أولا
1 ـ فى مجال الدين ـ وطبقا للاسلام والواقع المعاصر وشواهد التاريخ ـ فإنه لا وجود للوسط أو التوسط أو النسبية فى العقيدة الدينية ، فإما إيمان وإما كفر . وحتى شهادة الاسلام تقوم على نفى الوسطية فهى ( لا إله إلا الله ) أى كفر بكل الالهة غير الله،وإيمان بالله وحده . يبدأ فيها الكفر ( لا إله) قبل الايمان ( إلّا الله ) ، لذا يأتى تقرير الحرية الدينية المطلقة ومنع الإكراه فى الدين بتأكيد على حرية الاختيار للبشر ، وتعريف الاسلام بأنّه ( الكفر بالطاغوت والايمان بالله وحده ) ومن يختار ذلك فهو الذى استمسك بالعروة الوثقى ، ومن يتخذ الاها واحدا مع الله فقد ضاع ، يقول جلّ وعلا ( لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنْ الغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدْ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لا انفِصَامَ لَهَا (256) ( البقرة ). وقد قال ابراهيم وصحبه لقومهم ( إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ ) ( الممتحنة 4 ) ، فالايمان هو بالله جلّ وعلا وحده . وكل الرسالات السماوية تنفى وجود شريك لله جل وعلا فى الالوهية ( وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ (25) ( الأنبياء ). الايمان بإله آخر مع الله يكون كفرا وشركا ، والكفر والشرك مترادفان فى القرآن الكريم ، وأى تقديس لغير الله جل وعلا يكون شركا وكفرا بالله جلّ وعلا ، وكل ما لله جل وعلا من صفات تأتى له بصيغة القصر والحصر ، أى لا يوصف بها غير الله جل وعلا مثل العلم بالغيب والتحكم فى يوم الدين وملكيته جل وعلا للخلق والأمر . بإيجاز الدين يقوم على المطلق ..لا مجال فيه للنسبية .. بل المعادلة فيه صفرية ، إما إيمان حقيقى وإمّا كفروشرك .
2 ـ وفى مجال الدعوة للدين نجد نفس المعادلة الصفرية ، فالدعوة الاسلامية هى أن الله وحده هو الحق ، وما عداه من تقديس لبشر أو مخلوق فهو ضلال : (فَذَلِكُمْ اللَّهُ رَبُّكُمْ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلالُ (32) ( يونس )، والله وحده هو الحق وأن أى تقديس لولى أو نبى أو بشر أو حجر هو باطل ولا توسط هنا (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ (62) ) ( الحج ) (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْبَاطِلُ (30) ( لقمان ). ونفس الحال مع القرآن ، فهو الحق الكامل ، جاء بالحق ونزل بالحق (وَبِالْحَقِّ أَنزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ (105) ( الاسراء ) وبالتالى فلا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ( وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ (41) لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ (42) ( فصلت ). و ليس فى الاسلام غير القرآن كتابا سماويا، وأى كتاب يضاف اليه منسوبا للوحى الالهى يكون باطلا ، ويكون أتباعه كفرة متبعين للباطل مقابل المؤمنين متبعى الحق القرآنى:(ذَلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْبَاطِلَ وَأَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِنْ رَبِّهِمْ (3) ( محمد ). وهذا الحق القرآنى يبطل الباطل :(لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ (8) ( الأنفال ) . وبالقرآن يتحول الباطل الى صفر (وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً (81) ( الاسراء ) (بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ (18) ( الأنبياء ).
3 ـ وبالتالى فإن الداعية فى الاسلام لا مجال لديه فى التوسط أو السلبية، فإن سئل فى الدين فإمامه الاختيار بين موقفين فقط : إمّا أن يقول الحق القرآنى ولا يكتمه،وإما أن يكتم الحق فيكون ملعونا : ( إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنْ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُوْلَئِكَ يَلْعَنُهُمْ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمْ اللاَّعِنُونَ (159) إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُوْلَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ : 160 )( البقرة ). السلبية هنا بالسكوت عن الحق القرآنى أو كتمان الحق القرآنى يستوجب لعنة الله جل وعلا ، فكيف بمن لا يكتفى بالسكوت بل يذيع باطلا ويدعو الى باطل ويصدّ الناس على الحق .
