سابعا :( حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ )4 ـ إرادة التغيير وتحديد الهدف

آحمد صبحي منصور في السبت ٠٩ - يونيو - ٢٠١٢ ١٢:٠٠ صباحاً

 

كتاب (الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر  ).

الباب الأول : (الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر فى الاطار النظرى  )

الفصل الأول : (  الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر اسلاميا وقرآنيا  )

سادسا : إصلاح الأغلبية الصامتة لتحاشى هلاك المجتمع 

سابعا :( حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ )4 ـ إرادة التغيير وتحديد الهدف  

 1ـ تأتى إرادة الله جل وعلا مؤيدة وتالية للارادة البشرية .ونتحدث هنا عن إرادة قوية حاكمة واعية مستبصرة، تعى أن إرادة الله جل وعلا مؤيدة وتالية لها فتشعر بالفخر وتشعر بعظمة المسئولية المناطة بها ، وتعمل على أن تكون على قدر هذه المسئولية .

تبدأ هذه الارادة البشرية الواعية المستبصرة قوتها بالعلم الحقيقى الذى يورث الوعى والبصيرة. العلم الحقيقى يبدأ بالاجابة على تلك الأسئلة الضخمة التى يبدأ بها الطفل يسائل بها والديه ثم ينساها ويغفل عنها فيما بعد: لماذا خلقنا الله جل وعلا ؟ ولماذا نحن هنا ؟ وماذا بعد الموت ؟.

2 ـ الاجابة فى الدين الحق تؤكّد أننا هنا للإختبار ولم يخلقنا الله جل وعلا عبثا (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ )(المؤمنون 115)،(أَيَحْسَبُ الإِنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِّن مَّنِيٍّ يُمْنَى ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالأُنثَى أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَن يُحْيِيَ الْمَوْتَى )(القيامة 36 : 40 )، وهذه الاجابة الصحيحة تستلزم موقفا صحيحا إيجابيا وعمليا يعنى أنّ علينا أن ننجح فى إختبار هذه الحياة الدنيا لنكسبها ونكسب أيضا الآخرة . وهذا بالتالى يؤكد أن على ذلك الانسان الواعى أن يحدد له هدفا فى الحياة يحقق به نجاحه فى أختبار الوجود على هذا الكوكب الأرضى فى هذه الفترة الزمنية  التى مقدر له أن يقضيها فى هذه الدنيا. والانسان هنا يعنى الفرد والمجتمع .

2 ـ  إنّ الهدف الذى تسعى اليه فى حياتك هو الذى يحدد قيمة حياتك . والأهداف مهما تكاثرت فهى تنتهى الى واحد من إثنين : إمّا أن تقتصر على هذه الحياة الدنيا ، وإمّا أن تتجاوزها فى جعل السعى الدنيوى طريقا للنجاح فى الآخرة.

3 ـ هناك من يحدد هدفه فى نطاق الدنيا فقط ، فى الثراء أو الجاه والنفوذ ، قد ينجح فيكون ثريا أو صاحب نفوذ ، ولكن بالموت يفقد كل شىء فى الدنيا وينتهى بالخلود فى النار فى الآخرة.هذا إنسان غافل عن قيمته عند الله جل وعلا ، فالله جلّ وعلا خلق كل هذا الكون بأرضه وسماواته وما بينهما من نجوم ومجرات لكى يختبر الانسان وأعطاه إرادة حرة فى الايمان أو الكفر ، فى الطاعة أو المعصية ، وبعد إن يتم إختبار كل نفس بشرية يدمّر الله جل وعلا السماوات والأرض وما بينهما من نجوم ومجرات ويخلق أرضا جديدة وسماوات جديدة يكون فيها مساءلة كل فرد عن حريته فى إرادته التى كانت له فى هذه الدنيا ، ثم يكون مصيركل فرد الى خلود فى جنة أو خلود فى الجحيم. الغفلة عن هذه الحقيقة والغفلة عن تلك القيمة الكبرى لكل فرد عند ربه جل وعلا والغفلة عن تلك المسئولية الكبرى المناطة بكل فرد فينا ـ تلك الغفلة تحول بين الانسان وإدراك مستقبله عند ربه ، فيحصر عقله فى هذه الدنيا ، ويحصر فيها إرادته وغايته.

