النفس فى القرآن الكريم " الجزء الثالث "والأخير
عقد الحرمان، الحرص، النقص والتعالى(الكِبْرْ)
1- عقدة الحرمان العاطفى:
مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ ..... " (48:29
فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ * وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ"9-93:10
فكل مخلوق حى هو بحاجة لدفقة من حنان وحب ورعاية، من الضرورى والمفروض أن يؤمنها له والداه وأقرباؤه ثانيا وإخوانه من المرمنين ثالثا، فالمحبة والعطف والكلمة الطيبة هى من الضرورات الأساسية لحسن نمو وإتزان الشخصية، ليس على الصعيد الشعورى والسلوكى فقط، بل والجسدى فى أكثر الأحيان. لذلك نرى أن الإسلام من خلال القرآن الكريمقد شدد على ضرورة المحبة والعاطفة الصادقة والأخلق السمحةفى كثير من الآيات الكريمات وأعطى الرسول الكريم المثل الأعلى على ذلك من خلال حياته الشخصبة، فسيرته تتصف بالمحبة والعطف والرفق بكل مخلوق من مخلوقات الله سبحانه.
والحيوان والنبات بحاجة للحنان والرعاية المادية والنفسية، وليس الإنسان وحده، وهذا شيئ يعرفه أكثر المطلعين على حياة الحيوان والنبات. وفقدان المحبة عند الإنسان خاصة منذ ولادته وحتى إنتهاء المراهقة، غالبا ما يتحول إلى عقدة، أو عقبة الحرمان العاطفى التى تنعكس سلبا على مشاعر الإنسان وتصرفاته حيال نفسه والآخرين. ومن مظاهرها الإنطواء والخجل والتردد والقلق والكلآبة النفسيةوالشراسة والميل إلى إذاء الغير والذات.
من هنا نفهم كثرة الآيات التى تأمر بالمحبة والعطف والحنان قولا وعملا كى تجنب النفوس ، خاصة التى فقدت أحد مصادر الحنان الرئيسية: الوالدين، خطر الإنزلق فى عقد الحرمانم العاطفى وسلبياتها المضرة فردا وجماعات:
".....وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا " 4:36
".... وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَىٰ قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ ..... "2:220
"...... وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا ..... "2:83
" أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا ... " 25-14:24
بل إن افسلام شرَّع بأنه ليس من الدين على شيئ كل إنسان قادر لا يساعد غيره من أن يتردى فى مهاوى عقد الحرمان العاطفى أو المادى:
فَذَٰلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ * وَلَا يَحُضُّ عَلَىٰ طَعَامِ الْمِسْكِينِ " 1-107:3" أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ *
2- عقدة الحرمان المادى:
وقد أشارت إلية الآيات الكريمات التالية:
" ....... وَكَانَ الْإِنْسَانُ قَتُورًا " 17:100
" وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ " 100:8
" وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا " 89:20
هذه العقد فى أكثرها هى فى بعض الأحيان متلازمة مع عقدة الحرمان العاطفى، ومظاهرها فى أكثرها " تعويضية " كالإسراف فى المأكل والمشرب والتعلق المرضى بالأسياء الزائلة ومنها تتولد عقدة البخل، وعقدة خوف الفقر وهى من أهم العقد. وتشكل مع عقدة الموت أكثر العقد إنتشارا فى النفوس الإنسانية.
