كتاب (الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر بين الاسلام والمسلمين ).
الجزء الأول : (الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر فى الاسلام )
الفصل السابع : ( حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ ) 5ـ الوعى وموضوعاته العقيدية
السريرة مسرح التغيير :
1 ـ من نعم الرحمن على الانسان هى تلك السريرة الخاصة به ، والتى لا يعلم بها بشر غيره ، ولا يعلم خطراتها إلّا الذى يعلم خائنة الأعين وما تخفى الصدور. فى تلك السريرة يخاطب الانسان نفسه ويعيش أحلام يقظتة ، وتراوده غرائزه وينهاه ضميره ، ويحتفظ فى هذه السريرة بمشاعره الحقيقية التى قد يخفيها عن كل العالم ، ويستودع فيها أسراره وفضائحه . وهذه السريرة مسرح تغيير النفس .
2 ـ فيها يستطيع الانسان أن يواجه نفسه ويسائلها ليعلو ويسمو بها . ويستطيع الانسان أن ينجح فى تغيير ما بنفسه من نواقص وأن يقمع شهواته وغرائزه فلا تكون له سريرة ، أى لا يكون فى داخله أسرار يخجل منها بأن يتوب عما فات ، ويبدأ صفحة جديدة بيضاء نقية ، ويكون سرّه مثل علانيته شفافا نقيا ، فلا يشعر بالخزى والعار يوم القيامة إذا تم فضح وكشف المخبوء فى السرائر : (يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ(9)( الطارق )، هو يوم عرض أعمال البشر علانية بأسرارهم وخباياهم المستورة ( يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ (18) ( الحاقة ) ، (يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتاً لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ (6) فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَه (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَه (8) (الزلزلة ).
الحرية الحقيقية هى التحرر من سيطرة الهوى والغرائز
1 ـ حين تصل الشفافية بالانسان الى أن لا تكون له سريرة وأن تتفق علانيته مه سريرته ولا يكون هناك ما يخجل منه فقد أصبح مسيطرا على نفسه، وبسيطرته على نفسه يملك تمام حريته ، فالحرية المطلقة أن تتحرر من غرائزك فتكون أقوى إنسان فى العالم ، ولا يستطيع العالم كله أن يهزمك ، لأنه ليس لديك ما تفقده ، ولأنك تتمتع بفضيلة القدرة على الاستغناء .
2 ـ والقدرة علا الاستغناء من أهم ملامح الحرية الحقيقية للإنسان ، فبمقدار ما تتكاثر رغباتك وبقدر ما تلهث فى تلبيتها يكون احتياجك للغير أكبر ويكون ضعفك أمام نفسك أكثر وأمام الغير أكثر وأكثر . فالمدمن للسيجارة فما فوقها يفقد من حريته ـ وربما من كرامته ـ بمقدار حاجته وبقدر إدمانه . فأقوى البشر هو من لا إدمان عنده ، ولا يحتاج إلا لضرورات الحياة من تنفس وطعام وشراب ومسكن مع قناعة وزهد واستعداد للتحمل ورغبة عما فى يد الناس ، فمن لا يكون عبدا لنفسه لا يكون عبدا لغيره. وبالتالى فلا تستطيع قوة بشرية أن تقهره ، لأنه ببساطة لا يحتاج للغير ولا مطمع له فى الغير .
الحرية الحقيقية هى التقوى الحقيقية وهى قمّة التغيير الايجابى للنفس
1 ـ الوصول الى هذه الحالة من السموّ والرقىّ هو قمة التغيير للنفس ، وهذا لا يتحقق إلا بالتقوى الحقيقية لأنّ بهذه التقوى تقتنع النفس بأن لها هدفا أسمى يستحق التضحية من أجله ، وفى سبيله تهون هذه الدنيا وزخرفها الزائل أمام خلود فى الجنة ونجاة من الخلود فى النار . وهنا تتعرف النفس على التقوى بالايمان الحقيقى بالله جل وعلا لا شريك له وبالايمان بيوم الحساب . عندها يسهل تغيير ما بالنفس ويسهل للإرادة العليا للإنسان السيطرة على النفس وتطويعها نحو هدف أعظم يتخطى هذه الدنيا وزخرفها ومتاعها القليل . 2 ـ بل تسعد النفس بتحالفها مع الخالق جل وعلا ونصرتها له مقابل أن ينصر الله هذه النفس : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ (7)( محمد ) (إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنْ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ (38)) (وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (40)( الحج) (وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ (47) ( الروم ).
