فؤاد راشد Ýí 2011-04-02
كان توفيق الحكيم وكيلا لنيابة دمياط , وفي الصيف طلب الي مركز الشرطة ارسال محاضر التلبسات ومعها المتهمين الي حيث مقر اقامته المؤقته بمصيف رأس البر , وقد روي أمورا أذهلته ولم يعرف لها سببا في البداية , فقد لاحظ كثرة الجرائم علي نحو غير مألوف , كما لاحظ أن المتهمين جميعا معترفون بالجرائم , وبلغت قمة العجب أنهم كانوا يقابلون قراره بالافراج عنهم باستياء واحتجاج مع توسلات ببقائهم رهن الحبس , وسرعان ماعرف السبب وبطلash;ل العجب فقد أغري منظر البحر ونسيمه العليل الناس بارتكاب الجرائم لنيل نعيم قضاء بعض الوقت علي نفقة الحكومة خاصة وقد اعتاد الحكيم علي ماعرف عنه من حرص أن يعطي للمتهمين مالا قليلا للطعام والشراب خلال وجودهم بالمصيف عند العرض عليه .
تذكرت القصة لما جمعني مجلس ببعض الأصدقاء ورحنا نتكلم في الشأن العام وبيننا طبيب هاديء الطباع لم ينطق طوال الوقت بكلمة واحدة الا عندما تطرق الحديث الي الرئيس المخلوع , عندها صاح الطبيب صارخا ” ليتني مكانه ” , وتوقف الجميع عن الحديث وراح صاحبنا يقول انه زار شرم الشيخ مرة واحدة طوال حياته لأسبوع تحت ضغط أولاده , وأنهم لما عادوا صعب عليهم التأقلم في مدينتهم الا بعد بعض الوقت , وكانوا يلحون عليه في العودة لبعض الوقت وهو عاجز عن تدبير نفقات الرحلة الباهظة , وأن أصغر أبنائه كان الأكثر ازعاجا لأنه سمع من أمه فور دخولهم شرم الشيخ قولها انها “جنة ” وهكذا فقد راح في كل مرة يبكي مطالبا العودة مرة أخري الي ” الجنة ” !
وانفجر بعضنا في نوبات من الضحك الهستيري , وراحت السكرة وجاءت الفكرة , وكأننا لأول مرة نعرف الحقيقة المرعبة علي بساطتها , وهي أن سارق البيضة يودع الليمان بينما المتهم بقتل الوف وسرقات المليارات يهنأ بالعيش الرغيد والعمر المديد والماء والخضرة وماشاء من وجوه الحسن ب ” الجنة ” كما تخيلها طفل بريء !
وتبادر الي ذهني فرض هزلي ساخر , ماذا لو كان المجرمون يعاقبون لا بالاعدام ولا الأشغال الشاقة وانما يسمع القاضي مرافعة النيابة ثم دفاع المتهم وتثبت التهمة باعترافه بالقتل ثم يقول ” حكمت المحكمة بمنح المتهم قصرا بشرم الشيخ مع مليار دولار ” رفعت الجلسة !!!
كان مجرمو توفيق الحكيم أناسا من البسطاء ممن يمضون العمر في كفاح مرير لأجل كسرة خبز ومأوي وخرقة تستر أجسادهم المنهكة بالفقر والمرض , وكانت أكثر الجرائم من نوع زراعة عدم توريد أنفار لمقاومة دودة ورق القطن أو مخالفة الدورة الزراعية , وكانت يد القانون – كالعادة مع الضعفاء – تتحرك بهمة للقبض عليهم وعرضهم في سلاسل حديدية علي النيابة العامة , ولحرمانهم من نوع متعة هواء البحر فقد كانت السعادة تغمرهم رغم القيد الحديدي ورغم أنها ساعات عابرة يعودون بعدها لحياتهم الشاقة .
وفي الحقيقة أنني لما تأملت كلام الرجل راح سؤال يطاردني , تري هل يعاقب مبارك أم يكافأ علي ماتتوافر الدلائل الجادة علي ارتكابه من جنايات استلاب المال العام وأرواح الشهداء في الثورة وقبل الثورة فضلا عما ارتكبه من شناعات سياسية يدفع ثمنها أجيال كاملة ؟ ومتي كانت الاقامة في أحب مكان لانسان بين أهله عقابا وقد عرف عن مبارك حبه الشديد لمملكته الخاصة في منتجع شرم الشيخ , وقد قيل أن اقامته محددة بها دون أن يعلم الشعب المجني عليه شيئا محددا عن طبيعة حياته ونوع الضمانات لتمتد اليه يد العدالة وتوقع به من العقاب مايلائم مايثبت بحقه من الجرائم !
