آحمد صبحي منصور Ýí 2015-10-11
كتاب مقدمة إبن خلدون: دراسة تحليلية
القسم الثاني : قراءة في مقدمة إبن خلدون
الفصل الخامس : تحقيق النظرية الخلدونية فى قيام الدولة السعودية
لمحة عن ظروف إقامة الدولة السعودية الأولى وفقا لنظرية العصبية الخلدونية
أولا :
1 ـ لا مجال لتحقيق وتطبيق النظرية الخلدونية فى مجتمه نهرى كمصر والهند والرافدين والصين . مجالها حيث جاء وعاش وكتب ابن خلدون تجربته ، فى شمال أفريقيا ، أى فى المجتمعات الصحراوية والقبيلية ( من القبيلة ). وتتشابه الصحراء الكبرى ( فى أفريقيا ) مع صحراء الجزيرة العربية ، ولهذا كان التفكير فى إضافة فصل فى هذه الطبعة من الكتاب عن تحقيق النظرية الخلدونية فى قيام الدولة السعودية (الأولى ) 1745 ، بعد موت ابن خلدون فى مصر ب 350 عاما. ودون أن يعرف من أقامها ( ابن سعود وابن عبد الوهاب ) أى شىء عن ابن خلدون ومقدمته ونظريته .
2 ـ ولقد جاء قيام الدولة السعودية نتيجة تحالف الشيخ والأمير على اقامة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وفق المنهج السني الذي أرساه الحنابلة فى العصر العباسى الثانى ، وبه دمر الحنابلة العراق وقتها . إذ كانوا جماعات أو عصابات تخريبية تناوىء السلطة العباسية الضعيفة وتخيفها . الفارق هنا أن الدولة السعودية هى التى تطبق هذا الأمر بالمعروف وإزالة المنكر طبقا لمصالحاها ولرؤيتها الخاصة لما هو معروف وما هو منكر ، وتستخدمه للتوسع بالغزو والاحتلال ، بوصف الجيران بالكفر وأنهم ( مُنكر ) يجب إزالته ( شرعا ) ويجب الجهاد ضده ( شرعا ) ، والاستلهام هنا من حديث ( من رأى منكم منكرا فليغيره ) والذى إخترعه الحنابلة أبان فتنة ( أحمد بن نصر الخزاعى ) وفتنة القول بخلق القرآن ، وقد فصلنا هذا فى كتاب منشور هنا عن ( الحنبلية ـ أم الوهابية ــ وتدمير العراق فى العصر العباسى الثانى ) . على أن الاستلهام الأكبر للحركة الوهابية التوسعية بالغزو والاحتلال جاء من ( فتوحات الصحابة ) و السيرة التى كتبها ابن إسحاق ، وصوّر فيها النبى محمدا عليه السلام بصورة دموية ، تتناقض معه حقيقيته عليه السلام ، وهو الذى ارسله ربه جل وعلا رحمة للعالمين ، وليس لغزو العالمين كما يزعم البخارى فى حديث ( أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا ... ).
3 ــ وجاء –أيضا- قيام الدولة السعودية نتيجة تحالف بين عصبية قبلية يمثلها الأمير محمد بن سعود مع دعوة دينية يمثلها الشيخ محمد بن عبد الوهاب تنشد إقامة دولة صحراوية ، تجدد ما سبق من إقامة دول متحركة فى المنطقة ، تحاول التوسع فى العراق ، كما حاولت حركة الزنج وحركة القرامطة ، وكان لكل منهما دعوة دينية ترفعها وتتمسح بها ، وبها يختلف طبيعة السلب والنهب والغارات فيها عن المُتعارف عليه بين القبائل التى إعتادت قطع الطريق على قوافل الحجاج بلا شعار دينى . هنا يكون الغزو والاغارة والسلب والنهب والسبى والاسترقاق والقتل يحمل شعار الجهاد ، وله مبرراته وتشريعاته السُّنّية المُتعارف عليها من قرون من قبل .
ولكن هناك إختلاف بين الدعوة الوهابية من نا حية ودعوتى الزنج والقرامطة.
فى حركة الزنج أعراب نجد للثورة مرة أخرى فى العصر العباسى بعد أن ملوا من الإغارة الروتينية على الحجاج، ووجدوا الغطاء الدينى فى دعوة المغامر على بن محمد فاتبعوه، مع أغلبية من الرقيق الزنوج فيما عرف بثورة الزنج التى خربت جنوب العراق طوال خمس عشر سنة (255-270) هـ الى أن تم اخمادها بصعوبة بالغة. وفى حركة الزنج قتل الثائرون ثلاثين ألفاً حين استولوا على مدينة الأبلة فى العراق سنة 256 هـ، وفى العام التالى دخل البصرة زعيم الزنج بعد أن أعطى أهلها الأمان، ولكنه نكث بعهده فقتل أهلها وسبى نساءها وأطفالها وأحرق مسجدها الجامع، وكان من بين سباياه نساء من الأشراف، وقد فرقهن على عسكره من الزنوج، وكانت السبايا العلويات تباع الشريفة منهن فى معسكره بدرهمين وثلاثة، وحين استجارت به إحداهن ليعتقها أو ينقذها من ظلم سيدها الزنجى قال لها: "هو مولاك وأولى بك من غيره".( تاريخ الطبرى: 9، 472، 481، والمسعودى: مروج الذهب 4 : 146 ). مع هذه الوحشية فإن قائد حركة الزنج كان مجهول النسب وأيضا مجهول الهوية الدينية ، إذ تردد بين دعوة الخوارج وبين دعوة الشيعة . وربما لهذا السبب لم تعمر حركته طويلا ، وتم القضاء عليها سريعا . كانت بمثابة نفثة غضب إنعالية ضد الفساد العباسى .
