آحمد صبحي منصور Ýí 2012-10-02
كتاب ( المجتمع المصرى فى ظل تطبيق الشريعة السنية فى عصر السلطان قايتباى):دراسة فى كتاب ( إنباء الهصر بأبناء العصر ) للمؤرخ القاضى ابن الصيرفى .
كتاب (كتاب ( المجتمع المصرى فى ظل تطبيق الشريعة السنية فى عصر السلطان قايتباى):دراسة فى كتاب ( إنباء الهصر بأبناء العصر ) للمؤرخ القاضى ابن الصيرفى ).
الباب الثانى : أخبار الشارع المصري في عصر السلطان قايتباى
الفصل الأول : نشرة أخبار السلطان قايتباى
أخبار السلطان الشخصية :
1 ــ لم يكن ابن الصيرفي موفقاً في اختيار عنوان كتابه "أنباء الهصر في أبناء العصر" وكان أول له أن يقول "أنباء الهصر في أنباء سلطان العصر" ، فالكتاب يدور في الحقيقة حول السلطان ومن له علاقة بالسلطان، وما ورد من إشارات بين السطور لأخبار بعض العوام فمرجعه لوجود علاقة بينهم وبين السلطان أو عمال السلطان، وكأنما كان ينبغى لأحد أن يقتله السلطان أو يسلخه ليفوز بالذكر والتسجيل في تاريخ ابن الصيرفي. ومن الصعب على مؤرخ من نوعية ابن الصيرفي أن يفصل بين ما هو خاص في أخبار السلطان يدخل تحت بند الأخبار الشخصية وبين ما هو عام ورسمي يختص بسياسة الدولة، فالمؤرخ ابن الصيرفي جعل السلطان قبلته التى يطوف حولها ولا يرى غيرها، بل ولا يرى الأشياء الأخرى والأشخاص الآخرين إلا من خلال سيده السلطان.
2 ــ ونعرض لطائفة من أخبار السلطان الشخصية من وجهة نظرنا نحن، وإن كان ابن الصيرفي يجعلها كلها أخبارً سياسية هامة يعتقد أن البشر جميع لا يحلو لهم النوم في الليل إلا بعد أن يطمئنوا عليها وعلى صاحبها.
نزهات السلطان قايتباى
1 ــ وكان قايتباى مغرماً بالتنزه ، وقد أرهق مؤرخنا وهو ( يتشعلق ) بذيل فرسه يسجل نزهاته هنا وهناك ويلهث وراءه بالكتابة ، بل ويعلن أن أنفاسه انقطعت من كثرة تسجيله لتحركات السلطان في تلك النزهات.
2 ــ في شهرة ذى القعدة 873 كان السلطان مهموماً بانتصار شاه سوار على الجيش المملوكي فخرج للتنزه ليروّح عن نفسه، ونرى مؤرخنا يكتب "وعندى أن مولانا السلطان نصره الله ليس عنده أعزّ من الركوب والتنزه ، ولا يبالى بأحد ، ولا يخاف إلى الله وهو حافظه ومعينه، وسبب هذا الركوب أن السلطان في أمر عظيم بسبب هذا الخارجي الوضيع الذى ليس له ذكر في القديم ولا لآبائه ، وقد صدر منه كسر العسكر المصر والشامي وبهدلته وقتل جماعة من أعيانه. ). أى لا ينسى القاضى المؤرخ المنافق إبن الصيرفى مدح قايتباى حتى فى نزهاته ، ويكيل السّب والشتم للثائر الوطنى شاه سوار الذى أراد تحرير وطنه فى شمال العراق من ربقة السيطرة المملوكية.
