(حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ ) تشخيص المرض : سرطان الضلال .

آحمد صبحي منصور في الإثنين ٢١ - مايو - ٢٠١٢ ١٢:٠٠ صباحاً

 كتاب (الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر  ).

الباب الأول : (الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر فى الاطار النظرى  )

الفصل الأول : (  الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر اسلاميا وقرآنيا  )

سادسا : إصلاح الأغلبية الصامتة لتحاشى هلاك المجتمع 

سابعا : (حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ )

1 ـ تشخيص المرض : سرطان الضلال . 

مقدمة : دائما نتغنى ونكرر قوله جل وعلا:(إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ )(الرعد11 ) ونرى أن تغيير الأنفس هو العلاج . وفعلا فإن العلاج هو تغيير النفس المريضة بالخنوع والخضوع والأثرة والأنانية والسلبية والشح والبخل والدناءة والجبن والنذالة لتكون نفسا سوية متفاعلة بالخير ، تعمل المعروف وتأمر به وتتجنب المنكر وتنهى عنه . بهذا تفلح النفس وتسمو على فجورها وتتزكى ، على مستوى الفرد وعلى مستوى المجتمع والشعب . ولكن تدبر الآية الكريمة يحتاج الى وقفة. فنحن أمام مرض معقد يستلزم الشفاء المعقد . ونبدأ التشخيص الصحيح للمرض ليكون الشفاء أو التغيير حقيقيا.

  تغيير النفس بين المرض والشفاء حسيا ومعنويا  

1 :ـ القرآن الكريم يقسّم المرض الى نوعين ويجعل الشفاء نوعين . هناك المرض الحسى الجسدى والمرض القلبى النفسى المعنوى .المرض الجسدى فى قوله تعالى :( فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ)(وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ)(البقرة  184: 185)، ( لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ )( النور 61 ) .والشفاء من المرض الحسى الجسدى مرجعه الحقيقى لله جل وعلا : ( وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ)(الشعراء 80 ) وقد أشار رب العزة الى عسل النحل كشفاء للمرض الجسدى فقال :(يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاء لِلنَّاسِ )( النحل  69) . أمّا المرض المعنوى فهو الضلال وملحقاته ، وهو مرتبط بالقلب. والقلب فى مصطلحات القرآن الكريم هو النفس والفؤاد والصدر، وليس تلك العضلة التى تضخ الدماء فى الأوردة و الشرايين. مرض الضلال يشمل إدمان الفواحش بحيث لا يراعى ذلك الشخص حرمة البيوت التى يدخلها:( فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ)(الاحزاب 32 ).كما يشمل الكفر والنفاق، يقول جل وعلا:( فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللّهُ مَرَضاً) (البقرة 10). والقرآن الكريم هو  الشفاء المعنوى من المرض القلبى المعنوى او الضلال ، أو هو الهداية . القرآن وصفة ناجحة للناس جميعا ، ولكن ليس كل الناس يرغبون فى هذا الدواء ، فمعظم الناس يصدّ عنه راغبا عنه وليس راغبا فيه ، ولذلك لا يستفيد منه أو يهتدى به إلا المؤمنون به، أى فمع أنه شفاء لعموم الناس إلا إن المنتفعين بهذا الشفاء هم المؤمنون وحدهم ، إذ يكون القرآن الكريم لهم هدى للصدور ورحمة يوم القيامة:( يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ ) (يونس 57 ) . بل أكثر من ذلك ، فبعض الذى يرفض الشفاء القرآنى يحاول التلاعب بآياته فيزداد بهذا التلاعب مرضا على مرض ، وخسارا على خسار ، وبالتالى يكون القرآن الكريم شفاء ورحمة للمؤمنين به ، وفى نفس الوقت يكون خسارا على الذين يحرفون معانيه ويلحدون فى آياته ( وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إَلاَّ خَسَارًا )( الاسراء 82 ) .