ثم ما لبث أعراب نجد أن اشتعلت ثورتهم هادرة تحت اسم القرامطة وفى دعوة شيعية إسماعيلية فى الأغلب. وامتدت غاراتهم إلى العراق والشام والحدود المصرية، ولم تنج الكعبة من تدميرهم، وقد سبقوا المغول فى سياسة الأرض المحروقة، أو إبادة كل الأحياء فى المدن التى يستولون عليها، وقد شهد المؤرخ الطبرى جانباً من فظائعهم وسجلها فى الجزء العاشر والأخير من تاريخه فيما بين (286-302) هـ واستمرت فظائعهم بعد الطبرى بقرنين تقريباً حتى تغلب عليهم أعراب المنتفق. وكان القرامطة أكثر وحشية فى استباحة الدماء والأعراض، ومن موقع المعاصرة والمشاهدة روى الطبرى بعض أخبار زعيمهم ، منها أنه خصص غلاماً عنده لقتل الأسرى المسلمين، وأنه استأصل أهل حماة ومعرة النعمان وقتل فيهما النساء والأطفال، ثم سار بعلبك قتل عامة أهلها، وسار إلى سلمية وأعطاهم الأمان ففتحوا له الأبواب فقتل من بها من بنى هاشم ثم اختتم بقتل أهل البلد أجمعين بما فيهم صبيان الكتاتيب، ثم خرج عن المدينة وليس فيها عين تطرف، ونشر الخراب والدماء فى القرى المحيطة. أما ما فعله فى الكعبة وقتل الحجاج فيها وإلقاء الجثث فى زمزم، واقتلاع الحجر الأسود، فذلك ما استفاضت فيه الأخبار، وهذه الوحشية فى قتل الأبرياء كانت تقوم على منهج فكرى أشار إليه النويرى فى حديثه عن التربية الفكرية لشباب القرامطة، كما أشار إليها الطبرى فى قصة واقعية لشاب اقتنع بالدين القرامطى وهجر أمه وأسرته مقتنعاً بالدين الجديد معتقداً استحلال الدماء. (أخبار القرامطة فى تاريخ الطبرى: 10، 71، 77، 86، 94، 99، 107، 115، 116، 121، 128، 130، 135، 148، وفى نهاية الأرب للنويرى 25، 195: 227 وما بعدها ).
- وبعد القرامطة عاد أعراب نجد إلى ما اعتادوه من قطع الطريق على الحجاج والاقتتال فيما بينهم، إلى أن ظهر فيهم محمد بن عبد الوهاب بدعوته الدينية وتحالف مع ابن سعود، وكان أهم بند فى التحالف بينهما (الدم الدم، الهدم الهدم)، وأعطاه ابن عبد الوهاب تشريع الاستحلال بعد أن اتهم كل المسلمين الآخرين بالكفر وجعل ذلك الاتهام مبررا دينياً للغزو والتوسع، وبذلك قامت الدولة السعودية الأولى، ونشرت السلب والنهب وسفك الدماء فى الجزيرة العربية وحول الخليج وفى العراق والشام، إلى أن اضطرت الدولة العثمانية للاستعانة بواليها على مصر "محمد على باشا" فقضى على الدولة السعودية ودمر عاصمتها "الدرعية" سنة 1818 م.
ولا تختلف مذابح الخوارج والزنج والقرامطة – وقادتهم من أعراب نجد أساسا- عن المذابح التى قام بها النجديون الوهابيون السعوديون فى تأسيس الدولة السعودية الأولى ، والدولة السعودية الثالثة الحالية، وقد وصلت تلك المذابح الى العراق والشام والبيت الحرام وسائر مدن الحجاز ، وكان أكثر الضحايا من النساء والأطفال والشيوخ . .
