من "الإسلام السياسي" الى "الإسلام الليبرالي"

د. شاكر النابلسي Ýí 2013-08-21


 

من "الإسلام السياسي" الى "الإسلام الليبرالي"

شاكر النابلسي

-1-

ما يحدث في مصر الآن، فاجعة كبرى للكثيرين، وخاصة أولئك الذين لم يقرأوا التاريخ السياسي العربي والغربي. وخاصة كذلك، أن مصر لم تشهد مثل هذا النزاع والعنف على السلطة، طوال تاريخها الطويل الحافل بالحضارة، والعطاء، والبناء والإنساني.

إن انتزاع المُلك والسلطة من جماعة، أو قبيلة، أو مجموعة أفراد، خاصة عندما يمثلون حزباً سياسياً عريقاً ومنظماً كــ "جماعة الإخوان المسلمين" كارثة هائلة، دونها كل المال، ودونها كل الأنفس، بالنسبة للفريقين المتنازعين. خاصة بالنسبة للإخوان المسلمين الذين يجيدون أساليب العنف منذ أربعينات القرن العشرين، عندما أنشأوا "التنظيم السري"، الذي قام باغتيال النقراشي باشا رئيس وزراء مصر، وأحد القضاة، وحكمدار القاهرة، وغيرهم من كبار المسؤولين المصرين. وفي الخمسينات حاولوا اغتيال عبد الناصر. وكل هذا، كان محاولات منهم، لانتزاع السلطة والمُلك في مصر.

فالحروب الأهلية التي نشبت بين العرب قبل ظهور الإسلام كانت نزاعاً سياسياً على السلطة والمُلك.

وحروب الردة - كما يقول المستشرق البريطاني مونتوجمري وات في كتابه الضخم (محمد في المدينة) - كانت خلافاً سياسياً/دينياً/مالياً، ونزاعاً على السلطة والمُلك كذلك.

والحرب التي نشبت بين الإمام علي بن أبي طالب (رابع وآخر الخلفاء الراشدين) والأمويين ( معاوية بن أبي سفيان)، وذهب ضحيتها آلاف المسلمين في معركة "الجمل"، كانت خلافاً سياسياً، ونزاعاً على السلطة والمُلك.

وحرب الأمويين مع العباسيين والعباسيين مع الأمويين فيما بعد كانت خلافاً سياسياً، ونزاعاً على السلطة والمُلك.

والحرب الطاحنة بين ابني هارون الرشيد (الأمين والمأمون) كانت خلافاً سياسياً، ونزاعاً على السلطة والمُلك.

وقتل إخوة وأبناء السلاطين العثمانيين، كانت، حتى لا يثور هؤلاء على السلاطين، وينتزعوا منهم السلطة والمُلك.

ولننظر الآن ماذا يحصل في سوريا، وقبلها في ليبيا، واليمن، وغيرها من مجازر يومية.

وكم قُتل مئات الآلاف من البشر في الثورة الانجليزية عام 1688  ، والثورة الأمريكية عام 1776 ، والثورة الفرنسية 1789 ، والثورة الصينية عام 1911 ، والثورة البلشفية عام 1917.

 

-2-

لا بُدَّ من عزاء حار لمصر الكبرى، في هذا المصاب الأليم، وهذا الثمن الفادح الذي دفعته وتدفعه مصر للحرية والديمقراطية، قبل أن نكمل ما انقطع في الأسبوع الماضي، من بقية الأسباب والخطوات التي من شأنها تمكين الليبرالية من الانتشار أكثر في العالم العربي، والنفاذ فعلاً في العالم العربي، وتحقيق حلمها الكبير الذي نادت به في أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين بزعامة طائفة من المفكرين الشوام الذين هربوا من بلاد الشام الى مصر، هرباً من الطغيان والاستعمار العثماني، وعلى رأسهم شبلي شميل، وفرح انطون وعبد الرحمن الكواكبي، وغيرهم، مع كوكبة من المفكرين المصريين أمثال اسماعيل أدهم، واسماعيل مظهر، وعبد العزيز فهمي، وأحمد لطفي السيد، وطه حسين، وعلي عبد الرازق، ومصطفى عبد الرازق، وخالد محمد خالد، وأمين الخولي، وغيرهم، وقبل تأسيس جماعة الإخوان المسلمين عام 1928 في الإسماعيلية، وبعد أن جربت مصر (الدولة العربية الكبرى، والشعب العربي العريض العظيم)، حُكم جماعات (الإسلام السياسي) 2012/2013 المتمثل بـــ "جماعة الإخوان المسلمين"، وبعد أن أصبح الرأي العام العربي والإسلامي مستعداً لسماع الليبراليين العرب الآن، كما لم يكن في أي وقت مضى، بعد أن جرَّب حُكم من ركبوا موجة (الإسلام السياسي)، ورأى الشارع العربي والإسلامي - (بأم عينه) - الاختلاف الفظيع والشنيع بين الشعارات الدينية وبين التطبيق على أرض الواقع.

