما تستلزمه من طاعة الامام فانه يقول في نهاية حديثه (وهذه لفته عابرة الي ان هذا الملك (السعودي ) ليس علي منهاج النبوة ،واما وجوه البطلان لبيعتهم التي يترتب عليها عدم وجوب طاعتهم فتأتيك ان شاء الله )[36].
البيعة والطاعة بين الخلافة الشرعية والملك الجبري :
بعد ان ذكر شروط الخليفة الشرعية (ان يكون مسلما قرشيا مقيما للدين ) قال (وعلي هذا لا يجوز عقد البيعة لمن لا تتوفر لديه هذه الشروط ،وبهذه الشروط تتم البيعة الشرعية )[37 ].
وفي موضع اخر يقسم الامارة والخلافة والولاية الي قسمين :قسم يقود بكتاب الله وسنة نبيه صلي الله عليه وسلم ،ويقول ( فهذا لا خلاف في وجوب طاعته ،والقسم الاخر لا يقود بكتاب الله ولا يبايعهم علي نصرة دين الله وانما يقول ولا يفعل ولا يهتدي بهدي النبي صلي الله عليه وسلم ولا يستن بسنته ، وكثيرا ما يكون في الملك الجبري ،فهذا لا بيعة له ولا طاعة حتي ولو حكم له بالاسلام )[38].
أي يحصر الطاعة في الخلافة الشرعية ،اما الملك الجبري فلا يستحق عنده الطاعة حتى لو حكم بالاسلام .!.
ويعطي تفصيلات اكثر فيقول (واليوم انما يحكم المسلمون بالملك الجبري الذي ليس مبنيا علي البيعة ،وقد خالف شرع الله في عدة امور منها :( 1) ان الحكام فيه ليسوا من قريش (2) انهم لا يقيمون الدين بل يهدمونه ويحاربون اهله (3) انهم لا يأخذون البيعة من رعيتهم بصفقة اليد وثمرة القلب وطوعه واختياره ،بل بالجبر والقهر .وبهذا تعرف عدم وجوب بيعتهم وطاعتهم ) وفي موضع اخر يقول (وانما يعيش المسلمون تحت حكام جبريين لا يقيمون فيهم الدين ،اما من تحرج من الطاعة فانت تعرف ان الطاعة لا تجب الا لمن يقودنا بكتاب الله .اما من يقودنا بالانظمة المختلفة والقوانين ولا يأخذ من الدين الا ما وافق هواه فهذا لا سمع له ولا طاعة ،وقد عرفت بطلان بيعته ).
أي ان جهيمان يري بأنه لا بيعة ولا طاعة لال سعود ،وبالتالي يوجب اعتزالهم ،يقول ( وبهذا تعرف عدم وجوب بيعتهم وطاعتهم …والذي دل عليه الشرع هو اعتزالهم لأن وجودهم هلاك للدين وهدم للحق واحياء للبدعة واطفاء للسنة )، واستشهد بحديث (هلاك امتي علي مدي اغلمه من قريش :قالوا فما تأمرنا ؟ قالوا :لو ان الناس اعتزلوهم ..)[39].
فقه الاعتزال عند جهيمان :
يقول جهيمان (اما ولاة المسلمين في عصرنا فقد عرفنا ماعندهم وهي ثلاث خصال لا رابع لها :اما ان توافقهم وتسكت عن باطلهم فيدنوك ويقيمون بك سلطانهم باسم الدين ،ان تسكت عنهم فيسكتوا عنك ،ان تخالفهم وتبين الحق فسوف يسلكون فيك مسلك قريش مع النبي صلي الله عليه وسلم ،أي يقتلونك هم وعلماؤهم بالشبه التي يلبسون بها علي عامة المسلمين )
ويؤكد ذلك في موضع اخر فيقول عن الدولة السعودية بالذات (وتجد حكمهم وسلطانهم قائما علي ثلاث قواعد من حيث معاملة اهل العلم والدين ،ان وافقتهم وسكت عن باطلهم قربوك واتخذوك حجة علي من خالفهم ،وان سكت عنهم سكتوا عنك ،وربما زاروك وارسلوا لك الهدايا ،وذكروا في حقك الحديث ( المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده ) وهي كلمة حق اريد بها باطل ،وان خالفتهم قتلوك بشبهة يسكتون بها الارنب ،فيقولون هو خارجي ).
