نقد كتاب العزائم والرخص
نقد كتاب العزائم والرخص
المؤلف عبد العزيز الطريفي وهو يدور حول أن العزائم والرخص مرتبطة بالوحى وليس بفتاوى العلماء وقد تحدث عن يسر الدين فقال :
"أما بعد فإن الله قد جعل هذا الدين دين يسر وسهولة ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن هذا الدين يسر ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه) وقد جاء في ذلك من الآيات ومن الأحاديث عن رسول الله (ص)شيء كثير جدا
ويكفي أن الأصل المتقرر أن الله ما جاء بهذا الدين وأنزل كتابه العظيم على نبينا محمد (ص)وجعل الأوامر والنواهي إلا رحمة بالناس وشفقة عليهم ..ومن نظر إلى الآيات من كلام الله وكلام رسول الله (ص)في هذا الباب وجد شيئا كثيرا مما لا يمكن للإنسان أن يحصيه في كتاب
ومن ذلك ما قاله الله في كتابه العظيم: يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر " وقول الله جل وعلا: وما جعل عليكم في الدين من حرج "وما جاء عن رسول الله (ص)من أحاديث كثيرة منها ما رواه البخاري من حديث سعيد المقبري عن أبي هريرة أن رسول الله (ص)قال: (إن هذا الدين يسر ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه)
ومن ذلك أيضا ما رواه الإمام مسلم أن رسول الله (ص)قال: (إن الله لم يبعثني معنتا ولا متنعتا وإنما بعثني ميسرا) وكذلك ما رواه الإمام مسلم: (أن خذوا برخصة الله التي رخص لكم)
وكذلك ما رواه الإمام أحمد وفيه: (إن خير دينكم أيسره) وذلك لرجوعه إلى الأصل العظيم وهو اليسر وعليه بنيت الشريعة وإليه مآل سائر الأحكام وإن خالف في ذلك بعض أصحاب الأضواء وأصحاب النظر البعيد عن الشرع باتهام تكاليف الشرعية بأنها شاقة ويكفي في ذلك قول الله سبحانه وتعالى: لا يكلف الله نفسا إلا وسعها "
والحقيقة أن الدين يسر بمعنى أن الله للذكر وهو طاعة أحكام الله وأنه طريق لليسر وهو طريق التوبة التى تعنى دخول الجنة وفى هذا قال تعالى :
"والله يريد أن يتوب عليكم ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلا عظيما"
وأما أن الله شرع ما لا يتعب الناس فهو يتعارض مع إباحة قتال المعتدين وإباحة قطع النبات فى الحرب ويتعارض مع وجوب الزواج وتحريم الزنى فالزنى سهل لا يتطلب مالا بينما الزواج يتطلب مال يتعب الذكر فى جمعه ويتعارض مع وجول صوم رمضان ومما لاشك فيه أن المسلم يتعب من الجوع والعطش وعدم جماع الزوجة
إذا الشرع يسر بمعنى أنه طريق دخول الجنة بالطاعات والتوبة من المعاصى
وتحدث الطريفى عن كمال الشرع فقال :
"شريعة الله جاءت كاملة متكاملة لا نقصان فيها كاملة من جميع الوجوه باشتمالها على سائر الأحكام الشرعية من غير نقصان ...
شريعة الله أصلها التيسير ولما كان الإنسان هو الذي ينظر إلى التكاليف وإليه مرد المشقة والتيسير كان الإسلام دين الفطرة وهي التي فطر الله عز وجل الناس عليها كما قال الله جل وعلا: فطرة الله التي فطر الناس عليها وكما جاء في الصحيحين من حديث أبي هريرة: (ما من مولود إلا ويولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه) وهذا أصل التسهيل والتيسير في دين الله وذلك أن فطرة الله التي فطر الناس عليها موافقة للنصوص وهذا أعظم التيسير أن يأتي التكليف موافقا لرغبة الإنسان وفطرته فلا يكون فيه كلفة وهذا معلوم ملموس الحكمة من التشديد في المنهيات أكثر من المأمورات في الشريعة"
والحديث الذى استشهد به الطريفى باطل لتعارضه مع كتاب الله فالله لا يخلق الناس على الإسلام وإنما يخلقه بدون أى علم بالإسلام أو بالكفر كما قال تعالى :
"والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا"
ولو خلقنا مسلمين فهذا اجبار نفاه وهو يتناقض مع تخييره لنا بين الكفر والإسلام فى قوله :
" فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر"
وتحدث عن انقسام الشرع عن أوامر ونواهى فقال :
"من نظر إلى الشريعة الإسلامية من جهة الإجمال وجد أن الشريعة تنقسم إلى قسمين:
