(القَدَر) أكبر أكذوبة في التاريخ الإنساني
تمهيد بسيط، قبل الدخول في العاصفة !!!
- أجمع المسلمون بمذاهبهم جميعها على أن كل ما سيقوم به الإنسان من أعمال مكتوبٌ في اللوح المحفوظ و معلوم من الله تعالى قبل وقوعه، باستثناء فرقة القَدَرية التي قالت: لا قَدَر و الأمر آنف، و هذا الرأي هو في الأساس ليس رأي القَدَرية، بل هو حقيقة قرآنية!!!
و القرآن هو القول الفصل في هذه المسألة، و في كل المسائل التي طَرَحها.
- هذا الجدل الطويل الذي أضاع وقت المسلمين مئات السنين و أوقات الشعوب الأخرى كان سببه تحريفُ كلاب بني إسرائيل الضالة للتوراة، و نشرُ هذه الأكاذيب على أنها وحي إلهي. و قد تمت صياغة هذا الوحي الشيطاني الإسرائيلي في دين المسلمين على شكل أحاديث (نبوية) تَمتْ نسبتها زوراً و بهتاناً لخاتم الأنبياء و المرسلين عليه الصلاة و السلام.
- موضوع العلم الإلهي الأزلي و القَدَر و هل الإنسان مخير أم مسير هو من المواضيع القرآنية التي تستطيع أن تَعْرِفَ - بعيداً عن الوحي الشيطاني - حقيقته قبل أن تقوم من مقامك خلال أقل من ساعة من قرائة الآيات المتعلقة بالموضوع. و الأمر نفسه ينطبق على أي موضوع آخر من مواضيع الذكر الحكيم.
- نتكلم دائماً عن اغتصاب كلاب بني إسرائيل الضالة لأرضنا في فلسطين و نترك الكلام عن اغتصابٍ أكبر.
- كيف استطاع بضعة ملايين من كلاب بني إسرائيل الضالة الوصولَ لهذه القوة والجبروت و الطغيان و نحن مليار و نصف مسلم ؟!
- قبل احتلالهم لأرضنا فقد اغتصبوا عقولنا بإبعادها عن القرآن الكريم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه. فعقولنا التي تحاول منذ القرن الثاني الهجري فهم القرآن دون جدوى هي أسيرة لهذه الأكاذيب. فستظل عقولاً متعفنة إلا إذا وقفنا وقفة حازمة من هذه الأحاديث.
- و للتعرف على عظم الكارثة التي ألحقها كلاب بني إسرائيل الضالة بالعالم كله، فما عليك سوى قراءة سورة البقرة و هي من أوائل السور في القرآن و قد تحدثت بالتفصيل عن شرورهم و قذاراتهم و تحريفهم للكَلِم عن مواضعه و تحدثت عن تاريخهم المُخزي مع أنبيائهم، و تضليلِهم لأمم الأرض كافة، و ليس المسلمين فقط.
- إذن لا داعي للتفكير طويلاً في سبب تخصيص الله تعالى لهذا العدد الكبير من الأنبياء ليكونوا هُداة لبني إسرائيل لكف شرورهم عن العالم.
- و بدلاً من جلد ذواتنا و شتم فقهائنا و أهل الحديث الذين نقلوا لنا هذا الوحي الشيطاني، دعونا نستغفرْ لهم الله تعالى، فهم ضلوا الحقيقة بمكيدة مدبرة من بني إسرائيل. بدلاً من شتهم و توجيه سهامنا عليهم فدعونها نتحدث عن بني إسرائيل الذين وصل الأمر بسفالتهم في يوم ما أن مَسَخَ اللهُ تعالى بعضهم إلى قِرَدة و خنازير.
- في بدايات نزول القرأن لم يكن محمد عليه السلام يعرف الكتب الإلهية و الإيمان، فكانت ظاهرة غريبة بالنسبة له (وَكَذَٰلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإِيمَانُ وَلَٰكِن جَعَلْنَاهُ نُورًا نَّهْدِي بِهِ مَن نَّشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ) تكشفُ لنا هذه الآية الكريمة حقيقة الأكذوبة القائلة بأن النبي كان على علاقة بالنصراني ورقة بن نوفل قبل نزول القرآن،و تقول الأكذوبة بأنه عليه السلام بعد أول لقاء – مزعوم – بجبريل عليه السلام التقى بورقة ابن نوفل و حدثه بما حصل معه فقال له ورقة (إن هذا هو نفسه الناموس الذي نزل على موسى)
الناموسة التي اختلقت هذه الأكذوبة لا تدري أن موسى لم ينزل عليه ناموس. موسى قد كلمه الله تعالى تكليماً، فكان من الرسل الذين أُوحي إليهم بطريقة مباشرة (وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِن وَرَاء حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ) فالأمر بالنسبة لموسى مختلف تماماً عنه بالنسبة لمحمد عليهما السلام. فتكليم الله تعالى لموسى كان تكليماً مباشراً من وراء حجاب، أما محمد فأرسل إليه الله تعالى رسوله جبريل عليه السلام ليوحي إليه القرآن.
- في بدايات نزول القرآن على محمد عليه السلام، شك محمد في رسالته، فأرشده الله تعالى بقطع هذا الشك باليقين من خلال الرجوع لأهل الكتاب للتأكد منهم بصحة ظاهرة الرسالات أو الكتب الإلهية، فهذه حقيقة لا تحتاج إلى دليل لأنها نُقِلت جيلاً عن جيل بالتواتر (فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك فاسأل الذين يقرءون الكتاب من قبلك لقد جاءك الحق من ربك فلا تكونن من الممترين) و لكن المشكلة أن أهل الكتاب انقسموا إلى فريقين في زمن نزول القرآن على محمد. فريق آمن بالرسالة و هم قلائل،و فريق كفر بها و هم كُثُر. فكان سؤاله لهم غير كاف لقطع الشك المحمدي برسالته الإلهية القرآن.
- إذن كان المفروض أن يكون سؤال النبي محمد لأهل الكتاب كافياً له لإثبات صدق رسالته و قطع شكه فيها، لكن موقف الكافرين منهم برسالته جعل هذه الطريقة غير كافية في إثبات صحتها له عليه السلام. فكان الحل من عند الله تعالى مباشرةً بأن يُطلع محمداً على بعض الغيب في ليلة الإسراء. فكان لقاؤه المباشر الأول و الأخير بجبريل عليه السلام،و كان اطلاعه على جزء من ملكوت الله تعالى في الكون.
- الأمر نفسه ينطبق على محاولات إثبات وجود الله تعالى بالأدلة. فَبَحْثٌ من هذا النوع هو مجرد إضاعة للوقت و الجهد. فكانت فكرة الإلحاد و إنكار وجود الخالق التي لم تظهر إلا في القرون الثلاثة الماضية نتيجة من نتائج تحريف بني إسرائيل للكَلِم عم مواضعه، فالمكتشفات العلمية الحديثة تتناقض تماماً مع أساطير بني إسرائيل المتعلقة ببداية خلق الإنسان، مثل أكذوبة خلق آدم من تمثال،و أكذوبة خلق حواء من ضلع آدم.و غيرها الكثير. أمام هذا التناقض الكبير بين مكتشفات العلم الحديث و بين هذا الوحي الشيطاني الإسرائيلي اظطر الكثيرون في القرون الثلاثة الماضية إلى إعلان الإلحاد و إنكار وجود الخالق و إنكار كافة الرسالات و الرسل. ولا يدري المساكين أنهم وقعوا ضحية تضليل إسرائيلي حقير.