وحدد جهيمان موقفه من الدولة السعودية علي هذا الاساس ،يقول ( اعود فأقول :هذه القواعد الثلاث هي التي يتخذونها مع اهل العلم والدين ،وهي ان توافقهم وتسكت عنهم أو يقتلونك ،وهذه هي الاسباب التي حملتني علي الا اواجههم وابين لهم الحق، لاني عرفت ما عندهم في من خالفهم ،وانهم لا يحبون الناصحين بل يقتلونهم ،وانا لا اريد قربهم ،ولا اريد السكوت عنهم وعن الحق ،فلم يبق الا الثالثة )[40]. وهي الاعتزال .
وخيار الاعتزال اكده جهيمان ،يقول ( ولذلك فالسلامة مع هؤلاء الحكام الذين يقولون بغير علم ويعملون بغير بصيرة هو الابتعاد عنهم ،واذا سئل عن شئ في الدين اجاب بالقول الصحيح ،ولا يعينهم علي الباطل او يسكت عنه ) الي ان يقول ( مع ان مخالطة الناس لابد فيها من انكار المنكر ،فان سكت وانت تستطيع ان تنكر فسكوتك منكر لا يجوز لك . وهذا يستلزم منك عدم حضور المنكر لئلا تراه وتسكت عنه فتقع في منكر وهو السكوت .ومن هنا نعرف ان من لا ينكر لا يجوز له حضور المنكر بل يجب عليه مفارقته لئلا يقع بنفسه في منكر )
ومن خيار الاعتزال جاء تحريم جهيمان للعمل مع الدولة ،واستشهد باية (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمْ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيراً (97) النساء ) وبحديث ( يوشك ان يأتي علي الناس زمان خير مال المسلم غنم يتبع بها شغف الجبال ،ومواقع القطر يفر بدينه من الفتن ) وقال معلقا (واعلم ان هذا القول هو الذي كنت اقول به من قبل ويعكسه بعض الناس فيقول هو يحرم الوظائف ،فعفا الله عنا وعنهم ،,,فمنهم من قال في شأني وشأن الاخوان اقتلوهم فانهم خوارج وان لمن قتلهم اجرا عند الله تعالي، ومنهم من قال اسجنوهم فانهم متمردون، وغير ذلك مما هو معلوم )[41].
أي ان جهيمان قال بتحريم التوظيف ،فصدرت الفتاوي في شأنه من خصومه العلماء تحرض علي قتله اوسجنه لأنهم يحاربهم في رزقهم .
ويتردد في كتاباته صدي تحريمه للوظائف بالحكومة السعودية ،اذ انه يقنن ذلك في معرض احتجاجه علي علماء الدولة ،ويقول (وبهذا نعرف بطلان قول من يقول :نأخذ المناصب لنخدم بها الاسلام ونصلح الناس ،ويغالون في ذلك ،فيقول بعضهم لبعض اخواننا حينما ترك الدراسة والوظيفة :هذا من التولي يوم الزحف ،فألي الله المشتكي ،اذا كانت هذه مقالة من ينتسب الي العلم والصلاح ،وانما هذا من فرط الجهل وضعف البصيرة وقلة العلم ،فيا محنة الاسلام من كل جاهل ويا قلة الانصار من كل عالم )[42].
ويتوجه جهيمان بدعوته لتحريم التوظيف الي العاملين في الشرطة وغيرهم ويجتهد في ايراد الاحاديث وتفسيرها حسب هذا السياق الي ان يقول (واذا تبين لك هذا كله ونظرت في الاحاديث الباقية عرفت كيف ينطبق عليهم وماذا يجب علينا تجاههم .والموقف معهم :لا طاعة لمن عصي الله ..والموقف تحريم العمل عندهم عريفا أي اميرا او شرطيا او جابيا او خازنا ) وفي موضع اخر يقول (وفي الحديث الاخير تري كيف ينطبق هذا الوصف علي كثير من الامراء ،وهو انهم يقولون ويتكلمون بالباطل ولا يستطيع احد ان يرد عليهم لخوفهم وهيبتهم والرهبة منهم ،فاولئك يتهافتون في النار جزاءً وفاقا، نسأل الله العافية ،كما نخاف علي من يعمل في الشرطة اليوم من قول النبي صلي الله عليه وسلم (سيكون في اخر الزمان شرطة يغدون في غضب الله ويروحون في سخط الله )[43].