3 ـ وكفى بالنفس البشرية فخرا أن توالى الله جل وعلا وأن تنصره فى مواجهة ظلم المشركين لله جل وعلا (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ (68) وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ (69)العنكبوت ) (إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ (13)( لقمان ). 4 ـ بإيجاز : لا بد لهذا التغيير أن يتأسس على إيمان بالله جلّ وعلا وحده الاها ، والايمان بأن هذه الدنيا هو مساحة زمنية للإختبار ، وأن موعد الاختبار هو يوم الحساب .
من السهل الزعم بالايمان بالله واليوم الآخر :
1 ـ مع التسليم ظاهريا وقوليا بلا اله إلا الله والايمان باليوم الآخر فإنه غير مؤثر فى الحياة الواقعية .
2 ـ كل المسلمين يقولون ( لا اله إلا الله ) ولكن الأغلبية الساحقة منهم تقدس البشر والحجر . كل المسلمين يزعمون الايمان باليوم الآخر ، ولكن الأغلبية الساحقة منهم يؤمنون بشفاعة النبى والأولياء ويحوّلون اليوم الآخر الى مهرجان مضحك للشفاعات والوساطات وضياع العدل وسيادة الظلم ، فيجعلون النبى محمدا مالك يوم الدين دون رب العالمين ،فيدخل الظالم الجنة مهما أجرم بمجرد كلمة يقولها .
3 ـ ويعرف الناس جميعا حتمية الموت حتى لو أنكروا البعث والقيامة . وفكرة الموت ـ فى حد ذاتها ـ لو آمن بها الانسان فعلا ـ فلن يجد مبررا للنزاع والصراع مع اخيه الانسان طالما أنه ـ حتما ـ سيموت ويترك كل شىء خلفه . فالخلود فى الدنيا دون موت هو المبرر للصراع حول حطامها ، وطالما أنه لا خلود فى الدنيا وأن مصير كل منا الموت فلماذا لا نعيش فى أمن وتصالح ومشاركة وسعادة . هذا الكلام المنطقى العاقل لا وجود له فى الواقع ، لأن كل فرد فينا يرى الناس تموت من حوله ولكن لا يتعظ ، ولو إتّعظ فهى فترة عند تشييع جنازة صديق أو صاحب ثم تستغرقه صراعات الحياة ،ويخوضها كأنه لا يموت ابدا ، ويظل هكذا حتى يستيقظ من غفلته وغفوته عند الاحتضار فيهتف يطلب فرصة أخرى جون جدوى ( حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمْ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلاَّ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (100)( المؤمنون) .
4 ـ المقصود أنه بالرغم من تكرار تلك المسلمات باللسان إلّا أنه لا تأثير لها فى الواقع إلّا برغبة قاهرة حاكمة تجعل الايمان بالله وباليوم الآخر فاعلا حقيقيا فى تغيير النفس .
ضرورة الوعى بالايمان الحقيقى بالله جل وعلا بلا شريك لإحداث التغيير الايجابى
1 ـ لا بد فى البداية من تخيل عظمة الخالق جل وعلا بالتفكير فى عظمة خلق السماوات والأرض .
فهذا الكون العظيم ( السماوات والأرض وما بينهما من مجرات ونجوم ) يعجز الانسان عن تصور مسافاته وأبعاده ، ومع ذلك فهو مؤقت ومخلوق لهدف هو إختبار الانسان ، وليس مخلوقا عبثا ، بل ليس الانسان مخلوقا عبثا بل لاختبار قادم فى يوم يأتى فيه كون أعظم ويظل خالدا بجنته وناره .