- واحدة من أهم مواضيع القرآن الكريم إنهاؤه لمفهوم الرئيس أو الأمير أو القائد أو الحاكم. فمحمد عليه السلام لم يكن رئيس دولة و لا أميراً و لا حاكماً بالمفهوم الحالي للحاكم. بل كان فقط – بالإضافة لكونه مُبلغاً للرسالة و حاملاً للدعوة – كان قاضياً يقضي بين الناس في الخصومات و المنازعات.و تلك الخصومات و المظالم لا يتدخل فيها الله تعالى فيتركها تحدث بفعل مرتكبها دون تدخل إلهي. أي دون تقدير لها أو علم مسبق من الله تعالى بها قبل وقوعها. ليكون الامتحان الإلهي للإنسان امتحاناً نزيهاً لا ظُلم فيه بإجبار الظالم على فعل ظُلمه.
- هجرة النبي و المؤمنين من المدينة إلى مكة لم يكن مخططاً لها مسبقاً من الله تعالى، بل كانت بناء على موقف قريش من الرسالة الجديدة و الرسول و المؤمنين. فلو أن قريشاً لم تضطهدهم في دينهم لما هاجروا. فالرسول لم يهاجر إلى المدينة لإقامة دولة إسلامية كما يقول حزب التحرير. ثم إن الرسول الكريم عليه السلام لم يكن رئيس دولة في المدينة.بل لم يُقِم الرسول في المدينة دولة من الأساس.
- فسليمان عليه السلام استخدم القوة في ردع بلقيس و قومها عن عبادة الشمس من دون الله تعالى، أما القرآن فقد جاء بقوانين أكثر حيادية (فمن شاء فليؤمن و من شاء فليكفر) و (لا إكراه في الدين) و السبب في هذا التحول الكبير هو (قد تبين الرشد من الغي)، أي بنزول القرآن و إحكام آياته و منع تحريفها و تبديلها أصبحت الأمور واضحة فلا داعي الأن لإكراه أحد في الدين.
- سليمان في رسالته إلى بلقيس قال في نهاية الرسالة ( و السلام على من اتبع الهدى) أما الإسلام الجديد الذي نزل على محمد فإنه يقول (و إذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً).
- واحدة من أهم مواضيع القرآن الجديدة الشورى، فلم تُشرع قبل القرآن. فموسى عليه السلام مثلاً لم يختر وزيراً له من عند نفسه، بل طلب من الله تعالى أن يجعل من أخيه هارون وزيراً له. و باستوزار موسى لأخيه هارون بأمر الله تعالى أصبح هارون مُلْكاً لموسى فقال (رب إني لا أملك إلا نفسي و أخي)
- السبب في إنهاء القرآن الكريم لعصر الملوك و الرؤساء و القادة و الحكام كان سببه أن الخطاب الإلهي للناس في القرآن لم يَعُدْ معتمداً على شخص يتلقى الوحي أي الأوامر الإلهية من الله تعالى مباشرة، كداوود عندما كان مَلِكاً للجبال و الطير و الحديد، و كسليمان عندما كان مَلِكاً للريح و الشياطين و الطير و الجن و الإنس و النحاس (عينَ القَطِر)، و كإبراهيم الذي آته الله المُلْك، و كموسى عندما كان مَلِكاً لهارون، و كطالوت عندما كان مَلِكاً لبني إسرائيل الذين جاؤوا من بعد موسى، و كيوسف الذي آتاه الله من المُلْك. و بما أن الخطاب الإلهي المباشر للناس جميعاً جاء في القرآن الكريم، فلم يَعُدْ هناك من حاجة للملوك الذين يأمرون مملوكيهم بأمر الله تعالى. فمحمد عليه السلام لم يكن مَلِكاً للناس و لا حتى للمؤمنين. فالقرآن الذي يحتوي على كلمات الله التي لا تبديل لها موجود و من الممكن لأي إنسان على الأرض أن يعرفه دون حاجة للعودة لأحد ليُبُلغه أوامر الله تعالى.
- كان الصحابة رضي الله تعالى عنهم على علم تام بهذه الحقيقة، و لكن و بعد وفاة الرسول الكريم و إعلان خبر وفاته إلى المسلمين ارتد معظم المسلمين عن الإسلام. مما اضطر الصحابة لاتخاذ موقف حازم من هذا الارتداد الذي عم أرجاء العالم الإسلامي، فتركوا جسده عليه السلام مُلْقىً على فراش الموت و عقدوا اجتماعاً طارئاً في سقيفة بني ساعدة للتشاور في إيجاد حل لهذه المشكلة الكبيرة التي أصبحتْ تُهَددُ الرسالة نفسَها و المؤمنين بها من الصحابة و غيرهم. فَتَرْكُ الأمر دون تدخل مباشر خَطَرٌ عظيم على الرسالة و عليهم. عندئذٍ كان لهم في هذا الموقف العصيب أسوة حسنة في إبراهيم و الذين اتبعوه، فعندما تعرضوا لخطر الانقراض من قومهم الكافرين اتخذ إبراهيم و أتباعه موقفاً حازماً من قومهم الكافرين فأعلنوا براءتهم من قومهم و مما يعبدون من دون الله فكفروا بهم و بدت بينهم و بين قومهم العداوة و البغضاء حتى يؤمنوا بالله وحده، فكان هذا حدثاً استثنائياً في ظل الدعوة إلى الله بالحكمة و الموعظة الحسنة و المجادلة بالتي هي أحسن (قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَاء مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاء أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن شَيْءٍ رَّبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ)
- فقرر الصحابة تحديد واحد منهم ليكون قائداً أو زعيماً أو رئيساً أو أميراً يقود المسيرة في محاربة المرتدين عن الإسلام. فكان أبو بكر أول قائد في تاريخ الإسلام المحمدي.
- كان أبو بكر خليفة لرسول الله فقط في وظيفة القضاء أي الفصل بين الناس في الخصومات و المنازعات. و لكن هنالك أمراً مهماً لم يتنبه له الصحابة رضوان الله تعالى عليهم في هذه الوظيفة القضائية لأبي بكر. فالأمر بالنسبة لأبي بكر يختلف عنه عند محمد عليه السلام. فمحمد عليه السلام لم يكن له قضاة رقابيون يراقبون صحة حُكْمه بين الناس، لأنه كان على اتصال مباشر بالوحي الإلهي. فكان كل خطأٍ يصدر عنه عليه السلام يتم إبطاله و تصحيحه مباشرة من الوحي الإلهي. فعندما حَكَم عليه السلام حُكْماَ باطلاً لأحد الخائنين على حساب شخص مظلوم دون عِلْمٍ منه عليه السلام لأنه كان يحْكُم بالظاهر و لا يعلم الغيب إلا ما أطلعه الله تعالى عليه ليلة الإسراء أو ما يوحيه إليه من الغيب في القرآن.عندما حَكَم هذا الحُكْمَ الباطل نزل القرآن فوراً يُنبهه بالمكيدة المدبرة له ليقوم بتصحيح حكمه.
