أولا :تعقيد كتب ( التفسير )
1 ـ جاء فى (تفسير) الجلالين عن سورة (المسد ): ({تبت يدا أبي لهب وتب }لما دعا النبي صلى الله عليه وسلم قومه وقال: إني نذير لكم بينيدي عذاب شديد، فقال عمه أبو لهب: تباً لك ألهذا دعوتنا، نزل { تبت } خسرت{ يدا أبي لهب } أي جملته وعبر عنها باليدين مجازاً لأن أكثر الأفعال تزاولبهما، وهذه الجملة دعاء { وتبَّ } خسر هو، وهذه خبر كقولهم: أهلكه الله وقدهلك، ولما خوَّفه النبي بالعذاب، فقال: إن كان ابن أخي حقاً فإني أفتدي منه بماليوولدي نزل: { ما أَغنى عنه ماله وما كسب } أي وكسبه، أي ولده ما أغنى بمعنىيغني.{سيصلى نارا ذات لهب }{ سيصلى ناراً ذات لهب } أي تلهب وتوقد فهي مآل تكنيته لتلهبوجهه إشراقاً وحمرة{وامرأته حمالة الحطب }{ وامرأته } عطف على ضمير يصلى سوغه الفصل بالمفعول وصفته وهيأم جميل { حمالةُ } بالرفع والنصب { الحطب } الشوك والسعدان تلقيه في طريقالنبي صلى الله عليه وسلم.{في جيدها حبل من مسد }{ في جيدها } عنقها { حبل من مسد } أي ليف وهذه الجملة حالمن حمالة الحطب الذي هو نعت لامرأته أو خبر مبتدأ مقدر.)
2 ـ تفسير الجلالين ( جلال الدين السيوطى وجلال الدين المحلى )هو مختصر مبسط لكل التفاسير السابقة ، وبالتالى يجب ان يكون أكثرها سلاسة و فهما. حين تقرأ تفسير ابن كثير تتوه فى الروايات الكثيرة التى تبعدك عن الآية التى من المفروض أن يفسرها. وحين تقرأ تفسر الطبرى تجد صعوبة اكثر فى الفهم. ولكن تفسير الجلالين أكثر اختصارا وأكثر يسرا. ولكن تجد أيضا فيه العسر والكلكعة فى النحو التى لا لزوم لها .ومن الممكن أن تقوم بالتجربة بنفسك : حاول تفريغ ذهنك من كلام تفسير الجلالين لسورة (تبت يدا أبى لهب) .وأعد قراءة السورة مرة ومرات ، وفى كل مرة تمعّن معناها ، وفكر فيها .. ستجد معناها يقترب من عقلك بسهولة بدون تفسير الجلالين او غيره.
ثانيا : تدبر سورة ( المسد) :
يقول جلّ وعلا : (تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ (
1 ـ معنى السورة واضح وبسيط : الله تعالى يلعن ابا لهب ، بتعبير بسيط هو الدعوة بقطع يده ، ونفهم من هذا أن يد أبى لهب امتدت بالسوء لرسول الله عليه الصلاة و السلام، وأن أبا لهب إغتر بماله فقال تعالى إن ماله لن يفيده شيئا فى الدنيا لأنه سيموت تاركا ذلك المال وكل ما كسبه من ثروة ، وفى الاخرة مصيره النار ذات اللهب ، وستكون معها امرأته التى وصفها الله تعالى بأنها حمالة الحطب، ونفهم من ذلك أنها كانت تحمل الحطب من الصحراء ( وهو حطب فيه شوك ) لتؤذى به رسول الله عليه الصلاة و السلام. وجزاؤها يوم القيامة أن يوضع فى عنقها قيد من حطب وليف . هذا هو المعنى من داخل الايات ببساطة ودون رفع ونصب وروايات وقال وقيل ..
2 ـ ونأتى الى العبرة والهداية وهى المطلوب من القصة. وهذا ما لم يفعله المفسراتية ..