3 ــ وفي نفس الشهر (ذى القعدة) فى العام التالى يقول ابن الصيرفي "وأما ركوب السلطان نصره الله فقد تزايد جداً ولا يكاد ينحصر لكثرته، وهذا دالّ على شجاعته وفطنته وصحته" أى أنه وجدها أيضا فرصة للإشادة بالسلطان وشجاعته وفطنته وصحته. وفي شهر شعبان 875 يقول: ( وتكرر ركوب السلطان وقلة العسكر في خدمته إلا العدد القليل.). وفي شهر شعبان 875 يقول: ( وقد كثر ركوب السلطان أياماً ولم أذكر ذلك ولا كتبته لكثرته.). ثم يشعر مؤرخنا بالملل من كثرة تسجيله نزهات قايتباى فيقول فى أحداث يوم الأربعاء 29 ربيع ثان 876 : ( ركب السلطان على عادته وتوجه إلى الخانكاة وقد قدمنا في غير موضع من هذا الكتاب أن نحن لسنا بصدد ركوبه فإنه تزايد جداً.).
ومع ذلك كان مؤرخنا يذكر الكثير من تنزهات السلطان إذا كان فيها إسهاب وتفصيل يستحق الذكر أو كان فيها استقبال حافل للسلطان حين رجوعه من تلك النزهة، كأن يقول عن يوم الأربعاء 12 صفر 876 "ركب السلطان وتوجه إلى القرافة وقيل إلى طرا وهرع لخدمته الأعيان والخواص والخدام حتى المغاني.).
وهى أول مرة نعرف فيها من ابن الصيرفي أن الغواني كن يستقبلن السلطان، والغواني مصطلح كان يطلقه العصر المملوكي على العاهرات البغايا وكن يدفعن للدولة ضرائب على نشاطهن.
السلطان يلعب الكرة:
1 ــ واهتم مؤرخنا بلعب السلطان الكرة مع أمرائه.
فقد كان قايتباى مفتوناً بلعب الكرة أو الصولجان، وهى كرة قدم يتبارى فيها الفرسان وهم راكبون خيولهم باللعب بالكرة . وفى إهتمامه بها كان قايتباى يهمل من أجلها وفد المشايخ والقضاة الذين يحضرون لتهنئته بأول الشهر العربي. في أول شهر ذى القعدة 874 يقول: "وكان السلطان في هذا اليوم قد لعب الصولجان التى يسمونها الكرة ولعب معه الأمراء المقدمون الألوف". وفي يوم السبت 2 ذى الحجة من نفس العام يقول: "وفي يوم السبت ثانية انتهى لعب السلطان من الكرة". وفي أول شهر ذى القعدة 875 يقول مؤرخنا "فيه صعد قضاة القضاة ومشايخ الإسلام لتهنئة السلطان بالشهر على العادة ، وكنت في خدمة قاضى الحنفية ابن الشحنة ، فوجدنا السلطان يلعب بالكرة بالحوش السلطانى ، فانتظروا بالجامع الناصري قلاوون بقلعة الجبل ، إلى أن انتهى اللعب ، وطلبهم ) . أى كان لعبه بالكرة أهم من رؤية المشايخ. ولا ريب أنه كان ( عنده حق ).
2 ــ وفي رجب 875 يعطينا مؤرخنا بعض التفضيلات عن لعب الكرة .
يقول "لعب السلطان مع الأتابك أزبك فغلب بالنشاب في رهن عليه بألف دينار ، فاشترى منها مائة معلوف ( أى خروف سمين ) بستمائة دينار ومائة خروف بدارى وسكرا ودجاجاً وأوزا وفاكهة وحلوى وما أشبه ذلك، واتفقوا على أن يتوجهوا إلى القناطر العشرة ويقيموا بها أياماً يأكلون ويشربون ويتنزهون.) . أى كان لعب الكرة مرتبطاً بالمراهنة والنزهة والمداعبات. وطريقة اللعب كالآتي: ينقسم اللاعبون إلى فريقين على رأس كل فريق (باش) أحدهما السلطان والآخر أتابك العسكر، وعادة ما يكون اللعب بالكرة مرتين في الأسبوع، ويعرف هذا بموكب لعب الكرة. وتقترن هذه الرياضة بنوع من المداعبات كأن يقوم المغلوب بإعداد وليمة فاخرة، وحدث سنة 800 أن لعب السلطان برقوق الكرة مع الأتابك أيتمش البجاسى بالحوش السلطانى ، وغلبه فأظهر الأتابكى استعداده لعمل الوليمة لكن السلطان تحملها عنه ، وجاءت غاية في السعة والترف ، إذ جمع فيها المغنيين كما سمح للناس بدخول الميدان، واحتوت الوليمة على 20 ألف رطل ضانى، 200 زوج أوز، 100 دجاجة، 20 فرساً للذبح، 30 قنطاراً سكر، 200 علبة فاكهة، 200 مجمع حلوى، 30 قنطار زبيب، 60 أردب دقيقة للبوظة.).