القسم الأول: مأمورات
والقسم الثاني: منهيات ويدخل في المأمورات ما كان على وجه الإلزام والتأكيد وما هو دون ذلك وكذلك المنهيات، يدخل فيها ما كان على سبيل الإلزام والتأكيد وما هو دون ذلك
ويخرج من هذا -على قول بعضهم- الأصل وهو ما كان أصله الإباحة فهذان الأصلان: المنهيات والمأمورات من نظر فيهما وجد أن عليهما تدور أحكام الشرع ...وهذا ظاهر فإن من نظر إلى الآي من كلام الله وكلام رسول الله (ص)وجد هذا ظاهرا
لهذا يقول النبي (ص): (إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه) فأكد على الاجتناب وعلق الأمر بالاستطاعة في الأمر لأن الأمر في قوله (ص): (إذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم) يقتضي كلفة ومشقة فضلا عن الأصل الذي خلق عليه الإنسان وهو العجز
وأما النهي فإنه يجب على الإنسان أن ينتهي عنه جملة لأن الأصل في حاله العجز فكانت المنهيات في الشرع آكد وأشد تأكيدا من المأمورات وعليه يقال: إنه ينبغي للعالم والمفتي أن يؤكد في جانب المنهيات أعظم وأشد من المأمورات وذلك لأن الغالب أن المأمورات تتعلق بها المصلحة الأخروية وإن وجد شيء كثير مما يخالف هذا وأما المنهيات فتتعلق بها المصلحتان: المصلحة الدنيوية والأخروية وهذا ظاهر ..ولذلك وجب على المفتي والعالم ومن أراد أن يتفقه في دين الله: الاحتراز في الفتوى من القول على الله عز وجل بلا علم لأنه موقع عن الله وموقع عن رب العالمين وكأنه قد نصب نفسه مقام المشرع (ص) فكان مقامه من أعظم المقامات وأشدها في الدين فوجب عليه الاحتراز"
والكلام السابق الكثير منه صحيح عدا :
أولا أن الأصل فى الأشياء الإباحة وهو ما يتعارض مع أشهر جملة وهى لا إله إلا الله فهى تتضمن نهيا وأمرا نهيا عن عبادة غير الله وأمرا بعبادة الله وأول حكم للبشر فى قصة آدم كان يتضمن أمرا ونهيا معا وهو الأكل من كل الأشجار عدا شجر واحدة نهى عنه كما قال تعالى :
"وقلنا لآدم اسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها رغدا حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين"
ثانيا أن المشرع هو الرسول(ص) والمشره هو الله كما قال تعالى :
"شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذى أوحينا إليك "
وتحدث عن أخذ العلم ممن قب من زمان الوحى فقال :
" أهمية أخذ العلم ممن قرب من فترة الوحي:
لهذا كان المرد والمآل في سائر النصوص إلى كلام الله وكلام رسول الله (ص)لا إلى كلام غيره وقد كان السلف يشددون في النقل عن غير الصحابة عليهم فيأمرون بالأخذ بكلام الله وكلام رسول الله (ص)وكلام الصحابة عليهم ويحذرون عن الأخذ عمن دونهم وذلك أنه ينبغي للإنسان أن يأخذ عمن قرب من الوحي
لهذا قال الإمام أحمد -وكذلك قال الأوزاعي- قال: العلم كلام الله وكلام رسول الله (ص)قال: واكتبوا قول الصحابة ونهى عن كتابة قول التابعين وذلك أن الخطأ والوهم والغلط يقع فيهم أكثر من الصحابة وكلما تباعد الناس عن الوحي كلما وقعوا في الوهم والغلط ولهذا كلما جاء قرن بعد قرن أمروا بأن يكتبوا عمن كان قبلهم ولا يكتبوا عمن كان في عصرهم لأنه كلما تأخر الناس زمنا كثر الفساد في الأرض وكثر القول على الله عز وجل بلا علم فوقعوا في الخطأ والزلل وفيما يخالف أمر الله عز وجل ويخالف نهيه
ولهذا كان ابن شهاب الزهري -وهو من متأخري التابعين- يكتب أقوال الصحابة ويترك أقوال التابعين وخالفه صالح بن كيسان في ذلك فكان يكتب أقوال الصحابة ويكتب أقوال التابعين فلما كان في القرن السابع كما يقول الحافظ ابن رجب تعالى: كان متحتما على من رام علما أن يكتب أقوال الصحابة وأقوال التابعين وأتباعهم وأقوال الأئمة كالإمام أحمد و الشافعي و إسحاق و أبي عدي وغيرهم