الفارق بين المريض العادى والمريض بالضلال

 1 ـ أى نحن أمام نوعية فريدة من المرض:(مرض الضلال )، ونعرف أن علاجه بالهدى القرآنى .   . المشكلة هنا أن المريض بالضلال يحسب أن ضلاله هدى ، فهو محبّ لمرضه متمسك به معتقد فيه ، ويرفض الدواء بل يعتبر الدواء مرضا . المريض الجسدى والمريض النفسى العادى كلاهما يذهب الى الطبيب بمحض إرادته ويستسلم له على سرير الكشف أو على أريكة العلاج النفسى يحكى له أسراره . أما المريض فى حالتنا فهو راض بمرضه بل قد يعمل طبيبا يدعو الناس الى المرض الذى يعانى هو منه ، وبالتالى يرفض العلاج بل يقاتل ليصدّ الناس عن العلاج ، لا يكتفى بمرضه بل يريد نشره ليكون وباءا يطيح بالبشرية ويوردها مورد التهلكة ـ أو الهلاك .

مشكلة رفض المريض للعلاج تعادلها مشكلة أخرى هى صعوبة العلاج . فالعلاج هنا ليس فقط شفاء المريض من مرضه بل تحويله الى طبيب حقيقى ، أى أن يتحول من ضال مضلّ  الى تقىّ لا يكتفى فقط بعمل المعروف واجتناب المنكر بل يكون داعية يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ، أى أنه يتحول من النقيض الى النقيض، أو يتحول من الحضيض الى قمة السّمو .  وهذا مستحيل طبقا لما جاء فى القرآن الكريم عن استحالة الهداية لمن يحترف إضلال الناس مهما حرصت على هدايته :( إِنْ تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ (37) ( النحل )،( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ ءأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (6)( البقرة )( وَسَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (10)( يس ).(أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ (8)(فاطر) .

أمثلة فردية بسيطة لاستحالة شفاء المريض بالضلال  

1 : مريض بضلاله ظل طيلة عمره يدعو للضلال ، وصار إماما بهذا الضلال ولهذا الضلال .. هل يمكن فى نهاية عمره أن يتوب ويعلن للناس خطأه ، ويتحول الى داعية لما كان ينكره طيلة عمره الفائت ؟ هل يستطيع القرضاوى وأمثاله الايمان بالقرآن وحده حديثا مصداقا لقوله جل وعلا ( فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ) (الاعراف (185، المرسلات 50) ؟ هل يمكن للقرضاوى أن يعلن كفره بكل حديث آخر سوى القرآن ؟ .

2 ـ هناك مستبد أمضى حياته فى الظلم هل يمكن أن يتوب فى آخر عمره وينصف كل من ظلمهم ويعيد كل الحقوق لأصحابها ؟ هذا مستحيل . بل نجد مستبدا ورث الحكم شابا مثل حاكم الاردن ومع ذلك فهو أكثر استبدادا وفسادا من أبيه . فكيف بمن أصبح عريقا فى الفساد ؟

3 ـ هناك من وهب حياته للوصول الى الحكم باستخدام الاسلام مطية لطموحهم وعلى حساب دماء الناس ومستقبلهم ، مثل زعماء الاخوان ..أولئك من المستحيل أن يتخلّلوا عن هذا الحلم بعد أن عانوا فى سبيله عدة عقود .أولئك جميعا مرضى بالضلال والظلم ، وكل منهم يحسب أنه يحسن صنعا ، بل كل منهم يرى نفسه من المخلدين فى الجنّة . بل يتهم المصلحين بالكفر ويكفر بآيات الله جل وعلا التى تتعارض مع عقيدته وسلوكه . أى يرفض الدواء والشفاء . ومن هنا يكون هذا المرض المعنوى سرطانا لا يجدى معه علاجا سوى البتر. خصوصا ونحن نتعامل مع حالة سرطان معنوى وصلت الى عمق أعماق المريض ، وهى الإضطهاد الدينى .