فالقاضي (أبو بكر) خليفة رسول الله لم يكن على اتصال بالوحي لِيُصَححَ له أخطاءه، فكان المفروض من الصحابة أن يُعَينوا قُضاة رقابيين على أبي بَكرٍ لدراسة و مشاورة أحكامه بين الناس لتصحيحها في حال ثبوت بطلانها. و هو ما لم يفعله الصحابة لعدم انتباههم لهذا الأمر.
- أخطأ الصحابي الجليل عمر بن الخطاب في فهمه لآية الجزية، فقام بتخيير الأمم بين الإسلام أو القتل أو الجزية
- في ظل تكذيب قريش للقرآن (و كذب به قومك و هو الحق) و تكذيب معظم أهل الكتاب للقرآن و في ظل ارتداد معظم المسلمين عن الإسلام بعد وفاة الرسول الكريم مباشرة، في ظل هذا العداء الشديد للإسلام و أهله، ظن عمر بن الخطاب خطاً منه أن قوله تعالى (قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ) يعني أن الله تعالى يطلب منا أن نحارب جميع الأمم التي لا تؤمن بالله و لا باليوم الآخر و لا تؤمن بالقرآن، ففي البُلدان التي قام بفتحها، كان يَعْرِضُ عليهم أحد ثلاثة: الإسلام أو القتل أو الجزية.
- هذه الآية الكريمة من سورة التوبة لم تكن أمراً مباشراً من الله تعالى بقتال المشركين أَيِ مشركين، بل كانت تأمر بقتال نوع خاص من المشركين هم المشركون المعتدون، هؤلاء المشركون المعتدون هم الذين نزلت فيهم سورة كاملة من القرآن الكريم هي سورة التوبة. فالآية الكريمة لا تأمر أمراً مباشراً بقتال المشركين أَيِ مُشركين، بل أعطت الآية وصفاً شاملاً لهؤلاء المشركين المعتدين، هذا الوصف هو وصف رباعي متلازم لا ينفك بعضه عن الآخر، فهؤلاء المشركون المعتدون باعتدائهم الظالم على الناس فإنهم أصبحوا لا يؤمنون بالله و لا باليوم الآخر و لا يُحَرمون ما حرم الله و رسوله و لا يَدينون دين الحق.
في ظل هذا العداء الشديد من قريش للقرآن رسوله و أتباعه وقف الأولون من المهاجرين و الأنصار وقفة قوية جداً في مجابهة هذا العداء الشديد للدعوة الإسلامية الجديدة، بسبب هذا الموقف منهم مهاجرين في سبيل الله تعالى هرباً بدينهم من فتنة قومهم لهم، و أنصاراً نصروا الرسول المستضعف و المهاجرين المستضعفين معه، عندئذ، و بسبب هذه الوقفة الجادة الحازمة في وجه الطُغيان و الكفر و الفساد و الفتنة في الدين، بسبب هذه الوقفة فقط أصدر الله تعالى قراراً لا رجعة فيه برضاه عن هؤلاء السابقين الأولين في نُصرة الإسلام من المهاجرين و الأنصار، و رضاه تعالى عنهم يتضمن قراره بأن مصيرهم يوم القيامة هو الجنة لا محالة، و بتحديد هذا القرار المصيري لهم بدخول الجنة كان موقف هؤلاء المهاجرين و الأنصار رضاهم عن الله تعالى، أي اكْتِفاءهم بهذا القرار، و ماذا يريد الإنسان أعظم من ذلك، خلود دائم في جنات النعيم.
- و بصدور هذا القرار الإلهي برضاه تعالى عن الصحابة أصبح من المستحيل أن يتراجع هؤلاء الصحابة عن موقفهم من الرسالة و الرسول و من الله تعالى، فبعد هذا القرار الإلهي فلا يُمكن أن يَصْدُر منهم كُفر عَقَدي أو معصية عملية تتناقض مع هذا القرار، فأصبحوا جزءاً لا يتجزأ من هذا القرار. أي أصبحوا جزءاً من قَدَرِ الله تعالى في حفظ هذا الدين بنُصرتهم له. فأصبحوا من عباد الله المُخلَصين (اسم مفعول) فقد كان قراراً اختيارياً مَحضاَ من عند أنفسهم في البداية بِنُصرة هذا الدين، لكن بعد قرار الله تعالى برضاه عنهم أصبحوا مَجْبورين على تنفيذ هذا القرار حتى آخر لحظات حياتهم و هذا هو معنى قوله تعالى (ما يُبَدلُ القول لدي) و قوله تعالى (و كان أمر الله قَدَراً مَقْدورا)
و هذا بالطبع لا يمنعهم من ارتكاب أخطاء طفيفة تتفق مع طبيعتهم البشرية المجبولة على الخطأ. فالأنبياء كلهم بلا استثناء بمن فيهم خاتمهم محمد - عليهم السلام جميعاً - كانوا يُخْطِئون أخطاء طفيفة.
- قد يكون المُعتدون على الناس الآمنة أفراداً، و عندئذ يُسَمون المحاربين، و جزاء هؤلاء هو عقوبة الحَرابة، و هؤلاء وصفهم القرآن الكريم وصفاً مُتلازماً ثُلاثياً فقط بأنهم يحابون الله و رسوله و يسعون في الأرض فَساداَ، هؤلاء بين الله تعالى عقوبتهم فهي عقوبة عليهم فقط و لا تتعدى عقوبة أحد غيرهم.
- أما إذا كان المُعتدون جماعات تعتدي على الناس دون ارتداع أبداً فقد بين القرآن الكريم أن عقوبتهم عندئذ لا تقتصر على أفراد هذه الجماعات فقط، بل تتعداها لتشمل الجماعات كلها، تماماً كالذي فعله الرسول و المؤمنون مع يهود بني النضير و مع المشركين المذكورين في سورة التوبة، و يبدو أن المشركين المعتدين المذكورين في سورة التوبة هم نفسهم يهود بني النضير بدليل قوله تعالى في آية الجزية (من الذين أوتوا الكتاب)
- شتم الصحابة و تكفريهم كُفر بالله تعالى، فشتمهم و تكفيرهم كُفربقراره تعالى برضاه عنهم، فهو كفر بقوله تعالى (وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) و الكفر بآية قرآنية يعني الكفر بالقرآن كله، و الكفر بالقرآن كله يعني الكفر بالكتب الإلهية كلها. قال تعالى واصفاً المؤمنين من أتباع محمد عليه السلام (و تؤمنون بالكتاب كله) فالله تعالى يصف الكتب الإلهية كلها بالكتاب، فهو يعتبرها كتاباً واحداً، فمنشأها كلها واحد هو أم الكتاب.( و إنه في أم الكتاب لدينا لعلي حكيم) (يمحو الله ما يشاء و يُثبت و عنده أم الكتاب)
- أخطر ما تعرض له العقل الإسلامي العظيم حَدَثَ في القرن الثاني الهجري، فتم في هذا القرن توثيق وكتابة أساطير الأولين، و تمت صياغتها على شكل أحاديث تمت نسبتها - زوراً و بهتاناً و جهلاً - لخاتم النبيين عليه السلام. فالمسلمون قد تناقلوا جيلاً عن جيل الامتناع عن كتابة أي شيء عنه عليه السلام، حتى القرن الثاني الهجري، مما حدى ببعض المتحمسين للإسلام من الأتقياء أمثال عمر بن عبد العزيز الذي أَمَرَ بالمباشرة بجمع الأحاديث، فتلقف أهل الحديث كمالك و البخاري و من تَبِعَهُما هذا الأمر بكل حماسة و سرور خِدْمَةً لدين الله تعالى، و لا يدري المساكين أنهم بِعَمَلِهم هذا قد أساءوا أكبر إساءة لدين الله و كتابه الأخير إلى الناس و رسوله الكريم.)وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ( أي أن الله تعالى ينسخُ أي يكتب و يُثبِتُ ما يُلقي الشيطان ليكون جنباً إلى جنب مع الوحي الإلهي، ليختار كل إنسان ما يريد، الحقَ الإلهيَ (الكتاب الإلهي) أم الباطلَ الشيطاني (الكُتُبُ الأُخرى).