ثانيا :
1 ـ وبهذا ندخل على الطرف الآخر من المعادلة الصفرية ، ذلك الذى يستخدم لنفسه ( المطلق الالهى ) زورا وبهتانا ، بأن يتقمّص دور الله ، وبزعم أنه المختار من لدن الله جل وعلا من دون الناس جميعا يستطيل على الناس جميعا ..!!
2 ـ فهنا فى مجال الدعوة تجد نوعين متناقضين ؛ هناك فى القمّة داعية الحق القرآنى الذى يعلن الحق القرآنى ولا يكتمه ، ويلتزم بقواعد الدعوة فلا يفرض رأيه على أحد ولا يفرض نفسه على أحد ، ولا يعلو بنفسه فوق احد ، ولا يبغى علوا فى الأرض ولا فسادا ولا جاها ولا منصبا يستطيل به على الناس ، بل ويتحمّل الأذى ما استطاع ، ولا يتخذ من الدعوة للحق وسيلة للتكسّب الدنيوى . وفى المقابل تجد فى الحضيض من يتقمّص دور الله جل وعلا ، ويتخذ من دين الله جلّ وعلا مطية للتكسّب الدنيوى ، بدءا من قراءة القرآن على المقابر وإحتراف الوعظ ليعطى الناس أملا كاذبا فى دخول الجنة طالما أتحفوه بالمال ، ووصولا فى النهاية لمن يستخدم دين الله جل وعلا فى الوصول للحكم أو الاحتفاظ بالبقاء فى الحكم.
3 ـ هذا الصنف المنحطّ من البشر الذى يستهين برب العزّة ويجترىء عليه مستخدما إسمه العظيم فى الطموح السياسى والدنيوى يعطى نفسه صفات الله جل وعلا ، من الكمال و ( تملك الحقيق المطلقة والعصمة الكاملة ) وهو يريد من الناس أن تؤمن به وحده ممثلا لله جل وعلا على الأرض ، وظلّا للخالق جل وعلا ، وحاكما مستبدا بإسم الله ، وكما أن الله جلّ وعلا لا يسأل عما يفعل ( لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ (23)( الأنبياء) فأولئك يعطون أنفسهم السلطة المطلقة فوق ( الرعية ) وليس من حق ( الرعية ) أن تسائلهم أو تناقشهم ، فكيف تناقش ظلّ الله على الأرض ؟. وهنا يتحوّل المعارض لهم الى ( كافر بهم ) .
4 ـ هذا هو منطق الاخوان المسلمين . فالمرشد السابق لهم ( مهدى عاكف )أعلن أنه ( طظ فى مصر ) لأن إنتماءه لعقيدته وليس لوطنه ، وأعلن فى مؤتمر جماهيرى أن محمد مرسى مرشح الاخوان للرئاسة هو ( مرشح الله ) ، أى إن الله جل وعلا قد دخل حلبة المنافسة على رئاسة مصر مؤيدا لمرسى ومنافسا لشفيق . وهذه جرأة على الله جل وعلا لا مثيل لها فى عصرنا . وبهذه الجرأة المجنونة على رب العزة يبيح هذا المخلوق لنفسه أن يهبط بالذات الالهية الخالق جل وعلا الى هذا المستوى التابع لمحمد مرسى المؤيد له فى حمأة منافسة سياسية على حكم مصر، فإذا كان شفيق هو مرشح المجلس العسكرى والفلول ، وإذا كان حمدين صباحى هو مرشح الثورة فإن مرسى هو ( مرشح الله ).!! ونستغفر الله العظيم من هذا الكفرالذى يساوى بين الله جل وعلا وفلول الحزب الوطنى و شباب الثورة !! .