ومن واقع المعرفة القرآنية بالنفس الإنسانية والسلبيات القاتلة التى تتلازم مع عقبة الحرمان المادى وعقبة الحرص التى تنشأ عنها والتى هى الوجه المقنع لعقبة الحرمان المادى والعاطفى أيضا، نرى الإسلام قد سن فريضة الزكاة ومعناها تزكية النفوس والمال وجعلها ركنا من أركان افسلام، بل وجعل مانع الزكاة من المشركين:
" .... وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ * الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ " 6-41:7
وحبب الإسلام الإحسان إلى النفوس، وكرَّه الشح بعشرات الآيات الكريمات المعروفة لكل الناس والتى يتجاهلها وينساها أكثرهم مع الأسف:
" ......وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ " 3:134
" لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّىٰ تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ .... " 3:92
"...... وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ ..." 24:33
"....... وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ ...... " 34:39
كما حدد القرآن الكريم أن المعالم السوية للشخصية الإسلامية أن تكون وسطا فى الإنفاق:
" وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَٰلِكَ قَوَامًا " 25:67
" وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَىٰ عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا " 17:29
والحمد لله أن هناك " ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ * وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ" 14-56:13
وعلى رأسهم الرسول عليه السلام، والصالحون من الأقدمين والمحدثين، إستطاعوا أن يتفادوا عقد الحرمان والحرص، بل ويتساموا بغريزة حب التملك إلى فضيلة حب البذل والسخاء والعطاء حتى الإيثار على أنفسهم:
59:9" وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ " ولو إلتزم الناس بتعاليم الإسلام ما بقى بينهم فقير أو جاءع.
3- عقد النقص أو الشعور بالخوف من الغير:
وقد رمزت الآية الكريمة التالية: " ..... فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ ....... " 5:44
إن الشعور بالنقص والضعف هو إحساس طبيعى عند كل مخلوق حى. وعلى الإنسان أن يتخلص تدريجيا من هذا الإحساس مع إكتمال قواه الجسدية والعقلية والشعورية فى نهاية المراهقة والدخول فى مرحلة النضج والإنتاج، شرط أن تيسر له تربية بيتية صالحة، ومجتمع عادل لا مكان للظلم فيه.
فعقد النقص تتلازم فى أكثر الحالات مع عقد الحرمان المادى والعاطفى أو العاهات والتشوهات الخلقية والمكتسبة، أو التربية البيتية والإجتماعية الخاطئة، أو هذه الأسباب مجتمعة، ومن مظاهر عقد النقص الإنعزاليةوالهرب والخوف من الغير، والقلق الشديد أمام كل شيئ جديد والشراسة وحب الإيذاءللذات والغير.
ويلاحظ أن التربية البيتية المرتكزة إلى قواعد الإيمان الصحيح المستمد من كتاب الله سبحانه، هى الأساس فى تكوين الشخصية المتزنة للأطفال والأولاد. فإستئصال بذور الشعور بالنقص أمام الفوارق الإجتماعية والجسدية لا يكون إلا إذا إعتقد الإنسان بتعاليم السماء الحقة وهناك عشرات الآيات الكريمات التى تساعد الإنسان على التخلص من عقد النقص شرط أن يعقل تعاليم الله سبحانه ويلتزم بها:
" ....... إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ " 39:10
" .........إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ..... " 49:13
" ......وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ " 3:185
فالإسلام فى تعاليمه وقاية للنفس الإنسانية من خطر الوقوع فى متاهات العقد النفسية والسبيل الأمثل للشفاء من هذه العقد فى حال وجودها. فكل محاولة علاجية للعقد النفسية لا ترتمز إلى معطيات ومسلمات الإيمان الصحيح، فاشلة، وعلى الآباء والمربين أن يُفهموا الجيل الطالع ضرورة الفروقات الإجتماعية لإنتظام المجتمع إستنادا على قوله تعالى:
" .......وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ " 43:32
فكل عمل يقوم به الإنسان بضمير وإخلاص هو عمل مشرف، ولا شعور بالنفص لدى القيام بأى مهنة فيها عمارة المجتمع ما دام المولى قد أمر بالعمل ويسر كل إنسان لما يمكن أن يعمله.
4- عقدة التعالى والتكبر والغرور:
وقد رمزت إليها الايات الكريمات التالية:
" وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ * وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ " 19-31:18
التعالى والتكبر والغرور من العقبات الت لا يحبها الله سبحانه، وهى مهلكة للنفس وللغير إذ غالبا ما تتلازم مع صفة الطلم والمولى حرَّم الظلم على نفسه وعلى عباده.