- حَوَت كتب الحديث المزور في طياتها معظم أساطير الأولين و أهمها ذكراً أساطير أهل الكتاب، فَتَلَوثَ العقل الإسلامي العظيم بهذه الأساطير، فأصبح أسيراً لها، فابتعد كثيراً عن التفسير الحق (القرآن) و أخذ المسلمون يفسرون التفسير (القرآن) بتفاسير خارجة عنه تتناقض معه تماماً، فإذا كان القرآن هو الحق المبين، فأي شيء خارجه هو بطلان و هو يتناقض معه تماماً. فأخذ المسلمون يحاولون فهم القرآن من خلال هذه الأحاديث دون جدوى. فشعروا بوجود تناقضات كبيرة في كتاب الله تعالى، فتم الأخذ بأكذوبة نُسِبَت زوراً و بهتاناً لعلي ابن أبي طالب تقول: لا تأخذوا بالقرآن فالقرآن حَمال أوجه، فتم الأخذ بالحديث بدلاً عن القرآن، و أصبح الحديث المزور طاغياً على القرآن الحق. و أصبح مجرد الأخذ بحديث واحد يتناقض مع مئات الآيات أمراً عادياً.
- الحضارة الإسلامية أعظم حضارة في تاريخ الأمم كلها، السبب في ذلك يعود للمعجزة العقلية القرآن الكريم، تلك المُعْجِزة التي فجرت ينابيع العقل و العلم و المعرفة الإنسانية، فالقرآن الكريم قد ذَكَرَ معظم حجج الكافرين منذ إبليس إلى آخر لحظات نزول القرآن، ذَكَرَ القرآن هذه الحجج دون تحفظ. و قد حث القرآن المؤمنين على دراسة تاريخ الأمم و الأخرى و آثارها و عمائرها لكي يعرفوا أم معظمهم كانوا مشركين بالله تعالى (قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلُ كَانَ أَكْثَرُهُم مُّشْرِكِينَ)(أولم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم كانوا أشد منهم قوة وأثاروا الأرض وعمروها أكثر مما عمروها وجاءتهم رسلهم بالبينات فما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون)
- و كانت نتيجة هذا الانفجار المعرفي العقلي القرآني أن أَسسَ المسلمون لأول مرة في تاريخ الأمم تأصيلاً لعلم مقارنة الأديان الذي درسوا فيه جميع معتقدات و أفكار و آثار الشعوب و فنونها.
- و لكن نعمة العقل هذه لم تَدُمْ طويلاً، فإبليس ما زال يُحاول إضلال الناس حتى بعد نزول القرآن، ففي القرن الرابع الهجري هبط العقل الإسلامي العظيم أسفل سافلين، ففي ظل هذا التطور العقلي الكبير عند المسلمين الذي وصل إلى أَوْجِهِ في القرن الرابع الهجري خاف الخليفة العباسي القادر بالله سنة 408 هجري على مُلْكِه الباطل من الانهيار و الفناء فأصدر وثيقته الملعونة (الوثيقة القادرية) التي كانت قراراً تم فرضه على جميع أرجاء العالم الإسلامي الفسيح بإغلاق باب الاجتهاد و إنهاء العقل و التفكير و العلم، فمنذ ذلك الوقت لم يَعُد هنالك مجتهدون أو مُفَكرون. إلى يومنا هذا، مما كان سبباً في تخلف المسلمين عن كل الأمم و إيصالها من قمة الهرم في حضارات الأمم إلى أسفله.
- يتبين مما سبق أن الصحابة جزء لا يتجزأ من الدين، و أصبح تصديقُ رِضَى الله تعالى عنهم أساساً من أسس الدين، بينما الشعر الجاهلي مثلاً ليس جزءاً من الدين، فلو قلنا بأن كل الشعر الجاهلي انتحال فهذا لا يُخِل بإيماننا أبداً و الحمد لله رب العالمين.
- و القرآن لم يذكر أسماءً محددة من الصحابة الذين رضي الله تعالى عنهم، و بالتالي فلا نقول بأن أبا بكر قد رضي الله تعالى عنه،و لا نقول عمر قد رضي الله تعالى عنه، و لا نقول عثمان و لا علي و لا عمار بن ياسر و لا عبد الرحمن بن عوف و لا أبو عبيدة، بل نؤمن بأن الله تعالى رضي عن السابقين الأولين من المهاجرين و الأنصار، لكن من هم تحديداً فهذا من الغيب الذي لا يعلمه إلا الله تعالى.
- الذي زاد في أيامنا هذه من عِظَمِ هذه الكارثة هو أن عباقرة الأمة و مُفكريها بدلاً من أن يدرسوا الدين فإنهم يَدْرُسون الطب و الهندسة، و يتركون دراسة الدين لأقل الناس حظاً من العقل، و انظر حولك في أرجاء العالم الإسلامي الفسيح لتجد أن المتخصصين في الدين هم أقل الناس مُعدلاتٍ في الثانوية العامة. فالنُخبَةُ من أبناء الأمة بدلاً من أن تكون دراساتهم عقلية فلسفية فإنهم يدرسون العلوم التجريبية من الطب و الهندسة و الفيزياء و الرياضيات و الكيمياء و الأحياء و الجيولوجيا، و هذه العلوم و إن كان أساسها العقل و الفلسفة إلا أن العقل و الفلسفة هي الأساس و المنبع الرئيسي لها.
- أبو لهب، و زوجة لوط ،و زوجة نوح.
(ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَةَ نُوحٍ وَامْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللهِ شَيْئًا)
حينما يُخْبِرُ الله تعالى عن أبي لهب بأنه سيصلى نارا ذات لهب ، فهذا يعني إعلاناً محكماً من الله تعالى بأن أبا لهب استحق النار بكفره و عمله السيء الذَين لن يَغْفِرهما له الله تعالى مهما حاول أن يهتدي بعد ذلك. فالقرار قد صدر بلا تراجع أو رجعة ،و المستقبل سيسير بعد ذلك بناءً على قرار الله تعالى، فقد اتخذ القرار فأصبح هذا الكافر مُسيراً في كُفرِه لا مُخَيراً.