3 ــ على أن بعض المباريات كان يحدث فيها ما يعكر الصفو.
ففي يوم الأحد 29 شوال 875 لعب السلطان قايتباى بالكرة مع الأمير جانبك حبيب فوقعت عمامة السلطان من رأسه إلى الأرض، وانكشفت رأسه، وذلك عيب كما سبق توضيحه، يقول مؤرخنا ابن الصيرفي عن حالة السلطان عندئذ " ( فاحتد السلطان وتسودن ) أى انقلب مزاجة إلى سواد.
وبعدها بأيام أى في الثاني من ذى القعدة حدث ما هو أفظع، يقول مؤرخنا : ( لعب السلطان بالكرة على العادة فتقنطر بالجواد ووقع عن ظهره وسقط شاشه عن رأسه )، ويضيف : ( إنقلب الحوش السلطانى ، ونزل جميع الأمراء عن خيولهم ، وبادروا لحمل السلطان ولم يحصل له أدني شدة ولا تشويش غير أنه احتد تسودن. )
فالسلطان المملوكي ينبغى أن يكون أٌقوى الجميع وأفرسهم، ووقوعه عن جواده، وأن يسرع الجميع إلى نجدته مما يحط بكرامته ويضع من هيبته، لذا احتد السلطان وتسودن.
4 ــ وفي يوم الاثنين 20صفر 877 لعب الأمير يشبك من مهدى الداودار الكبير الكرة والصولجان في بيته هو والأمراء المقدمون الألوف .( وأمر مماليكه بإخراج من في الدار والبوابة من الناس ، ونهرهم فلم ينتهوا ولم يخرجوا فضربهم . ومن جملة من ضرب نقيب الجيش على ظهره وأكتافه وكانت ساعة عظيمة مهولة ).
ويتضح مما سبق أن بيوت المماليك الكبار كانت تتسع لمثل هذه المباريات . والداودار الكبير المشهور بالعنف والقسوة أراد إخلاء داره ليلعب فيها مع كبار الأمراء، وطرد الباقين ممن هم أقل رتبة من الخدم والبوابين، وأولئك كانوا مشتاقين لرؤية المباراة فصمّموا على المشاهدة فنالوا الضرب وكان من المضروبين نقيب الجيش، وكانت ساعة عظيمة مهولة على حد قول مؤرخنا.
مرض السلطان:
1 ــ ولا ريب أن كان مرض السلطان من الأحداث الخطيرة عند ابن الصيرفي وعند الدولة أيضاً.لأنّ مرض السلطان تنذر بالصراع على العرش بين الأمراء الأقوياء ، ولا بد أن يستعد كل منهم للوثوب مكانه ، وهذا يعنى فترة من الاضطراب كانت تتكرر فى العصر المملوكى .