ولا تختلف هذه المدرسة الفكرية التى كان يعدها القرامطة لغسيل مخ الشباب عن الاعداد الفكرى الذى كان فقهاء الوهابية يعدونه لشباب الأعراب النجديين فى العقد الثانى من القرن العشرين والذى يتحول به الشاب الاعرابى الى مقاتل عنيد يرى الجهاد فى استحلال قتل كل من ليس وهابيا، وعن طريق هذا الاعداد الثقافى تكون "الاخوان " جنود عبد العزيز آل سعود الأشداء الذين أسسوا الدولة السعودية الحالية، وكانت سمعتهم فى القتل والتدمير ترعب قرى الشام والعراق، كما لايختلف عن الاعداد الثقافى الذى تقوم به جماعات الاخوان وبقية التنظيمات العلنية والسرية فى تاريخنا المعاصر والذى يجعل الشاب المصرى المسالم يستسهل تفجير الشوارع والمبانى معتقداً أن ذلك جهاد فى سبيل الله. كما لا يختلف ذلك عن الوحشية الهائلة التى يتعامل بها المتطرفون فى الجزائر مع أبناء الشعب المسالم من نساء وأطفال، وما حركة طالبان عن ذلك ببعيدة، فهم الذين تشربوا الفكر السلفى.
الوهابية هنا تتميز عن حركتى الزنج والقرامطة بمنهج سنى حنبلى واضح ، يعتمد على ثوابت الدين السّنى ، ويقوم الشيخ ابن عبد الوهاب بتأطيره فى رسائله الكثيرة ، فى وقت إختراع وإنتشار الطباعة . ولا تزال رسائله حتى الآن هى مصدر الهام لشيوخ الوهابية ، وقوة تأثيرها تتمثل فى إعتمادها على الأحاديث السنية والسيرة ( النبوية ) التى كتبها ابن اسحق والتى أصبحت بين المحمديين كالأناجيل الأربعة للمسيحيين ، والتى سجلت سيرة المسيح ، أو بمعنى أصح ( شوهت سيرة المسيح ) عليه السلام . وبهذا المنهج الذى أرساه ابن عبد الوهاب لا تزال الوهابية تتوسع تؤثر فى العالم ، وتحتكر لنفسه إسم الاسلام ، ولا أدل على ذلك من إطلاق إسم الاسلام عليها ، فيقال ( الاسلام السياسى ) و ( الاسلاميون ). .
4 ـ وجاء –أيضا- قيام الدولة السعودية نتيجة تحالف بين عصبية قبلية يمثلها الأمير محمد بن سعود مع دعوة دينية يمثلها الشيخ محمد بن عبد الوهاب ليمثّل حلقة من حلقات الصراع بين دين السنة الأرضى ودينى التصوف والتشيع . لقد ساد التصوف السنى ـ على أنقاض نفوذ الحنبلية السنيين المتطرفين ـ بدءا من القرن السادس منذ أن قام بتأطيره أبو حامد الغزالى ت 505 ، وقام بفرضه وتطبيقه صلاح الدين الأيوبى ت 589 . وهذا التصوف السنى (المعتدل ) كان يتسامح مع الشيعة طالما لا يكونون خطرا سياسيا ، فإنتشر التشيع دينيا فى مناطق فى الشام والعراق فى العصرين المملوكى والعثمانى ، وكان العثمانيون يعتنقون دين التصوف السنى ، الذى كان سائدا وقت تاسيس دولتهم . وتعرض ابن تيمية الحنبلى للإضطهاد ، من المحاكمات الى السجن . وجاءت الحركة الوهابية السعودية فى دولتها الأولى على منهج ابن تيمية ولتطبق فتاويه الدموية التى كتبها حانقا على عصره وردا على إضطهاده .
5 ـ وجاء –أيضا- قيام الدولة السعودية نتيجة تحالف بين عصبية قبلية يمثلها الأمير محمد بن سعود مع دعوة دينية يمثلها الشيخ محمد بن عبد الوهاب ليكون رد فعل إيجابيا مبكرا ضد الاستعمار الغربى ونفوذه فى الدولة العثمانية التى دخلت وقتها فى طور الضعف . صحيح أن مواجهة الغرب المستعمر لم تكن واضحة فى فترة التأسيس للدولة السعودية الأولى والتحالف بين الشيخ والأمير، ولكن توسع هذه الدولة وإنتشار وهابيتها إستفاد بالعلو المضطرد للنفوذ الغربى البريطانى والفرنسى ، ثم حاليا فى مواجهة أمريكا التى جعلوها زعيمة الاستكبار الصليبى .
تاريخ الانضمام | : | 2006-07-05 |
مقالات منشورة | : | 5111 |
اجمالي القراءات | : | 56,688,067 |
تعليقات له | : | 5,445 |
تعليقات عليه | : | 14,818 |
بلد الميلاد | : | Egypt |
بلد الاقامة | : | United State |
دعوة للتبرع
القرآن للعالمين: هناك وجهة نظر مثيرة استوق فتني بخصوص...
الميراث: سؤالي حول توزيع المير اث بين الذكو ر ...
الروح سجد لآدم : تقول ان الروح هو جبريل ، وهو الذى نفخ نفس آدم فى...
قرض بنكى : انا من متتبع يك سواء في موقعك او في اليوت وب ...
الاجهاض: سؤالي قائم على شقين ١: أنا طبيبة أمراض مساء...
more