4 ـ هذا الصنف ( الدنيوى ) يتنوع من حيث إرادته الى نوعين : متفاعل له إرادة وله هدف يسعى اليه،وغافل بلا إرادة وبلا هدف .

4/ 1 : هذا الغافل إنسان فاقد الارادة ، أو (أراد ألّا يريد ) ، أى أراد أن يكون بلا إرادة . عاش غافلا لاهيا ، يترك نفسه فى هذه الدنيا تحمله أمواج الحياة تتلاعب به وتتقاذفه الى أن تلقيه فى القبر لا فارق بينه وبين حيوان أو جماد. يظل كل هدفه فى الحياة أن يشبع غرائزه الدنيوية وبأى طريق . هذا الغافل يعيش بنصفه الأسفل غارقا فى الشهوات ، وحين يتدين يتحول دينه الى لهو ولعب  وغناء ورقص كما يفعل الصوفية فى موالدهم وأعيادهم الدينية التى يقيمونها حول الأنصاب والأضرحة: (الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْواً وَلَعِباً وَغَرَّتْهُمْ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ نَنسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا وَمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ (51)( الاعراف ) .

هم يتخذون دينهم وأنصابهم وقبورهم المقدسة وأعيادهم وموالد أوليائهم عادة اجتماعية دينية ، أو مودة بينهم فى الحياة الدنيا ، ثم تتحوّل هذه المودة الى عداء يوم القيامة ، وهذا ما كان ابراهيم عليه السلام يقوله لقومه:( وَقَالَ إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَاناً مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً وَمَأْوَاكُمْ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (25) ( العنكبوت ) . هذا الصنف اللاهى يعيش ليأكل كالحيوان : (وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ (12)  ) ( محمد )، ويظل ضالا مكبا على وجهه : (أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبّاً عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيّاً عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (22) (الملك ) ثم تأتيه المفاجأة القاسية يوم الحشر بعد أن أضاع حياته فى خرافات ومتع حسية بهيمية جعلها دينه وطريقه فى الحياة الدنيا : (  وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدْ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنْ الإِنسِ وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُمْ مِنْ الإِنسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلاَّ مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (128)(الانعام )  غفل عن الارادة أو أراد ألّا يريد فانتهى الى سوء المصير.

4/ 2 : وهناك إنسان قرّر أن ينتبه لنفسه وأن يجعل لحياته هدفا يسعى الى تحقيقه .  وهذا الصنف صاحب الهدف ينقسم الى نوعين أيضا : نوع يجعل هدفه دنيويا فقط ، أى محدد بهذه الدنيا لا يتعدّاها الى الآخرة. وصنف يجعل هدفه يتعدى الدنيا لتكون الدنيا عنده رحلة عمر يتزود فيها بالتقوى لينجح فى إختبار الحياة ويفوز بالخلود فى الجنة .

4 / 3 : الصنف الذى يجعل هدفه فى الدنيا فقط ينقسم أيضا الى قسمين : قسم يتفاعل بالفساد أو بالخير.   .

القسم المتفاعل بالفساد أطياف كثيرة أسوؤها من يستخدم دين الله ليفسد به فى الأرض وينسب فساده الى رب العزة جل وعلا ، وهو أحطّ البشر وأظلم الناس لرب الناس ، وفى هذا القسم تجد أئمة الأديان الأرضية للمسلمين وغيرهم فى الماضى والحاضر. كل منهم يسعى وبإرادته الشخصية لأن يتخذ من دين الله مطية يصل به الى تحقيق طموحاته فى السلطة والثروة ، او بتعبير مخفف ( يخلط السياسة بالدين ) وهو يقوم بدور المضلّ أى الذى يضلّ الناس ، يتفاعل فى الاضلال ليربح الدنيا بإفساد وتحريف الدين .

وهناك من هو أقل منه ضررا وجرما وهو الذى يفسد الناس بنظريات أرضية بشرية بعيدة عن الدين . ومنهم صنف أنانى يتفاعل بالاجرام وبالشرور مثل زعماء العصابات وزعماء الدول .