الاضطهاد الدينى حضيض الضلال فى الدين الأرضى حين يتحكّم

1 ـ أغلبية البشر تقع فى الشرك العقيدى :(وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ (103)( وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلاَّ وَهُمْ مُشْرِكُونَ (106)( يوسف ) ، ولكن ليس كل البشر يجعلون الشرك العقيدى متحكما فى حياتهم . أغلبية البشر فى عصرنا يجعلون الدين شأنا فرديا لا تتدخل فيه السياسة ولا تتدخل فيه الحكومات ، وبالتالى لا تتحكّم فيهم أديانهم الأرضية سياسيا واجتماعيا ، بحيث لا يعرفون الحروب الدينية مع الآخر فى الخارج ولا يعرفون الاضطهاد الدينى أو المذهبى مع الآخر المختلف معهم فى الداخل. لا يخلطون الدين بالسياسة وتحقيق طموحات سياسية ، وليس لديهم مؤسسات دينية تتحكم فى مشاعر الناس وتوجيه عقلياتهم ودقائق تصرفاتهم بالفتاوى . تجد هذا فى معظم دول العالم  من الصين واليابان واستراليا وأوربا وأمريكا وكندا وروسيا وفى أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية ، بل تنتمى الى هذه النوعية أكبر دولة مسلمة ( اندونيسيا ) ومعها ماليزيا وأغنى وارقى وأصغر دولة مسلمة ( مدينة سنغافورة ) وهى (سويسرا المسلمين) حيث تأتيها ثروتها بعرق أبنائها وبشفافية ورقى نظامها العلمانى وليس ببترول يقوم الآخرون باكتشافه لها وتصنيعه لها كما يحدث فى العرب ( شرّ أمة أخرجت للناس ).  لا توجد في هذه الدول حروب خارجية أو حروب أهلية ، ويمضى فيها التحول الديمقراطى بسهولة أو بمشقة ولكن بلا حمامات دم كما يحدث عندنا . ولو حدثت فيها حركات ارهابية فالأغلب أن تأتى من عندنا ، ومن وحى الوهابية السعودية محور الشّر فى العالم .

2 ـ لقد أشار القرآن الكريم الى أمة مشركة غير معتدية وأوجب على الدولة الاسلامية المسالمة بطبيعتها وبشريعتها أن تتعامل معها بالبر والقسط والعدل : (لا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (8)( الممتحنة ) كما نهى أفراد المؤمنين عن التحالف مع دولة مشركة متعدية معتدية أخرجت المؤمنين من ديارهم وحاربتهم ظلما بسبب الدين (إِنَّمَا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ (9)( الممتحنة ). إذن هنا لدينا أفظع أنواع الكفر العقيدى والسلوكى الذى يفرض سلطانه على الناس فى الداخل متحكما فى حياتهم  الشخصية يأمر بالمنكر وينهى عن المعروف ، يقوم بإكراه الناس فى الدينى ويضطهد الآخر المختلف فى الدين أو فى المذهب ، ثم لو إستطاع وكانت له قوة حربية لأشعل حروبا دينية مع دول العالم المخالفة لدينه الأرضى ، ولا يترك استغلال فرصة ليقوم بالتدمير العشوائى وقتل الناس عشوائيا فى بلادهم كما فعلت وتفعل القاعدة الوهابية فى العالم كله .

3 ـ هذا الحضيض فى الضلال لا مجال لأصحابه فى الهداية والاصلاح . ولو تحكّم هذا الحضيض فى الضلال والاضلال فى عقلية شعب ما وسيطر على دولة ما فإن العلاج المجدى هو البتر لأنها وصلت الى مرحلة متقدمة ويائسة من سرطان الضلال . وهذا هو واقع العرب اليوم . جاءتهم فرصة الربيع العربى فإذا بسرطان الضلال يحول الربيع الى حمامات دم قائمة وقادمة .ّ!