2 ـ وينتج عن هذا التفكير فى عظمة الخلق من السماوات والأرض وما بينهما ـ أن ينبهر المؤمن بالعظمة الأكبر للخالق جل وعلا ، فالخالق لهذا الكون يستحيل وجود شريك له فى ألوهيته وربوبيته لأنه لا خالق غيره لهذا الكون ولهذا الانسان ، وأنه من التخلف العقلى أن يوضع الى جانب رب العزة مخلوق من صنع الله جل وعلا . وبالتالى فكلنا نحن البشر سواسية من حيث الخلق والاحتياج للخالق ، كلنا من تراب ، وكلنا نسكن نفس الجسد السوأة بقذاراته وشهواته وضعف إمكاناته ،لا فارق فى هذا بين نبى عظيم ومجرم آثيم . الفارق هو فى إختيار الهداية ومدى الخضوع الارادى للخالق جلّ وعلا ، فأكرمنا عند الله جل وعلا هو أتقانا وأكثرنا عبودية لله جل وعلا .
3 ـ ينعكس هذا على نظرتك للبشر ، فالله جل وعلا وحده هو خالقك وهو المتكفل برزقك وهم الآخذ وحده بناصيتك فى الدنيا ( إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا (56) ( هود )، وهو الأقرب اليك فى هذه الدنيا (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ (16)( ق) (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِي إِذَا دَعَانِي فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (186)( البقرة ) وهو الأقرب اليك عند الاحتضار: (وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لا تُبْصِرُونَ (85) الواقعة ) ، وهو المتحكم فى اليوم الأخر وهو وحده مالك يوم الدين ،ولن يحاسبك غيره ، وكل الأئمة والرسل والعظماء وغيرهم سيؤتى بهم أفرادا مثلك يوم الحساب :(إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَوَاتِوَالأَرْضِ إِلاَّ آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً (93) لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدّاً (94) وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْداً (95)( مريم )و ستحاول كل نفس أن تدافع عن نفسها أمام الواحد القهار:( يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَنْ نَفْسِهَا وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (111)( النحل ) .هذا الإيمان إذا تحقّق فعلا لدى المؤمن فيستحيل أن يخضع لغيرالله جلّ وعلا ، أو أن يخشى غيره جلّ وعلا ، فهو وحده مالك الملك النافع الضار القاهر فوق عباده .
4 ـ بل حين يتجذّر هذا الايمان فى داخلك فسيكفيك عزّا أن تكون للخالق جلّ وعلا عبدا ، وأن تكون له وحده عبدا ، ولست عبدا لغيره . ويكفيك فخرا أن يكون خضوعك وعبوديتك للخالق جلّ وعلا وحده ، لأنّه جل وعلا هو وحده المستحقّ للتقديس والعبادة .
5 ـ ومن هنا يكون الأساس العقيدى لمقاومة الاستبداد ، فالمستبد مدع للألوهية لأنه يريد أن يعلو على الناس ، والعلو على الناس ليس إلّا لله جلّ وعلا ، لذا يقال لله ( جلّ وعلا ـ سبحانه وتعالى ) وأنه وحده ( القاهر فوق عباده )، والمستبد الذى يقهر شعبه هو مدع للألوهية صراحة أو ضمنا ، وهو يتألّه على شعبه وهم بشر مثله ، يستنكف أن يكون مساءلا أمام شعبه ، والله جل وعلا وحده هو الذى لا يمكن لأحد من خلقه أن يسائله عما يفعل ، وما عداه جل وعلا يتعرضون للمسائلة حتى لو كانوا أنبياء أو ملائكة (لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ (23)( الأنبياء ) ، بل إن المستبد هو الذى يسلط كلاب حراسته يلفق التهم لأفراد شعبه الأحرار ويحكم عليهم ظلما بالسجن والقتل . وهذا الشعب الخانع الخاضع المستحق للذل قد ظلم نفسه حين رضى بالخضوع لمستبد وجعله شريكا للخالق جل وعلا فى الوهيته . وبالتالى فإن تحرره من عبوديته للإستبداد مقترن بتصحيح عقيدته الايمانية لتؤمن بالله جل وعلا وحده ،وأن يجاهد الناس ضد ذلك الذى يفرض عليهم سلطانه بالقوة والقهر.