ما هى العبرة من هذه السورة ؟ .. وهى تعليق على قصة أو حادثة ، ولكن ملامح القصة فيها ضاعت لصالح العبرة. القصة فى القرآن عادة تهمل اسماء الأشخاص ، ولكن هنا بالذات تاتى باسم البطل فى القصة وهو أبو لهب .. لأن ذلك لتأكيد العبرة من القصة.ونحن محتاجون للعبرة من هذه القصة بالذات ، ولكننا لم نعرفها ولم نستفد منها. العبرة أن الأنساب و القرابة لا تغنى عن أحد . فهذا عم رسول الله يذكره الله تعالى بالاسم ويحكم مقدما عليه بالخسران فى الدنيا والاخرة ، مثله فى ذلك مثل أقارب آخرين لأنبياء سابقين مثل ابن نوح ووالد ابراهيم (آزر) و زوجة نوح وزوجة لوط . لم تغن القرابة عن أى أحد منهم ، ومصيرهم النار ، والله تعالى يقول ( فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءلُونَ)(المؤمنون 101) أى لا وجود للأنساب يوم القيامة و لا يسأل أحد أحدا يومها .يقول سبحانه وتعالى (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَّا يَجْزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ ) (لقمان 33 ) (يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ ) ( عبس 34 ـ).هذا ما تناساه المسلمون من كل الطوائف خصوصا الشيعة و الصوفية الذين يجعلون القرابة من النبى عليه السلام كهنوتا دينيا ، بل وجعلوه كهنوتا سياسيا أقاموا على أساسه دولا مثل العباسية و الفاطمية ، وحتى الآن هناك الدولة الهاشمية فى الأردن ، وأخرى فى المغرب ، وهناك الملايين من (الأشراف ) الذين يزعمون الانتساب للنبى عليه السلام ويرتبون لأنفسهم حقوقا دينية على المسلمين ، بل إن التشيع قائم على اساس هذا الكهنوت الدينى والسياسى.كل أولئك لم يقرءوا سورة ( المسد ) ، ولم يقرءوا الايات الأخرى التى ذكرتها . وكل التفاسير تجاهلت العبرة ركزت على قشور نحوية ودسّوا أحاديثهم الكاذبة وروايات قال فلان وروى علان و ذكر تيسان لكى يضعوا إفتراءاتهم المخالفة للقرآن داخل القرآن بزعم التفسير ..
3 ـ وفى القرآن البساطة والعمق معا . فيه البساطة لمن يريد الهدى ، وسبق قراءة الآية ببساطتها . أما العمق القرآنى فليس له حدود ، ولم يوجد من البشر من يحيط بالقرآن علما . ويشعر من يتدبّر القرآن أنه كلما تعمق فيه إزداد شعورا بمقدار ما يجهله من القرآن . ولمجرد ملمح من ملامح التعمق يمكن أن نتساءل : لقد كان أبو لهب حيا حين نزلت هذه السورة فى مكة ، وفيها يحكم الله تعالى مقدما عليه بأنه سيموت كافرا .كان يمكن لأبى لهب أن يعلن اسلامه ظاهريا ليثبت أن القرآن الكريم قد كذب ـ فقد أسلم وحسن اسلامه ولا بد أن يدخل الجنة ، وبذلك يحدث تعارض بين هذه السورة المكية واسلام أبى لهب.ولكن الذى حدث أن ظل أبو لهب على كفره وتحقق فيه وعد الله. ونتساءل : شخص كاره للاسلام مثل ابى لهب حريص على تكذيب ابن اخيه ..لماذا لم يفعل ذلك ليكيد للاسلام وليثبت أن ابن أخيه كاذب؟..ونقول : لقد إختار أبو لهب بكل إرادته أن يتمسك بكفره بالقرآن الى أخر لحظة فى حياته . بل تروى كتب السيرة إنه مات كمدا وحزنا بسبب هزيمة قومه فى معركة ( بدر ).