وهؤلاء بأقوالهم يتبين للإنسان معرفة الحق والصواب من الباطل والخطأ وذلك أنه بأقوال هؤلاء الأئمة يعرف الأدلة لأنهم أصحاب نور وهداية وتمسك بالوحي لهذا كان العلماء يجعلون من شروط المفتي أن يكون عارفا عالما بالخلاف عالما بأقوال العلماء على تباين أحوالهم وقد جعل هذا شرطا في المفتي غير واحد من الأئمة كالإمام أحمد وكذلك ابن مهدي و ابن المبارك و الخطيب وغيرهم من الأئمة قالوا: إنه لا يتأهل المفتي للفتوى حتى يكون عالما بأقوال الناس وقد سئل الإمام أحمد عمن لديه السنة عن رسول الله (ص)ولكنه لا يعرف الصحيح من الضعيف ولا يعلم أقوال الناس هل يفتي؟فقال: لا، وإنما يسأل أهل العلم وكأنه ما جعله من أهل العلم حتى يعرف الصحيح من الضعيف من هذه السنة وكذلك يميز بين أقوال العلماء المتشدد منهم والمتساهل"
وحديث الطريفى متناقض فهو يرد ألأمر للنصوص فى قوله" المرد والمآل في سائر النصوص إلى كلام الله" ومع هذا بطالبنا أن ،اخذ بكلام القريبين زمنيا من الوحى فيقول" وذلك أنه ينبغي للإنسان أن يأخذ عمن قرب من الوحي"
وهو ما يتعارض مع وجوب الرد إلى الله وحده كما قال تعالى :
"وما اختلفتم فيه من شىء فحكمه إلى الله"
وتحدث عن أسباب الزلل فى الفتوى فقال :
"أسباب الزلل في الفتوى وأخذها:
وكثير من الناس يقع في الوهم والزلل وعدم الإدراك للصواب فيأخذ بطرق يظن أنه على الحق فيها والزلل الذي يقع عند المفتين وكذلك من ينصب نفسه مكان المشرع ويفتي في شرع الله بأقوال عباده ويتنكب الدليل والمزالق في ذلك كثيرة لكن ليست كلها بسبب سوء النية أو التعدي على الشرع أو النظر في الترخص والمباحات، لا ولكنه يكون بعضها بالجهل وعدم الاحتراز لجناب الشريعة والعناية بالدليل فإن أعظم المزالق التي ينزلق فيها كثير ممن يقول بخلاف الحق ويتنكب الدليل هي لعدم معرفته بالصحيح من الضعيف من السنة ومن كانت حاله هذه فليس أهلا للفتيا حتى يميز صحيح الأثر من ضعيفه
وقد نص على هذا غير واحد بل حكموا بأن من كان حاله على هذه الحال أنه لا يجوز له أن يفتي ويجب عليه أن يسأل أهل العلم العارفين بالصحيح من الضعيف من كلام رسول الله (ص)وقد نص على هذا عبد الرحمن بن مهدي وكذلك الإمام أحمد و ابن المبارك و الخطيب البغدادي وكذلك ابن القيم وكذلك الإمام الشافعي في مواضع من مصنفاتهم عليهم رحمة الله أنه إذا كان العالم لا يملك آلة التصحيح والتضعيف ولا يميز الصحيح من ضعيفه فهذا ليس أهلا للفتيا وهو داخل في دائرة العوام من جهة التقليد وهو مقلد لا غير
وكذلك أيضا من المزالق التي تجعل القول الشاذ يرويه كثير من الناس أو العامة عدم العناية بالقول الصحيح لأن طالب العالم حال طلبه للعلم يحاول التماس الراجح من أقوال الفقهاء فيحفظ المصنفات من المتون الفقهية ويكون أول ما يصل إليه الترجيح على قول فلان أو الترجيح على قول فلان من غير التماس للدليل فيأخذ بقول العالم الفلاني لأنه قد حفظ متنه الفقهي فحال سؤاله عن مسألة من المسائل يتبادر إلى ذهنه أول ما وصل إليه من الأقوال
وهذا من أسباب نشوء الخلاف وكذلك عدم التوسع في معرفة الخلاف فإذا كان طالب العلم يحفظ متونا فقهية وهي أول ما وصلت إليه ولم يسبق ذلك بحفظ الدليل عن رسول الله (ص)فإنه عند سؤاله يبادر إلى ما حفظه من أقوال العلماء من غير نظر للدليل فإذا علم أن أحدا خالفه شدد عليه وظن أنه قد خالف الحق وهو ما عرف إلا ذلك المتن الذي قد حفظه
وكذلك أيضا من مواضع الزلل عند المفتي في مخالفة النص أن المفتي ربما يجهل حال البلد الذي استفتي منه وربما تكون حال ذلك البلد تختلف عن حال البلد الذي هو فيه وبتلك الحال ربما يختلف الحكم الشرعي لأن الشرع قد علق الأمر بعلة شرعية إن وجدت وجد هذا الحكم الشرعي فلما كان البلد قد تغير فإنه ينتفي هذا الحكم وينقل إلى حكم آخر لأنه معلق بعلة والحكم يدور مع العلة وجودا وعدما"
وهذا الحديث عن أسباب الزلل هو بعيد عن الحقيقة فى كثير منه فمرد الزلل وهو الخطأ إلى ثلاث :
الأول اتباع الهوى
الثانى عدم الفهم سواء للقضية أو للنص
الثالث الإكراه سواء كان خوفا من الحاكم أو من الناس
