أولا :
1 ـ معرفة الإسلام على حقيقته هى الفريضة الغائبة ، فالخلفاء غير الراشدين فرضوا نوعية من التدين الذي يحمي استبدادهم وظلمهم واستئثارهم بأموال الناس وتحكمهم في رقاب البشر وأعراضهم .. وهذه النوعية من التدين طغت على الإسلام الحقيقي الذي طبقه النبي عليه السلام في أول دولة إسلامية قامت وسارت على حرية العقيدة وحرية الرأي والديمقراطية السياسية والعدل الاجتماعي..
2ـ وهذه النوعية من التدين الفاسد هى التي واكبت عصر التدوين لأن النبي حين مات نهى عن كتابة غير القرآن، فلما جاء عصر الخلفاء غير الراشدين وحكموا بغير ما أنزل الله احتاجوا إلى سند تشريعي مزور يخدعون به الناس فراجت الأحاديث الكاذبة والفتاوى الظالمة وأتيح لها التدوين ، وحسبها الناس الذين دخلوا في الإسلام أنها هى الإسلام ، وتوارثتها الأجيال على هذا الأساس ، مع أنها تناقض القرآن وتخالف ما عرفه الرسول عليه السلام..
3 ـ ولا تزال تلك النوعية من التدين محسوبة على الإسلام خصوصاً وأن من يناقشها يتعرض لنقمة الأشياخ الذين لا يقرأون بحكم العادة . كما يتعرض لنقمة التيار الديني الذي يطمع في الحكم واسترجاع الخلافة بناءاً على ذلك التراث ، ويتمنى أن يأتي اليوم الذي يصبح فيه بيت المال في جيبه الخاص كما كان هارون الرشيد.
4 ـ ذلك التيار الديني الذي يخلط التدين بالسياسة يرى عذابه ونعيمه في شريعة الفقه التى كتبها فقهاء العصر العباسي..العذاب في أن ذلك الفقه العباسي لا يصلح لعصرنا، بل حتى لم يصلح للعصر العباسي نفسه لأنه ساعد على نشر الظلم والاستبداد. ولأن الشيوخ في عصرنا يؤمنون بذلك الفقه العباسي ولا يجرؤون على مخالفة الأئمة فإن تحويل الفقه العباسي إلى قوانين تساير عصرنا الراهن أمر مستحيل . وهنا يكمن العذاب، والمخرج منه هو التمسك بشعارات مثل تطبيق الشريعة والإسلام هو الحل ، مجرد التمسك بالشعار دون تقديم برنامج عملي، لأن البرنامج يستلزم الاجتهاد والاجتهاد يستلزم مناقشة التدين العباسي الذي قام على أحاديث لا يتصور أحدهم أن يشكك فيها، و إلا ثار الشيوخ وانقلبوا عليهم وحكموا بكفرهم وبذلك يخرجون من المولد السياسي بلا حمص .
5 ـ والتيار الديني السياسي يرى في شريعة الفقه العباسي نعيمه أيضاً لأن ذلك الفقه يعطيهم الاستبداد المطلق، ويجعل غيرهم " رعية" لهم ، فالحاكم هو الراعي وغيره مجموعة من الأنعام والمواشي والأغنام، أى(رعية) ولا يمكن للرعية أن تناقش الراعي،لأن الراعي هو الذي يملك الرعية وهو الذي يأكل خير الرعية ويذبحها إذا شاء، والفتوى تقول إن للإمام أن يقتل ثلث الأمة ـ أي الرعية ـ لإصلاح حال الثلثين.. أى أنه يملك أن يذبح ثلث ممتلكاته ليجيد استثمار الثلثين..هذا طبعاً إذا رأى المصلحة، وهو وحده الذي يرى المصلحة، وهو وحده القاضي والخصم والحكم والشرطي والجلاد وعشماوى ،هو الدولة.. وذلك منطق العصور الوسطي، منطق الحكم الديني الاستبدادي. وذلك هو الفقه الذي يسير في ركاب السلطان ويجعله أسعد الناس، ومن الممكن أيضاً أن تهتف له الناس وأن يرضوا بحكمه واستبداده وطغيانه إذا أقنعهم بأن هذا هو الإسلام .. وبذلك يتحول الفقه العباسي إلى نعيم فقط ، نعيم صاف خال من أى آثار جانبية ..
6 ـ هذا الفقه العباسى بكل تخلفه وكل دمويته وكل استبداده وكل ظلمه وكل اختلافاته ..هذا الفقه العباسى هو الشريعة التى يطالبون بتطبيقها وهم لا يعلمون عنها شيئا ..ولا يستطيع أحدهم أن يفهم صفحة واحدة من مئات الالوف من صفحات كتب هذا الفقه . ولو تخصص مثلنا فى فقه تلك الشريعة وأدرك تناقضها مع نفسها وتناقضها مع الاسلام لأنكر صلتها بالاسلام .