وبذلك نفهم عرض جهيمان السياسي من تثبيط الناس عن ولائهم للدولة السعودية ،خصوصا من كان في مواقع مؤثرة تتعلق بالقوة والاموال .وبذلك تكتسب دعوته للاعتزال بعدا سياسيا يتحول به الاعتزال الي عمل ايجابي يتصل عنده بمفهوم الامر بالمعروف والنهي عن المنكر ،وهو المحور الذي يدور حوله جهيمان في دعوته ،خصوصا وانه يري الانكار القلبي بالتصريح الايجابى وليس بالسكوت.
من الاعتزال الي الانكار :
يقول جهيمان بطاعة الحكام الذين يثبت لهم الاسلام ماداموا يقيمون الصلاة وان اظهروا الفسق والفجور ،ولكن يجب الانكار عليهم فيما يفعلون من الباطل علي مراتب الانكار الثلاثة باليد واللسان والقلب .أي ان المهم هو اقامة الشرع ثم الانكار علي الحاكم اذا تصرف شخصيا فيما يستوجب الانكار ، الا انه يقول عن حكام المسلمين اليوم انهم ليسوا ائمة (لأن امامتهم للمسلمين باطلة ومنكر يجب الانكارعليه كما تقدم ذلك بالادلة، لانهم ليسوا من قريش ولا يقيمون الدين ولم يجتمع عليهم المسلمون .وانما اصحاب ملك سخروا المسلمين لصالحهم ،بل جعلوا الدين وسيلة لتحقيق مصالحهم الدنيوية فعطلوا الجهاد ووالوا النصاري وجلبوا علي المسلمين كل شر وفساد ،نسأل الله ان يريح المسلمين منهم )[44].
وبذلك تتحول انظمة الحكم في بلاد المسلمين الي منكر يجب ازالته طبقا لحديث (من رأي منكم منكرا فليغيره ..) وبالتالي فان ذلك يحوي ضمنيا اتهاما لاولئك الحكام بالكفر .فهل كان جهيمان يحكم بكفر الحكام ؟..
من الاعتزال والانكار الي التكفير :
يعترف جهيمان بخطورة التكفير فيقول (واما مسألة التكفير فهي خطيرة ،واكثر من يخوض فيها ممن لا حظ له من العلم والتجرد الا القليل ،فهو يجعل الحكام الذين يظهرون الاسلام كفرعون والدجال ،والاخرون علي النقيض من ذلك تماما ،فهم يجعلون هؤلاء الحكام كابي بكر وعمر )[45] أي انهم يحكمون بالتكفير والايمان حسب الهوي والمواقف المتغيرة .فهل وقع جهيمان فيما اتهم به الاخرين ؟
الذي يبدو من خلال تحليل كتاباته تغير موقفه حسب الظروف المتغيرة .فيما بين البداية في رسائلة الاولي حيث كان يتحرج من التكفير لخصومه الحكام في الاغلب ،الي وقوعه في تكفيرهم في رسائله الاخيرة عندما تعمق خلافه مع الدولة السعودية .
في البداية كان يفصل بين بطلان بيعة الحكام السعوديين وعدم طاعتهم ،وبين الحكم بالكفر عليهم ،يقول (وبعد هذا كله والذي نعتقده في حكام المسلمين اليوم ..انهم ليس لهم علي المسلمين بيعة ولا تجب عليهم لهم طاعة ،ومع ذلك لا يلزم من هذا كله تكفيرهم ،بل من اظهر منهم الاسلام حكمنا له به حتي تثبت ردته فنحكم عليه بالكفر ،مع اعتقادنا ان بقاءهم هدم للدين ولو كانوا يدعون الي الاسلام .نسأل الله ان يريحنا منهم اجمعين ) ويقول( واما وجوه بطلان بيعتهم التي يترتب عليها عدم وجوب طاعتهم ..فلا يلزم من بطلانها تكفيرهم بل هم مسلمون –بيعتهم باطلة شرعا بالادلة والكتاب والسنة )ويقول عن حكام المسلمين ( ولا تستطيع ان تحكم لهم بغير الاسلام حتي يفعل الواحد منهم ما يرتد به عن دينه فيحكم له بالكفر ،اما من لم يظهر فيه ذلك فيحكم له بالاسلام كما يحكم للمنافقين بالاسلام مع انهم في الدرك الاسفل من النار ).
