أعشاب" الثمانينات الطبية هل تنفع الآن؟

د. شاكر النابلسي في الإثنين ١٤ - مايو - ٢٠١٢ ١٢:٠٠ صباحاً

 

 

يبدو أن عون الخصاونة، لم يكن الحصان الرابح الجديد في الإسطبل الملكي الأردني, ولذا، تمَّت إقالته والاتيان بحصان يستطيع الفوز في السبق القادم، المتمثل في الانتخابات التشريعية الأردنية القادمة، قبل نهاية هذا العام، وإطفاء جذوة الحراك الشعبي الأردني، الذي أصبح يقضُّ مضاجع السلطة التي بادرت الى النزول إلى الشارع، والاختلاط بالناس، والسؤال عن أحوالهم، وسبق ذلك زيارة مضارب القبائل والعشائر، والاستماع الى قصائد أشعارهم في المديح، والشكر، والترحيب، وكلها (حركات قرعة) كما يقول المصريون، هدفها إطفاء جذوة الحراك الشعبي، وإرسال رسالة الى المعارضة الدينية، والقومية، والوطنية، مفادها:

 

 

 

"أننا هنا، وانظروا ماذا يُقال فينا، وماذا يريده منا الناس؟!"

 

ولكن هل يغني كل ذلك عن الإصلاحات السياسية الكبيرة، التي يريدها الناس؟

وهل هذه (الحركات القرعة) هي ما سيملأ بطون الجوعى، ويحل مشكلة البطالة، ويقضي على الفساد، ويحاسب السارقين، والناهبين للوطن؟

وهل ناس الأردن هم مَنْ في مضارب البادية، وبيوت الشعر فقط؟

وهل يكفي النظام، أن يلبس الكوفية الحمراء والعقال المائل على الرأس، لكي يتجنب نار الحراك الشعبي؟

وهل "أعشاب" الثمانينات والتسعينات البرية التي اعتادت السلطة على التداوي بها كعقار، بدلاً عن الأدوية الحداثية العصرية، وحكمة الأطباء المختصين، كافية للشفاء من الأمراض السياسية، والاقتصادية المستعصية، والقضاء على الفساد، والسرقة، والرشوة، والفقر، والبطالة؟

وهذا كله هو ما فطنت إليه المعارضة الأردنية، حين حذَّرت في الأمس، في تقرير صحافي من عمان "من العودة للصياغات القانونية، التي تعاكس اتجاهات الإصلاح الحقيقي، محذرة ضمنياً النظام من نتائج تجاهل حراك الشارع، المطالب بقفزة إصلاحية حقيقية.

وفي غضون ذلك، استنكر الناشط السياسي، الشيخ محمد خلف الحديد، بعض المحاولات الأمنية، والرسمية الاستباقية، "التي تسعى لفرض وقائع ميدانية على الأرض، تتدخل، وتتحكم باتجاهات التصويت ، عند المواطنين، وتحاول زرع الانقسام مجدداً في صفوف العشائر والعائلات."
وتحدث الشيخ الحديد في بيان سياسي عن "منهجية متقدمة بالتزوير، بدأت تظهر ملامحها مبكراً، وقبيل حسم القيادة السياسية، لإجراء الانتخابات ، معبراً عن القلق من أن بعض الدوائر الرسمية والأمنية والحكومية، تسعى لاختراع وابتكار أساليب جديدة في تزوير إرادة الناخب الأردني، بعدما أدرك النظام السياسي، بأن التزوير المباشر، وعبر غرف العمليات - كما كان يحصل في الماضي - أصبح خياراً انتحارياً، ومكلفاً ، في ظل الربيع العربي، والحراك الأردني الساعي للتغيير، والإصلاح، ومواجهة اللصوص ، والحرامية، والفاسدين."

 

النظام الأردني و"خيارات التأزيم"
النظام الأردني "يتعافض" (يقفز) كالديك المذبوح من حرارة سكين الحراك الشعبي، ومظاهر هذا "التعافض" (القفز)، تغيير الحكومة، والإسراع في سَنِّ قانون الانتخاب، والتأكيد على إجراء الانتخابات في نهاية هذا العام، وزيارة المضارب، والأقارب، ومكافحة العقارب، والسلام على الناس الجوعى، في الشوارع والمزارع، والاستئناس بتحية الفقراء "من بعيد لبعيد"، لكي يبدو "كل شيء تمام، والميّة تجري في الحمام" كما يقول الشوام.