والإنسان منذ تكَوُّن شخصيته وحتى نضوجها يحاول التغلب على الشعور الطبيعى بالضعف، إلا أنه قد ينتقل ومن خلال عملية المقاومة النفسية التى ندعوها بالتعويض إلىحب الشعور بالقوة والسيطرة والتعالى المرضى، وإذا لم يوازن ألأهل والمربون فى تربيتهم للأبناء بين شعور فطرى بالضعف ونزعة شعورية بالتغلب على هذا الضعف من خلال حب وطلب القوة والسيطرة، فقد تجنح أهواء الأبناء ورغباتهم إلى الأستقرار فى عقد التعالى والتكبر والغرور، وهى الوجه المقابل لعقد النقص والحرمان والحرص ومتلازمة فى أكثر الحالات معها.
ولا شيئ كالتربية الديتية الصحيحة يستطيع أن يسلك بالنفس الإنسانية إلى مرتبة وسط بين عقد النقص وعقد التعالى والغرور. ومن أنشئتنشءة دينية سليمة قلَّما يقع فى مهاوى عقد النقص والعالى ما دام يعى ويلتزم بما قاله المولى عز وعلا:
"....... إِنِ الْكَافِرُونَ إِلَّا فِي غُرُورٍ (67:20
" وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا (17:37
طغيــان الإنســان:
" كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَىٰ * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَىٰ " 7-96:6
هذا هو الإنسان، إنه يطغى فى كل شيئ، عندما يجد فى نفسه القدرة على ذلك، فيضيع فى متاهات العقد النفسية فيصبح تبعا لأهوائه وشهواته وطاغوته النفسى. كان وما يزال كما وصفه الخالق أعلم العالمين به: هلوعا، جزوعا، منوعا، ظلوما، جهولا، فخورا، قتورا، كفارا، مفسدا، سفاكا للدماء، لا عزم له إلا من اسلم قيادته لله السميع العليم. والإسلام هو إلتزام وعمل بتعاليم السماء الحقة. تعاليم السماء الحقى لا تتعارض مع العلم، بل هى العلم الحق، وكل علم ثابت يؤكد أن كل ما جاء فى القرآن الكريم هو الثابت والحقيقى فى كل مجالات العلوم.
والإسلام إذا فُهم ودُرس وطُبق بصورة منهجية علمية فى البيت والمدرسة والمجتمع، هو وحده القادر كنظام سماوى متكامل لا ثغرة فيه على أن يخلص الإنسان من كل عقده النفسية. بل يتسامى بها فيُحَوِّلْ عقد الموت وحب الحياة إلى فضيلة الجهاد وطلب الشهادة. وعقد الحرمان والنقص والتعالى إلى فضائل المحبة الصادقة والثقة بالنفس والتواضع والصبر، وعقد الحرص والشح إلى فضيلة الإحسان والإيثار، وعقد الجنس إلى فضيلة العفة والترفع عن كل شهوة جنسية آثمة.
وتاريخ الإنسان العاقل فردا وجماعة، منذ أن وجدت الإنسانية وحتى يومنا الحاضر هو خير تصديق لما أشرنا إليه أعلاه مصداقا لقوله تعالى:
وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3)
أمراض الشخصية:
الشخصية هى مجموعة الميزات السلوكية والتصرفات والأحاسيس الشعورية واللاشعورية والأفكار والتصورات العقلية، هى الفكرة الكلية غير الثابتة أو المستقرة، التى يكونها كل إنسان عن ذاته وذات الآخرين. ومن أصعب وأجمل الأشياء أن يعرف الإنسان حقيقة ذاته والآخرين، وفى القرآن الكريم نجد الوصف الحقيقى للذات الإنسانية بكل مقوماتها ومسببات شفائها وسعادتها.
معالم الشخصية السوية:
مئات المجلدات كُتبت وستكتب حول تحديد معالم الشخصية السوية السليمة، ذهب العض منهم إلى القول بأنه لا توجد شخصية سليمة بالمعنى الحرفى للكلمة. ففى كل نفس جوانب مريضة لا تخفى على لبيب، ونرى أن أحسن تعريف للشخصية السليمة بأنها الشخصية السعيدة بذاتها والتى تسعد الآخرين ولا تؤذيهم، وهى فى مثلها الأعلى تمثلت شخصية الرسول عليه السلام وقد وصفه ربه سبحانه بالقول " وإنك لعلى خلق عظيم " كذلك شخصية بقية الأنبياء والصالحين من المؤمنين.