الا انه سرعان ما يتناقض مع نفسه حين يقول عن بعض الامراء (وفي الحديث الاخير تري كيف ينطبق هذا الوصف علي كثيرين من الامراء ،وهو انهم يقولون ويتكلمون بالباطل ولا يستطيع احد ان يرد عليهم لخوفهم وهيبتهم والرهبة منهم ،فاولئك يتهافتون في النار جزاءً وفاقا ،نسأل الله العافية )[46].وهنا حكم ضمني بالكفر علي كثير من الامراء مع انه لم يصرح بكفرهم .
وقد تحول هذا التلميح الي تصريح في رسائله الاخيرة .وقد سلك طريقة ذكية في تكفيره للحكام ،اذ كان يستعين علي ذلك بفتاوي الائمة ،ويراها تنطبق علي الحكام ،ونكتفي بمثال واحد .
ينقل جهيمان عن الشيخ محمد بن عبد الوهاب قوله (اعلم ان نواقض الاسلام عشرة ) ويعددها جهيمان ويري بعضها ينطبق علي حكام السعودية مثل قوله (من لم يكفر المشركين او شك في كفرهم او صحح مذهبهم كفر )يقول جهيمان معلقا (ونريد ان نقف هنا قليلا ونتساءل :لماذا لم يكفر اليوم من يدعو عليا وفاطمة رضي الله عنهما وكذلك من يدعو الرسول صلي الله عليه وسلم من دون الله ؟ ولماذا ترك العمل بقوله تعالي (انما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا ) بل نري المشركين من الشيعة وامثالهم يملأون مكة والمدينة ويجاهرون بشركهم ؟ثم نتساءل :هل وجد في دين الاسلام من يأخذ الزكاة من الروافض (أي الشيعة ) ويعطيهم الاعانات ويعتبرهم من رعاياه كما يعامل اليوم رافضة الجنوب والاحساء )والمقصود من كلام جهيمان ان الحاكم السعودي حين يسمح للشيعة بالحج وحين يأخذ منهم الزكاة ويعطيهم الاعانات ويعتبرهم رعاياه فانه تنطبق عليه فتوي ابن عبد الوهاب فيمن لم يكفر المشركين فيكون مثلهم كافرا .ويضيف متسائلا عن موقف الحاكم السعودي من بعض زعماء المسلمين الذين افتي الشيخ ابن باز بكفرهم مثل بورقيبة وعبد الناصر ،يقول جهيمان (ونتساءل لماذا يسمي بورقيبة الزعيم المسلم ويهنئه باعياد المسلمين وقد اصدر الشيخ عبد العزيز ابن باز رسالة افتي فيها بكفره لزعمه ان القرآن متناقض …ثم لماذا صلي (أي الملك فيصل ) علي جمال عبد الناصر وندبه للعالم الاسلامي ،وقد افتي الشيخ عبد العزيز بن باز وفقه الله بتكفيره ايضا ؟ ولم يصدر حتي الان تراجع الشيخ عن هذا ولا ذاك ؟)
ثم يدعو جهيمان الشيخ ابن باز لتكفير من لم يكفر بورقيبة وعبد الناصر ،يقول (اننا نناشد الشيخ عبد العزيز وفقه الله ان يعلن للمسلمين حقيقة هذه الامور الخطيرة، وان يبين موقفه وموقف غيره من ذلك، وان يتقي الله في عباد الله ).
وضغط جهيمان علي الشيخ ابن باز بالايات القرآنية محذرا اياه من ان يكون معهم في خندق واحد ،يقول (ونذكر الشيخ بآيات من كتاب الله نرجو ان يضعها نصب عينيه ان وفقه الله للاجابة وهي قوله تعالي : ( ولا تجادل عن الذين يختانون انفسهم ان الله لا يحب من كان خوانا اثيما يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله وهو معهم اذ يبيتون مالا يرضي من القول وكان الله بما يعملون محيطا ،هانتم هؤلاء جادلتم عنهم في الحياة الدنيا فمن يجادل الله عنهم يوم القيامة ام من يكون عليهم وكيلا ،النساء 107- )[47].