7 ـ ولكن أمكن إقناع الناس بأن تلك الشريعة هى شريعة الاسلام ، وأصبح تعبير(الشريعة ) المطاطى الهلامى مقدسا يرعب مقدما من يريد مناقشته ، بل إن بعضهم اقتنع فعلاً بالسراب والجنة المزعومة التي يقدمها لهم التيار الديني من خلال المنافذ الإعلامية المملوكة للدولة.. وحدث أن استطاع النصابون من خلال شركات توظيف الأموال أن يأكلوا عرق المصريين باسم الدين، لذلك لا تعجب إذا أكلوا أيضاً مستقبل المصريين وحاضرهم إذا قفزوا للحكم وسط هتاف المصريين . والحل الوحيد الذي ينقذنا من هذا المصير هو معرفة الإسلام الحقيقي الذي كان عليه الرسول والذى كان خلقه القرآن الكريم . القرآن الكريم هو الكتاب المحفوظ من لدن الله جل وعلا ، والذى أمرنا الله جل وعلا بإتباعه فقط ، والذى كان يتبعه خاتم المرسلين ، والذى كان هو السّنة الحقيقية للنبى صلى الله عليه وسلّم . وليس ذلك لغزاً مستحيلاً ، لأن الإسلام الحقيقي موجود في القرآن وقد حفظ الله تعالى القرآن من التحريف، ولولا حفظ الله لكتابه لكان الشيوخ قد حرفوه.. وكل ما نرجوه أن نمنح القرآن الفرصة وتنفتح أمام الدراسات القرآنية أبواب التليفزيون لنطهر بها عقول الناس من الأحاديث التي يقوم على أساسها التطرف والإرهاب..
صحيح أن القائمين على أجهزة الإعلام سيرتجفون ، وصحيح أن الشيوخ سيغضبون ..ولكن لا ينبغي أن نضحي بمصر وشعبها وحاضرها ومستقبلها ودينها في سبيل بعض الموظفين المرعوبين وبعض الشيوخ الغاضبين..
أخيرا
1 ـ نشرت جريدة الأحرار المصرية هذا المقال من 22 عاما . ولنتخيّل أن دعوة هذا لمقال قد وجدت استجابة طيبة ، وانفتحت نوافذ الاعلام للفكر القرآنى ليناقش دعاوى الاخوان والسلفيين بالاحتكام الى القرآن الكريم ومن داخل الاسلام وتراثهم السّنى نفسه ليكون شاهدا عليهم ..! ولكنهم جعلوا محرما الاحتكام للقرآن الكريم ، والاحتكام للقرآن الكريم فريضة غائبة ( الانعام 114، الشورى 10 ). لذا جاءت الاستجابة ـ ولاتزال ـ باتهامنا بإزدراء الدين فى عهد مبارك ، ولا تزال تلك التهمة تلاحقنا بعد الثورة لتمنعنا من التواصل بالناس ، ولتشوّه سمعتنا وتطعننا فى ديننا ، وكل هذا حتى تظل أوهامهم مقدسة مصانة من النقد .
2 تخيل استجابة طيبة حدثت من 22 عاما ، هل سيكون حالنا بمثل ما وصلنا اليه الآن ؟ لقد وصل ضحايا الجهل السلفي للحكم ، والآن يعهد اليهم بكتابة الدستور المصرى، وهم يطالبون بتطبيق شريعة هم أبعد الناس عن فهم أبعادها ، وأبعد الناس عن فهم ضلالها وعن فهم تناقضها مع القرآن الكريم. بينما صراخنا ضائع فى الهواء ، لم ينصتوا الينا فى عهد السادات ومبارك .. والآن ـ وحتى التيارات الليبرالية المستهدفة بالخطر ، لا تنصت لدعوتنا .
3 ـ لا زلنا نؤذن فى خرابة ..ومع ذلك لا نيأس ..لأننا نريد أن نكون شهداء على قومنا يوم الحساب ..ونرجو أن يتحقق لنا ذلك .
4 ـ والله جل وعلا هو المستعان .
سطور باكية :
فقط نسترجع ما قلته فى هذا المقال من 22 عاما لنتحسر على حالنا :
( ولكن أمكن إقناع الناس بأن تلك الشريعة هى شريعة الاسلام ، وأصبح تعبير(الشريعة ) المطاطى الهلامى مقدسا يرعب مقدما من يريد مناقشته ، بل إن بعضهم اقتنع فعلاً بالسراب والجنة المزعومة التي يقدمها لهم التيار الديني من خلال المنافذ الإعلامية المملوكة للدولة.. وحدث أن استطاع النصابون من خلال شركات توظيف الأموال أن يأكلوا عرق المصريين باسم الدين، لذلك لا تعجب إذا أكلوا أيضاً مستقبل المصريين وحاضرهم إذا قفزوا للحكم وسط هتاف المصريين . والحل الوحيد الذي ينقذنا من هذا المصير هو معرفة الإسلام الحقيقي الذي كان عليه الرسول والذى كان خلقه القرآن الكريم . القرآن الكريم هو الكتاب المحفوظ من لدن الله جل وعلا ، والذى أمرنا الله جل وعلا بإتباعه فقط ، والذى كان يتبعه خاتم المرسلين ، والذى كان هو السّنة الحقيقية للنبى صلى الله عليه وسلّم . وليس ذلك لغزاً مستحيلاً ، لأن الإسلام الحقيقي موجود في القرآن وقد حفظ الله تعالى القرآن من التحريف، ولولا حفظ الله لكتابه لكان الشيوخ قد حرفوه.. وكل ما نرجوه أن نمنح القرآن الفرصة وتنفتح أمام الدراسات القرآنية أبواب التليفزيون لنطهر بها عقول الناس من الأحاديث التي يقوم على أساسها التطرف والإرهاب.. صحيح أن القائمين على أجهزة الإعلام سيرتجفون ، وصحيح أن الشيوخ سيغضبون ..ولكن لا ينبغي أن نضحي بمصر وشعبها وحاضرها ومستقبلها ودينها في سبيل بعض الموظفين المرعوبين وبعض الشيوخ الغاضبين.. )
ـ اللهم بلّغت ..اللهم فاشهد ..
الثلاثاء 3 يولية 2012 ..