وبكلمة مختصرة نُعرف الشخصية السليمة بأنها الشخصية المؤمنة حقا أى قولا وفعلا وإلتزاما وما عدا ذلك فإنى أوافق علماء النفس بأنه لا يوجد شخصية سليمة بالمعنى الحرفى للكلمة. ولقد حدد القرآن معالم الشخصية السليمة بعشرات من الايات متفرقة ومجتمعة نكتفى بهذه الآيات الكريمات من سورة الفرقان، إذ يجد فيها كل دارس فى علم النفس موضوع أطروحه فى معالم الشخصية السليمة:
*فالشخصية السوية هى شخصية عباد الرحمن الذين لا يتكبرون ولكن يخاطبون الناس على قدر عقولهم:
" وَعِبَادُ الرَّحْمَٰنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا " 25:63
*والشخصية السوية هى الشخصية المؤمنة وهذه بعض صفاتها : " وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا * وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا * إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا " 66-25:64
*والشخصية السوية هى الوسط بين الإسراف والإقتار فى الإنفاق : " وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَٰلِكَ قَوَامًا " 25:67
*والشخصية السوية هى القانته التى لا تعبد إلها إلا الله سبحانه وتعالى، وما أكثر الآلهة التى يعبدها الناس، فالنساء والبنون والمال والشهوات والطاغوت وغيرها، هى آلة أكثر الناس قديما وحديثا وليست أصنام الجاهلية فقط:
" وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَٰهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ .... " 25:68
*والشخصي السوية هى اأوابة التى لا تتشبث بأخطائها وذنوبها إذا ضعفت أمام إلحاح النفس الأمارة بالسوء، بل ترجع إلى الله سبحانه وتستغفره:
" .... وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ * وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَىٰ مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ " 135-3:134
*والشخصية السوية هى الصادقة ولا تكذب ولا ترتكب المعاصى التى حرمها المولى " وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا " 25:72
" لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَٰلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا " 4:114
*والشخصية السوية هى العاقلة العالمة تتدبر آيات الله الكريماتوأحكامه فتفهمها فهما سويا نيرا علميا بالعمق، وليست تلك الشخصية المتشنجة المتعصبة التى تفهم وتطبق أحكام الله سبحانه من خلال عُقدِها وجهلها وتعصبها الأعمى:
" وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا " 25:73
*الشخصية السوية هى الرحيمة التى تشفق على أفراد عائلتها من الضياع بكل ما تحمل هذه الكلمة من معنى فتعمل على أن تؤمن السكينة للزوجة والزوج والأولاد، فالعائلة هى نواة المجتمع، وبصلاحها تصلح المجتمعات:
" قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ * فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ " 27-52:26
" وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا " 25:74
والشخصي السوية هى الملتزمة التى إستطاعت أن تلتزم بوصايا الله سبحانه التى نجدها مجموعة فى ثلاث آيات كريمات من سورة الأنعام ، فليحفظها وليعمل بمضمونها كل من يريد أن يكون سوى الشخصية:
" قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ * وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّىٰ يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىٰ وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * وَأَنَّ هَٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ " 153-6:151
وبقدر ما تقرب النفس الإنسانية من هذه الصفات وتعمل من خلال مضمونها، تتقرب من صفة الشخصية السليمة أى المؤمنة، وبقدر ما تبتعد عن هذه الصفات قولا وعملا، تصبح شخصية مريضة. وتختصر صفات الشخصية السوية الآية الكريمة الجامعة:عشر صفات....
" إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا " 33:35
الشخصية المريضة:
للشخصية المريضة أسماء كثيرة فى كتب علم النفس، مثل عصاب الشخصية، والشخصية غير المتزنة، والشخصية اللاأخلاقية، ونحب أن ندهوا نحن ب " الشخصية المنافقة " وقد وصفها القرآن الكريم أشمل وأوجز وأدق وصف، وكشف خبايا ميزاتها فى العشراتمن الايات الكريمات، مفصلا كل سمة من سماتها المرضية.