وفي مقال جريء ودقيق، للمحلل السياسي الأردني حازم مقدادي ( "القدس العربي"، 9/5/2012) تحت عنوان: "النظام الأردني وخيارات التأزيم" وضع الكاتب النقاط على الحروف على الوجه التالي:

1-           كأن عنوان المرحلة أصبح: "ليس بالإمكان أفضل مما كان، ومما يجب أن يبقى كائناً". ويبدو ذلك جليَاً بعد أن انحاز النظام الأردني لخياره الأثير، في استخدام وجوهٍ تم تجريبها من قَبْل، فكانت نموذجاً لا مثيل له في الطواعية، والتبعية، والانصياع لرؤى النظام ورغباته، دونما أدنى تفاعل يُذْكَر، أو فهم واقعي لمتطلبات الوطن ومصالحه العليا. ويأتي هذا في سياق توجيه الأزمة نحو مزيد من التأزيم، بدلاً من محاولة الاقتراب من انفراج، بات بعيداً.

2-           إن أهمية المشروع الإصلاحي، الذي يواجهه الأردن اليوم، بكل تحدياته، تنبع من أن الإصلاح بمفهومه الشامل، بات مطلباً شعبياً واستحقاقاً جماهيرياً، لا يجوز - ولا بأي حال من الأحوال – تشويهه، أو اختزاله، أو الالتفاف عليه.

3-            إن هذا التعثر الواضح في تلك العملية الإصلاحية المزعومة، يثير الكثير من التساؤلات والمخاوف، في ظل قناعة راسخة لدى المعارضة، مفادها أن النظام لا يستطيع الإتيان بأي إصلاح يُذْكَر. فهذا التعثر، لازَمَ ما يُسمى بعملية الإصلاح منذ انطلاقتها، إذ اعتمد النظام على آليات، ومؤسسات، فاقدة لأدنى متطلبات الشرعية في مرحلة حرجة، كهذه المرحلة، تؤسس لمستقبل الوطن بكل تفاصيله. على اعتبار أن الشعب الأردني هو المرجعية العليا، وصاحب الشرعية المطلقة، في تقرير مصير البلاد.

4-         ومن المُفارقات المُلْفِتَةِ، أن نرى النظام الأردني، كيف تجاوز أبسط مفاهيم الشرعية عندما مارس ضغوطه على بعض وزراء حكومة القاضي عون الخصاونة أثناء غياب رئيسهم، لاتخاذ قرار مخالف تماما لما نسَّبَ به رئيس الحكومة.

5-        وأخيراً، أصبح من الواضح، أن معركة استعادة "الولاية العامة" التي يخوضها الأحرار من أبناء الأردن، هي معركة ضد الأعراف، والبروتوكولات السائدة، أكثر منها ضد النصوص الدستورية المُشَوَّهَة. فقد بات من المعروف، بل ومن الجَّلِيّ، أن جهاز المخابرات العامة في الأردن، ودائرة الديوان الملكي، ليستا هما، فحسب أهم التحديات أمام مطالب الشعب الأردني، ورغبته في استعادة الولاية العامة، وتنظيم العلاقات بناء على الدستور. فالأزمة في الأردن هي كما عبّرت عنها المعارضة هي " أزمة حكم".

"قهقهة الشيطان"

وفي السياق نفسه، قال بيان المعارضة الأردنية الأخير، في عمان، أن " مجموعة الفساد تستحوذ على النفوذ والقرار، وتحتكر الهيمنة على موارد البلاد وثرواته، ومؤسسات الوطن، معتبرة أن الصراع بين مراكز القوى في الدولة، يُحسم في كل مرة لصالح الأجهزة الأمنية."  وأكد البيان على أن "غياب الإرادة الرسمية الجادة في الإصلاح الحقيقي، والإصرار على إنتاج تشريعات، وقوانين، معيقة للتنمية السياسية، ومعطلة لإرادة الشعب، تعيق الإصلاح، وتسعى جاهدة لإغلاق ملفات الفساد، ونهب الثروات.. كل هذا، يؤكد استمرار فرض الوصاية السياسية والأمنية، على إرادة الشعب الأردني."

وما تلك (الحركات القرعة)، التي يقوم بها رأس النظام، والابتسامة البلهاء العريضة، التي ترتسم على وجهه، ما هي إلا "قهقهة الشيطان" كما وصفها المعارض الأردني إرحيل الغرايبة، الذي كان له رأي شجاع، عندما تحدث في مقاله في صحيفة "العرب اليوم" عمّا أسماه بـ "قهقهة الشيطان"، التي سمعها مؤخراً، عندما احتفل البعض بتراجع الحراك الشعبي. واتجاهات الإصلاح السياسي. ووصف القراءة القائلة بالفتور،  بأنها " رغائبية وعاطفية، وتسعى لجمع حلفاء الفساد."

وقال:

"إن هؤلاء سيندمون، عندما تصبح الشعوب سيدة الموقف."

فهل سمع العبيد الذين يسجدون – من دون الله – لأسيادهم؟!

اجمالي القراءات 9324