ولمجرد العلم فإن الخالق الله جل وعلا الذى يتلاعب باسمه العظيم هذا المخلوق ( مهدى عاكف ) هو الذى خلق عاكف وخلق البشر والأنبياء والملائكة والجن والانس ، وهو الذى حلق الأرض التى لا يستطيع مهدى عاكف أن يخرق الأرض أو أن يبلغ الجبال طولا ، مع أنها أقل من حبة رمل فى هذا الكون المرئى لنا ، وجلّ وعلا هو خالق السماوات التى لا ندرى عنها شيئا لأن عظمتها وبديع صنعها يفوق قدرتنا على التخيّل ، وهو خالق هذا الكون المرئى الذى يفوق قدرتنا على التأمل ، ونحن حتى الآن تأئهون منبهرون بما هو بين الأرض والسماوات من مجرات ونجوم وكواكب ، يعجز البشر عن إكتشاف معظمها من الجزء المادى منها ، والذى يقاس ببلايين السنوات الضوئية ، فكيف بسرعات تتجاوز الضوء فى عوالم البرزخ ؟ هذا المخلوق ( مهدى عاكف ) لم يعط الله الخالق جل وعلا حق قدره . ودائما فالمشركون الكفرة لا يقدرون الله جل وعلا حق قدره : ( مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (74) الحج) (وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ (67) الزمر) ( وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ (91)( الأنعام ) .
5 ـ إن استخدامهم لرب العزة فى طموحهم السياسى يعنى أنهم يرفعون أنفسهم فوق الخالق جل وعلا . وهذه هى عقيدتهم الثابتة ، وهذا ما يتضح من تصرفاتهم ، فالله جل وعلا أعطى الحرية المطلقة فى الدين للبشر لمن يؤمن به أو من يكفر وجعلهم مسئولين عن أختيارهم يوم القيامة ، أما الاخوان المسلمون فى تقمصهم لدور الالوهية فلا يسمحون بحرية الدين ، فى دينهم الأرضى ، فمن لا يؤمن بهم يكون كافرا مهما أعلن إيمانه بالله جل وعلا ، ولقد كان الكاتب الراحل فرج فودة يرصّع كتبه بالتأكيد على إيمانه بالله جل وعلا ، ولكنهم قتلوه لأنه كفر بهم ، ولقد كتبت فى حينها مقالا فى الأهالى أعلل إغتيالهم له بعنوان ( لأنه كفر بهم ) . وهكذا فإذا كان الله جل وعلا يمنح مخلوقاته من البشر الحرية فى الايمان او الكفر فهم يصادرون حرية البشر ويرغمونهم على الايمان بهم وبأنهم المختارون من لدن الله جل وعلا لركوب ظهورنا والتحكم فى أقفيتنا . ثم إن الله جل وعلا يغفر لمن تاب وآمن بعد كفر ، ولكنهم لا يغفرون ولا ينسون ، وفى شريعتهم التى أفصح عنها ابن تيمية فى رسائله وسيد سابق فى ( فقه السّنة ) أن الزنديق ـ وهم المؤمن المسلم الذى يؤمن مثلهم بالقرآن والسنة والأحاديث ، ولكن ليسه على مذهبهم ويناقشهم فى فتاويهم ولا يؤمن ببعض أحاديثهم ـ لا بد من قتله حال العثور عليه ، ولا بد من قتله دون محاكمة ، ولا بد من قتله ولو تاب ..!!أى إذا كان الله جلّ وعلا يغفر فهم لا يغفرون . وأذا كان الله جل وعلا لم يعط خاتم المرسلين ـ عليهم جميعا السلام ، من الأمر شيئا فى قبول التوبة أو أستتابة البشر لأن التوبة علاقة بين الله والمؤمن التائب ( لَيْسَ لَكَ مِنْ الأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ (128) وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِوَمَا فِي الأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (129)) ( آل عمران ) فإنهم يفرضون استتابة المسلم لو ارتد وإلّا قتلوه، أى أعلوا أنفسهم فوق خاتم النبيين. وفى معاملتهم مع الآخر خارج البلد فو الاكراه فى الدين ، أى لا بد أن يؤمن وإلا قاتلوه طبقا لحديثهم الارهابى القائل ( أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا ).