الأمر نفسه ينطبق على زوجة لوط و زوجة نوح، فبكفرهما و عملهما للسيئات حَكَمَ الله تعالى و قَررَ و قَدرَ عليهما أزلياً أي مستقبلاً بأنهما خاسرتان لا محالة. فأصبحتا مُسَيرتين في كُفرهما لا مُخَيرتين.
- صحيح أنك لستَ مخيراً في ميلادك أو تحديد أبويك أو لون بشرتك، أو ولادتك من أبوين أحدهما مصاب بمرض الفصام أو مرض السكري، فينتقل المرض لجيناتك بالوراثة، لكن هذه الأمور التي أُجْبِرتَ عليها ليست من اختيار الله تعالى. بل من اختيار أبيك الذي اختار زوجته و حدد جنسيتها و لونها و شكلهاأو أُجْبِرَ على الزواج منها ، و حدد برضاها أو عدمه و بالتعاون مع طبيبه أو عدمه موعد ولادتك. الله تعالى يعلم ما تحمل كل أنثى لحظة الحمل لا قبلها، و هو الذي يصورنا في الأرحام كيف يشاء بعد أن يختار الرجل زوجته أو تختار الزوجة زوجها. فيكون تصويرنا في الأرحام بناء على هذا الاختيار المسبق منا كأزواج، رجالاً و نساءً.
صحيح أنك لستَ مخيراً في هذه الأشياء فلا تُسأل عنها يوم القيامة، و لكن من الحماقة أن تظن بأن عدم اختيارك لها يعني أن الله تعالى قد كتبها و قدرها و عَلِمها مسبقاً قبل وقوعها. بل الذي قدرها أو فرضها عليك هما أبواك و ليس الله تعالى.
فابن الزانية لم يُقُدر له الله تعالى أن يكون ابن زانية، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً، بل أمه الزانية و أبوه الزاني هما من قدرا عليه هذا الأمر القبيح. فالزنى لم يُقَدرْهُ الله تعالى على الزاني قبل وقوعه، بل حذر الله تعالى منه أشد التحذير قبل وقوعه.
- الحساب يوم القيامة للإنسان يكون على الفترة الزمنية التي عاشها، سواء عاش مئة سنة أم أنهى حياته بالانتحار، أم انتهت حياته بالقتل من شخص آخر. فلا يُحاسبُ المقتول يوم القيامة عن إنهاء القاتل لحياته. بل يُسأل المقتول يوم القيامة عن الذنب الذي ارتكبه ليتم قتله، و القاتل هو الذي يُحاسَب. أما المُنتحِر فسيُسأل يوم القيامة عن سبب اعتدائه على نفسه بالقتل السريع (الانتحار). و لا يسأل الله تعالى الإنسان عن مرضه بمرض وراثي، ليس لأن هذا المرض هو من قدر الله بل لأنه من كونه مولوداً جبراً عنه لعائلة مصابة بالمرض، لكن هذه الأمراض و غيرها من الابتلاءات التي لا دخل للإنسان بها هي بمثابة هدية للإنسان لأنها ستكون من أسباب تخفيف حسابه يوم القيامة. فرغم كراهيتنا للحروب و المعارك يقول لنا الله تعالى (فعسى أن تكرهوا شيئاً و هو خير لكم) و رغم أننا في وقت ما يُمكن لنا أن نكره زوجاتنا اللائي أحببنهن في البداية قيقول تعالى (و عسى أن تكرهوا شيئاً و يجعل الله فيه خيراً كثيراً) فالخير المذكور في الآيتين هو الخير الذي نكسبه يوم القيامة و ليس الخير الذي نكسبه في الحياة الدنيا.
- الفكرة السائدة لدى المسلمين هي أن الله تعالى خلق العالم و قَدرَ كل ما فيه أي عَلِمَه مسبقاً ثم أدار ظهره عن الكون و تركه يسير بناء على تقديره المسبق أي بناءً على علمه المسبق. تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً. و بهذه الفكرة الساقطة ينتفي التدخل الإلهي المباشر في أحداث الكون من إرسال الرسل و إنزال الكتب لهداية الصالين بعد أن كان آدم و زوجه مؤمنَين بالله، و نصر الرسل و المؤمنين القلائل على الكفار الكُثر. و إنزال الرزق و بسطه أو قَدْرِه أي تقليله. و إمساكه للسماوات أن تقع على الأرض إلا بإذنه، و لُطفه بالناس، و عقابه للمفسدين عقاباً دُنيوياً مباشراً، و بإمداده للكافرين ليزدادوا كُفراً، و بإرساله الأنبياءَ لهداية الضالين، و إعزازه لمن يشاء و إذلاله لمن يشاء، و تكريمه لمن بشاء و إهانته لمن يشاء،و إضلاله لمن يشاء و هدايته لمن يشاء، و جعله تعالى لما بين يدي القرية و ما خلفها نكالا و موعظة للمتقين، و لعنة الله تعالى لبني إسرائيل أينما ثقفوا إلا بحبل من الله أو حبل من الناس، و مسخه لبعض بني إسرائيل إلى قردة و خنازير، و إهلاكه تعالى و تدميره للأمم السابقة و ما كانت تَعْمُر، و بقُرْبِ الله تعالى بإجابة دعاء عباده، و دعاء إبراهيم عليه السلام لله تعالى بِبَعْثِ رسول من ذريته يتلو عليهم آيات الله و يعلمهم الكتاب و الحكمة و يزكيهم، و تحديد قبلة أي زاوية معينة للناس يتوجهون إليها في عبادتهم لله تعالى بعد أن أجمعت كل الأمم السابقة على تحديد تمائيل أو أصنام أو أماكن يقدسونها تقرباً إلى الله، بينما كان الأنبياء و الرسل و المؤمنون يتحرجون أمام المشركين من عدم وجود قبلة محددة لهم يسجدون لله تعالى باتجاهها، فكانوا يسجدون لله تعالى في جميع الاتجاهات، لأن الله تعالى ليس موجوداً في أية زاوية أو مكان ما أو زمان ما، فهو خالقها جميعاً، فحدد الله تعالى للناس جميعاً قبلة واحدة أي زاوية واحدة هي الكعبة، و أمر الله خاتم النبيين بالتوجه نحوها لكي لا يكون للمشركين حجة على النبي و المؤمنين في عدم وجود قبلة لهم و وجود قبلات محددة للمشركين من عند أنفسهم. و إنزاله للقرآن لُينذِرَ الذين قالوا اتخذ الله ولداً، و كإبطال محاولة أصحاب الفيل لهدم الكعبة، فكان إرسال الطير الابابيل هو التدخل الإلهي السريع الذي قضى عليهم قبل أن يهدموا الكعبة. و كإرسال الشهب على الشياطين منذ أن بدأ نزول القرآن...إلخ.
- في المقابل هناك أحداث كونية شديدة البُطلان شاء و أراد الله تعالى لها أن تحدث، لكنها لم تحدث باختيار المخلوقات المحض لذلك، فلم يكن هناك من داعٍ لتدخل إلهي فيها، فمحمد عليه السلام كان الممكن أن يفتري كلاماً من عنده ليدسه في القرآن، و لو حدث هذا لأهلكه الله تعالى مباشرة قبل أن يفعل ذلك على أرض الواقع، و لكنه عليه السلام كان أميناً في تبليغ الرسالة، فلم يُهْلِكه الله تعالى (و لو تقول علينا بعض الأقاويل. لأخذنا منه باليمين. ثم لقطعنا منه الوتين. فما منكم من أحد عنه حاجزين)
و لو أن محمداً عليه السلام كان مُفترياً على الله و مُدعياً للرسالة و هو في الحقيقة لا رسول ولا ما يحزنون، لو كان محمد عليه السلام كذلك لتدخل الله تعالى مباشرة و ختم على قلبه، و لكن هذا لم يحدث، فقد كان محمد عليه السلام صادقاً في ادعائه بأنه نبي مرسل من الله.