أي انه تستر خلف ابن عبد الوهاب ثم ابن باز في اعلان التكفير للحكام المسلمين وخصوصا ال سعود ،وهو بذلك يقع فيما حذر منه سابقا وهو التكفير حسب الهوي ،لان الاسباب التي بني عليها تكفيره لال سعود ،مثل علاقتهم بالشيعة في المملكة ،او علاقتهم ببعض زعماء العرب لم تكن طارئة ،وانما كانت واضحة قبل ظهور جهيمان ،وكانت واضحة وهو يتوقف عن تكفيرهم قائلا (بل من اظهر منهم الاسلام حكمنا له به حتي تثبت ردته فنحكم عليه بالكفر )والعبارة الاخيرة يظهر منها اساس هام من اسس الفكر السلفي ،وهو التكفير، كما لو ان الله تعالي اعطاهم تفويضا بالحكم علي الناس في الدين قبل يوم الدين .
من التكفير الي التمرد العسكري واقتحام المسجد الحرام :
وفي ثقافة جهيمان السلفية فان التكفير يستدعي استحلال الدم ،كما ان النهوض لازالة المنكر يقترن بالجهاد ،واذا اعتبر الدولة نفسها منكرا يجب ازالته فان الحركة ضدها تصبح جهادا مشروعا ،واذا كان مستحيلا علي جهيمان باخوانه ان يواجه جيوش الدولة السعودية فانه اختار موضعا يسهل عليه اقتحامه ،كما يسهل عليه فيه الاعلان عن نفسه ومجموعته وجعل العالم كله يلتفت اليه ،ولعله فهم ان مصير حركته الي الفشل العسكري ،الا ان عمليته ستلفت الانتباه الي دعوته وفكره السلفي الذي يعتبر الدولة السعودية قد تجاهلته ، وبذلك يضمن لنفسه الانتصار الثقافي والفكري بعد الهزيمة العسكرية .واذا كان الاخوان في عصر عبد العزيز قد انهزموا عسكريا وانتهوا ثقافيا حيث لم يكونوا علي مستوي فقهي يماثل فقهاء عبد العزيز فان جهيمان بثقافته يستطيع ان يهزم خصومه من علماء الدولة السعودية ،حتي بعد فشله ومقتله .
ولا نزعم ان هذا التفكير قد عاش في عقل جهيمان منذ البداية في رسائله الاولي ..وقد رأيناه في رسائله الاولي يتحدث عن اختياره الاعتزال ،وهو اعتزال ايجابي لا يعني السكوت عن المنكر ،ولكن تجنب الصدام مع الدولة حتي لا ينتهي مصيره الي القتل .وفقه الاعتزال الذي اشرنا اليه في فكر جهيمان يخالف حركته الانتحارية في اقتحام المسجد الحرام ،وهذا يعني ان ثمة تغييرا جري في فكره ،انتقل فيه من تجنب الصدام الي صدام انتحاري يعرف نتيجتة سلفا .
وهذا يذكرنا بتغيير موقفه في قضية تكفير الحكام ،فبعد ان كان يثبت اسلامهم بدأ بحث ابن باز علي اعلان كفرهم ويستعين علي ذلك بنصوص وفتاوي من كتب ابن تيمية وابن كثير وابن عبد الوهاب ،وظهر هذا التغيير في رسائله الاخيرة .وصاحبه تغيير اخر في فقه الانكار فاصبح فيه جهيمان اكثر حدة حتي في اختيار العناوين ،كأن يقول (في فصل في بيان ان قيام الدين لا يكون بالمداهنة والسكوت بل الصدع بالحق والصبر علي الاذي) ( ليعلم دعاة اليوم انه لا يدرك النصر في الدنيا والجنة في الاخرة الا بما يتهربون منه …ولكن هناك صنف معوق يثبطون العزائم ويدعون الناس للبعد عن الايذاء والمشقة ..فأخذونا بالجانب الذي يرضي الظلمة به ويوافقونهم عليه )[48] ويتضح من كلامه ضيقه عمن يتكاسل عن النهوض معه ،وبالتالي فانه لن يستطيع هزيمة الدولة ،وليس امامه الا القيام بعملية انتحارية تجبر العالم علي الالتفات نحوه ،ونتابع جهيمان وهو يقول لرفاقه في الفكر الذين انفضوا عنه وهادنوا الدولة لينقضوا عليها بعد حين (وانتم تخالطون الناس وهم عندكم اسلام مما تعددت عقائدهم وطرقهم ومذاهبهم ،انما المهم ان يوافقوكم علي الاندماج في صفوف القوم واخذ الشهادات العالية والسيطرة علي المراكز للغدر بهم لاقامة دولتكم الاسلامية ،فالرسول صلي الله عليه وسلم بمنهجه الظاهر وتصريحه ومفارقته لهم ومقاطعته اياهم اقام دولة الاسلام ولم يقتل من اصحابه الا افراد معدودون ،واسر منهم القليل، بينما انتم تخفيتم واندسستم بين الصفوف واندمجتم وغدرتم،ولكنكم لم تقيموا دولتكم الاسلامية ،وقتل منكم الاف مؤلفة في حركات الغدر ) [49].وهذا كلام خطير يدل علي ان بعض رفاق جهيمان انفض عنه املا في وضع افضل يستطيعون به المكر بالدولة .