6 ـ الاخوان يفهمون السياسة بهذا المفهوم الالهى المطلق ، فلا بد أن تؤمن بهم وإلا كنت كافرا . ولقد أعلن أحدهم أن الفريق شفيق كافر ، وقال آخر إن الليبراليين والعلمانيين كفرة. أى من يخالفهم ولا يؤمن بكونهم ظل الله فى الأرض فهو ( كافر )( بهم ) مهما أعلن إيمانه بالله جل وعلا ، لأن الله جل وعلا لا قيمة له عندهم ، فهم يجعلون جل وعلا مطية لطموحهم السياسى ( واستغفر الله العظيم بليون مرة من كتابة هذه الكلمة ، ولقد اضطررت لكتابتها لأنها التعبير الواقعى لعقيدتهم فى رب العزة ، والتفسير الوحيد لأفعالهم وأقوالهم ) ، وملعونة هذه الدنيا التى تجعل الانسان يسقط فى هذا الحضيض فى رؤيه لرب العزّة جل وعلا.
ثالثا
1 ـ إذن فالإخوان المسلمون هم الذين أدخلوا ( ثقافة المطلق ) فى الحياة السياسية فى عصرنا الراهن . وهذا مخالف للواقع السياسى الذى لا يقوم على نفى الآخر وإستئصاله بل التعامل معه ، وحتى فى سياسة المستبد العلمانى فمهما بلغ طغيانه فهو حين يقتل خصمه فيقتصر تعامله مع هذا الخصم فى الدنيا . أما فى دولة الاخوان الدينية فهم يزعمون أن خصمهم له الاعدام فى الدنيا وله الخلود فى الجحيم فى الآخرة ، فقد إغتصبوا من رب العزة تحكمه فى الآخرة وجعلوا أنفسهم ( مالك يوم الدين ). المعارض للمستبد العلمانى قد يكون فى الدعاية الرسمية عدوا للوطن أو خائنا للقوم ، وفى كل الأحوال فقد يتبدل الأمر ويتغير الحكم ويصبح المتهم بالخيانة العظمى بطلا ، وفى النهاية فهى أحكام بشرية ورؤى سياسية نسبية . أمّا من يعارض الاخوان أو الخومينى وخلفاءه فهو عدو لله جل وعلا بزعمهم ، ولا مجال هنا للتوبة ، ولا مجال للنجاة يوم الدين فى خرافاتهم .
2 ـ وثقافة المطلق هذه كانت السائدة فى العصور الوسطى بين المسلمين والأوربيين ، خصوصا فى قرون الظلام والحروب الدينية ومحاكم التفتيش والاضطهادات الدينية والمذابح الطائفية وإستئصال الآخر والحق الملكى المقدس فى أوربا والحاكمية الالهية عند الخلفاء العباسيين والفاطميين والعثمانيين . وقد أعادتها الوهابية السعودية ، وأسست لها جمعيات دعوية سلفية وجماعات حركية سياسية أبرزها ( الآخوان المسلمون ) وبتأثير البترول و ظروف محلية مصرية واقليمية عربية ودولية أتيح لهذه الوهابية أن تنتشر فى مصر وغيرها وأن تتسيد الساحة معارضا للاستبداد العسكرى و الحزبى . ثم إذا هبّ الربيع العربى سارعوا بإختطافه . وقبله وبعده وأثناءه هم قد نجحوا فى نشر المذابح داخل وخارج بلاد العرب والمسلمين . وذلك هو التطبيق الحرفى لشريعتهم الصفرية حيث لا وجود لمن يختلف معهم إلّا القبر فى الدنيا والجحيم فى الآخرة .