- و قد كان وقتُ نزولِ القرآن وقتاً قريباً جداً من موعد يوم القيامة، فأخبرنا الله تعالى باقتراب هذا الموعد فقال (اقترب للناس حسابهم و هم في غفلة معرضون. ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث إلا استمعوه و هم يلعبون) فالناس المذكورون في الآية هم الكفار المعاصرون لنزول القرآن. فينبههم الله تعالى بأنهم في غفلة عن يوم الحساب وهم يعيشون في زمن قريب جداً من يوم الحساب.
- و قد كانت كلمات الله في الكتب السابقة قابلة للتبديل و التحريف. فقرر الله تعالى إنزال القرآن عصياً على التبديل و التحريف.فقرر الله تعالى أنه لم يعد هناك مَنْ هو قادر على تبديل كلامه المُيَسر في القرآن.فقال:(لا مبدل لكلمات الله)(لا تبديل لكلمات الله)
- من الكذب القول بأن محمدا عليه السلام ورد ذكره في جميع الكتب الإلهية السابقة. فالله لم يقرر إرسال محمد عليه السلام منذ الأزل بل قرر إرسال محمد بناء على دعاء إبراهيم لله تعالى بإرسال رسول من العرب أبناء إسماعيل عليه السلام. و قد ورد ذكر محمد عليه السلام في التوراة و الإنجيل فقط، و من المؤكد أن الله تعالى قد ذكر في التوراة و الإنجيل - كما ذكر في القرآن - أن محمداً سيرسله الله تعالى من ذرية إسماعيل ابن إبراهيم عليه السلام بناء على دعاء إبراهيم. فماذا كان موقف كلاب بني إسرائيل الضالة من ذلك؟ الجواب:تمهيداً لتضليل الأمم لإثبات عدم وجود أية صلة بين نبي الله المعروف إبراهيم و النبي الجديد محمد، فقد قاموا بطمس مسيرة إبراهيم و إسماعيل من جميع المصادر التاريخية.
- قالوا بأن الله تعالى لديه كتاب مكتوب فيه مسبقاً - قبل خلق الكون - كل ما سيقوم به الإنسان من أعمال و كل ما سيؤمن به من اعتقادات، إذا كان هذا صحيحاً، فما الفائدة إذن من الكتاب الذي تكتب فيه الملائكة أعمال الإنسان و اعتقاداته و كل ما يقع في الكون لحظة وقوعه. إذا كان الكتابان متطابقين، و إذا كان الكتاب الأول موجوداً مسيقاً قبل خلق الكون قما الفائدة من الكتاب الثاني؟! أم أن الله تعالى يعبث؟ّ!. تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً.
- أركان الإيمان
أركان الإيمان في القرآن الكريم واضحة وضوح الشمس.( آَمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آَمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ) (285) البقرة
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا آَمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا) (136) النساء
هذه الأركان خمسة هي:الله -ملائكته- كتبه-رسله- اليوم الآخر
إذن من أين جاء الركن السادس (القضاء و القدر أو القدر خيره و شره)؟
الجواب: من الوحي الشيطاني أي الأحاديث التي اختلقها بنو أمية لتبرير طغيانهم و جبروتهم على أنه قضاء الله و قدره. هذه الأكذوبة منشأها من عند بني إسرائيل الذين يُحَرفون الكَلِمَ عن مواضعه. و قد رسخت كلاب بني إسرائيل الضالةُ هذه الأكذوبة في أذهان الأمم كلها لتبرير طغيانها على الناس بالاعتداء عليهم و قتلهم و إخراجهم من ديارهم بحجة أن هذا قضاء الله و قدره الذي يكفر من يعارضه أو لا يرضى به أو يقاومه أو يردعه.
- يتبقى سؤال واحد قبل الدخول في نصوص القرآن، السؤال هو: كيف لا يعلم الله تعالى العلم بالغيب الأزلي أي المستقبلي المتعلق بأفعال المخلوقات المخيرة. هذا السؤال هو نفس السؤال التالي: إذا كان الله تعالى قادراً على كل شيء و لا يعجزه شيء فلماذا خلق السماوات و الأرض في ستة أيام. أليس قادراً على خلقها خلقاً لحظياً أو حتى بدون زمن دون الحاجة لكل الأيام الستة تلك؟
- بالنسبة للسؤال الثاني فإن الله تعالى أراد خلق الكون ببعدين بعد مكاني و بعد زماني، لو أراد الله تعالى خلق الكون بدون البعد الزماني فعندئذ لا داعي لهذه الأيام الستة في خلق الكون.
- بالنسبة للسؤال الأول فإن الله تعالى لو أراد للمخلوقات جميعاً أن تطيعه لَعَلِمَ أي لَقدرَ أي لكتب عليها ذلك، لكن الله تعالى لم يُرِدْ هذا، لقد أراد للمخلوقات أن تتخذ قرارها بالهداية أو الضلال دون تدخل إلهي أي دون علم إلهي أي دون تقدير إلهي أي دون كتابة و فرض هدايتها أو ضلالها عليها. فعدم علمه تعالى بما ستفعله المخلوقات المخيرة كالإنس و الجان ليس جهلاً بل هو مشيئة و إرادة إلهية بالسماح للمخلوقات بالقيام بكافة الأشياء بما فيها من احتمالات لا تعد و لا تحصى – بالنسبة لعقولنا القاصرة – أما بالنسبة لله تعالى فالاحتمالات كلها مُحصاة بشكل كامل. و هذا معنى قوله تعالى (و أحصى كل شيء عدداً)
المفاهيم القرآنية الخاصة بموضوع القدر – الجزء الأول
حقيقة (الله القدير) هي أكبر حقيقة مطموسة في التاريخ الإنساني من خلال ترسيخ أكذوبة (القَدَر)
المصائب - الابتلاءات - النعمة و التكريم و القَدْر- الأجل -المشيئة - الإرادة - العلم - الخلق - خَلْقُ جبريل و كلمة (كُن) و المسيح و القرآن
- المصائب: المصائب نوعان مصائب سيئة و مصائب حسنة، و المصيبة في القرآن قَدْ عَلِمَها الله تعالى و قدرها قبل وقوعها. و المصيبة في القرآن جاءت بمعنى العقوبة الدنيوية الإلهية المباشرة لمعاصي المخلوقات أو المكافأة الدنيوية الإلهية المباشرة لطاعة المخلوقات . فالمصيبة لم تُقَدرْ قبل خلق الإنسان، بل قُدرَت لحظة ارتكابه للمعصية كعقوبة دنيوية مباشرة للمعصية. أو لحظة طاعته لله كمكافأة دنيوية مباشرة لتلك الطاعة. و المصيبة السيئة هي تَدَخلٌ إلهي لا علاقة له بالتعرض للقتل أو انتهاك الأعراض أو السرقة أو...إلخ. فهذه كلها ليست مصائب بل هي مظالم من فعل الإنسان المعتدي و باختياره المطلق. فالمصيبة هي حدث كوني بحت لا صلة له بالإنسان، كالزلازل و البراكين و النيازك و الفيضانات،و هذه المصائب يستطيع الإنسان مجابهتها و السيطرة عليها بالعلم. و عندئذ يُقَوي الله تعالى من شدة هذه المصيبة لتحقق النتيجة المطلوبة منها أو يختار الله تعالى مصائب أخرى للإنسان. فالله تعالى يُدَوخُنا بالمصائب الكثيرة التي لا حصر لها و لا قدرة لنا على التخلص منها مجتمعة. بل نقدر على بعضها و لا نقدر على البعض الآخر. أما المصائب الحسنة فهي أيضاً أحداث كونية من الله تعالى لا صلة لها بالإنسان بها بل هي نتيجة لإيمان أو عمل صالح. فما أصابك من حسنة فمن الله بناء على طاعتك له، و ما أصابك من سيئة فمن الله بناء على معصيتك له.