فعلى الليبرالية العربية أن تغير فوراً من طروحاتها وتتبنى الخطوات التي ذكرناها في المقال السابق، إذا أرادت أن تنفذ فعلاً في العالم العربي، وتفوز بما تحلم أن تحققه. فالبحث في الإسلام عن طروحات ليبرالية ضرورة، لكي تتبناها الليبرالية العربية، كما سبق وفعل الزعيم الحبيب بورقيبة. فإن عجزت هذه الليبرالية عن ذلك فلتتخل عن المبدأ الليبرالي، حيث لا منفذ لليبرالية العربية غير باب الإسلام في العالم العربي المتدين. فإذا كان باب "الإسلام الليبرالي" مغلقاً، ولا منفذ منه، فلا ليبرالية حقيقية وواقعية ستحقق في يوم ما، في العالم العربي.

فما هو باب الإسلام الليبرالي؟

وهل هناك باب في الإسلام لليبرالية العربية؟

كثيرون من المتطرفين والمتشددين ينكرون ذلك.

                                -3-

إن الليبرالية، مناخ وآلية لعرض الأفكار، والمعتقدات، وليست فكراً أو معتقداً بحد ذاته، وفي هذا السياق، فكثيرون من المفكرين يعتبرون أنفسهم مسلمين أولاً، ثم ليبراليين.

فالعرب مسلمو المبادئ، وعليهم أن يكونوا ليبرالي الآليات. فالإسلام نفسه في العصر الحديث، لن يكون له نجاح، إلا إذا استخدم الآليات التي توصَّل البشر إليها، في العصر الحديث، لتطبيق العدل، وهي آليات أثبت نجاحها.

ولنأخذ مثالاً، "ليبرالية" المستشرق النمساوي المسلم محمد أسد. ففي كتابه (منهاج الإسلام في الحكم)،  يؤكد محمد أسد إمكانية تحويل مبادئ الإسلام العظيمة، إلى واقع حي معاش مزدهر، يهتم بالإنسان، ويعترف بحقوقه ، وينمّي إمكاناته ، ويقيم العدل، ويؤسس العلاقات الاجتماعية والسياسية على القانون وعلى المؤسسات، وليس على الارتجال الفردي ، فيمنع الاستبداد، ويحفظ الحقوق، ويكفل الحريات، ويلتزم بالمساواة ، ويحترم المال العام، وينشر السلام.

ووجد أسد أن آليات هذه الليبرالية غربية المنشأ ، منها: توزيع السلطات، وتأكيد دولة القانون، وتقنين الأحكام الشرعية، لئلا تبقى مرتهنة بالأمزجة الشخصية. كما أكد على ضرورة توفير الشفافية، وضمان حرية الرأي، والالتزام بمبدأ الانتخاب ، لشاغلي السلطتين التشريعية والتنفيذية.

فمحمد أسد بهذا يؤمن بالإسلام شريعة وعقيدة، وبالليبرالية وسائل وآليات.

وتلك كانت هي الليبرالية الإسلامية التي انتهى إليها مفكر ليبرالي سعودي كإبراهيم البليهي، في مطلع القرن الحادي والعشرين. والتي آمن بها ودعا اليها كوكبة من المفكرين العرب الإسلاميين كالشيوخ: أمين الخولي، وأحمد صبحي منصور، وخالد محمد خالد، والمفكر السعودي المعاصر يوسف أبا الخيل، وغيرهم.

اجمالي القراءات 12939

للمزيد يمكنك قراءة : اساسيات اهل القران
التعليقات (2)
1   تعليق بواسطة   آحمد صبحي منصور     في   الأربعاء ٢١ - أغسطس - ٢٠١٣ ١٢:٠٠ صباحاً
[72817]

شكرا د . شاكر النابلسى ، وأقول

 أتفق معك تماما فيما قلت ، وهو مأ أكرره فى مقالاتى التاريخية عن الصحابة وغيرهم فى دول الخلافة .


