أولا
*التيار المتطرف هل هو فاعل أو مفعول ؟
وبمعنى آخر : هل هو رد فعل للظروف أو هو فاعل أصيل للظروف ؟
وذلك السؤال مهم جداً، لأن التشخيص الصحيح للظاهرة هو البداية الحقيقية لعلاجها ..
وأعداء التطرف الدينى من خارج الأصولية الدينية يكررون أن للتطرف أسبابه الاقتصادية والسياسية والاجتماعية ، أى أنه رد فعل للظروف ، أى أنه مفعول وليس فاعلاً ، وعلى ذلك فإن علاج أسباب التطرف تقضى على التطرف ، ولهذا يطالبون باجراءات سريعة مثل القضاء على البطالة وارتفاع الأسعار وعلاج مشاكل الشباب وعلاج أزمات النقل والإسكان والمواصلات ، ويطالبون أيضاً بإفساح الهامش الديمقراطى ومحاربة الفساد المستشرى في قطاعات الدولة. وعلى المدى البعيد يطالبون بتداول السلطة وإصلاح نظام الحكم وتحويله إلى النظام اللامركزى والإدارة المحلية وتحويل الريف إلى عنصر جذب اقتصادى وسكانى وإنتاجى ، ويقولون أن التطرف الدينى جاء نتيجة للفساد والتخبط السياسى والاقتصادى ، فإذا تم الإصلاح انتهى التطرف والإرهاب الدينى وذلك أقرب للصواب .
* والجناح المدنى للتطرف والإرهاب لهم رأى آخر.
صحيح أنهم يعتبرون الحكومة مسئولة أيضاً عن سبب الفساد واضطهاد الشباب المتدين وتعذيبه ، ولكنهم في الوقت نفسه يخلطون بين التدين والتطرف ويجعلون التدين ـ أو التطرف- ظاهرة أصيلة في الشعب المصرى ورغبة نبيلة في العودة للسلف الصالح ودعوة للإصلاح بالدين ، بعد أن فشلت النظريات الشيوعية والعلمانية في الحكم .
* وعليه فإن الحل من وجهة نظرهم هو في القضاء على الدولة العلمانيةالقائمة ، وأن يحكموا هم ليجربوا تطبيق شعاراتهم. وإذا طولبوا ببرنامج للحكم تكلموا عن عظمة الإسلام ، وتحولوا إلى الخطب الدينية وتركوا لغة السياسة ، وتحدثوا في الترغيب والترهيب والوعد والوعيد . ثم إذا عجزوا عن الإقناع تحرك الجناح العسكرى بأهم وسيلة في الإقناع وهى المدفع الرشاش . وكما يقال فإن الجواب نعرفه من عنوانه ، وقد عرفنا ولا نحتاج إلى المزيد !! فإذا كانوا يفعلون هكذا وهم خارج الحكم فكيف إذا حكموا ؟ !!
* ونعود إلى السؤال الأساسى هل التيار المتطرف فاعل أم مفعول ؟
وكاتب هذه السطور مسلم أصولى، ولكنه يعارض التطرف منذ أن بدأ ، وذلك عن اقتناع بأنه يخالف الإسلام ، وأن الإسلام يحتاج الآن لمن يعانى فى سبيل إظهار حقائقه وليس محتاجاً لمن يتاجر باسمه العظيم في دنيا السياسة والاقتصاد.
وأرى أن التدين المصرى يخالف ذلك التطرف ، فالمصرى عادة حين كان يتدين فهو( يتصوّف ) و يكون أكثر تسامحاً وأكثر صبراً على ظلم الحاكم ، أى يكون أكثر ابتعاداً عن التطرف والإرهاب. ومن هنا فتلك الشراسة فى الشباب المتدين مرجعها إلى الفكر الحنبلى الوافد الذى جاءت به رياح النفط حين هاجر المصريون للعمل وعادوا بالذقون والتزمت والتعصب والتطرف ، ثم وجدوا الدولة تزايد على التطرف ، فتفسح أجهزة الإعلام للجناح المدنى للتطرف ، وفى الوقت نفسه تترك الفساد يتغلغل في أجهزتها فينتشر السخط بين الشباب وينضم إلى معسكرات التطرف ، وحينئذ تطارده أجهزة الأمن وتمارس معه العنف فيزداد التطرف إنتشاراَ.
إذن فالتطرف رد فعل لظروف داخلية وخارجية .
ولأنه رد فعل وليس فاعلاً أصيلاً فإن منجزاته كلها صورية. صحيح أنه أنشأ الكثير من المساجد ولكنه نشر الكثير من النفاق والتحايل باسم الدين . صحيح أنه نشر اللحى على الوجوه وغطى وجوه البنات بالنقاب ولكنه ملأ العقول بالخرافات والأساطير التى يبرأ منها الله تعالى ورسوله . صحيح أنه انتشرت كلمات طيبة مثل " جزاك الله خيراً " ولكن انتشرت معها أيضاً اتهامات بالكفر والردة على أهون الأسباب .