جذور الاضطهاد الدينى المعاصر ( سرطان الضلال )  .    

1 ـ : هو مرض متجذّر فى المنطقة العربية ، نعطى لمحة تاريخية عنه حتى نفهم حقيقة هذا المرض الذى يوشك بفناء العرب .

2 ـ خفّت حدة الاضطهاد الدينى والمذهبى بعد زوال نفوذ الحنابلة الذى كان من قبل فى المنتصف العصر العباسى . جاء العصر المملوكى ( 648 : 921 / 1250 : 1517 )وقد سيطر عليه التصوف السّنى فكان أقرب للتسامح،وهناك وشائج قربى بين التصوف والتشيع فلم يكن هناك اضطهاد (كبير ) للشيعة أو للأقباط إلّا إذا بدوافع سياسية أو شخصية. بانتهاء الدولة المملوكية 921 / 1517 ووقوع معظم الدول العربية تحت الحكم العثمانى إزدادت سيطرة التصوف على الحياة الدينية والاجتماعية ، ولكن لم يفلح التصوف فى كبح جماح التعصب الدينى والمذهبى للعثمانيين الذين كانوا وقت قوتهم يهاجمون أوربا المسيحية ، ثم أصبحوا فى عصر ضعفهم يواجهون تكتل أوربا المسحية ضدهم . والحرب الدينية مع الخارج لا تنفصل عن الاضطهاد الدينى فى الداخل ، لذا ارتبطت حروب الجهاد العثمانية ضد أوربا المسيحية باضطهاد الأقليات المسيحية داخل الامبراطورية العثمانية . كما أن الحروب والتنافس بين العثمانيين والصفويين الشيعة حكام ايران جعل العثمانيين يضطهدون الأقليات الشيعية العربية الخاضعة لهم . وشاخت الدولة العثمانية وضعفت فأصبحت أكثر تعصبا ضد الأقليات فى الداخل لتعوض ضعفها أمام أوربا التى طردت العثمانيين من اوربا وتنافست على وراثة ممتلكاتها وأطلقت عليها اسم ( الرجل المريض ). وحتى بعد سقوط الخلافة العثمانية وتفكك معظم الامبراطورية العثمانية فإن الحكام الجدد من جماعة الاتحاد والترقى التركية أحلّوا التعصب العرقى محل التعصب الدينى والمذهبى ، إذ آمنوا بسمو العنصر الطورانى التركى ومارسوا الاضطهاد العرقى ضد العرب والأكراد وغيرهم من الخاضعين لهم .

3 ـ فى الفصل الأخير من تاريخ الدولة العثمانية وتعصبها ظهر التعصب السنّى الوهابى معاديا للعثمانيين ولكن أشد تعصبا منهم ضد الشيعة والنصارى . قامت الدولة الوهابية السعودية الأولى عام 1745،وأرسلت حملاتها العسكرية تدمر مساجد الشيعة فى العراق وتقتل الناس عشوائيا فى الشام والعراق والجزيرة العربية والخليج ، وترسل الدعاة لنشر الوهابية . وأسقط والى مصر محمد على الدولة السعودة الأولى عام 1818 ثم أعيد قيامها ثم سقطت ثم أعاد قيامها عبد العزيز آل سعود خلال 1901 : 1932 ، وأدى ظهور البترول والظروف الدولية والاقليمية المواتية الى ظهور (السعودية ) قوة إقليمية مؤثرة تنشر دينها الوهابى بين المسلمين ، وتنشىء فروعا له أكبرها الاخوان المسلمون والسلفيون وما تفرع عنهم من منظمات وجمعيات وجماعات سرية وعلنية ، وبهم أصبحت الأسرة السعودية التى تملك الدولة السعودية أقوى وأثرى أسرة فى العالم على حساب حوالى 20 مليون قتيل خلال نشر الوهابية من عام  1745 وحتى الآن . وعلى هامش هذا التاريخ الدموى تجذّر التعصب الدينى والمذهبى فى المنطق العربية ليصبح  السرطان الذى يوشك أن يقضى على العرب اليوم .