2 ــ ليلة الأحد 11محرم 876 ركب السلطان من قلعة الجبل وتوجه إلى شبين القناطر وصحبته الأتابك أزبك وبقية الأمراء . وفي الطريق وثب فرس السلطان على فرس الأمير الكبير أزبك فأسقط عمامته ، فالتفت ليأخذها فضرب فرسه ، فجاءت الضربة في ساق السلطان ، فتجلد لها وكتمها، ولكن لما وصل السلطان إلى شبين قوى عليه الألم فطلبوا له المجبرين والمزينين والمحفة، أى الأطباء والإسعاف بلغة عصرنا، ورجع السلطان إلى القلعة يوم الاثنين، ووصل خبر ما وقع للسلطان للقاهرة في حينه، يقول مؤرخنا "وكان الخبر وصل إلى القاهرة بما وقع للسلطان من الضربة التى جاءت فارتجّ البلد وأصبحوا وقد هدّوا ما كان في البلد وحوانيته وأزقته من الزينة والوقود ، وصاروا في هرج ومرج ، وأمر كاتب السر بأن ينادى في البلد "بالأمان والاطمئنان وأن أحد لا يهدم الزينة ولا الوقود "، ومن هدم سأفعل به كيت وكيت . وأرسلوا في البلاد الشامية وغيرها أن السلطان طيب بخير وسلامة خوفاً من الاختلاف بين الأمراء ووقع تآمر وفتن.)
وفي مساء الخميس 15 محرم شرب السلطان دواء ولم يمكنوا أحداً من الدخول عليه ، فبلغ ذلك ابن مزهر الأنصاري كاتب السر بعد أن صعد للقلعة ، فرجع ، وأخبروا السلطان بذلك فتغيظ لأنهم لم يستأذنوا له، وقد كان ابن مزهر الأنصاري هو السبب في إصدار قرار السلطان بمنع الوالى وأصحاب السجون من أخذ إتاوة على المساجين وإرغامهم على التسول، فذلك القرار الذى صدر يوم الخميس 15 محرم.
ولم يحضر السلطان صلاة الجمعة 16 محرم . وصعد الأمراء اليه فى القلعة ، ودخلوا بين يديه فسلموا عليه وسقاهم المشروب وعادوا لمنازلهم. ولم يطع أهل المدينة الأوامر فقاموا بهدم الزينة التى كانوا قد أعدّوها للإحتفال باستقبال السلطان . وعقد احتفال بشفاء السلطان يوم الجمعة 28 صفر، وركب السلطان من القلعة إلى الجامع وصلى الجمعة . ( وفرشت له الشقق المخمل من باب الحريم إلى باب الجامع،) يقول مؤرخنا ( واجتمع بحريم السلطان من المغاني والفرج والمدات (أى المآدب )ما يليق بهم .) ويختم الخبر بالمعتاد من النفاق : ( وفي الواقع فلله الحمد والشكر على عافية مولانا السلطان نصره الله.).
3 ــ وكان بعض أرباب المناصب إذا علم بأن السلطان أصابته وعكة خفيفة بادر بإرسال الهدايا للسلطان.
ففي يوم الأحد 26 شوال 876 استعمل السلطان دواء ، ولم يعلم بذلك أحداً ،( فبلغ ذلك المقر الأشرف الزينى ابن مزهر فجهّز له ما يليق به من حلوى وفاكهة ومشموم وغير ذلك مما لابد منه ).
وجدير بالذكر أن كاتب السر ابن مزهر أصابته وعكة عوفى منها فصعد للسلطان يخبره بشفائه . يقول مؤرخنا عنه ( وصعد الى السلطان نصره الله، فقبّل يده ، فخلع عليه كامليه سمور بمقلب سمور . )ويستمر مؤرخنا يصف ما حدث من سرور بسبب شفاء كاتب السر: ( وزيّن له البلد وفرحوا بعافيته وسلامته وكذا الدعاء له من كل أحد وأثنوا عليه بالجميل واستمروا في خدمته إلى منزله) ويقول يصف شعوره ينافق سيده إبن مزهر ( وسيماً كاتبه ومؤلفه (يقصد نفسه) فإنه غريق فضله ونعمته، وأنشد لسان حالى في ذلك:
كل من في حماك يهواك لكن |
|
أنا وحدى بكل من في حماك |
ومعناه أن الناس كانت تتفاعل مع السلطان وأحواله الشخصية ومع كبار أعوانه خصوصاً إذا لم يكونوا مشهورين بالظلم مثل كاتب السر ابن مزهر الأنصاري.
