المشترك فى العقاب الجنسى بين مجتمع المماليك والمجتمع المصرى:
ثقافة العقاب الجنسى فى المجتمع المصرى والتى تعارفت عليها السلطات على سبيل المثال لا الحصر كوسيلة إذلال للخصوم السياسيين بالتحديد لهى طبيعة إشتهر بها الرقيق الأبيض. دعونا هنا نشير إلى شئ قد يساعدنا فى الفهم الأكثر عن خصوصية المجتمع المصرى تحديدا فى النظر إلى تلك المسألة فى أنها ذبح للكرامة ومرتبطة بالفضائح ويؤثر فيها الكتمان. وهنا نستدعى المقارنة بين المجتمع المصرى والمجتمع الغربى. ففى المجتمع الغربى نجد هؤلاء من تعرضوا لجريمة الإغتصاب يتفوهون بها ليس فقط فى الدوائر المغلقة ، وإنما فى سائل الإعلام إن سنحت لهم الفرصة. ذاك أن العلاقة الجنسية فى المجتمع الغربى هى علاقة نفعية بالدرجة الأولى بين الطرفين فى حالة إرتضاء الطرفين. أما فى حالة عدم الموافقة من إحدى الطرفين فإنها تندرج تحت بند الإعتداء الذى يبوح به الرجل الغربى دونما أى شعور بالـ "عار" يتم التعامل معه كالسرقة أو الرشوة او الكذب فيقول أن فلانا ضاجعنى دون رغبتى. ولا يقدم أحدهم فى المجتمع الغربى على إغتصاب الآخر كنوع من الإذلال. وإنما محاولة للحصول على المتعة من طرف واحد. ولذلك ليس شائعا هناك ممارسة الجنس قهرا مع المخالفين السياسيين على سبيل المثال بينما فى المجتمع المصرى فقد تشرب ثقافة الإذلال عن طريق الإعتداء الجنسى رأسا من ثقافة العبيد الأبيض "المماليك" التى لم يتشربها الغرب.
وكانت الإشارات إلى دلالات جنسية مجالا من مجالات المداعبة الأساسية فى المداعبة والمزاح فى مجتمع الرقيق الأبيض (مجتمع العزاب والمجاليب الأغراب) ، ومجتمع الجاهلين بآباءهم. وكانت أشهر أساليبهم فى إذلال مجموعة مملوكية أخرى "منهزمة" هى ممارسة الجنس مع قائدها او أحد أو بعض أفرادها بالإجبار كنوع من الإذلال. ومن ثم كان لتلك الخاصية طريقها فى الدم المصرى تشربا من مجتمع الرقيق الأبيض الذى حكم مصر لقرون عدة.
لم تتوقف وسيلة العقاب الجنسى عند هذا الحد. وإنما تخطت لتصل إلى كونها علامة من علامات التمرد. فكان من الحوادث الشائعة بين طبقة الفلاحين العاملين لدى الإقطاعيين تجاه أولاد هؤلاء الإقطاعيين. فقد كان العامل بأجر بخس يحمل الضغينة بداخله ينفثها بإذلال "العمدة" أو "البك" او "الباشا" عن طريق عقابه جنسيا فى ولده. وكان يوجد من الفلاحين أصحاب المكر والدهاء والخبث من هم يمررون أصابعهم فى مؤخرات الطفل من هؤلاء "إبن البك" ثم يوغل بإصبعه شيئا فشيئا حتى يعتاد الطفل على ذلك ويصبح أحد وسائل المتعة التى يبحث عنها وتكبر معه كلما كبر. ثم بعد ذلك يكون البك والباشا والعمدة آباء الأطفال المغتصبين حديث السمر والإستهزاء والسخرية بين دائرة من بعض الفلاحين وفى الدائرة كلها بعد ذلك.
وكان من الشائع فى عصور الإقطاع تكرار أخبار عن أبناء عمد ومشايخ بلد بأنه تم إرسالهم لـ "يجاوروا" النبى فى المدينة أو فى مكة جوار الديار المقدسة لدى المسلمين. وكان الفلاحون فى العلانية ينافقون ويستحسنون الخبر ويطلقون لقب "المجاور" او "جاور النبى" فى مدح لهؤلاء الأبناء ، بينما فى داخلهم أو بين دائرتهم من الفلاحين كانوا يطلقون العنان للسخرية والضحكات الهازقة من العمد ومشايخ البلد آباء هؤلاء "المجاورين. بل كانوا يتغمزون ويتلمزون "مازحون بينهم وبين بعضهم بقول أحدهم للآخر: إبن العمدة جاور النبى ، عقبالك. وكان يرد الآخر: "كفاية علينا نحج ونرجع ، ربنا يكتبلك الدايمة! وهكذا...