الآثار المدمرة لسرطان الإضطهاد الدينى فى الهند وافغانستان

1 ـ: الهند أبرز ضحية للوهابية . انتشرت فيها الوهابية فتقسمت الهند الى الهند وباكستان وتأجج التعصب الدينى بين الهنود على الجانبين ( الهند ضد باكستان التى كانت تتكون من باكستان الشرقية فى البنغال وباكستنان الغربية فى البنجاب ) وبسبب تباعد باكستان الشرقية فقد قلّ فيها تأثير الوهابية  وتسيد التصوف فيها أكبر ، بينما انفردت باكستان الشرقية بالقيادة لقسمى الدولة وجيشها . وبسبب وهابية الباكستانيين الغربيين فإنهم إعتبروا مسلمى باكستان الشرقية كفارا ، وأقام الجيش الباكستانى مذبحة فى باكستان الشرقية قتل فيها أكثر من 3 مليون شخص مدنى ، مما نتج عنه انفصال باكستان الشرقية تحت اسم بنجالاديش .

2 ـ وهابية باكستان الحالية امتدت الى افغانستان فأحرقتها ودمرتها بالتعصب . وهذا هو المصير الذى ينتظر العرب . وسوريا أبرز دليل .

الآثار المدمرة لمرض الإضطهاد الدينى فى سوريا

1 ـ  :الحالة السورية الراهنى تعكس هذا المرض القاتل وتصوّر الحضيض الذى وصل اليه العرب. ففى سوريا يتقاتلون دون الوصول الى حلول وسط تحقن دماءهم .  مخطىء من يراها مشكلة سياسية ومجرد صراع فى سبيل الديمقراطية لاسقاط حكم استبدادى حزبى .هى أعمق وأعرق وأعقد من ذلك . إذ تضرب جذورها فى التاريخ الدينى فى العصور الوسطى .

2 ـ ظهر المذهب النصيرى الشيعى بقوة فى سوريا الخاضعة للدولة المملوكية يهدد السلطة المملوكية ، فتعامل معه المماليك بالاضطهاد وإجبارهم على التصوف السّنى الدين العملى للعصر المملوكى . ولكن جاء العثمانيون باضطهادهم المشار اليه . وقبيل سقوط الدولة العثمانية حاول السلطان عبد الحميد الثانى تجديد قوتها وإنقاذ ما تبقى منها بتهديد انجلترة وفرنسا اللتين تسيطران على مئات المسلمين فى الهند والجزائر وشعوب اسلامية أخرى فى أفريقيا وآسيا خارج الدولة العثمانية. فأنشأ ودعا السلطان عبد الحميد للجامعة الاسلامية ليسيطر على تلك الشعوب المسلمة ويستخدمهم ورقة ضغط وتهديد المستعمرين البريطانيين والفرنسيين الطامعين فى الدولة العثمانية .

3 ـ قبلها طمعت الأقليات المستضعفة فى الشام فى معونة أوربا ، وخصوصا المسيحيين الموارنة فى الشام ومعهم الشيعة خصوصا ( النصيريين ) والدروز . شجعها نشاط الارساليات المسيحية فى جبل لبنان وسوريا . واجه العثمانيون هذا بحملات اضطهادات ضد تلك الأقليات وصلت الى مذابح كان أشهرها عام 1860 ، وتميز العثمانيون بإقامة تلك المذابح للمسيحين بالذات وكان من ضحاياهم الأرمن فى بلادهم الأصلية أرمنيا حين كانت تابعة للعثمانيين ، ثم النصارى والشيعة فى الشام مما أحدث هجرات جماعية للأرمن ولمسيحيى الشام الى الأمريكيتين ومصر، ومعرف ما سمى بأدب المهجر ، وهجرات مثقفى الشام الى مصر وهم الذين أنشأوا الاهرام ودار الهلال ( المصور ـ روز اليوسف ) وأسسوا نهضة مسرحية فى مصر .