وبالرجوع للقرآن الكريم نرى أبا لهب نموذجا لكل مشرك على قلبه حجاب يمنع الهداية ، ومهما قيل له ومهما جاءه الوعظ فلا يمكن أن يهتدى . ولقد أعلن كفار قريش هذا بصراحة ، ونقل رب العزّة قولهم : (حم (1) تَنزِيلٌ مِنْ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (2) كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (3) بَشِيراً وَنَذِيراً فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ (4) وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ (5) ( فصلت ). وهذا يدخلنا فى قضية تالية ، هى حرية الانسان فى إختيار الضلال أو الهدى ومسئوليته على إختياره ، وتأتى إرادة الله جلّ وعلا ومشيئته لتزيد المهتدى هدا وتزيد الضال ضلالا . قريش بدأت بالكفر بالقرآن وعدم الايمان باليوم الآخر ، أى إختاروا الضلال وتمسكوا به وكرهوا ما أنزل الله وتمسكوا بالكفر به بطلب آيات حسية أو الآتيان بغيره ، وفعلوا كل ما يستطيعون للصّد عن القرآن ، لذا زادهم الله جلّ وعلا ضلالا بأن أقام حجابا بين قلوبهم والقرآن ، أى ترك قلوبهم للشيطان يتحكم فيها ويسيطر عليها ويجعل عليها أكنّة بحيث يفرّون عند سماع القرآن الكريم ، يقول جلّ وعلا : (وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ حِجَاباً مَسْتُوراً (45) وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْراً وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلَى أَدْبَارِهِمْ نُفُوراً (46) ( الاسراء ). أولئك هم أظلم الناس ، وأبعد الناس عن الهداية ، ولن يهتدوا أبدا: (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْراً وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَى فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذاً أَبَداً (57) )( الكهف )، فمن يحترف الاضلال لا يمكن أن يهتدى حتى لو تفرّغ النبى لهدايته ( إِنْ تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ (37) ( النحل )، ولأنه مستحيل هدايتهم فيستوى فى حقهم دعوتهم للهداية أو عدم دعوتهم ، ففى كل حال هم على قلوبهم غلف وحجاب وأكنّة :( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ ءأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (6) خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (7)( البقرة )( وَسَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (10) ( يس ). وكان النبى يحزن ويتحسّر على ضلالهم فقال له ربه جلّ وعلا :( أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (8) ( فاطر ) فحتى لو أسمعهم الله الحق فلن يهتدوا ، والله يعلم مقدما إنهم لا أمل فيهم ، فهم شرّ الدواب : ( إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ (22) وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (23)( الأنفال ).
هذا ينطبق على أبى لهب .. فى أواخر عمره إختار أبو لهب أن يقود العداء ضد القرآن فحكم على نفسه مقدما باللعن .. وعلى طريقه سار ويسير كثيرون . منهم المفسراتية أو ( المفسّرون ) .
ثالثا : كفر المفسراتية للأسباب الآتية
المؤسف أنهم يقولون عن أساطيرهم انها (تفسر ) القرآن الكريم مع أن القرآن الكريم ( كتاب مبين ) وتكرر هذا الوصف كثيرا للقرآن داخل القرآن ، وتكرر وصف آياته ( بالبينات )، وأن الله جلّ وعلا هو الذى جعله ميسرا للذكر لمن أراد الهداية وجعله فى نفس الوقت محيطا فى العلم لمن أراد أن يتبحّر فى تدبره . وفى كل الأحوال فإن القرآن لا يحتاج الى تفسير لأنه يفسر بعضه بعضا ، ولكن يحتاج الى تامل و تدبر. ولكنهم يقصدون أن الله جل وعلا أنزل كتابا عسير الفهم مليئا التعقيدات والمبهمات فجاءوا هم ليفسروه ويبنيوه للناس ، وبهذا يكون تفسيرهم أعلى من كلام رب الناس ، ويكون كلامهم حكما على كتاب رب العالمين ، وهذا ما نجده فى كلامهم وكتاباتهم إذ لا يذكرون الآية إلا ومعها ما قيل فيها من تفسير ، أى لا تصلح الآية وحدها بل لا بد لها من ( ولى أمر ) حتى يقتنع بها الناس . هذا إجمالا ـ عداء لله تعالى ورسوله وكتابه . ونعطى بعض التفاصيل .