وأورد فيما بعد إدريس افندى "فرنسى إسمه الأصلى بريس دافين - إحد المتظاهرين بإعتناق الإسلام لأغراض مختلفة" عن عباس باشا ابن طوسون ابن محمد على بأن عباس باشا كان كمثل جميع سلاطين الشرق يهوى الغلمان ويدللهم أضعاف أضعاف من يدلل من الجوارى والإماء. ثم لم يكن عباس ليخفى الإستسلام لمجونه الجامح الذى كان يجاهد علانيته ويمارسه فى الخفاء قد المستطاع مع مماليكه الذين كانوا يؤلفون حلقات لإمتاعه. ولم يكن - مثله مثل المماليك - ليسمح بأن يكون أداة لذة لفلاح او عبد أسود. وهذا تراث مملوكى خالص أيضا. فقد كان المماليك يمارسون فيما بينهم ويمتنعون عن المصريين لأن المصرى وفقا لمقاييسهم ليس جميلا.
وورد أن سعيد باشا كان ينتهج نهجا نفسيا يصور إليه انه يذل بفعله أوروبا. فكان يجمع المماليك حوله ثم يخلص نفسه من ملابسه ويقلد أحدهم قلادة أهداها إياه ملك أوروبى أو شخصية كبرى أو ملكة أوروبية. وبعد ان يلبس المملوك القلادة يقوم سعيد باشا بإنتهاكه بكامل الظن والإنسجام النفسى بأنه بفعله هذا فإنه بذلك يكون أذل الملك الأوروبى. ومن ثم فلا تأتى شمس الصباح إلا وقد أذل فى مخيلته أوروبا كلها وقد زينت قلادات ملوكها وملكاتها رقاب عبيده الأبيض!
وكان مصطلح "يؤلفون حلقة لإمتاعه" شائعا فى كتب ناقلى تلك الأحداث ، وهو يعنى "يتناوبون ركوبه". ومن ثم تأخذنا كلمة الركوب لمعنى آخر فى الثقافة المملوكية ولج فى المجتمع المصرى ، وهو يعنى الحصول على السلطة. وإلى الآن عندما يموت أو يقتل أو يختفى لأى سبب حاكم ما ثم تنتقل الأخبار لتتناولها العامة يكون السؤال الشائع "ومن ركب بعده" أو " مين هيركب بعديه؟". وكان هذا سؤال نقلناه كمجتمع مصرى بهيئته من مجتمع الرقيق الأبيض.
بقى أن نقول ، هناك حادثة شائعة إبان حرب 67 بأن قام فلسطينى بمضاجعة مجندة إسرائيلية ثم مسح ذكره بعد ذلك فى البيريه الخاص بها ووجهه تحديدا تجاه نجمة داوود. وفى حين أن الفلسطينى كان يتفاخر بتلك الفعلة فى كل مكان بأنه ضاجع إسرائيل كلها بمضاجعته تلك الإسرائيلية ظنا منه بأنها وسيلة من الإذلال ، كانت المجندة الإسرائيلية على أبواب قاض إسرائيلى تشكو هذا الفلسطينى لا لأنه قام بمضاجعتها ، ولكن لأنه مسح عضوه مقابل نجمة داوود. فما كان من القاضى إلا أن شكره على مساعدة الجندية الإسرائيلية فى فك أزمة كانت تؤرقها وقت الحرب مما يجعلها تحارب وتخدم وطنها دون عبء نفسى ، ثم حكم عليه بالسجن لإهانته الرمز الإسرئيلى بمسح عضوه فى نجمة داوود المعلقة بالبيريه!
سياسة الوظائف فى التراث المملوكى:
إرثا هائلا ورثته الدولة المصرية وحكامها من مجتمع المماليك. وهو أنه فى عصر المماليك ماكان ليتم السماح لأى والى بأن يحكم ولاية لمدة طويلة حتى لا يعمل لحسابه. ونقل الدم المملوكى تلك الخصلة للمجتمع المصرى فنرى ما نراه منذ قرون حتى وقتنا هذا أنه لا يوجد محافظ ناجح -أو وزير او خلافه من الوظائف الكبرى- او حتى غير ناجح ، يبقى فى وظيفته لمدة طويلة. وكان المجتمع المملوكى لا يعرف ولا يسعى إلى الوظائف الفنية أيضا "ككاتب الحسابات او الماليات او خلافه" وكانت دائما محجوزة لأقباط مصر. ومثال يكون الشخصية الشهيرة "الأسعد بن مماتى" وهو قبطى كان وزير المالية فى عهد صلاح الدين وهو واضع الكتاب الشهير "قوانين الدواوين" عن ضبط ما تغله مصر وما يرد من نواحيها. أما وظائف المحافظين والوزراء والمديرين ومسئولى الأقاليم فكانت حكرا للماليك. وكانت تلك معنى الوظيفة فى المجتمع المملوكى "منحة - هبة - عطية" أكثر منها واجبا أو إلتزاما. وتناقل المجتمع المصرى تلك الخصلة أيضا وأصبحت أحد الأخبار الشهيرة فى مجتمع الطبقة الحاكمة. حتى عندما حكم الجيش إشتهر هذا العصر حتى القريب العاجل بأن دواوين المحافظة والمحافظين تحديدا ورؤساء الشركات الكبرى والمجالس المحلية هى حكرا محجوزا للمتقاعدين من بنى الجيش!