غير أن منهجنا هو إن الاسلام واحد ، هو دين الله جل وعلا ، ولا يجوز تقسيمه الى ليبرالى ووهابى وشيعى وصوفى . الاسلام هو أوامر ونواهى نزلت فى القرآن الكريم . أما المسلمون فهم بشر إختلفت إستجاباتهم لهذه الأوامر والنواهى ، وتعددت ، وانتظمت فى أتجاهات ليبرالية كالمعتزلة والفلاسفة وأهل القرآن ، وهؤلاء ينسبون آراءهم لأنفسهم ، ولا يزعمون نسبتها لله تعالى ورسوله . وعلى العكس منهم يقوم آخرون بنسبة آرائهم زورا وبهتانا لله جل وعلا ولرسوله ، ويعتبرونها وحيا ، وهم بذلك يؤسسون دينا أرضيا ، ثم يختلفون فيه الى مذاهب وطوائف وطرق ، كما حدث فى السنة ومذاهبها الأربعة ، وفى التشيع وطوائفه ، وفى التصوف وطرقه ( الطرق الصوفية ) .


الاسلام هو دين الله الحق الذى نزلت به كل الرسالات السماوية بألسنة الرسل السابقين ، ثم نزلت الرسالة الخاتمة على خاتم النبيين باللغة العربية ، رسالة عالمية للبشر جميعا الى قيام الساعة ، وهو المهيمن بالقرآن على ما سبق من رسالات سماوية تعرضت للتحريف والتبديل والإخفاء . أما المسلمون فهم بشر لهم تراثهم البشرى وتاريخهم البشرى وحضارتهم البشرية ، وأيضا أديانهم الأرضية البشرية التى تتناقض مع الاسلام .


وهذا هو أساس إختلافنا مع الليبراليين الذين يخلطون بين الاسلام والمسلمين ، ويغتبرون الوهابيين السنيين ( اسلاميين ) ، وهم أعدى أعداء الاسلام . هذا الاختلاف لا يمنع إعتزازى بك ايها الصديق الحبيب . 


2   تعليق بواسطة   Ben Levante     في   الخميس ٢٢ - أغسطس - ٢٠١٣ ١٢:٠٠ صباحاً
[72819]

الاسلام السياسي

السلام عليكم

فقط بعض الاستفسارات عن الاخوان:

لماذا شكل الاخوان تنظيمهم السري في الاربعينيات؟ ألم يكن السبب هو مقاومة الانكليز؟

هل أنت متـأكد من محاولتهم أغتيال عبد الناصر؟ أنا كنت أيضا متأكدا من ذلك، ولكن عندما ظهر لي جليا كذب الاعلام المصري في ذلك الحين، وخاصة اذاعة صوت العرب بوق النظام، فلم اعد اصدق أي شيء يقولة هذا النظام.

لم تذكر عن تاريخ الاخوان بأنهم أوائل المصريين الذين حاربوا اليهود في فلسطين اثناء 1948، وهذا حسب ما ذكر بن غوريون في مذكراته. هل هذه حقبة سوداء في تاريخهم وهل كان هذا فقط لانتزاع السلطة؟

لي مداخلة على ما كتبتم وليس تعليقا أو انتقادا:

لقد ساد المجتمع العربي وبما فيه المصري خمول فكري وعم الفساد بِدأً من رأس السلطة وصولا إلى كافة أفراد الشعب. هذا الحال كان نتيجة لعوامل كثيرة لا استطيع ذكرها في هذه السطور القليلة. نتيجة هذا الخمول الفكري يظهر في تقبل الفرد لفكر ما لانه ربما يطابق مزاجه الشخصي وليس لاقتناعه به، فهو لا يريد أن يفكر ويتعب دماغة بذلك، وهو يرفض لنفس السبب أي فكر اخر مخالف لما يعتقد به، وإذا حاول أن ينتقده يكون انتقاده غير منطقي وفي أغلب الاحيان شخصي، فيصف صاحب الفكر بالعمالة أو ارهابي أو كافر أو ملحد أو أو، وينهي بذلك أي حوار، فيبدأ النزاع ويعلو الصوت وتضيع القضية. هذه الآفة ليست لها علاقة بتنظيم سياسي أو ديني معين، فهي موجودة في جسم كل تنظيم لوجودها في كل خلية (الانسان) من هذا الجسم. ربما يفهم بعض من يقرأ هذه السطور أنني فاقد الامل في هذا الشعب. لا أبدا، لكني (أحاول أن) أرى الواقع على حقيقته. هذا الخطأ موجود مع الاسف حتى عند النخبة أو من يدعي أنه نخبة. وعلاجه في رأيي أن نكون واقعيين في تحليلنا للواقع بأن نذكر كل شيء عنه وليس فقط ما هو يؤيد فكرنا، فنخسر بذلك مصداقيتنا.


أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق
تاريخ الانضمام : 2007-01-16
مقالات منشورة : 334
اجمالي القراءات : 3,629,816
تعليقات له : 0
تعليقات عليه : 361
بلد الميلاد : الاردن
بلد الاقامة : الولايات المتحدة