1 ـ المفسراتية أعداء النبى محمد عليه السلام ، وقد جعلوا القرآن مهجورا
هنا نواجه حقيقة مرّة ومؤلمة ، هى أن هذه ( التفاسير ) هى التى تقوم بتعقيد الكتاب الذى ( تفسّره ) . هو بدونها واضح مبين ، ولكنهم بزعم ( تفسيره) يقومون بتغطية آيات القرآن الواضحة ومعانيه الساطعة بكلام معقد بحيث يكون القرآن موجودا ومهجورا فى نفس الوقت ،أى أتخذوه ولكن مهجورا ، وبهذا يصدق عليهم قوله عليه السلام يوم القيامة (وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً (30)(الفرقان ) . ونقرأ الآية الكريمة بعدها لنتعرف على عداء أولئك المفسراتية للنبى عليه السلام ، يقول جلّ وعلا : (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً مِنْ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِياً وَنَصِيراً (31). ومن عجب أن الآية رقم 33 تنفى ـ مقدما ـ إحتياج القرآن الكريم الى تفسير من خارجه ، لأنه يفسّر بعضه بعضا، يقول جلّ وعلا:( وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلاَّ جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً (33).
وبالتالى فيجب ألّا نتعامل مع القرآن الكريم إلّا بالتدبر:( أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا (24) (محمد )،(أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً (82)(النساء) ،أى نتتبع الآيات المعلقة بالموضوع لنعرف تفسير القرآن بالقرآن ومن داخل القرآن ، وبفهم ألفاظ القرآن من داخل القرآن وليس من القواميس وتراث السنيين أو الشيعة أو الصوفية أو غيرهم.
2 ـ المفسراتية يكذّبون تأكيد رب العزّة بأن القرآن كتاب مبين وهو بيان واضح للناس وآياته بينات ومبينات :
فهؤلاء المفسراتية بتفسيراتهم المعقدة والمتناقضة والمتضاربة لم يقوموا فقط بتغريب القرآن عنا ولكن أيضا أقنعوا معظم المسلمين باستحالة فهم القرآن بدون تفسيرهم مهما تناقض أو تعقّد . أولئك المفسراتية جعلوا معظم المسلمين يكفرون بأن القرآن كتاب مبين أى واضح فى بيانه ولا يحتاج لشروح بشرية . وبدون إسهاب نكتفى بأن نستدل ببعض الآيات التى يكفر بها المفسراتية ويكفر بها ويكذّبها معظم ( المسلمين ) :
1 ـ فى إفتتاحيات بعض السور القرآنية جاء التأكيد على أن القرآن أو الكتاب ( مبين ). منها : ( الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ (1)( يوسف )( الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَقُرْآنٍ مُبِينٍ (1) (الحجر)(طس تِلْكَ آيَاتُ الْقُرْآنِ وَكِتَابٍ مُبِينٍ (1) (النمل )( طسم (1) تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ (2) (القصص)(طسم (1) تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ (2) (الشعراء ) (حم (1) وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ (2) إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (3) (الزخرف )( حم (1) وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ (2) إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ (3) (الدخان )
2 ـ فى داخل بعض السور يأتى التأكيد على أن القرآن (كتاب مبين ):( يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنْ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُمْ مِنْ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ (15)( المائدة )( وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ (69) (يس)(وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (192) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ (193) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنْ الْمُنذِرِينَ (194) بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ (195)( الشعراء )
3 ـ ويأتى وصف آيات القرآن بأنها مبينات ،أى ساطعة الدلالة واضحة المعنى لمن أراد ان يفهم ، يقول جلّ وعلا فى سورة النور: (وَلَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ آيَاتٍ مُبَيِّنَاتٍ (34)( لَقَدْ أَنزَلْنَا آيَاتٍ مُبَيِّنَاتٍ (46). ويقول جل وعلا فى سورة الطلاق :( قَدْ أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً (10) رَسُولاً يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِ اللَّهِ مُبَيِّنَاتٍ )(11).