4 ـ أولئك المثقفون المسيحيون والشيعة أرهبهم مشروع السلطان عبد الحميد لاحياء الجامعة الاسلامية ، وخشوا من مزيد من الاضطهاد فقاوموه بالدعوة الى القومية العربية لتجمع العرب جميعا بغض النظر عن الدين والمذهب ضد الأتراك . قاد المسيحيون العرب ـ ومنهم ساطع الحصرى ـ تلك الدعوة للقومية العربية بديلا عن الجامعة الاسلامية، وتكونت أحزاب تدعو للقومية العربية أهمها حزب البعث بقيادة  المسيحى ميشيل عفلق ، وإزدهر عصر القومية العربية بزعامة عبد الناصر ، وانتهت القومية العربية بهزيمة 1967 ، وتم دفنها نهائيا بغزو صدام للكويت وبهزليات القذافى.    

5 ـ تحت عباءة القومية العربية نجح حزب البعث  فى الوصول الى السلطة فى سوريا والعراق . وكان حزب البعث فرصة للأقلية النصيرية العلوية الشيعية المستضعفة فى سوريا فى الوصول للحكم بشعار القومية العربية . ونلاحظ أن الهدف الأعظم لحافظ الأسد لم يكن على الاطلاق استرداد الجولان بل البقاء فى سدة الحكم هو وطائفته فى سوريا. كما نجح المغامرون المهمشون فى العراق من خلال البعث للوصول للحكم ، فحكم صدام العراق مواجها حافظ الأسد فى حكم سوريا . ولأن ولاءهذا وذاك   للمذهب وليس للحزب فقد إشتد الشقاق بين حزب البعث ( السنى ) الحاكم فى العراق وحزب البعث ( الشيعى النصيرى العلوى ) الحاكم فى سوريا ، واستحال تحقيق حلم الاتحاد لدى القوميين العرب فى البلدين لأن الجذور الدينية هى الأساس ، وهى الصراع ( الخالد ) بين الشيعة والسّنة . وبينما اضطهد بعث العراق السّنى الشيعة العرب فى العراق كالمعتاد فى تاريخ العراق فقد اضطهد شيعة البعث حكام  سوريا السنيين الأغلبية فى سوريا منتقما لما حدث من قرون إضطهاد سابق. وبينما لجأ شيعة العراق المعارضين لصدام الى تسييس الدين لحاقا بثورة إيران الشيعية المتطرفة للعمل ضد صدام حسين السّنى فإن سنيى سوريا المعارضين لحافظ الأسد قاموا بتسييس دينهم بالوهابية فأصبحوا ( الاخوان المسلمين ) المعبرين عن الأغلبية السّنية المقهورة من الأقلية الشيعية الحاكمة.

6 ـ زاد هذا مع انتشار الوهابية فى سوريا فتحول الصراع فى سوريا الآن الى ( صراع وجود) ما إن يبدأ حتى يتحول الى حمامات دم . فعل هذا حافظ الأسد فى مذابح حماة وحلب ويقوم به الآن بشار فى مذابح مستمرة. فى صراع الوجود ليس مطروحا مجرد البقاء فى الحكم بل البقاء على قيد الحياة، لأن زوال بشار من الحكم يعنى زوال الطائفة الشيعية النصيرية العلوية من الوجود ـ هكذا يحلم الاخوان المسلمون فى سوريا ، وهكذا يتصور بشّار وطائفته التى يبلغ تعدادها خمس عدد السكان فى سوريا . ولذا تتردد الدول الكبرى فى التدخل خوفا من انتصار الاخوان وقيامهم باستئصال الطائفة العلوية . ولهذا ستبقى الأزمة السورية تنزف دما بلا حل سوى البتر . هنا صراع وجود يقوم على المذابح والبتر . هنا مرض سرطان لا علاج له إلا بالبتر .