علينا أن نسلم بالحقيقة مهما كانت مرارتها , والحقيقة الموجعة أن الشعب المصري لازال يعامل بأقل ممايستحق من الاحترام من قبل حكامه , فليس هناك من تفضل بشيء بل ان الشعب هو من تفضل وضحي وأتاح لمن يتصدرون الصورة أن يجلسوا حيث هم , نعم -نقولها مدوية – لقد راح الشهداء الي رحاب ربهم , وأصيب الألوف باصابات بليغة نجمت عنها عاهات أبدية , و ترملت نساء وتيتم أطفال وثكلت أمهات فلذات أكبادهن , وبعد أن دفع الثمن من دفع جلس البعض حيث يجلسون وصاروا بين يوم وليلة نجوما ملأ الأسماع والأبصار , ولست مستعدا علي الاطلاق لسماع مقولة مشروخة بلا معني مؤداها أن علينا أن نشكر أحدا لأنه لم يقتل الثوار , فالقتل جناية عقوبتها الاعدام وليس من المعقول أن يحمد لأحد أنه لم يرتكب جناية عقوبتها الاعدام !
الحقيقة أنه ليس هناك انسان لا من المجلس العسكري الحاكم ولامن مجلس الوزراء ولامن غيرهم يحق له المن علي الشعب المصري العظيم , وليس من المعقول ولا المقبول وليس في امكان مخلوق كائنا من كان وماكانت مكانته أن يمرر بقاء مبارك وأسرته في ” جنة ” شرم الشيخ دون تحقيق نزيه شفاف ومحاكمة عادلة أمام القاضي الطبيعي وانزال العقاب بأيهم شأن أي مجرم علي مايثبت أن يداه جنت بحق دم المصريين أو أموالهم .
لقد حوكم رئيس دولة الصهاينة السابق وحكم عليه بالسجن سبع سنوات لجريمة واحدة هي التحرش بأنثي , وفي مصر وقعت عقوبات مغلظة علي من حمل سكينا أو سلاحا يروع الأبرياء , وكل ذلك طبيعي ومعقول أما غير الطبيعي وغير المعقول فهو أن يكون عقاب من اعتدي علي مال وكرامة شعب بكامله علي مدي ثلاثين عاما وعلي حياة شهدائه أن يبقي مستجما في منتجع شرم الشيخ الحبيب المحبب اليه بين أسرته , أما اذا كانت سياسة الدولة الجديدة بعد الثورة أن يعاقب المجرمون بمنحهم الاقامة بفيلات في شرم الشيخ فاننا نطالب وعلي الفور بتعديل قانون العقوبات ليكون ” قانون المكافآت ” وأن تحدد العطايا صعودا بقدر عظم الجرائم فيمنح سارق البيضة مسكنا في نجع قاصي فقير جزاء خيبته ويمنح القاتل مسكنا في مدينة كبيرة فان تعدد القتلي منح فيلا في حي راقي , وعندها يصبح طبيعيا أن يمنح المتهم قصرا منيفا بشرم الشيخ اذا كانت الاتهامات هي سرقة شعب بأكمله وتجويعه واذلاله وقمعه واهداء ثروته للصهاينة والتحالف معهم وقتل مئات الشهداء , بل ربما يكون من العدل منحه لاقصرا واحدا بل شرم الشيخ كاملة جزاء ماقدمت يداه !
دعوة للتبرع
نقد ( لحظات قرآنية ): تحول الحلق ات الأخي رة من برنام ج لحظات...
عمر نوح : هل يعقل أن يعيش نوح حوالي ألف سنة. السلا م ...
ثلاثة أسئلة: سؤالا ن من الاست اذ ( ابو أسامة ) السؤ ال ...
الى الشيخ أحمد درامى: إلى الأست اذ د. أحمد صبحي منصور : حول ردك على...
آذانهم للصلاة : هل الأذا ن للصلا ة مذكور فى القرآ ن الكري م ...
more