4 ــ وفي يوم الجمعة 28 صفر 886 مرض السلطان، أصابه برد، وتقرأ تعبيرات مؤرخنا وفكرة عصره عن تلك الأمراض المعتادة : ( وحصل لمولانا السلطان نصره الله هوى ، توعّك منه ، بسبب أنه نزع الفروة ، وصار بالجوخة ، فاستهوى ،وأفتصد واحتمى ، وحتم من أكل الزفر وكان قصده يوم السبت تاسع عشريه، وأصبح يوم الاثنين مستهل شهر ربيع الأول.. والسلطان نصره الله وحفظه طيب في خير وعافية فلله الحمد والمنة على ذلك.). كانوا يعتقدون إنّ كشف الرأس يجلب المرض بنزلة برد . وكان العلاج بالفصد الدموى والامتناع من أكل الطيور أو ( الزفر ).
لباس السلطان للشتاء والصيف:
1 ــ وكان مؤرخنا يسجل لبس السلطان لزى الشتاء والصيف كأحد الأخبار الرسمية الهامة.
في أول شهر جمادى الأول 873 يقول "لبس القماش الصوف المعد لبسه لفصل الشتاء وخلع على الأمراء الألوف الفوقانيات الصوف )، أى (جُبّة )يلبسونها فوق الزى . ( وخلع السلطان الفوقانى الذى هو لابسه لرأس نوبته الكبير، ثم يصير كل جمعة لمن دونه وهلم جرا إلى أن انتهى الشتاء ) . وهنا يشير مؤرخنا إلى أحد التقاليد المملوكية في ارتداء الزى، وهى أن ينعم السلطان على كبار الأمراء، الأمراء الألوف، بالفوقانيات الصوف زياً لموسم الشتاء ، ثم ينعم السلطان بجبته أو الفوقانى الذى يلبسه لرأس النوبة، أى كبير الحراس ثم ينتقل كل جمعة لمن هو دونه في الرتبة إلى أن ينتهى فصل الشتاء.
2 ــ وفي يوم الاثنين 26 شوال 873 يقول صاحبنا: ( لبس السلطان الملك الأشرف نصره الله القماش الأبيض المعد لبسه للصيف على العادة في كل سنة، من غير موكب، وهذا بخلاف عادات الملوك، فإن العادة لا يلبس السلطان ذلك إلا في يوم الجمعة عند دخوله إلى الصلاة بموكب عظيم، فلم يكترث السلطان بذلك ولا التفت إليه ، ولبس سلاريا بعلبكيا في قاعة الدهيشة ، وخرج به إلى الحوض السلطانى . ) ، أى خرج قايتباى عن التقاليد المملوكية حين ارتدي زى الصيف يوم الاثنين وبدون موكب كما هى التقاليد المرعبة.
وفي يوم الجمعة 12 جمادى الأولى 874 ( لبس السلطان القماش والصوف الملون المعد لبسه للشتاء في كل سنة عند دخوله لصلاة الجمعة . وتأخر عن العادة أكثر من عشرة أيام،) أى كان ينبغى أن يرتديه في أول جمادى الأولى كما حدث في السنة الماضية. وفي يوم الجمعة 29 جمادى الأولى 875 يقول: ( لبس السلطان الصوف الملون ، وألبسه الأمراء الألوف بعد صلاة الجمعة . وتأخر لبسه عن العادة القديمة بعشرين يوماً، أعنى عن عادة الملوك المتقدمين مثل الأشرف برسباى وقبله، وعن السنة الماضية بعشرة أيام.). وفي يوم الجمعة 15 ذى القعدة 876 ( لبس السلطان نصره الله القماش البعلبكي المعد لبسه للصيف قبل عادته بثمانية أيام، وقيل بثمانية عشر يوماً. ) ويبدو أن السلطان كان يأخذ بالتقويم القبطي في ارتداء لباس الشتاء والصيف، فكان يرتدي زى الشتاء في شهر هاتور ويرتدى زى الصيف في برموده وبشنس. وفي يوم الجمعة 27 صفر 886 الموافق 8 بشنس : ( لبس السلطان نصره الله القماش الأبيض المعد لبسه للصيف قبل صلاة الجمعة وسبق العادة بخمسة أيام، وما قارب الشيء يعطي حكمه.). صدقت يا شيخنا القاضى الفقيه : (وما قارب الشيء يعطى حكمه.) . هى عبارة فقهية يعقّب بها إبن الصيرفى عن المواعيد المختلفة لزىّ السلطان ، كأن موعد ارتداء السلطان لزى الشتاء والصيف يعتبر عيداً إسلامياً نستطلع من أجله الهلال وتختلف فيه الآراء وتصدر فيه الفتاوى.ولكنها عبادة الحاكم فى الشريعة السّنية ، يقوم بها قاضينا المؤرخ ابن الصيرفي.