يقول لنا إدريس أفندى - الآنف ذكره - فى كتابه "إدريس أفندى فى مصر - ترجمة أنور لوقا" عن حادثة تعيين محافظا للجيزة فى عهد عباس باشا:
(إن الطريقة التى يجعلون موظفا يقفز من منصب إلى آخر جديرة بالملاحظة ، فعابدين باشا موظف فى سك النقود كان قد بلغ مرتبة البكباشى وهو فى السابعة عشر من عمره ، وأصبح سكرتيرا خاصا لعباس باشا ، ثم غضب عليه الوالى فنقله رئيسا لجوقة الموسيقة "المفروزة" - أى فرقة الحرس المنتخبين - . ولما لم يكن يصلح قط لهذه الوظيفة فقد نقلوه مديرا لإقليم الجيزة وكثيرا ما رآه الناس يفر من مكتبه مصطحبا حجابه إلى حيث يلهو على شاطئ النهر....)
يتبع
رائع أن تنقل لنا من هذا الكتاب الذى يعكس وجهة نظر صاحبه عن المجتمع المصرى وحكامه من المماليك وغيرهم ، وثقافة الشذوذ و تجلياتها النفسية والسياسية .
والعصر المملوكى هو مجالنا الأصيل فى التخصص ، وسننشر موسوعة التصوف المملوكى ومنها كتاب عن أثر التصوف فى نشر الانحلال الخلقى فى العصر المملوكى ، وفيه فصل كامل عن الشذوذ الجنسى . وقد استمر الشذوذ الجنسى سائدا وعاديا قبل أن تعرفه أوربا والغرب ، الى أن انتشر فيها فيما بعد . وهذا المؤلف الذى تنقل عنه يكتب من واقع ثقافته كتابة سطحية ، ينقل ما يراه ويفسره حسب رؤيته وهواه ، ولا يعرف الجذور الدينية التى جعلت ممارسة الذشوذ وقتها دينا ولا غبار عليه ولا حيا ء منه بحيث كان طقسا من طقوس العبادة لدى شيوخ الصوفية ، وبحيث كان التغزل فى الذكر ( الشاب الأمرد ) من أغراض الشعر ، وحتى الآن ورثنا فى الأغانى وفى الشعر مخاطبة الانثى المحبوبة على أنها ( ذكرا ) فنقول ( حبيبى ) وقلما يقال ( حبيبتى ) . الخديوى سعيد يقال أنه كان شاذا جنسيا سلبيا ، وقد سيطر عليه ديليسبس من هذه الناحية ، وكان هو الذى تولى تربيته مذ كان طفلا ، فى عهد ( محمد على ) .
ومنذ عهد الخليفة الأمين ابن الخليفة الرشيد وشهرته بالشذوذ مع الغلمان وشهرة صديقه الشاعر أبى نواس بهذه الفاحشة ، وقد تعود المسلمون التسامح مع هذه الفاحشة ، وتناسوا ما جاء فى القرآن الكريم عنها الى أن انتشر التصوف فجعلها دينا . والقبائل التى وفدت الى المنطقة وأقامت فيها وأسست لها ملكا مثل المغول فى العراق والعثمانيين فى آسيا الصغرى ، لم يكن لهم عهد أو معرفة بالشذوذ ، بل كانوا يعيبون على ملوك المسلمين وقوعهم فيه ، فلما عاشوا واستقروا أدمنوا هذه الثقافة .وأصبح الخصيان جزءا من الحريم فى القصور العثمانية .
من الممكن يا محمد أن أعطيك مقدما هذا الجزء عن الحياة الخلقية فى العصر المملوكى لتقرأه لتتكون لك الصورة كاملة ، وليس مجرد القشور التى نقلها ادريس أفندى .