وذكر أمثلة عن سبب من اختلاف الفتاوى بسبب اختلاف البلد والعادات فقال:
"والأمثلة على ذلك كثيرة فربما سئل مفت من المفتين عن مسألة خضاب الرجل وهل يجوز أم لا؟ فربما أفتى بأنه لا يجوز لأنه تشبه بالنساء لأن النساء في بلده يخضبن والرجال لا يخضبون، ولكن في كثير من البلدان الإسلامية ربما الرجال يخضبون أكثر من النساء فإذا كان العالم يعلم حال ذلك البلد التي قد استفتي فيها فإنه يكون على بينة ولا يحدث قولا يحمل على الشرع فيخالف الأصل الذي قدره الشارع وهو تعليق الأمر على تلك العلة التي علق الشارع الأمر بها
ومن ذلك أيضا ما يتعلق بلباس الناس من جهة التشبه ومن جهة الألوان فربما يسأل العالم عن لباس المرأة ولون لباسها ونحو ذلك كأن تكون المرأة تخرج بعباءة خضراء أو عباءة صفراء أو عباءة بيضاء ونحو ذلك فيقول بعدم الجواز ولا يعلم حال المستفتي ولا حال بلده
وذلك لقوله أن الرجال يلبسون البياض وأن النساء قد اختصصن بالمباينة وحال ذلك البلد أن الرجال والنساء لا يفرق بينهم من جهة لون اللباس والواجب الستر فحينئذ يقال: إن الشارع لم يخصص لونا بعينه ولكنه إذا وجد في بلد أن الرجال قد امتازوا بلون والنساء قد امتزن بلون فإنه يحرم على النساء أن يلبسن ألوان الرجال ثم يفتي بأنه يحرم على المرأة أن تلبس اللباس الأبيض لأنه من اختصاص الرجال في بلده
وأما البلد الآخر الذي منه المستفتي فيجاب بحسب معرفة الحال لهذا يقول ابن تيمية : وإنما وقع الخلاف في الشرع ومنهم من يعلم الدليل من الكتاب والسنة ويجهل السياسة الشرعية ومنهم من يعلم السياسة الشرعية ويجهل الأدلة من الكتاب والسنة "
والحقيقة أن الفتاوى لا تقوم على اختلاف البلاد أو اختلاف عادات الناس فالفتوى واحدة فى أى مكان إلا ما نص الله عليه من الوجود فى بلاد الكفر حيث يجب اخفاء مظاهر الإسلام كالصلاة علنا وأيضا الفتاوى الخاصة بالحج فى مكة
وأما العادات فأحكام الله فيها واحدة ولو قلنا حكم الله فى الخضاب وهو تغيير خلقة الله بلون ما فهو الحرمة لأنه استجابة لقول الشيطان:
" ولآمرنهم فليغيرن خلق الله"
ومن ثم لا يتعلق الحكم باختلاف البلد
وأما حكم ألوان الملابس فالله تركه مفتوحا فلم يذكر لونا ولم يذكر مادة صناعته ومن ثم كل الألوان مباحة لأن حكم الله فى اللبس فى الأماكن العامة وأمام الأجانب المحرم النظر عليهم فهو مواراة أى اخفاء العورة كما قال :
"يوارى سوءاتكم"
وتحدث عن واجبات المفتى فقال :
"ما يجب على من تصدر للفتوى
ولهذا الواجب على المفتي أن يكون فاهما والفهم على نوعين كما قال غير واحد من العلماء أن يكون فاهما للدليل وأن يكون فاهما لحال المستفتي وهذا قد نص عليه الأئمة في قرون طويلة وقد ذكر الإمام أحمد بن حنبل أن المفتي لا يمكن أن يؤهل للفتوى حتى يكون فيه خمس خصال:
الخصلة الأولى: أن يكون صاحب نية وورع فإنه إن كان فيه نية كان في وجهه نور وإن كان في وجهه نور كان على كلامه نور
الخصلة الثانية: أن يكون صاحب علم وحلم ووقار وسكينة
الصفة الثالثة: أن يكون قويا وقادرا فيما هو فيه
الصفة الرابعة: أن يكون صاحب كفاية وإلا مضغه الناس
الصفة الخامسة: أن يكون عالما وعارفا بأحوال الناس خاصة فيما يتعلق بالأحكام الشرعية التي هي منوطة بعلل ولم يعلقها الشارع بحكم شرعي بائن لازم على كل حال فإنه تتباين الأحكام الشرعية من حال إلى حال ...وشريعة الله مآلها ومردها إلى الكتاب والسنة وليس إلى قول فلان من الناس ومن نظر إلى حالنا في هذا العصر وجد أننا أحوج ما نكون إلى إعادة الناس إلى الكتاب والسنة والنهل من فقه السلف من الصحابة والتابعين بعيدا عن التمسك بأقوال الفقهاء من البلد الفلاني والبلد الفلاني ومن نظر إلى العلماء الذين تكلموا في المقاصد الشرعية كالإمام الشاطبي وجد من تتبع شواذ أهل العلم ورخصهم قد خرج عن الإسلام
ويقول سليمان التيمي: من أخذ بأقوال العلماء التي قد خالفوا فيها الدليل وأخذ من كل عالم ما وافقه فقد اجتمع فيه الشر كله أي أنه قد قلب الأصول الشرعية"