أخيرا
1 ـ هل يعنى هذا أننى مع حكم العسكر المناوىء للإخوان ؟ قلت ولا زلت أقول إن حكم العسكرسىء ، ولكن الأسوا هم حكم الاخوان . قلت هذا فى مقال نشرته هنا أبّان حكم مبارك بعنوان ( من الحضيض الى أسفل سافلين ..إحزن يا قلبى !! ). وقلت هذا فى الحوار المنشور أمس مع جريدة ( الأهالى ) "( مصر تتأهب للقفز في الظلام في الحالتين . شفيق يعود بها الي الوضع الذي ثار من أجله شباب مصر. ومرسي يدخل بها الي اسفل سافلين ). واقترحت الخلاص من الحضيض واسفل السافلين معا القيام بثورة ثانية سلمية تقيم دولة العدل والحرية . واقترحت الحلّ :(الحل في نظري قيام ثورة مصرية أخري علي نسق ثورة 25 يناير وتستمر وتتحمل التضحيات بآلاف المصريين وتظل صامدة الي أن يتخلي العسكر عن الحكم ويتم تسليمه الي حكومة مؤقتة مدتها أربعة أعوام تضع الدستور وتقيم اصلاحا تشريعيا لدولة ديمقراطية غير مركزية شرعتها العدل و الحرية المطلقة في الفكر والدين ومصدريتها المواثيق الدولية لحقوق الانسان . لا بد من هذه الثورة ، ولا بد من صمودها والتضحية من أجلها ببضعة آلاف لانقاذ مصر من حرب أهلية تهدد حاضر مصر ومستقبلها وسكانها.)
2 ـ فى حضيض مبارك وحكم العسكر تظل هناك منطقة رمادية تفسح مجالا للعمل السياسى يمكن إستثماره بالحيوية التى صار عليها المصريون بعد ثورة 25 يناير . وبهذه الحيوية يمكن بعد صراع وبعد حين من الزمن تحقيق الحرية والديمقراطية . أما مع منطق الحقيقة المطلقة والزعم بأن الاخوان هم ( ظل الله على الأرض ) وأنهم هم مرشحو الله فلا يمكن السماح بوجود الآخر ، ولا يمكن لهم إلّا الاستحواذ على السلطة المطلقة طبقا لاحتكارهم الحقيقة المطلقة ، ولا يمكن تداول السلطة مهما عزفزا على الربابة تغنيا بالديمقراطية لأن ( ظل الله ) إذا وصل للكرسى فمستحيل أن ينزل عنه للكفار ..
أخر السطر
بتسيد ثقافة الوهابية تم خداع المصريين فأوصلوا الاخوان والسلفيين الى مجلسى الشعب والشورى ، وشهدنا نماذج مخزية فى بعض أولئك النوّاب ، وسمعنا تصريحات مؤلمة مضحكة منهم ومن قادتهم ، ففضحوا أنفسهم بأنفسهم بحيث يصبح من المتعذر أن يحصلوا مرة أخرى على تلك الأغلبية التى كانت لهم بعد حلّ مجلس الشعب . ولكن يظل الخطر كامنا طالما بقيت ثقافة الوهابية ساتدة فى المجتمع المصرى تحمل إسم الاسلام . ومن هنا فلا نملّ من الدعوة لتأكيد الحرية المطلقة فى الفكر وفى الرأى وفى الدين للجميع على قدم المساواة ، وإلغاء كل القوانين التى تحدّ من حرية الفكر والدين مثل قانون إزدراء الدين ، حتى يتخلص المجتمع من ثقافة الوهابية ، وبالتالى يزول خطر السرطان الدينى الشيطانى الذى يهدد بتحويل مصر الى حمّامات دم .