ولأن جهيمان اصبح محاصرا بين الرفاق القدامي الذين انضموا للسلطات وبين اجهزة السلطة التي تترصده فلم يعد امامه الا ان يتحرك قبل ان يحيق به الخطر .وجاءت حركته في اتجاه البيت الحرام .وحين قام بحركته العسكرية ضد الدولة السعودية كان يضيف فصلا في تاريخ الصراع بين الاخوان وال سعود . فالي أي حد تتشابه افكار جهيمان مع افكار الاخوان علي الدولة السعودية ..؟
بين انكار جهيمان وانكار الاخوان في عهد عبد العزيز :
اختلفت الظروف بين عصر عبد العزيز والاخوان وبين عصرجهيمان فأصبح التحديث قضية مسلما بها ، واصبح اعتي شيوخ السلف تقليدا يستعمل المخترعات الحديثة في المواصلات والاتصالات والثقافة والمعيشة، ولم تعد منتجات الغرب رجسا من عمل الشيطان كما كان يعتقد الاخوان في عهد عبد العزيز .
ومع التقليدية الشديدة في فكر جهيمان فأنه لم يتعرض بالانكار علي استيراد المنتجات الحديثة من الغرب النصراني ،الا انه اشار اكثر من مرة الي ضيقه من تعبير (الاسلام الحضاري ) الذي يعني التفاعل مع العالم ،والذي يعني ضمنا العلاقات والتسامح مع الغرب او بالمفهوم السلفي موالاة الغرب ،وتلك هي التهمة التي رفعها الاخوان سابقا ضد عبد العزيز .وهذا ما يتبقي في فكر جهيمان الذي يقول للقارئ ( اعلم ان الاسلام الذي يدعي اليه باسم الدول ولا يتعرض للاذي هذه الايام في جميع الدول بدون استثناء انما هو اسلام الحضارة ،الاسلام الذي بعث به محمد صلي الله عليه وسلم ،وهو الذي يقتضي مقاطعة المشركين ومفارقتهم واظهار العداوة لهم )،ويقول (والان نبين لك ملة ابراهيم عليه السلام لتكون علي بينة ،وليظهر لك انها فرق بين الحق والباطل ،خلافا لما يقول بعضهم ان الاسلام دين الحضارة ،ليختلطوا بالشرق والغرب ويتشبهوا بهم ويعيشوا معهم ) ثم يوضح ان ملة ابراهيم تقوم علي اخلاص العبادة لله سبحانه وتعالي وحده والتبري من الشرك واهله واظهار العداوة لهم [50]. وبالتالي فانه رغم الاختلاف في الظروف بين عصر العزيز وعصر جهيمان ،وبرغم ان جهيمان يعيش في مناخ يعتمد علي منتجات الغرب ومخترعاته والتي لم تعد تثير الاستنكار ،برغم ذلك كله تظل الفوارق منعدمة بين انكار الاخوان وانكار جهيمان علي الدولة السعودية ، كلاهما انكر علي ال سعود العلاقة بالنصاري (الغرب ) والتسامح مع الشيعة والقعود عن الجهاد ضدهما ،كما تناثرت بين سطور جهيمان انكارات منفصلة علي الثياب والمظهر وعلي التصوير، وهذا الانكار البسيط المتناثر مما يؤكد التطابق في الرأي بين جهيمان والاخوان .