والمفتى الشرط الواجب توافره فيه هو العلم لأن بقية الصفات متوافرة فيه بصقته مسلم كبقية المسلمين وأما حكاية نور الوجه فهذا تخريف فالنور والظلام ناتج من لون الجلد ومن ثم يفتى الرجل بعلمه المأخوذ من نصوص الوحى هذا هو الشرط الوحيد
وتحدث عن أصول الفتوى فقال :
" الأصول الشرعية في الفتوى وأخذها
الأصل الأول أن الشرع هو الحاكم والهوى محكوم ولكن هذا قد قلب هذه السنة وهذا الأصل فجعل الهوى حاكما والشريعة محكومة وما التمس الدليل وإنما أخذ الأيسر
الأصل الثاني: أن وجود أقوال العلماء في مسألة من المسائل لا يعني منه وجود دليل لهذا القول وأنه يسوغ للإنسان أن يأخذ به فربما أفتى هذا العالم في مسألة برأيه لأنه لا يعلم حديثا في المسألة فإذا علم الدليل خالف قوله ...لهذا يقال: إنه ينبغي أن يعلم أن العلماء حينما يقولون بقول من الأقوال فلا يعني أنهم على دليل وإنما هو اجتهاد فقد يكون بنوه على أصل لعدم معرفة الدليل
الأصل الثالث: أن الإحاطة بمعرفة الأدلة من الكتاب والسنة وإدراك أحكام الشريعة ليست لأحد وأنه ما من أحد إلا ويند عنه من أحكام الشريعة ما يند ولهذا الصحابة عليهم قد وجد فيهم من خالف الدليل صراحة لأنه لم يبلغه الدليل وإنما أخذ بالأصل فإذا جاز هذا للصحابة عليهم وهم أشد الناس احترازا فهو لمن بعدهم من التابعين ومن جاء بعدهم أجوز ولا يعلم أحد من الصحابة ولا من غيرهم من التابعين ومن أتباع التابعين وأئمة الإسلام إلا وله قول في مخالفة الدليل صراحة ويقع منه الوهم والغلط في ذلك واجتهاده مأخوذ
الأصل الرابع: أن الدليل الوارد في أن الحاكم إذا اجتهد فأصاب فله أجران وإذا أخطأ فله أجر واحد لا يعني معه تعدد الحق بل إن الحق واحد لا يتعدد وهذا قد حكى الإجماع عليه حكى إجماع العلماء ابن قدامة وغيره بل حكي إجماع الصحابة على ذلك أن الحق واحد لا يتعدد وهو قول الأئمة الأربعة وقد ذهب جماعة من المعتزلة كأبي حامد الغزالي و أبي بكر الباقلاني و الآمدي وغيرهم إلى أن الحق يتعدد بحسب أقوال المجتهدين وهذا قول منقوض عقلا وشرعا
أما من جهة الشرع فظاهر بين أن الشريعة جاءت بأحكام شرعية لا يمكن أن يتعدد الأمر فيها خاصة أنه لا يمكن أن يفعل الإنسان شيئا ويفعل ضده فهو مأمور بالصلاة أو منهي عنها إلا ما كان على التخيير بين أمرين أن يفعل هذا أو يفعل هذا فيقال: إن الحق قد يتعدد في مثل هذه الحالة وما يذهب إليه المعتزلة منقوض أيضا بالعقل فإذا قيل: إن الحق يتعدد بحسب الاجتهاد فإن المجتهدين الذين قالوا بعدم تعدد الحق قولهم حق وصواب وعليه فهم ينقضون هذا القول وهذا ظاهر في بطلان قولهم
الأصل الخامس: أن العامي حينما يعلم أن العلماء قد اختلفوا في هذه المسألة يجب أن يلتمس قول الأعلم ومن جمع بين العلم والورع وفاق غيره في هذا الباب وجب الأخذ بقوله عند الاختلاف بالنسبة للعوام ولكن العلماء قد اختلفوا فيما إذا تباينوا في العلم والورع أي إذا كان الرجل أعلم لكنه ليس بصاحب ورع وكان ذاك صاحب ورع لكنه ليس بأعلم فأيهما يأخذ بقوله؟ على خلاف في هذه المسألة على ثلاثة أقوال
الأصل السادس: أن الأخذ بالتراخيص من أقوال العلماء وجمعها في مسألة واحدة هذا الجمع لا يمكن أن يقول به أحد من العلماء بل هو من أعظم المخاطر ومن أعظم الزلل ...ونظير هذا من يأخذ بقول أبي حنيفة بإسقاط شرط الولي في النكاح ويأخذ بالرواية عن مالك بإسقاط شرط الشاهدين في النكاح ويقول: إنني أتزوج بلا ولي وبلا شاهدين وهذا هو تتبع الرخص وإن كان قد أخذ بقول من كل واحد وهذا هو أعظم الشذوذ، والمخالفة فيه للدليل ظاهرة وينبغي الحذر من هذا أعظم الحذر"
والحقيقة أن الأصل الوحيد للفتوى هو العلم بنصوص الوحى فقط ,أما أقوال الآخرين من العلماء وغير هذا فليس أصلا لأن الفتوى فى أيام الرسول(ص) والذين آمنوا معه لم تكن فيهم أقوال لهم ولا لغيرهم
فمن علم نصوص الوحى استغنى عن أقوال الآخرين ولو كانوا علماء واستغنى عن كل شىء أخر ولذا قال تعالى :