المفسراتية ينكرون بيان القرآن بذاته:
القرآن الكريم فى حد ذاته هو ( بيان للناس ) : ( هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ (138)( آل عمران ). والبيان يكفى قراءته فبيانه فى ذاته . والذى أنزل هذا البيان هو الذى يبين القرآن بالقرآن ، يقول جلّ وعلا : (ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ (19)( القيامة ). ولأن بيان القرآن هو مجرد تلاوته أو قراءته فهو متاح لمن يريد أن يتدبر ما يقرأ من القرآن أو أن يتدبر ما يسمع من القرآن . لذا فإن الله جلّ وعلا يأمر بالانصات عند تلاوة القرآن كى نفهم ونعقل فننال رحمة الله جل وعلا : (وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (204 )( الأعراف ). مفهوم القراءة هنا ليس التغنى بالقرآن كما يفعل مسلمو اليوم ولكن تلاوته ليقوم المستمع والقارىء بالتركيز على ما يسمع من القرآن وليس على صوت المقرىء المنشد المغنّى . ولأنّ بيان القرآن هو بمجرد تلاوته على من يريد أن يفهمه ويتعظ به فإن عكس البيان هو الكتمان . وبعد هذا البيان فإن مسئولية العلماء هى عدم كتم هذه الآيات (البينات ) التى بيّنها الله جل وعلا ، ومن يكتم الآيات ولا يعلنها للناس إذا سألوه فهو ملعون : ( إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنْ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُوْلَئِكَ يَلْعَنُهُمْ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمْ اللاَّعِنُونَ (159) إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُوْلَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (160)( البقرة ) لاحظ قوله جل وعلا (مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ ).
ولقد أنزل الله جل وعلا الكتاب السماوى الخاتم تبيانا لكل شىء يستلزم التبيان : (وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ ( 89 ) ( النحل ). وجاء التبيان بالتكرار والشرح والتفصيل . ولم يكن التفصيل إطنابا فى الكلام وثرثرة ـ حاش لله جل وعلا ـ بل كان التفصيل بعلم (وَلَقَدْ جِئْنَاهُم بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ)( 52 ) ( الأعراف ) ، وبالإحكام (الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ)( 1 ) ( هود ) (تَنزِيلٌ مِّنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ) ( فصلت 2 : 3)، فلا مجال للهزل فى القرآن الكريم ( إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ ) ( الطارق 13 : 14 ). أئمة الأديان الأرضية جعلوا القرآن الكريم هزلا بطرق متعددة زعموها ، منها إفتراء الأحاديث وجعلها تلغى تشريعات القرآن بمايسمى عندهم بالنسخ ، ومنها تحويلهم القرآن الى قصيدة أو أغنية يتغنى بها مقرىء ، ومنها زعمهم بأن أكاذيبهم ( السّنة ) تفصّل القرآن وتشرحه وتبينه وتعمم الخاص وتخصص العام . وعليه فهم يؤمنون أن الله جل وعلا أنزل كتابا مهلهلا عديم القيمة معوجّا محتاجا لاصلاح البشر ومبهما محتاجا لتفسير البشر . وإذن فما الداعى له أصلا إذا كانت للبشر الهيمنة على كتابه السماوى بهذا الشكل ؟ لا يعلم هؤلاء الضالون القائلون بأن (السّنة تعمم وتخصص وتشرح وتوضح ) بأنهم جعلوا من أنفسهم ومن أئمتهم أعلى مكانة من رب العزة وأنهم أعلم منه بخلقه وبما يصلح لخلقه ؟ المفجع أكثر أنهم ملأوا تلك السّنة بأحاديثها التى تنافى القرآن وتطعن فى الاسلام من الشفاعة الى تأليه النبى مع الطعن فى شخصيته أيضا ، وسائر المفتريات التى تجعل شريعتهم تضيّع شرع الله جلّ وعلا فى القرآن . وقد كتبنا فى هذا كثيرا .
أخيرا
انظر حولك لترى معظم المتدينين بالأديان الأرضية ممن طبع على قلوبهم ،أى على سنّة أبى لهب . وهم الآن فى مصر يريدون تطبيق شريعة أبى لهب ..