4/ 4 : ولكن هناك الصنف الشريف النظيف ممن يريد الدنيا . هو الذى يتفاعل فيها بالخير ليأخذ سمعة وجاها فى هذه الدنيا ، يفعل الخير للناس ابتغاء مرضاة الناس ، وليس لرب العزة نصيب فى إعتقاده . هذا الصنف الدنيوى الفعّال فى الخير لأجل الدنيا ولمرضاة الناس يعطيه الله جل وعلا أجره فى الدنيا مقابل عمله الذى يبتغى به الدنيا ، ثم لا يكون له نصيب فى الآخرة سوى النار ، هو صنف معطاء كريم و فعّال للخير يريد النهوض بمجتمعه وقومه ، ولكن لايؤمن بالآخرة ، فهو يحدد الدنيا فقط هدفا لحياته يريدها ( حلوة له ولغيره )  . هذا لا يحرمه الله جلّ وعلا من نصيبه من الدنيا ، فقد عمل لها وفيها خيرا فيأخذ الجزاء بالخير فيها فقط  دون الجنة فى الآخرة، يقول جل وعلا : (مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ (20)( الشورى ) (إِنَّ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ (7) أُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ النَّارُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (8)( يونس) (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ (15) أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (16)( هود) . هذا الصنف الايجابى النافع فى الدنيا هو الذى أقام الحضارة الغربية بإختراعاتها ومدنيتها وديمقراطيتها النيابية . نحن نحكم على الظاهر فقط.، ولا شأن لنا بعلاقته بربّه وعقيدته الايمانية .

4/ 5 :وأخيرا .. هناك المتفاعل بالخير فى الدنيا مخلصا لله جل وعلا ومؤمنا بالآخرة عاملا لها بالصالحات النافعات للناس.

5 : بالتعاون بين هذين النوعين المتفاعلين بالخير يمكن إقامة مجتمع الفضيلة والدولة الاسلامية الحقيقية التى تضمن الحرية الدينية المطلقة والعدل والأمن والديمقراطية المباشرة لكل فرد فيها.

6 ـ  بالجمع بين الارادة و الهدف وتنوعاتهما نخلص الى أن لدينا هنا صراع إرادات : إرادة أنانية تملك السلطة والثروة ( مثل المستبد العربى ) أو تسعى الى الثروة والسلطة ( مثل المعارضة الوهابية السّنية كالاخوان والسلفيين فى الربيع العربى الراهن ) ، وكلاهما تستغل المجتمع وتسعى لركوبه بطرق مختلفة ، وتسعد بوجود الأغلبية الصامتة الخانعة الخاضعة . وفى المقابل هناك إرادة خيّرة تقف ضد هذا المنكر لتقيم الأمر بالمعروف ، وتسعى لتفعيل الأغلبية وتنهض بها ، لا لكى تصل على أكتافها للحكم والسيطرة ، ولكن لتأسيس دولة العدل والحرية والحقوق للجميع على قدم المساواة. ( مثل شباب الثورة المصرية فى ميادين التحرير بالقاهرة وغيره فى المدن المصرية ) . هنا يمكن أن تلتقى فى هذه الإرادة الخيّرة من يعمل بالخير للدنيا فقط ومن يعمل بالخير للدنيا والآخرة. هما معا يجب أن يعملا على تغيير ما بأنفسهم وما فى مجتمعهم من صفات التواكل والسلبية والسكون والخنوع والخضوع الى صفات الشجاعة والاقدام والعطاء والالتزام بقيم العدل والقسط والحرية وكرامة الانسان .

7 ـ إرادة الخير هذه حددت هدفها ، ويبقى أن تشحذ قواها لتحقيق الهدف . وهنا يأتى العلم بحقائق لا جدال عليها تؤكّد وجوب نضالها فى سبيل حقوقها وإقامة دولة العدل والحرية والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر. الأغلبية الصامتة تتعلل بالخوف من الموت والخوف من التعذيب والخوف على الوظيفة والرزق . وفى سبيل الحرص على الحياة والحرص على الأمن والابتعاد عن المشاكل والقلق والحرص على الوظيفة ترضى بالعيش الذليل والرضى بالمهانة وضياع حقوقها .

هنا يجب التبصير بحقائق إيمانية لا جدال فيها ، نتعرض لها فى المقال القادم .

اجمالي القراءات 27541