"وما اختلفتم فيه من شىء فحكمه إلى الله"
وتحدث عما أسماه رخص العلماء فقال :
"أحكام الأخذ برخص العلماء
الترخيص باصطلاح الفقهاء من الأصوليين وغيرهم وهو الأخذ بالأيسر ونحو ذلك الأصل فيه عدم الجواز وقد بالغ كثير من المتأخرين بالترخيص في ذلك وتجويزه من غير النظر في الدليل
حكم الأخذ برخص العلماء من غير نظر في الدليل
ولكن مما يجب معرفته أن الأخذ بالرخص من غير نظر للدليل لمن كان يملك الدليل أنه محرم لعلل كثيرة:
أولها: أن فيه الرد إلى غير الله عز وجل وإلى غير رسوله والله عز وجل قد أمر عند التنازع بالرجوع إلى الكتاب والسنة وهذا مخالف لأصل التشريع وأصل الاتباع
الأمر الثاني: أن الأخذ بالترخيص فيه خلع لربقة التكليف عن العبادة فإذا كان للإنسان أن يأخذ بتكليف فلان وتكليف فلان لم يبق للشرع قيمة
الأمر الثالث: أنه إذا قيل بالترخيص في مسألة من المسائل على الإطلاق من غير تقييد بشروط وأنه لا يمنع من أن يؤخذ برخصة أخرى وثالثة ورابعة بدون حد في هذا فهذا من أعظم الشر وأوبقه"
والحقيقة أن المسلم يأخذ برخص الله وليس برخص العلماء فما نص الله عليه من رخصة وجب الأخذ بها وأما العلماء فقد يفتوون على هواهم أو تحت إكراه
وتحدث عن شروط الأخذ برخص العلماء فقال :
"شروط الأخذ برخص العلماء
ولكن بعض العلماء ربما أخذ بالترخيص ويسر أمره وهون جانبه إذا توفرت فيه شروط عدة ذكروا منها:
الأمر الأول: ألا يخالف ذلك دليلا صريحا ولا يكون هذا القول الذي قد قيل به شاذا
الأمر الثاني: أن يكون الأخذ بهذا الترخيص المخالف للدليل أو للقول الراجح فيه دفع لمشقة أمة ومشقة جماعة أو مشقة أفراد
الثالث: ألا يخالف أمرا مجمعا عليه فإذا خالف الإجماع فلا يجوز الأخذ به
الرابع: ألا يكون فيه مخالفة لما رفع الإمام فيه الخلاف ومعلوم أن الإمام في كثير من الأحكام الشرعية يرفع الخلاف فالأخذ بالترخيص في هذه المسائل لا يجوز
الأمر الخامس: أن يجد الإنسان في قلبه طمأنينة إلى الركون إلى هذا القول في مثل هذه الحال فإذا لم يجد طمأنينة في قلبه فليعلم أن هذا من أجود القرائن عند العالم في مخالفة الحق وعدم التوفيق للصواب وهذا من القرائن وليس من الدلائل الظاهرة والأخذ بشواذ أقوال العلماء وعدم الأخذ بالدليل لاشك أنه شر قد انتشر خاصة في الأعصار المتأخرة ودعا كثير من الناس إلى الترخيص في المسائل وأنه إذا وجد قول من العلماء من قال بالتيسير فما دام أنه عالم من العلماء فلا حرج في الأخذ بقوله لأنه عالم معتبر من غير النظر للدليل وتوسع في هذا كثير ممن يرخص في دين الله مواكبة للعصر وتيسيرا على الناس وكذلك إظهارا لسماحة الإسلام ونحو ذلك وهذا لا يمكن أن يظهره إلا شخص قد وقع فيه انهزام أمام أعداء الملة والدين الذين أظهروا قوتهم عداء للإسلام وثقة منه بهدم الدين وثلمه وهدم الضروريات الخمس بالجملة ....وقد نظرت في الكتب الفقهية في المذاهب الأربعة وكذلك مذاهب السلف من الصحابة والتابعين فوقع لي من ذلك شيء كثير بل مئات المسائل قد قال بها من الأئمة الأجلة من الصحابة والتابعين قالوا بأقوال تخالف صريح الكتاب وصريح السنة وهم معذورون في ذلك ويحرم بالإجماع اتباعهم في مثل هذه الأقوال وذلك أنه لا يوجد عالم إلا وله زلة
وأما أن يقال بأن فلانا عالم معتبر يؤخذ بقوله فليس هذا بمسوغ ولو أراد الإنسان جمع الأقوال الشاذة وأن يصنف كتابا في الفقه في باب الترخيص من الطهارة إلى كتاب الإقرار لأقوال العلماء الشاذة لألف كتابا لا يمت للإسلام بصلة مع أن كل قول قد قال به عالم من العلماء الذين لو نظر الإنسان إلى سيرته لهابه ولجزم أنه لا يدانيه أحد من أهل عصره"
إذا الرخصة هى رخصة الله وليس رخصة العالم وأما تكليف الإنسان العادى بالحكم على فتوى العالم كما قال الطريفى فهو أمر ليس فى إمكان معظمهم ومن ثم يجب على العالم ألا يفتى إلا برخصة الله لأنه سيتحمل وزر إضلاله لمن أفتاهم إن خالف حكم الله