لبنان بين حرب أهلية سابقة وبوادر حر أهلية قادمة

1 ـ فى التجربة اللبنانية دليل آخر . بسبب الاضطهاد الدينى فى القرن التاسع عشر وافقت أوربا فى اتفاقية سايكس بيكو على فصل جبل لبنان الملىء بالأقليات الدينية والمذهبية . وأجاد الموارنة إستغلال شعار القومية العربية حتى تحقق لهم النفوذ فى لبنان ، ثم بعدها هجروه وارتدوا الى دينهم الأصيل ليكون شعارهم الحقيقى ضد المسلمين العرب ، وفى سبيله تتنوع وتختلف تحالفاتهم من الشيعة الى السنة حسب مصالحهم .

2 ـ إقامة اسرائيل ألهب الصراع وجعله أكثر تعقيدا ، أدخل لبنان فى حرب أهلية مروعة، والآن يقف لبنان على حافة حرب أهلية كبرى تتعدد أطرافها المحلية والاقليمية والدولية بسبب ايران وسوريا وحزب الله من جهة والسعودية واسرائيل وأمريكا من جهة أخرى ، والفلسطينيين بين هنا وهناك.

الدروز الشيعة بين اسرائيل والسنيين

1 ـ ولكن قيام إسرائيل كان طوق نجاة للشيعة الدروز فى فلسطين ، فقد وجدوا فى دولة اسرائيل الحماية من إضطهاد السنيين المزمن والذى ارتفعت وتيرته مع تسيد الوهابية . لذا سارع الدروز مبكرا بالانضمام الى الدولة الاسرائيلية واكتسبوا جنسيتها وصاروا عماد جيشها ، بينما إنحاز دروز لبنان للعروبة فى عهد كمال جنبلاط ـ وبعد إغتياله تتأرجح بوصلة ابنه وليد جنبلاط  فى تحالفاته.

اليوم سوريا ..وبعدها الخليج

1 ـ السعودية ـ محور الشّر فى العالم ـ تنازلت مؤقتا عن تحقيق حلمها فى الاستيلاء على الكويت ودول الخليج لأن الدول الكبرى لا تسمح لها بذلك ، فاستعاضت عن تحقيق الحلم المستحيل بنشر الوهابية فى الخليج فاحتدم الاضطهاد السنى الوهابى للشيعة وهم الأغلبية فى دويلات الخليج .

2 ـ بقيام الدولة الدينية الشيعية فى ايران نشأ وضع جديد ، فايران الشيعية ترى أن من حقها السيطرة على الخليج ( الفارسى ) وليس العربى بكل ثرواته النفطية خصوصا مع وجود أغلبية سكانية شيعية  تتحكم فيها أقلية سنية وهابية حاكمة . لذا تعمل ايران على امتلاك السلاح النووى لتساوم به أمريكا وترعب به عرب الخليج السنيين ، وتقطع دابر النفوذ الأمريكى والغربى والاسرائيلى فى الخليج ليكون خالصا لها ، وبه تقود العالم الاسلامى ( السّنى ) بدل السعودية فى مواجهة أمريكا واسرائيل . وتستعيد ايران مجدها القديم حين كانت فى عهد الأكاسرة تمثل القوة الشرقية ضد الامبراطورية الرومية البيزنطية . إمتدّ النفوذ الايرانى معتمدا على وجود الأغلبيات الشيعية فى الخليج بدءا من المنطقة الشرقية فى السعودية المليئة بالبترول ، الى قطر والامارات والكويت وعمان والبحرين . هذا مع شيعة العراق . نجحت ايران فى العراق ، وتستغل الربيع العربى ليصل الشيعة الى الحكم على حساب النظم السلفية الوهابية . وتمدد النفوذ الايرانى ليصل الى حماس والى صعدة فى اليمن وحزب الله فى لبنان ، مما يعقّد الصراع فى سوريا وفلسطين واليمن .

