الإسلام في الانتخابات الأمريكية
إن القضايا الخارجية نادراً ما تلعب دوراً حاسماً في الانتخابات الرئاسية الأمريكية. وبدلاً منها تلعب القضايا الاقتصادية والاجتماعية الداخلية مثل هذا الدور. وبمعني أدق، حتي لو كانت قضايا السياسة الخارجية تشغل قطاعات واسعة من الرأي العام الأمريكي، فإن دورها في قرار الناخب، أي من سيصوّت له يظل درواً ثانوياً.
ومع ذلك فمنذ أحداث سبتمبر 2001، أصبحت مخاوف الأمريكيين من هذا الغامض البعيد ، الذي يطلق عليه الإسلام ، أحد القضايا الهامة في قرار الناخب الأمريكي. وقد استغل جورج بوش هذا الخوف في إعلان سياسته بالحرب علي الإرهاب ، بشن هجوم جوي، ثم هجوم بري علي تنظيم حركة القاعدة ، ثم علي نظام طالبان في أفغانستان. ثم استمرأ الرجل وفريق في حزبه، يُسمون المحافظون الجدد ، هذه الممارسة لتنفيذ مخططات أخري، ليس لها علاقة مباشرة بما حدث في 11 سبتمبر (تفجيرات نيويورك وواشنطن) لغزو العراق (مارس 2003)، وإسقاط نظام صدام حسين، بدعوي امتلاكه لأسلحة دمار شامل، يمكن لها أن تهدد الأمن الأمريكي.
ورغم أنه لم يثبت من تحقيقات الكونجرس أو الأجهزة الاستخباراتية الأمريكية، وجود أسلحة دمار شامل أو أي علاقة بين نظام صدام حسين في العراق ونظام طالبان أو تنظيم القاعدة في أفغانستان، إلا أن جورج بوش والحزب الجمهوري استمرأ في توظيف الخوف من ذلك الإسلام الغامض البعيد ، في الحصول علي تأييد أغلبية الأمريكيين في الانتخابات الرئاسية لعام 2004، حيث أعيد انتخابه لفترة رئاسية ثانية.
ولكن مع استمرار الحرب علي الإرهاب والحرب في العراق دون نهاية أو حسم، فإن أغلبية الرأي العام الأمريكي، بدأت تعيد النظر، ثم تفقد الثقة في جورج بوش، والمحافظين الجدد. ولكن الإسلام الغامض البعيد ، ظل مصدر خوف، يحاول بعض السياسيون الاستمرار في توظيفه في حملاتهم الانتخابية للرئاسة الأمريكية. وأصبح من كان قد صوّت في الكونجرس، لصالح قرار الحرب في العراق، أو ضد القرار، عام 2003، أحد قضايا الحملة الرئاسية عام 2008، خاصة أن الحرب ما زالت مستمرة بلا حسم، وتكلف الخزينة الأمريكية حوالي مائة مليار دولار وآلاف القتلي والجرحي سنوياً.
وعلي الجانب الديمقراطي كانت السناتور هيلاري كلينتون قد صوّتت مع قرار الحرب في العراق. بينما كان السناتور باراك أوباما، من القلائل الذين صوّتوا ضد نفس القرار عام 2003. وطبعاً تحاول هيلاري كلينتون الآن، وهي في مقدمة المرشحين للرئاسة، أن تتنصل أو تبرر هذا التصويت في ذلك الوقت، بدعوي أنها فعلت ما فعلت بناء علي المعلومات التي كانت متاحة في ذلك الوقت (2003)، والتي ثبت بعد ذلك عدم صحتها أو دقتها. هذا بينما يعتز باراك أوباما وهو المنافس الأول لها أنه كان قد صوّت ضد قرار الحرب. وحينما ردت هي وزوجها (الرئيس السابق بيل كلينتون)، بأن أوباما صوّت في سنوات تالية لصالح اعتمادات تمويل الحرب، رد أوباما، بأنه ما دام جنودنا في ميدان القتال، رغم أنه لم يكن مع إرسالهم هناك، فهو لا يتركهم دون سلاح أو عتاد.
أما علي الجانب الجمهوري، أي حزب الرئيس بوش الذي تورط في حربي العراق وأفغانستان، فإن المرشحين لا يتحدثون كثيراً عن قرار الحرب، ولسان حالهم هو الرغبة في نسيان أو التقليل من أهمية هذا الموضوع في الحملة الانتخابية الرئاسية الحالية. وإذا أصر الناخبون علي سؤال مرشحيهم حول الموضوع، فإنهم يفعلون مثل هيلاري كلينتون، أي أنهم أيدوا قرار الحرب وقتها بناء علي المعلومات المتاحة. ومع ذلك هناك استثنائيان في هذا الصدد. أحدهما السناتور جون ماكين، وهو أسير حرب سابق منذ حرب فيتنام، قبل ثلاثين عاماً، والذي يؤيد أي قرار ينطوي علي أمن أمريكا وقواتها المسلحة. أما الاستثناء الثاني فهو رودي جولياني، الذي كان عمدة مدينة نيويورك يوم وقعت تفجيرات برجي مركز التجارة العالمي. وأكسبته إدارته للأزمة وقتها شهرة وإعجاباً علي مستوي أمريكا كلها. وبسبب هذه الشهرة يفكر في ترشيح نفسه في رئاسة أمريكا. وهو يوظف تفجيرات 11 سبتمبر لدرجة أصبحت تنطوي علي مبالغة ظاهرة، خاصة بعد مرور سبع سنوات.