والغريب ان جهيمان عندما يستنكر علي الدولة السعودية علاقتها بالغرب او بالشيعة فأنه يسترجع تاريخ عبد العزيز وموقف الاخوان منه ،لكي يؤكد انتماءه اليهم وسيره علي طريقتهم ،ويؤكد ذلك بمنهجية سلفية تعتمد علي احاديث الغيبيات ويراها تنطبق علي عصره وعلي خصومه ، منها حديث الدجال ،او خروج المسيح الدجال كأحدي علامات الساعة ،واحاديث اخري تذكر غدر الروم بالمسلمين ،وحدوث هدنة قبل الغدر ، وحديث اخر عن موعد خروج الدجال بعد فتنه الدهماء ( او العوام ) التي تكون بعد اصطلاح الناس علي رجل ،ويري جهيمان ان هذا الرجل المذكور في الحديث هو الملك عبد العزيز ،وبعد هذا الاصطلاح يأتي دعاة الضلالة ويصفهم الحديث بأنهم قوم( يستنون بغير سنتي ويهدون بغير هديي ) ويري جهيمان هذا الوصف منطبقا علي علماء الدولة السعودية منذ عهد عبد العزيز ،يقول ( وهذه الصفة فيهم واضحة من حين استقر ملك عبد العزيز ) ويستشهد عليه بما فيه من ( دخن) أي عدم الصفاء ،ويري انها تنطبق علي سياسة عبد العزيز من (موالاة الكفار والمشركين ) (ومع هذا ترفع راية التوحيد ويقتل من اهل التوحيد (يقصد الاخوان ) من طالبوا بمواصلة الجهاد في سبيل الله )[51].
وينتقل جهيمان الي عصره فيخاطب العلماء الذين يكسبون الاموال من السلاطين (فنقول لهذا الشيخ من اين اكتسبت هذا المال ؟هل من الفتوحات واخراج الكفار من جزيرة العرب ؟ ام بالعكس ؟بادخال الكفار مع المسلمين ورفع اعلامهم في جزيرة العرب –يقصد السفارات الاجنبية –وقتال من يريد ان يطهر جزيرة العرب من المشركين (أي الشيعة ) ويريد منع الكفار (أي الغربيين ) من الدخول )[52].
وينتقل جهيمان الي حكام الدول الاسلامية ويتهمهم بالنفاق ويقول ( وما اشبه هؤلاء الحكام بالمنافقين فتراهم مع اظهارهم الاسلام يوالون الكفار والمشركين ،فطائفة والت وصالحت اليهود وطائفة والت وصالحت الشيوعية ،وطائفة والت وصالحت النصاري واوت المشركين من الشيعة والروافض ،فكل من هذه الدول الاسلامية له نصيب من اظهار الاسلام وله نصيب من مولاة الكفار ،وانما اختلفوا في اتجاهاتهم ،وكلهم متفقون علي محاربة الحق واهله اذا خالف سياستهم وسياسة من يوالونهم من اعداء الاسلام )[53].
وحظي الشيعة في المملكة بنصيب وافر من تكفير جهيمان ،ومن انكاره علي الدولة بسبب اهتمامها بهم ،وكان يقرنهم بالنصاري ،ويجعلهم مشركين الي جانب الغرب (الكفار ) ،يقول متهكما علي الدولة السعودية (وامتازت دولتنا بقسط وافر من هذا التلبيس منها ومن علمائها ، والتي تسمي نفسها اليوم دولة التوحيد ،وانما وحدت بين صفوف المسلمين والنصاري والمشركين ،واقرت كلا علي دينه كالروافض وحاربت من خالف ذلك (يقصد حربها للاخوان في عهد عبد العزيز ) وقاتلت من قاتل المشركين (يقصد الشيعة ) الذين يدعون عليا والحسين )[54].
وسبق انه حكم بكفر الحكم السعودي لسماحه للشيعة الذين يعتبرهم مشركين بالحج الي البيت الحرام [55].