وتحدث عن حرمة الأخذ بأقوال العلماء الشاذة وهى فتاوى تنسب للعلماء تحل كل ما هو محرم وفيها قال :
" ترك التشبث بأقوال العلماء الشاذة
وأقوال العلماء لا يجوز للإنسان أن يتشبث بها وهم معذورون فيها كذلك يجب أن يعلم أن الإنسان إن أخذ بشواذ العلم من فلان وفلان وترك ظواهر الأدلة أنه قد اجتمع فيه الشر كله وما أحسن ما قاله بعضهم:
الشافعي من الأئمة قائل اللعب بالشطرنج غير حرام
وأبو حنيفة قال وهو مصدق في كل ما يروي من الأحكام
شرب المثلث والمربع جائز فاشرب على أمن من الآثام
وأباح مالك الفقاح تكرما في ظهر جارية وظهر غلام
والحبر أحمد حل جلد عميرة وبذاك يستغنى عن الأرحام
فاشرب ولط وازن وقامر واحتجج في كل مسألة بقول إمام
هذا إذا أراد الإنسان أن يكون فقها وأدلة من شواذ أقوال العلماء وقد وقع هذا في أقوال العلماء المعتبرين وعلى نور وهداية من الكتاب والسنة ولكنهم قد شذوا بمثل هذه الأقوال وهم معذورون في ذلك وأصابوا أجرا واحدا فليحذر الإنسان أن يأتي بأقوال ما قال بها أحد من العلماء فهؤلاء العلماء المعتبرون لا يسوغ للإنسان أن يقول بهذه الأقوال الشاذة المروية عنهم، فكيف بغيرهم؟"
وبناء على هذا ينبغى على المفتى أن يظهر النص الإلهى فى المسألة للمستفتى لأن العلماء قد يضلوا عن الحق عن هوى أو عن طريق الإكراه أو عن طريق عدم الفهم
إن إظهار النص للعادى الذى يسمونه العامى واجب وهو ما حذر الطريفى من إظهاره بقوله:
"حكم إظهار الرخص للعوام
ومما ينبغي فهمه وإدراكه أنه ينبغي للعالم أن يحذر من إظهار الرخص للعوام والدلالة عليها وإن كان الدليل قد جاء بها لأنها ربما تصد الناس عن العمل بدين الله والعمل للآخرة والإكثار من العمل الصالح
وقد روى البخاري و مسلم من حديث معاذ بن جبل أن النبي (ص) قال له: (من قال: لا إله إلا الله خالصا من قلبه دخل الجنة قال معاذ بن جبل: يا رسول الله! ألا أخبر الناس؟ قال: لا تخبرهم فيتكلوا) فإذا غلط الرجل عند كلامه على هذا الحديث قال: وفي هذا الحديث دلالة على أنه ينبغي للعالم ألا يكثر من الرخص في دين الله لكي لا يثبطهم عن العمل وهذا ظاهر ولا يعني للعالم أن يمسك عن إظهار دليل لأن من يمسك عن إظهار دليل يكون قد كتم من دين الله ولكنه قد عمل بمقصد أسمى هو خير لذلك"
وحديث الطريفى يتعارض مع حرمة كتم العلم الذى عاقب الله من يفعله فقال :
"وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه ولا تكتمونه"
وهو يعتبر نوع من عدم إبلاغ الوحى الذى قال فيه:
" بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته "
وتحدث عن وجوب معرفة حال السائل وميله للرخصة فقال :
"معرفة حال السائل وميله لطلب الرخصة
ومما ينبغي أيضا فهمه وإدراكه أنه ينبغي للعالم أن يحذر حال سؤال المستفتي عن مسألة ما فربما كان المستفتي يطوع العالم أن يقول بمسألة من المسائل بخلاف ما يريد سواء بإظهار المفاسد في قول ما أو بإظهار المصالح وإبرازها ونحو ذلك وهذا هو الباحث عن الترخص فإذا علم العالم من حال السائل هذا فإنه ينبغي أن يغلب جانب التشديد عليه خاصة إذا لم يكن مضطرا
ولهذا يقول أبو الوليد الباجي : وقد كان الناس كثيرا ما يأتونني ويسألونني عن قول فأفتي فيه بظاهر الدليل فيقولون: لعل فيه رواية أو لعل فيه قولا آخر يريدون مخالفة الدليل بما يوافق أهوائهم وهذا مما يجب على المفتي والعالم أن يحترز منه في هذا الباب"
وأما العلم بحال السائل وميوله فواجب ليس لكى يفتيه المفتى بما يهوى ولكن لكى يفهم المسألة التى يريد الفتوى فيها فواجبه أن يفتيه بحكم الله سواء كان رخصة أو عزيمة
وتحدث عن حرمة الفتوى استجابة لرغبة الناس وهو نفس ما حدث عنه فى الفقرة السابقة فقال :
"التحذير من الفتوى مجاراة لرغبة الناس