حضور السلطان حفلات الزفاف والميلاد:
1 ــ وكان السلطان يحضر حفلات عقد القران والزفاف وما قد يترتب على ذلك من آثار جانبيه مثل الولادة والاحتفال بالمولود.وكان ابن الصيرفي فى تاريخ (الهصر) يرقص بين يدى السلطان في هذه الحفلات.
في يوم الجمعة 25 محرم 874 تم عقد زواج الداودار الكبير على كريمة السلطان السابق أحمد ابن الأشرف اينال ، وحضر السلطان عقد القران بالجامع الناصرى بالقلعة، وحضره قضاة القضاة وكاتب السر والأعيان، ويعلق مؤرخنا فيقول" وكان عقداً عظيماً .وكيف لا ؟!. وحُمل لهذا العقد أشياء عظيمة من سكر وحلوى وفاكهة وأغنام ومشروب وغير ذلك . والله هو الولى والمالك.). وحتى لا يتهمنا أحد بالقسوة على مؤرخنا ابن الصيرفي نأتى بالخبر من بدايته يقول: ( وفي يوم الجمعة خامس عشر عقد صاحب الحلّ والعقد ومشير الدولة ومديرها ووزيرها واستادراها وداودارها الكبير وما أضيف إلى ذلك من ملك الأمراء بالوجه القبلي والبحري وما مع ذلك أعز الله أنصاره على بنت السلطان الملك المؤيد أحمد بن الملك الأشرف إينال مولانا الأشرف أبى النصر قايتباى عز نصره.. إلخ.). كل هذه الألقاب للعريس يا ابن الصيرفى .!! ناقص يقول شويش. والعاقبة عندكم في المسرات.
2 ــ ودخل العريس يشبك بن مهدي الداودار الكبير على عروسه مسلحاً بكل هذه الألقاب المرعبة التى لا يملّ من ذكرها مؤرخنا ابن الصيرفي، وربما أتت تلك الألقاب بمفعول قوى ، إذ أنجب العريس ذو الألقاب والنياشين طفلاً يوم الثلاثاء الثاني من ذى القعدة 875 . وندع صاحبنا يصف ذلك الحادث السعيد: ( وفيه وُلد للمقر الأشرف الكريم العالي السيفي عظيم الدنيا وصاحب حلها وعقدها ووزيرها واستادراها وداودارها الكبير وما مع ذلك شيد الله به الممالك ـــ ولد.). أى ينقطع نفس القارىء فى قراءة هذه الألقاب إلى أن يصل إلى كلمة ولد. ويلتفت مؤرخنا إلى سيده قايتباى وموقفه من ذلك الحادث السعيد فيقول "فسُرّ به السلطان وخلع على الذى بشره به كاملية سمور بمقلب ). المهم : ( وأنعم له بعشرين دينار ، ورسم للمولود باقطاع وجامكية وغير ذلك ، وسمى منصوراً ) .ترى هل كان يأمر السلطان باقطاع وجامكية لأجدادنا حين كانوا يولدون على "مدار الساقية" او على "عتبة الزريبة" أم كان مكتوباً عليهم أن يعيشوا في الشقاء ويمتص دمائهم زبانية المماليك وأولادهم الذين يولدون بمعالق ذهب في أفواههم.؟!!.