3 ـ فى المقابل تعمل السعودية وحلفاؤها على احتواء ومواجهة التمدد الايرانى بالضغط على شيعة الخليج ومصر واليمن وشمال أفريقيا وبحشد الخليج تحت زعامتها ولو أدى الأمر الى الاتحاد مع البحرين أضعف حلقات الحلف الوهابى السنى ضد ايران . ثم بالحرب المباشرة والمستترة لحزب الله فى لبنان ولنظام الأسد فى سوريا .

4 ـ كما تعمل السعودية على إضعاف اليمن وتقسيمه حتى لو كان أحد القسمين تابعا للماركسيين أو للشيعة الحوثيين أو للقاعدة ، لأن وجود اليمن دولة قوية متحدة يهدد الاسرة السعودية ، ففى نهاية المطاف فاليمن صاحب حضارة ممتدة ودولة تجاوز عمرها آلاف السنين وليس مثل الدولةالسعودية الراهنة التى ظهرت للوجود عام 1932 .

5 ـ ايران هى عنصر تفجير المنطقة . وستكون سعيدة بتفجيرها حتى يظهر ( المهدى المنتظر الفارسى ) يتجول فى خرابات ما كان يسمى بالبلاد العربية .

موجز النعى مقدما :

1 ـ: المقصود أنه صراع دينى بين أديان أرضية يتقاتل أتباعها حول النفوذ والسيطرة ، وفى هذا الصراع يتم استخدام كل الشعارات . بدأ بالشعار القومى العربى ثم الشعار الاسلامى والآن يلحق به جزئيا شعار حقوق الانسان والديمقراطية.وفيما يخصّ موضوعنا عن ( الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ) فيتم استغلاله نظريا وتطبيقيا فى خدمة الهدف السياسى وبالتالى يتأسس تناقضهم مع الاسلام ودولته المدنية الحقوقية القائمة على الحرية المطلقة فى الدين والديمقراطية المباشرة والعدل والمساواة وحقوق الانسان وكرامته .

2 ـ هذه أمثلة واقعية للحضيض الذى هبطنا اليه . هو سرطان معنوى يكون الشفاء منه والتخلص منه بالبتر . ويتبارى المتصارعون فى بتر بعضهم البعض . يبدأ الأمر فكريا بإلغاء الآخر دينيا ومذهبيا وحقوقيا ، ثم يتحول الالغاء الفكرى والدينى الى إستئصال جسدى ودموى . فهم المرضى وهم الأطباء والقتلة ، هم القاتل وهم الضحية ،هم الباتر وهم المبتور ، ولا يبترون سوى أعضائهم وأطرافهم ولا يعقلون. وكل فريق يقتل الفريق الآخر أو يبتره جهادا فى سبيل الله.وكلهم جميعا أعداء الله جل وعلا .

3 ـ فى معارك البتر هذه لا تجدى الحلول المظهرية فى الشفاء . لا ينفع فى علاج مريض السرطان المادى تدليك عضلاته وعمليات تجميل لجلده . بالتالى لا ينفع فى علاج السرطان المعنوى أن تعالجه سطحيا . لا يجدى التغيير فى النفس سطحيا ..لا بد من تغيير كامل وشامل . لا بد أن يكون التغيير ( تصنيعا ). ليس تغيير الفرد ولكن ( تصنيع الفرد ) من الألف الى الياء . وليس تصنيع فرد بل تصنيع كل أفراد المجتمع ..

4 ـ يا للهول ( تصنيع كل أفراد المجتمع ؟ ).. كيف هذا ؟.

5 ـ انتظرونا .!

اجمالي القراءات 19490