- الابتلاء أو البلاء: الابتلاءات نوعان: نوع حَسَن، و نوع سيء، و الابتلاءات ليست مكافأة أو عقوبة إلهية مباشرة على عمل حسن أو إيمان أو على عمل سيء أو كفر ارتكبه الإنسان كما هو الحال في المصائب، بل هو من الظالم الذي ظَلَم الناس، فلم يتدخلِ اللهُ تعالى بمنع هذا الظلم، و عَدَمُ تدخله تعالى في إيقاف هذا الظُلْم لا يعني أن الله تعالى راضٍ عنه و لا يعني أن هذا الابتلاء هو من الله تعالى، بل يعني أن الله تعالى شاء أو أراد لهذا الظالم أن يظلم المظلوم.أي أنه تركه يظلمه دون تدخل إلهي بإيقاف هذا الظُلم، و في هذا يقول تعالى عن ظُلم آل فرعون لبني إسرائيل و عدم تدخله تعالى بمنع هذا الظلم هو ابتلاء من الله تعالى لبني إسرائيل(وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ)
إذن البلاء أو الابتلاء للمظلوم يعني مشيئة الله تعالى و إرادته بترك الظالم يظلم المظلوم دون تدخل إلهي بإيقافه، إلا إذا قرر الله تعالى إيقافه في لحظة ما، كقراره بإيقاف ظلم آل فرعون لبني إسرائيل بإرسال موسى إلى فرعون لعله يتذكر أو يخشى، و حيث إنه لم يتذكر و لم يخش الله تعالى، فأمر الله تعالى فرعون بترك بني إسرائيل ليهاجروا مع موسى هرباً من هذا الظالم.
ينطبق هذا على المجاعات التي تنتشر في الشعوب الفقيرة أمام تفرج الشعوب الغنية عليها دون تقديم المساعدة، و على حالات القَتلِ الجماعي لشعوب بأكملها كما فعل الأمريكان بالهنود الحمر،و كما فعلت أمريكا في نسف مئات الألوف من البشر في لحظات بإسقاط القنبلة النووية على هيروشيما قنبلة أخرى على نكازاكي ،و كفعل الاغتصاب الذي يقوم به المُغتصب للفتاة دون تدخل إلهي بإيقافه، و كذلك سجْنُ الظالم للمسجون ظُلماً، وكسر الأيدي الحاصل على شباب من الضفة الغربية من قبل الجيش الإسرائلي دون تدخل إلهي بإيقافه. إنهاء عمل موظف مظلوم تم اتهامه بتهمة هو بريء منها، فينقطع رزقه من الشركة التي سَرحَتْه دون تدخل إلهي بإيقاف هذا الظلم.
فهذه المظالم كلها ايتلاءات من الله تعالى، هي من الله تعالى فقط في عدم إيقافه للظلم الحاصل من الظالم. لا في كون أصل هذا الظلم من الله تعالى. تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً. فهو لا يرضى لعباده الظلم و لكنه لا يتدخل - أحياناً- بإيقاف وقوعه من الظالم.
أما الابتلاء للإنسان المُنَعم فإنه يعني مشيئة الله و إرادته بترك المُنْعِمِ يُنْعِمُ على المنعوم عليه دون تدخل إلهي بإيقافه، ينطبق هذا على اكتشاف البترول في دول الخليج و الكثير من دول العالم، كما ينطبق على أي دولة لديها من كنوز الأرض كالحديد و الفوسفات و البوتاس و اليورانيوم المنضب...إالخ، دون تدخل إلهي بإيقاف هذا التَنَعُم، كما ينطبق على الموظف في الشركة الذي يزيد مُدِيْرُه راتبَه دون تدخل إلهي في إيقاف هذه الزيادة. فهذه النِعَمُ كلها ايتلاءات من الله تعالى، هي من الله تعالى فقط في عدم إيقافه للنعمة الحاصلة من المُنْعِم. لا في كون أصل هذه النعمة من الله تعالى.. فهو لا يرضى لعباده التنعم الزائد عن اللزوم و لكنه لا يتدخل - أحياناً- بإيقاف وقوعه من المُنْعِم.
- النعمة و التكريم، بالإضافة إلى القَدْر أي تقليل الرزق، هي ابتلاءات من الله تعالى: النعمة و التكريم بالإضافة إلى القِدْرِ في الرزق أي تقليل الرزق هي من الله تعالى،و النعمة ليست تكريماً للإنسان، كما أن الابتلاء ليس إهانة له، كلاهما (النعمة و قَدْر الرزق) هي ابتلاءات،و هذه الابتلاءات لا علاقة لها برضى الله تعالى عن الإنسان أو عدم رضاه و لا علاقة لها بتكريم الله تعالى للإنسان و تنعيمه أو بِقَدْرِ الرزق عليه أي تقليله. فكما قُلنا سابقاً مَنشَأُ أو أصل هذه الأشياء ليس من الله تعالى، أي ليست من خَلقه، بل هي من المخلوقات التي تُقَدم لك الرزق او تمنعه عنك، أي أنه من خَلْقِ هذه المخلوقات. أما علاقة الله تعالى في الموضوع فهو في عدم تدخله بإيقاف هذا الأمر أو الخَلْق، إلا إذا شاء الله أن يتدخل – و عندئذ يكون تدخله هو المصيبة إن كانت خيراً أو شراً.
- الأجل: تقول معظم المذاهب و الفرق الإسلامية بأن الأجل هو الوقت المحدد من الله تعالى منذ الأزل أي قبل خلق الكون لموت الإنسان في لحظة محددة مسبقاً من الله تعالى.
لكن الأجل في القرآن يعني شيئاً أخر مختلفاً تماماً، فالأجل في القرآن هو الموعد المحدد مسبقاً سواء كان المقصود به الموعد المحدد من الله تعالى في علمه أو الموعد المحدد مسبقاً من الإنسان لشيء ما.