وكما استنكر الاخوان ما لا يألفونه من الثياب والمظهر والمخترعات نجد جهيمان مع اختلاف العصر يسير علي نهجهم ،من استنكار التصوير والاعلام (التليفزيون ) وغيرها .ونستشهد ببعض ما جاء بين سطوره عن الاعلام ،يقول عن الفتن كأحدي علامات الساعة ( فتري ان اهل الباطل يخرجون علينا كل يوم بفتنة جديدة ،فيبسطونها في اول الامر ثم يتمادون فيها ،مثل الاذاعة ،اول ما انشئت كانت لا تبث الا القرآن والاخبار ،ولا يسمع فيها صوت امرأة ثم تطور الامر حتي اصبحت المرأة هي التي تذيع البرامج مع الرجال وتغني الاغاني الخليعة ،ثم اخرجوها سافرة علي شاشة التليفزيون ،وهكذا الصور وغيرها) [56].
ويستنكر وجود الصور علي العملة النقدية واقرار التعامل مع البنوك ،يقول (ومن ذلك ادعاؤهم الحكم بالكتاب والسنة ،ومع ذلك يقرون الربا في البنوك ويصدرون الانظمة المخالفة للشرع، ومن ذلك انه ثبت لدينا انه ذهب الي احدهم واحد من العلماء بشأن الصور التي في النقد فوعدوه بتغييرها وانها وقعت خطأ من غير قصد منهم ،واذا بهم يثبتونها في فئات اخري من العملة علي النقيض من وعدهم ) ،وقد عد جهيمان من الفتن التي اخبر بها النبي ( فتنة الصور الموجودة في النقد وغيره فما تكاد تجد بيتا في الغرب الا دخلته )[57].ومن الطبيعي ان نفهم كراهية جهيمان لصورة الملك عبد العزيز علي الريال السعودي حتي لو لم يكن الفقه السلفي يحظر التصوير ،وجهيمان في سلفيته المتشددة يحتج علي علماء عصره بأن احدهم يقول ( ما لا يفعل ) (وبيته ملئ بالصور لا يطمسها )[58].
ويقول عن بعضهم (تجد منهم من يحلق لحيته او قصر منها ،ويسبل ثوبه وهم يعلمون ان النبي صلي الله عليه وسلم قد حرم ذلك بقوله (اعفوا اللحية )وبقوله (ما اسفل الكعبين فهوفي النار )[59]. وهذا يذكرنا بانكار فيصل الدويش علي عبد العزيز طول ثوبه ،وكيف قصه بمقص .
اذن هب جهيمان يجدد طريقة الاخوان في المعارضة بعد القضاء عليهم بنحو نصف قرن ،ويكرر نفس بنود المعارضة ،ومع الاتفاق في الفكر الوهابي التقليدي فان الخلاف بينهما كان واضحا في طبيعة منها .كان الاخوان جنودا في الاصل لهم دراية بسيطة في الفقه السلفي ،اما جهيمان فكانت ثقافته الوهابية اعمق من اغلبية معاصريه ،وبالتالي كانت اعمق من الاخوان .
وبسبب تعمقه في الفكر السلفي فأنه استخدم منهجية محكمه في الكيد الفقهي لخصومه لا يستطيعون معارضتها او الافلات منها طالما يؤمنون بالتراث السلفي ويعجزون عن مناقشته .
وكل ما استطاع ابن باز ان يعترض عليه فيما اورده جهيمان انه صحيح ولكن لا يجوز تخصيص الدولة السعودية به ..وهو اعتراض ضعيف لمن يؤمن بالفكر السلفي ويقرؤه من خلاله رسائل جهيمان .
تاريخ الانضمام | : | 2006-07-05 |
مقالات منشورة | : | 5111 |
اجمالي القراءات | : | 56,691,716 |
تعليقات له | : | 5,445 |
تعليقات عليه | : | 14,818 |
بلد الميلاد | : | Egypt |
بلد الاقامة | : | United State |
دعوة للتبرع
سؤالان : السؤ ال الأول : . .ما معنى الفطو ر ؟ لأن...
الجوع: تستخد م إسرائ يل سلاح الجوع ضد أهل غزة مع...
الصلاة وقيام الليل: انا و زوجي نجتهد لقيام الليل و لكن نصلي...
رسالتان :: سلام الله عليك د.احم و الله احبك في الله يا...
تكلفة الرضاعة: أرجو التفض ل بتفسي ر قوله تعالى من سورة...
more