كذلك أيضا مما ينبغي فهمه أن الإنسان إذا كان يأخذ بقول عالم من العلماء ويأنس إليه فإذا أفتى بقول يخالف ما يحتاجه الإنسان أنه لا يسوغ له أن يخالف هذا العالم لأن هذا مظنة هوى وذلك أنه ما التمس غير هذا العالم إلا لما خالف ذلك القول الذي أراد خلافه وهذا به يمتاز أهل الورع والديانة والتثبت والتماس رضا الله عز وجل والبعد عن الرخص إذا علم الإنسان ذلك علم أهمية الاحتياط لدين الله والاحتياط كذلك لذمم الناس وأن الشريعة لما وصفها الله عز وجل بالتيسير لا يعني الإنسان أن يأخذ الأرخص بالإطلاق من الأقوال وأنه يسوغ له أن يقول بقول من قال بالجواز على الإطلاق ونحو ذلك وقد توسع كثير من المتأخرين في هذا فمن نظر إلى أحوال من ينتسب إلى العلم خاصة من خالط المجتمعات التي فيها إعراض عن دين الله وجد أن هذا الواقع ربما أثر على هذا العالم بالتماس الأقوال المرخصة والأقوال اليسيرة ونحو ذلك وربما أثر عليه وجعله يلتمس الأدلة تطويعا لأقوال هذا المجتمع من حيث لا يشعر وهذا ما يسميه العلماء ضغط الواقع على المفتي أن يلتمس أقوالا من حيث لا يشعر يريد أن يساير هذا المجتمع ونحو ذلك
أولا: يقال: إن المجتمعات لا تحكم الشريعة ولذلك رسول الله (ص)جاء بيئة جاهلية فحكمها بأمر الله وجعلها خاضعة لأوامره وحكمه وما جعل هذا المجتمع كله حاكما لشريعة الله ...كثير من الناس يجعل المقاصد الشرعية من دفع المفاسد ودفع الضرر وجلب المصالح ونحو ذلك يجعلها هادمة للأدلة ونسي أن الأدلة الشرعية من الأوامر والنواهي ما جاءت إلا تسليما لهذه المقاصد العظمى سواء علم الإنسان أو لم يعلم
الشريعة الإسلامية لا يصفها الإنسان باليسر والسهولة من جراء ذوقه إنما يصفها صاحب الفطرة السلمية السوية لا يصفها الذي قد انغمس في الشهوات والشبهات وانغمس في المجتمعات المنحلة البعيدة عن دين الله لهذا وصف غير واحد من العلماء الذين يميلون إلى الترخص على الإطلاق كالزركشي وغيره أن الذي يسلك باب الترخص أنه منحل أو سلك طريقة الانحلال، والعياذ بالله
شريعة الله يصفها صاحب الفطرة السليمة ونسمع كثيرا أنه ينبغي ترك الأقوال المتشددة والأخذ بالأقوال اليسيرة وهذا كلام حق أريد به باطل أريد به هدم الشريعة والتماس الأقوال الشاذة ونحو ذلك شريعة الله ظاهرة جاءت لحفظ الناس وصيانتهم لا ييسر الشديد منها والعزيمة بأهواء الناس وأذواقهم وذلك معروف بالعقل والنقل أما النقل فالأدلة في ذلك كثيرة
وأما من جهة العقل فإذا أتيت بإناء الماء فيه مستو ليس باردا ولا حارا ثم أتيت بشخص قد وضع يده على النار فقلت له: ضع يدك في هذا الماء المستوي وانظر هل هو بارد أم هو حار؟ فوضع يده في هذا الماء فكيف يجد الماء؟ سيجد هذا الماء باردا ويقول بأنه بارد لأن يده حارة وإذا كان قد وضع يده على ثلج، وقلت له: ضع يدك في هذا الماء المعتدل، فوضع يده، فسيقول: هذا الماء حار والذي يقيم هذا الماء على الصواب هو من كانت يده ليست على برودة ولا على حرارة فيعلم حينئذ هل هو حار أم بارد؟
كذلك شريعة الله لا يقيمها من عاش في بلد منحل بعد عن دين الله وبعد عن شريعة الله فأراد تطويع الأدلة إرضاء للمجتمعات وإرضاء للقوانين وإرضاء للحكام ونسي أمر الله عز وجل
إن الحكم إلا لله ولا يصح كذلك قول من يغلب جانب الأخذ بالعزائم والتشدد والتنطع ونحو ذلك وأراد أن يأخذ بالعزائم على الإطلاق حتى العزائم المقصودة بشريعة الله عز وجل وهذا يقال: إنه موجود في كل عصر وفي كل مصر فقد وجد من يريد خيرا بدين الله عز وجل فخالف الأدلة وأخذ بالعزائم كما كان بعض أصحاب رسول الله (ص)حينما جاءوا إلى رسول الله (ص)بحسن نية وحسن قصد فأرادوا أن يأخذوا بالعزائم فقالوا: لا نتزوج النساء ونصوم ولا نفطر ونقوم الليل فقال النبي (ص): (أما أنا فأتزوج النساء وأصوم وأفطر وأقوم وأنام ومن رغب عن سنتي فليس مني)"
ومن ثم وجب على من يفتى ألا يفتى استجابة لأحد وإنما استجابة للنص الإلهى فقط وعليه أن يظهر نص الحل أو الحرمة للمستفتى حتى يكون على بينة من أمره فيأخذ بالفتوى أو لا يأخذ ويكون الوزر عليه وليس على المفتى
اجمالي القراءات
1410