كلمة فضفاضة يستخدمها مسرور السيّاف لقطع رقبة كل من يختلف معه.تستطيع في مصر القندهارية أن تلف حبل المشنقة حول أي شخص ولو كان يعتكف في المسجد نصف عمره، لأن استخراج الأحكام لا يحتاج إلا إلى أوامر أو نصفِ عقل نصفـُه غباء!
حتى قصيدة ولد الهُدى التي يمتدح فيها أحمد شوقي نبي الإسلام، صلوات الله وسلامه عليه، ويقول: الإشتراكيون أنت إمامُهم، يستطيع محامي الشيطان أن يرفع دعوى ضد روح أمير الشعراء لأن الإشتراكية هي الشيوعية باسم مخفف، والشيوعية إلحاد، والإلحاد كفر، والكافر نقطع رقبته ونمنع أعماله.
كل الفنانين والمخرجين والمنتجين وواضعي السيناريو والحوار معرضون الآن لأحكام قضائية مهما كانت أعمالهم ، فما أسهل الاستعانة بابليس ليثبت لهم أن من يؤذن للصلاة يلحن في مخارج الألفاظ، واللحن نغم، والنغم حرام، وكل حرام في النار.
برافو أيها القضاء المصري الذي صمت دهرا ونطق كفرا، فخرس حُرّاس العدالة أمام مبارك ثلاثين عاما، وخلال أربعة عشر شهرا من عمر الثورة رقص أمامهم عفاريت المخلوع بأموالهم ووقاحتهم وجرائمهم وتاريخهم المخزي، فصمت القضاة، وأمسكوا في رقبة عادل إمام.
لو كان الحُكم صدر ضده لأنه كان من مؤيدي جمال مبارك لوجدت مبررات أضعاف ما عثرت عليه المحكمة، أما البحث في مئات الأعمال الفنية، الغث منها والسمين، لاستخراج ما يعطي الشرعية لمجلس الشعب الفقهي، فهذه كارثة.
إنني أتحدى أيَّ قاض أو نائب عام أو مستشار أو حتى سجّان في مصر كلها أن يقسم بأنه لم يجلس مع عائلته وأطفاله أمام أعمال الفنان الكبير يضحكون ساعات طويلة حتى تزال كل آثار الأحزان والهموم، فالمتهم المحكوم عليه قدَّم لهم أفلاما ومسرحيات، وأضحكهم على لصوص الوطن في ( الواد سيد الشغال)، وعرض الفقر في ( المتسول)، وفضح أولاد الاقطاع والانفتاح في ( حتى لا يطير الدخان)، وصنع بذرة التمرد في ( الغول)، وأسقط جزءاً من هالة القداسة في ( شاهد ماشفش حاجة)، وعرض حماقة الزعيم في ( الزعيم).
أختلف معه عندما تعاطف مع الطاغية وأهله، وعندما عرض مسرحية أمام صدام حسين في أوج جبروته، وعندما تعاطف مع بشار الاسد وهو يبيد شعبه، فكلها جرائم أدبية يستحق عادل أمام أن يمثل أمام الشعب والمثقفين ووسائل الإعلام، ويتصبب عرقاً من الحرج.
أما أن ملايين المصريين وعشرات الملايين من الأشقاء العرب يعتبرونه طبيبهم لأكثر أمراض الكآبة والحزن التي مرت بهم، ثم يأتي قضاة مصر الجديدة .. مصر تورا بورا .. مصر بوكو حرام، فيحكمون عليه بالسجن مع المجرمين واللصوص والقتلة، وقطعا ليس من بينهم مبارك ورجاله وكلابه ولصوصه وأوغاده، فتلك لعمري كارثة جديدة أخشى أن تكون الخطوة القادمة ضربة قاصمة لعصر النهضة بأكمله.
الآن يمكنني أن أقول بثقة كبيرة أن الشهيد فرج فودة سبق عصره بنصف قرن على الأقل، وشاهد طالبان مصر قبل خروجهم من الكهف بسنوات طويلة، وكتب عن عقول نتنة قبل أن تتعفن بعدة عقود.
أيها المصريون ، ترقبوا قريبا أحكاما بالسجن على أم تحتضن ابنها بعد غيابه الطويل، ووالد يمسك يد ابنته في الطريق، ومصري يختلي بابنة خاله في المستشفى وهي تحتضر، ويطبع على جبينها قبلة الوداع!
والسجن أيضا على مواطن مصري يقول لزميله بأن شمس البارودي كانت أجمل قبل النقاب، والجلد العلني لفتاة تزعم أن غطاء شعرها سقط في الطريق عن غير قصد، وحكمت المحكمة بسبعين جلدة على شاب سمعته الشرطة الدينية يقول بأن بعض معابد اليهود بها رسومات جميلة!
كل المصريين، تقريبا، يدينون عادل إمام الفلولي، وكل المصريين، تقريبا، يحبون الفنان عادل إمام الذي أسعدهم وأدخل البهجة إلى قلوب أطفالهم.
حسين سالم وعمر سليمان وعمرو موسى والمشير أحرار، وعادل إمام في السجن.
المخلوع في مصحة فاخرة لا يدخلها إلا الملوك، وعادل إمام ينام على البرش في السجن كما فعل حسن سبانخ في الأفوكاتو.
كيف تحول ميزان العدالة السماوية على الأرض المصرية إلى فلولي؟
محمد عبد المجيد
طائر الشمال
أوسلو في 25 ابريل 2012