أكثر من ذلك فإن هذا التوظيف السياسي لفاجعة 11 سبتمبر انزلق بالرجل إلي لغة عنصرية ضد الإسلام والمسلمين. منذ الواقعة الشهيرة في رده الوقح علي الأمير السعودي الوليد بن طلال، حينما عرض التبرع بمائة مليون دولار، لإعادة تعمير مركز التجارة العالمي، والإسهام في تعويض ضحايا التفجيرات. فلم يكتف برفض التبرع بل زاد علي ذلك اتهام الدين الإسلامي ومعتنقيه بأنهم وراء كل نكبات العالم. وربما شجع رودي جولياني، وهو أمريكي من أصل إيطالي، علي التمادي في هذا الخطاب العنصري، أن مقره الانتخابي، وهو مدينة نيويورك، بها أكبر تجمع من الناخبين اليهود. وهو الذي يُقحم موضوع الإسلام والمسلمين في الحملة الانتخابية الحالية لعام 2008. وحينما يطرح أحد المرشحين موضوعاً بإلحاح، فإن المرشحين الآخرين من حزبه والحزب المنافس يضطرون للإدلاء بدلوهم فيه. فحتي إذا لم يرغبوا في ذلك، فإن الصحفيين يلاحقونهم بأسئلة عن الموضوع، أو رأيهم فيما قاله هذا المرشح، أو ذاك عن الإسلام والمسلمين.
من ذلك ما حدث مؤخراً في أحد المناظرات بين المرشحين، وأوردته صحيفة الهيراليد تريبيون (22/1/2008)، حيث وجه المذيع برايان وليامز، سؤالاً لباراك أوباما، عما يشاع، عنه أنه مسلم وكانت لهجة توجيه السؤال اتهامية . وكذلك أجاب أوباما بلهجة قاطعة، كما لو كان يقول أنا برئ من هذا الاتهام، في كلمتين هما أنا مسيحي . ويعلق أحد كتّاب هذه الصحيفة العريقة بأن غوغائية وعنصرية بعض المرشحين تكاد تسمم المناخ السياسي الأمريكي كله، وتنتكس به إلي تعصب ديني، كان الغرب عموماً وأمريكا خصوصاً قد تجاوزته منذ ثلاثة قرون علي الأقل. ويستشهد نفس هذا الكاتب، وهو جيمس كارول، بملاحظة لأكاديمي مسلم هو رضا أصلان، فحواها أن أسامة بن لادن حينما دبّر تفجيرات 11 سبتمبر لم يكن يهدف إلي غزو ديار عدو بعيد ، بقدر ما كان يهدف إلي إشعال حرب تطهير في دار الإسلام . ويقول رضا أصلان، أن بن لادن قد نجح إلي حد بعيد. حيث أن ما فعله في 11 سبتمبر قد فجّر بالفعل مخزوناً عميقاً من معتقدات ومشاعر كان قد عفي عليها الزمن.
ويتساءل الكاتب الأمريكي جيمس كارول، كيف ينساق مرشحو الرئاسة الأمريكية إلي هذا الفخ العنصري، أي الترويج لما يسمي بالإسلام فوبيا أو الفاشية الإسلاموية ، في الوقت الذي لا بد لأمريكا فيه أن تتعامل مع مليار وربع مليار مسلم في العالم، فضلاً عن مصالحها الاستراتيجية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وجنوب وشرق آسيا؟. وهو يقر بأن تحالفاً صهيونياً إنجيلياً ، بدا ينمو بسرعة مخيفة في أعقاب تفجيرات بن لادن في نيويورك.
فكأن تحالف بن لادن الظواهري في أواخر التسعينيات والذي هدد بالحرب علي اليهود والصليبيين ، قد أصبح مثل النبوءة التي تحقق ذاتها (self-fulling Pnophicy)، حيث أصبح هناك بالفعل تحالف إنجيلي صهيوني في أمريكا، ركبه المحافظون الجدد في انتخابات 2004، ويحاول رودي جولياني الجمهوري، وهيلاري كلينتون الديمقراطية، أن يركباه في انتخابات 2008. فعلي العرب والمسلمين أن ينتبهوا، وأن يتابعوا المشهد الأمريكي باهتمام وحصافة.
واللهم قد أبلغنا واللهم فاشهد.
اجمالي القراءات
11608