*هناك فرق بين الدين الحق والتدين . الدين الحق مصدره رب العزة ، أما التدين فهو تعامل البشر مع دين رب العزة سلبا أو إيجابا. ومن هنا فإن التدين إذا كان أكثر إرتباطاً بكتاب الله تحول إلى عنصر فاعل في السلوك وتحول إلى تقوى ورقى وسماحة وشجاعة في الحق وعفو عند المقدرة وتحول إلى إصلاح حقيقى في النفس لا يأبه بالشعارات واللافتات مثل العمائم واللحى والنقاب ، وبالتالى يكون أبعد عن أساليب التحايل بالدين ، وأكل أموال الناس باسم شركات التوظيف ، ومحاولة مصادرة مستقبلهم باسم الحاكمية ، والسعى لقتلهم باسم الجهاد . !!
أخيرا
1 ـ نشرت هذا المقال فى جريدة الأحرار وقت سطوة شركات توظيف الأموال التى نهب فيها السلفيون أموال المصريين بالتعاون مع فساد نظام حسنى مبارك ، وحينها كانت بعض جماعات التطرف والارهاب تسيطر على بعض القرى فى الصعيد ، وتنظيماتهم تخيف المثقفين حتى لقد ثار هذا التساؤل عن التطرف هل هو فاعل أصيل أم رد فعل للواقع السياسى والاجتماعى والاقتصادى . كان المتحاورون يتكلمون على سطر ويتركون سطورا ، خوفا أو نفاقا أو تفاديا للمشاكل أو أملا فى ركوب الاتوبيس القادم فى وقت إعتقد فيه الجميع أن التطرف هو الوريث القادم سريعا وتوّا لحكم مصر . كتبت هذا المقال ليصع النقاط على الحروف وليغضب المتطرفين والنظام معا .
2 ـ والآن تتضح وتتأكّد الحقيقة ؛ فالتطرف من صنع النظام ، أى هو مفعول به وليس فاعلا . ولكنه أصبح مخيفا للنظام ، وقد فرض نفسه بديلا للنظام بدرجة يتصور البعض معها إن التطرف قدر لا فكاك منه ، فكيف يمكن إجتثاث الاخوان والسلفيين وبقية جماعات وتنظيمات وتشكيلات التطرف والارهاب ما ظهر منها وما بطن .
3 ـ ومن أسف أن كل ما تنبأنا به ـ منذ عام 1982 فى كتاب ( السيد البدوى ) وما تلاه ـ قد وقع ، لأن نظام مبارك أغفل تنفيذ كل ما نصحنا به فى علاج ظاهرة التطرف وإنقاذ مصر منه ، بل واضطهدنا عقابا على نضالنا السلمى فى سبيل الاصلاح .
4 ـ والآن نعيد النصح ونؤكد على نفس الحل ، فمع ذلك الصعود المبهر والمفجع للإخوان والسلفيين فإن الوقت لم يفت ، ولا تزال الوصفة ناجحة ، وهى أننا لو قمنا بالاصلاح فسينتهى التطرف وستعود جماعاته الى جحورها . وحتى لا يتخوّف بعضهم من الاصلاح الكلّى ، نقول لنبدأ باصلاح جزئى هيّن وبسيط ويتفق مع حقوق الانسان ومع حقائق الاسلام ومع أكثر من ألف آية فى القرآن ، ومع مبادىء الشريعة الاسلامية الالهية الحقيقية . هذا الاصلاح الجزئى موعده الآن ونحن نقوم باعداد الدستور المصرى . أى لا بد أن يؤكد الدستور المصرى على كفالة الدولة للحرية المطلقة فى الدين ( عقيدة و تعبيرا ودعوة وشعائر ) والحرية المطلقة فى الرأى والفكر والابداع ، وأن يحرّو ويجرّم الدستور إصدار أى قانون يحدّ من تلك الحرية المطلقة ، وأن يلغى كل القوانين والقواعد فى التشريع المصرى التى تتدخل فى حرية الدين وحرية الفكر والرأى والابداع .
لو طهرنا القانون المصرى من كل تلك القوانين وكل تلك المتاريس التى تعرقل حرية الفكر والرأى والابداع والحرية الدينية لأمكن حصار الاخوان والسلفيين ، فالوهابية ـ وهى دين السلفية والاخوان ـ لا يمكن أن تعيش إلا بفرضها على الناس بالقوة والارهاب ، ولا يمكن أن تستمر إلّا بوجود نظام حكم يقيها من النقاش ويحميها من الجدال ، ويهدد من يناقشها بتهمة إزدراء الدين . ولهذا يحرص الاخوان والسلفيون فى الجمعية التأسيسية لوضع الدستور المصرى على تحصين دينهم الوهابى بمواد دستورية مطاطة وهلامية تمنع من التعرض له بالنقاش .
3 ـ لقد ظللنا من عام 1977 وحتى الآن نرفع صوتنا ونكتب فى التحذير من خطر الوهابية السلفية الاخوانية ، ونتعرض للأذى ، بينما تمتد الوهابية سرطانا وهى تحمل شعار الاسلام وتشوّه إسمه العظيم ..والآن هم على وشك تقنين دينهم الأرضى بالدستور .. ونحن لا زلنا نصرخ ونحذّر بلا فائدة كأننا نؤذن فى خرابة ..!!
4 ـ أليس فى مصر رجل رشيد ؟