لنسأل عقولنا هذين السؤالين: إذا كان موعد موت الإنسان مقرراً من الله تعالى منذ الأزل فلماذا إذن ازداد متوسط أعمار الناس في الدول المتقدمة طبياً؟ و القاتل إذا كان مصيره هو الخلود في جهنم، فما هو ذنبه إذا كان المقتول قد مات بانتهاء أجله المحدد مسبقاً من الله تعالى؟
يُجيب بعض الأغبياء على هذا السؤال الكبير بأن ذنب القاتل هو في شروعه بالقتل و ليس على قتله للمقتول، و يتناسى هؤلاء أن الله تعالى حدد عقوبة كبيرة لجريمة القتل و عقوبة أخرى صغيرة للشروع في جريمة القتل.
لاحظ في قوله تعالى (و ما كان لنفس أن توت إلا بإذن الله كتاباً مؤجلاً) أي أن قرار الله تعالى بموت فلان هو قرار مؤجل أي مؤقت، أي أنه ليس قراراً مُسبقاً من الله تعالى في الأزل بموت النفس في الوقت الفلاني، أي أن المقصود في الآية أن النفس لا تموت إلا بقرار الله تعالى بأن تموت النفس في الأجل أي في الموعد الذي يحدده الله تعالى ليكون لحظةَ وفاة النفس. ينطبق هذا على النفوس التي لم تتعرض للقتل. فالنفس تنتهي بأحد سببين: القتل و هو من القاتل، أو الأجل و هو من الله تعالى، فيقرر في لحظة ما أن تموت هذه النفس في لحظة ما، فتموت فوراً في تلك اللحظة المحددة، أي أن للموت لحظتين، اللحظة الأولى قرار الله تعالى أي علمه أي قَدَره بأن تموت النفس في اللحظة الثانية. فتموت فور وقوع اللحظة الثانية.
- المشيئة و الإرادة: تعنيان أن كل شيء يحدثُ في هذا الكون حَسَناً كان ام قبيحاً لم يحدث جبراً عن الله تعالى. بل حدث بإرادته و مشيئته في أن تكون كل الاحتمالات للاحداث مقدرة عنده تعالى، فالله تعالى لا ]يُفاجَأُ بفعل وقع في هذا الكون، كإسلام خالد بن الوليد بعد أن كان من أشد المحاربين للنبي و المؤمنين.و كامتناع إبليس الكلب عن السجود التكريمي اللحظي لآدم، فلم تَكُن مفاجأة لله تعالى لأنه شاء و أراد للمخلوقات أن تُطيعه أو أن تعصيه بكل حرية تامة دون تدخل منه تعالى في ذلك.
(وَقَالُوا لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ مَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ) ( وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ) (البقرة:253) و ارادة الله و مشيئته هنا هى اعطاء البشر حق الاختلاف بالحق او بالباطل!! ( وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ) (الأنعام:35) و هنا مشيئة الله فى عدم الاجبار !! )وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكُوا وَمَا جَعَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ) (الأنعام:107) وهنا ايضا مشيئة الله فى عدم الاجبار !! )وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الْأِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ) حتى التآمر على دين الله تركه الله بدون اجبار !! )وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ) (يونس:99) مشيئة الله فى عدم الاجبار !! )وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَلَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (النحل:93)
- العلم الإلهي: في كل آيات القرآن التي تتحدث عن علم الله تعالى فإنها تقرر أنه تعالى يعلم كل شيء يقع في الكون لحظة وقوعه لا قبلها. حتى ما توسوس له نفسه يعلمه الله تعالى لحظة الوسوسة لا قبلها. حتى ورقة الشجر عندما تسقط يعلم الله تعالى بسقوطها فور سقوطها لا قبله.. العلم الإلهي بالمستقبل ورد في القرآن الكريم فقط بمعنى علمه تعالى بموعد انتهاء فترة الاختبار الإلهي للكون بما فيه من مخلوقات. أي أن الله تعالى يعلم بموعد الساعة قبل وقوعها،و يعلم بجميع أحداثها من لحظة النفخ في الصور إلى نهاية الزمان المحدد للكون المقدر و المعلوم مسبقاً من الله تعالى قبل وقوعه.(لمراجعة جميع الآيات التي تتكلم هن علم الله تعالى أرجو مراجعة ملحق (1) في نهاية المقال
(إِنْ هُوَ إِلا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ (27) لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ (28) وَمَا تَشَاءُونَ إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) (29) التكوير أي أن مشيئتنا بالإيمان أو الكفر هي مشيئة الله تعالى بتحديد الاحتمالات كافة لموقف الإنسان من الرسالات الإلهية،و هذا هو المقصود من علم لله تعالى للغيوب.
في تعريف القرآن لهذه المشيئة الإلهية بأنها العلم الشامل يقول تعالى
(إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلا (29) وَمَا تَشَاءُونَ إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا) (30) الإنسان
- الخلق:
خلق أفعال الإنسان هو من الإنسان و ليس من الله تعالى. فأفعال الإنسان هي من خلقه هو و ليس من خلق الله تعالى.
بدليل قوله تعالى (و تخلقون إفكاً)
و يدل على أن الإنسان خالق أفعاله قوله تعالى (فتبارك الله أحسن الخالقين) فهناك خالقون غير الله تعالى هم الإنس و الجن، و لكن الله تعالى أحسن منهم جميعاً في الخلق.
أما قوله تعالى﴿ وأسروا قولكم أو اجهروا به إنه عليم بذات الصدور * ألا يعلم من خلق ﴾ فإنها لا تعني أن الله قد خلق قولهم، بل يعني أن الله تعالى الذي خلقهم يعلم تمام المعرفة ما سيقولونه سواء أسروا هذا القول أو جهروا به.
أما قول تعالى: ﴿ والله خلقكم وما تعملون ﴾ فإنها لا تعني أن الله خلق أعمالنا بل تعني أن الله خلق المادة الأولية التي يصنع منها الإنسان التماثيل، بدليل سياق الآية. فإبراهيم يرد على قومه بقوله أن الله تعالى خلقهم و خلق المادة الأولية التي ينحتون منها تماثيلهم.بدليل قوله في الآية السابقة (أتعبدون ما تنحِتون)
أما قوله تعالى بأنه خلق كل شيء فإنه لا يعني أنه خلق كل شيء! فالقرآن الكريم له أسلوبه الخاص في البيان، فقوله بأنه أحسن كل شيء خَلَقَه لا يعني أنه أَحْسَنَ كل شيء خَلَقهُ،بل يعني أنه أحسن خَلْقَ معظم المخلوقات في الكون، فالصرصور لم يُحْسِنِ الله تعالى خَلْقَه، فهو قبيح الخَلْق.
و قوله تعالى (وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ . وَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ . وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ . وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ . سَلَامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ . إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ . إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ . ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ) لا يعني أن الله تعالى قد أغرق الآخرين كلهم في طوفان نوح ، بل يعني أنه أغرق قوم نوح الضالين فقط.
- القرآن الكريم الذي هو روح من أمر الله تعالى هو مخلوق من مخلوقات الله تعالى، و كلمة (كُنْ) مخلوقة من مخلوقات الله تعالى. أي أن كلام الله تعالى بشكل عام مخلوق من مخلوقات الله تعالى. و جبريل روح الله تعالى مخلوق من مخلوقات الله تعالى، و المسيح الذي هو روح من الله تعالى هو مخلوق من مخلوقات الله تعالى.
يتبع...