ضرورة الوعى بالايمان الحقيقى بالله جل وعلا وحده مالك يوم الدين لإحداث التغيير الايجابى
1 ـ الايمان باليوم الآخر هو الفارق بين المؤمن الحقيقى والمؤمن المزيف ، وهو أيضا الفارق الحقيقى بين الشخص الايجابى الفعّال للخير بهدف النفع الدنيوى والمؤمن الايجابى الفعّال للخير عن إيمان باليوم الآخر وأملا فى الخلود فى الجنة والنجاة من الخلود فى النار .
2 ـ هذا المؤمن باليوم الآخر يتقى الله جلّ وعلا فى تعامله مع البشر فلا يظلم أحدا ، ويحاسب نفسه قبل يوم الحساب ، ولا يهتم برأى الناس فيه طالما هو فى تصالح مع ربّه ، وطالما هو يفعل ما بوسعه ليرضى عنه ربه جل وعلا فى سريرته وفى علانيته . وهو فى تفاعله الايجابى مع المجتمع لإصلاح هذا المجتمع لا يبغى نفعا دنيويا إذ يكفيه الأجر يوم القيامة ، وهو يتقبل الأذى فى سبيل إعلان الحق ، ويتواصى بالحق والصبر. وهو يدرك إن الله جل وعلا قد أعطاه مساحة زمنية ضئيلة فى هذه الدنيا ، وهذا العمر يتناقص باستمرار وينتهى بالموت ، ولكنه خلال فترة عمره قد خلق الله جلّ وعلا له هذا الكرة الأرضية المستديرة التى لا نهاية للسعى فيها ، إذن هو مطالب بالهجرة إذا يأس من الاصلاح فأرض الله واسعة أمامه ، بينما عمره قصير والموت يقترب منه فى موعد محدد سلفا ، وهذا معنى قوله جل وعلا لعباده : ( يَا عِبَادِي الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ (56) كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ (57)( العنكبوت ).
3 ـ لذا فهذا المؤمن موطنه الحقيقى هو حريته الدينية وكرامته الشخصية ، فإذا تعرّض للقهر ظلما وعدوانا ولم يستطع المقاومة فلا بد من ترك هذا الوطن الى وطن آخر ينعم فيه بحريته وكرامته أثناء عمره القصير ، فأرض الله واسعوة ولكن العمر قصير ، ولا يجوز أن نضيّع العمر الثمين فى ذلة واستكانة لمخلوق مثلنا نرضى بظلمه ونركع لسلطانه فى خمول وخضوع . وقد يكون هذا المهاجر مجاهدا ، وهذا المهاجر فى سبيل الله بعد نضال وتحمل للأذى فى سبيل الحق يعده ربه بأجر حسن فى الدنيا وفى الآخرة :
( فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لأكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ثَوَاباً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ (195)( آل عمران )، وحتى لو كان مهاجرا بعد صبر على الأذى فإن ثوابه فى الدنيا ينتظره مع غفران يوم القيامة ورزق حسن فى الجنة:( وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَلأَجْرُ الآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (41) الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (42)( النحل )( ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (110)( النحل )( وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ مَاتُوا لَيَرْزُقَنَّهُمْ اللَّهُ رِزْقاً حَسَناً وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (58)( الحج ).
4 ـ ولأن الايمان الحق يعنى تفاعلا بالخير وحركة إيجابية لا ترضى بالظلم فإن المؤمن المستكين للظلم والرافض للهجرة بحريته بعيدا عن الظلم هو ظالم لنفسه ومصيره الجحيم ، إلا إذا كان عاجزا عن الهجرة :(إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمْ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيراً (97) إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً (98) فَأُوْلَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوّاً غَفُوراً (99) ( النساء ) .
5 ـ وبإيجاز فإن من يؤمن باليوم الآخر فعلا لن يتردد فى الهجرة فرارا من الظلم طالما يعجز عن مقاومة الظالم ، فالعمر محدد ومحدود، فأرض الله واسعة . وبعد الموت سنلقى الله جل وعلا يوم الحساب .
6 ـ ولكن يبقى الخوف عائقا يمنع التغيير الايجابى للنفس . ونتعرض له فى المقال التالى .