ونرجع لصاحبنا وهو يصف الهدايا والاحتفالات التى أقيمت لذلك المولود السعيد : ( وعُملت له الزلابية من حلوى ثلاثة أيام مع الأسمطة، وقدم له الأكابر من كل صنف، وجهزوا ساعياً بالبشارة لوالده (كان يقود الجيش المملوكى الذى تجرد لحرب شاه سوار ، وبالمناسبة لم يرجع منها )، وقاصداً (أى ساعيا) آخر لجده لأمه الملك المؤيد أحمد بن الملك الأشرفي اينال بالإسكندرية،وهرع لخوندات والستات والرؤساء والمباشرون للسلام عليها والتقدمة لها وصنعوا لها المدات (الآدب) والأسمطة من فاخر المآكل والمشارب وأمثال ذلك.). ويا حسرة على المصريات في ذلك العصر اللائى كن ينجبن للشقاء أطفالاً يرضعون المش الغني بالدود ويشربون الماء بالطمي، حتى إذا كبروا امتص دماءهم المماليك، والبلهارسيا..
ويا أيها المصري المطحون دائماً :إننى أحبك ومع سبق الإصرار والترصد.!
أخبار أخرى للسلطان:
1 ــ ولا يترك صاحبنا المؤرخ مناسبة إلا وأشاد بالسلطان وأثبتها خبراً هاماً من أخبار الزمان.
في عيد الفطر 876 وكان يوم الأربعاء يورد من أخباره الآتي: "ووقعت للسلطان غريب تكتب من محاسنه" ولابد أن نكتم أنفاساً انتظاراً للمفاجأة، ونراه يكتب : ( وهو أن الظاهر خشقدم خلف ولداَ صغيراً عمره نحو خمس سنين صعدوا به بين يدى السلطان فطلع لابساً قماشاً وكلفته فخلع عليه متمراً، فلما رآه السلطان أمر بحمله إليه فجلس بجانبه على الكرسي.).
يا للهول. السلطان أجلس إلى جانبه طفلاً صغيراً على الكرسي، وذلك الطفل ليس من أولاد الرعاع وإنما كان أبوه سلطاناً سابقاً وتركه يتيماً، وجئ به للسلطان فتلطف به وأجلسه على جانبه.
يا للهول..كان لابد للأرض أن تتوقف على الدوران... عيب يا ابن الــ .. الصيرفي.
2 ــ وإذا كان مؤرخنا يحتفل بتلك الأخبار لذلك لا تعجب إذا وجدناه يسجل كل استقبالات السلطان للسفراء القادمين لمصر، ويصف ما استطاع إلى ذلك سبيلا كل ما يراه، وما يسمعه.. وقد احتل ذلك الكثير من الأخبار.
الهوامش
1) الهصر: 69، 165، 206، 244، 358، 327.
2) الهصر: 165، 281، 241.
3) تاريخ ابن اياس: 1/309، 2/117: 118، 145، 347.
4) الهصر: 281، 283، 473.
5) الهصر: 321، 322، 331، 425، 213، 517: 518.
6) الهصر: 43، 67، 152، 229، 431، 517.
7) الهصر: 123، 283.
8) الهصر: 416.
9) 12، 51، 52، 69، 74، 118، 162، 162، 198، 202، 362.
تاريخ الانضمام | : | 2006-07-05 |
مقالات منشورة | : | 5111 |
اجمالي القراءات | : | 56,691,277 |
تعليقات له | : | 5,445 |
تعليقات عليه | : | 14,818 |
بلد الميلاد | : | Egypt |
بلد الاقامة | : | United State |
دعوة للتبرع
زوجى حرامى: السل ام عليكم ورحمة الله لديا سؤال وهو...
لماذا العرب بالذات؟ : الشيخ الأست اذ الدكت ور أحمد صبحي منصور...
Islam not Sunna: - In your opinion what would the Islam be like without Sunna?...
كافر سلوكيا وقلبيا: ما هى نوعية الكفر هنا : ( أَلَم ْ تَرَ إِلَى...
كتاب عن الزواج: اكتب كتابا حول الزوا ج القرأ ني للأجي ال ...
more