المعراج(ألف سنة/خمسين ألف سنة)
المعراج
مصطفى نصار
في
الأربعاء ٣٠ - مايو - ٢٠١٢ ١٢:٠٠ صباحاً
يتخيل البعض بوجود تناقض في القرآن الكريم في أمر زمن المعراج وأنه تارة جاء زمن المعراج بألف سنة وتارة أخرى جاء بخمسين ألف سنة....فما الفرق بين المعراج في سورة السجدة والمعراج في سورة المعارج ؟
لكي نفهم الفارق لابد من تعريف المعراج
(وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِم بَابًا مِّنَ السَّمَاء فَظَلُّواْ فِيهِ يَعْرُجُونَ {الحجر/14} لَقَالُواْ إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَّسْحُورُونَ {الحجر/15}) .... يتضح من سورة الحجر معنى المعراج وهو الإرتقاء والصعود.
(يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَاء وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ {سبأ/2}) .... ويزداد هذا الوضوح في المعنى من سورة سبأ فنجد تقابلا بين(يلج)و(يخرج) ونفس المقابلة بين(ينزل)و(يعرج)
بعد تحديد معنى المعراج نحاول تحديد ماهية المعراج في كلتا السورتين وموضعي البداية والنهاية للمعراج في كل سورة
المعارج
********
((سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ {المعارج/1} لِّلْكَافِرينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ {المعارج/2} مِّنَ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ {المعارج/3} تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ {المعارج/4} فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا {المعارج/5} إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا {المعارج/6} وَنَرَاهُ قَرِيبًا {المعارج/7}))
*ماهية المعراج = المعراج يكون للملائكة والروح
*بداية المعراج = في علم الله تعالى
*نهاية المعراج=إلى الله عز وجل-وهذا في علمه سبحانه-
السجدة
*******
يدبر الله تعالى الأمر من السماء إلى الأرض
((اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُم مِّن دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا شَفِيعٍ أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ {السجدة/4} يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاء إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ {السجدة/5})) ولا يوجد تحديد السماء الأولى أم السابعة
أي كحد أقصى من السماء السابعة إلى الأرض ((اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا)) الطلاق/12
ومن سورة الطلاق يمكن أن نفهم أن أمر الله تعالى يدبره من السماء الدنيا كحد أدنى أو السماء العليا كحد أقصى إلى الأرض(يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ) فكل سماء من السماوات السبعة هي درجة إرتقاء في خلق الله عز وجل (رفيع الدرجات ذو العرش) = (من الله ذي المعارج) فالسماوات خلقها الله عز وجل طباقا(سبع سماوات طباقا) وما بعد السماء السابعة العرش (الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا ) الفرقان/59.. درجات ومستويات لخلق الله سبحانه وتعالى فجاء اللفظ القرآني(يتنزل) في (يتنزل الأمر بينهن) ليوحي بأن الأمر يمر بمراحل ودرجات عند حدوثه وهذا التنزيل للأمر بالنسبة للبشر طبعا معجز في حدوثه وفي زمنه( إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ )يس/82
*ماهية المعراج = المعراج هنا يخص الأمر "أمر الله تعالى" , فأمر الله تعالى يدبره الله سبحانه وتعالى من السماء إلى الأرض ثم يكون المعراج-الإرتقاء والصعود- لأمر الله تعالى في هذا اليوم ومقداره ألف سنة مما نعد وهذا المعراج هو رجوع الأمر لله عز وجل (وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ {الحج/41})
(وَلِلّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ {هود/123})
(يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُور{الحج/76})
, ومن هنا يمكن محاولة فهم نسبية الزمن من مكان أو مرتبة لخلق الله إلى مكان أو مرتبة أخرى لخلق الله عز وجل(إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ {القمر/49}وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ {القمر/50})
فأمر الله الذي يعرج إليه في يوم كألف سنة مما نعد يتم كلمح بالبصر.
*بداية المعراج = الأرض
*نهاية المعراج = إلى الله عز وجل وهذا في علمه سبحانه
فمن خلال المقارنة بين سورتي السجدة والمعارج نجد :
***************************************************
1-سورة السجدة بها بيان عن زمن المعراج بمقياسنا البشري في الحساب (ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ)
أما سورة المعارج فلم يذكر الله تعالى السنين بمقياسنا البشري (تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ) ومن هذه الجزئية أيضا نستنتج بأن خلق السماوات والأرض ليس ستة أيام بتعدادنا ,فقبل خلق السماوات والأرض لم تكن الشمس ولا الأرض موجودتين بالطبع ولا أي من الكواكب, أي أن مقياس الزمن لدينا نسبي فالسنة الشمسية على الأرض =365 يوم وهي الفترة التي يستغرقها كوكب الأرض للدوران حول الشمس في حين يقل مقدار هذه الدورة على كوكب عطارد مثلا لقربه من الشمس أكثر من قرب الأرض لها فيكون تعداد السنة على كوكب عطارد = 88 يوما أرضيا وهي الفترة المطلوبة لإكمال دورته حول الشمس, وكذلك فإن السنة بمقياس كوكب زحل أكبر منها بالنسبة لكوكب الأرض لكونه يبعد عن الشمس أكثر من بعد الأرض عنها فيكون تعداد السنة على كوكب زحل = 29.5 سنة أرضية , أي أن مدة خلق السماوات والأرض هي 6000 سنة مما نعد-والله أعلم-
(الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا) الفرقان/59.... فجاءت 6 أيام بصيغة مطلقة كما جاء التعداد بصيغة مطلقة أيضا في سورة المعارج (خمسين ألف سنة)على العكس من سورة السجدة فجاء التعداد مرتبطا بتعدادنا البشري ...إذن ال6 أيام هي 6 أيام عند الله عز وجل (وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون) أي خلق السماوات والأرض استغرق 6000 سنة قمرية (مما تعدون) ...اليوم عند الله = 1000 سنة مما نعد
2-المعراج في سورة المعارج يكون عند وقوع الساعة (يَوْمَ تَكُونُ السَّمَاء كَالْمُهْلِ {المعارج/8}وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ {المعارج/9}) .. أي هذا المعراج يكون عند النفخ في الصور عند اختلال نواميس الكون وقوانينه (يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاء كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ )الأنبياء/104.. والزمان هو أحد هذه النواميس.
3-أن ماهية المعراج ليست ثابتة في السورتين فالمعراج هو ل"الأمر" في سورة السجدة ول"الملائكة والروح" في سورة المعارج, وأن بداية المعراج في السجدة من "الأرض" أما المعارج فلا يوجد ذكر صريح لموضع بداية معراج الملائكة والروح , أما نهاية المعراج في كلتا السورتين إلى الله عز وجل وهذا المنتهى في علم الله تعالى (وأن إلى ربك المنتهى) ,وبالتالي فالقول بوجود تناقض في زمن المعراج بكونه ألف سنة تارة وخمسين ألف سنة تارة هو قصور في إدراك دلالات آيات الله تعالى.
(أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا )النساء/82