فالشخصية المريضة بصفة عامة، لها نماذج عدة تبعا لسيطرة إحدى السمات المرضية فيها على بقية السمات إلا انه يجمعها قاسم مشترك هو فقدان الإيمان الصحيح. فهى مسؤوله عن أعمالها فى الدنيا والآخرة:
" وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيمَا إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعًا وَأَبْصَارًا وَأَفْئِدَةً فَمَا أَغْنَىٰ عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلَا أَبْصَارُهُمْ وَلَا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ" 46:26
الشخصية المريضة بصورة تفصيلية:
* هى الشخصية المنافقة ذات الوجهين، كاذبة تستر وراء الدين والتقى لتصل إلى مآربها الخسيسة:
" يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ " 2:9
" اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ " 63:2
وقد ينخدع بعض الناس بجميل مظهرها الخارجى وحلاوة أقولاها، ظاهرها جميل وباطنها فارغ أجوف:
" وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ .... " 63:4
* وهى الشخصية الجبانة ".... يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ "63:4
* وهى الشخصية المكابرة المغرورة المتعالية التى يئست من رحمة الله سبحانه:
" وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُءُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ " 63:5
* وهى الشخصية المفسدة التى تعيث فى الأرض فسادا، وبالرغم من ذلك لا تشعر بإفسادها بل تعتبر نفسها مُصلحة:
" وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ * أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَٰكِنْ لَا يَشْعُرُونَ " 12-2:11
* وهى الشخصية المشككة المرتابة بكل شيئ، بالله والناس: " فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا ... " 2:10
" وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا " 33:12
ولقد وردت جملة " فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ " إثنى عشر مرةفى القرآن الكريم وفى أكثر معانيها تعنى النفوس المشككة، سيئة الظن بالمولى ورسوله والناس.
* وهى شخصية كل " وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ " وكل " حَلَّافٍ مَهِينٍ " وكل سفيه فى القول والتصرف، وهى لا تعرف ذلك بل تسفه الإيمان الفطرى السليم عند الغير: " وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَٰكِنْ لَا يَعْلَمُونَ " 2:13
* وهى الشخصية المطففة ، شخصية قوم شعيب من المطففين، وما أكثر المطففين فى يومنا الحاضر:
" الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ * وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ " 3- 83:2
* وهى الشخصية القتورة البخيلة وإن تظاهرت بالعكس : " هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنْفِقُوا عَلَىٰ مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّىٰ يَنْفَضُّوا وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَٰكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَفْقَهُونَ " 63:7
* وهى الشخصية المتذبذبة بين الإيمان وعدمه إذ تتبع ما يتناسب مع أهوائها ورغباتها فى مسألة الأوامر والنواهى الإيمانية وتترك ما يتعارض ونزواتها الشخصية، إذ تصلى وتزنى، وتنفق على الغير علنا رئائ الناس وتسرق فى الخفاء وتأكل الربا: " يَكَادُ الْبَرْقُ ( هنا بمعنى تعاليم القرآن الكريم ) يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا ..... "2:20
أما إذا إجتمعت كل هذه الصفات المرضية بصورة بارزة ومسيطرة فى شخصية واحدة، فهذه هى شخصية أكثر الطغاة وأعداء المجتمعات على مر التاريخ وحتى يومنا الحاضر: " صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ " 2:18
أما مصيرهم فى الدنيا والآخرة فهو المذلة والمهانة والعقاب:
" ... وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَٰكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ " 63:8
" سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ " 63:6
هذا غيض من فيض من أوصاف الشخصيات المريضة علما أن فى أعماق كل نفس غير مؤمنة حقا شيئا من صفات هذه الشخصية المريضة التى رسمنا خطوطها العريضةولا سبيل للتخلص من هذه الصفات قبل إستفحالها إلا بإتباع سبل الهداية الموجودة فى نصوص القرآن الكريم ، وكل علاج نفسى لا يعتمد على ذلك هو وقتى غير مُجْدِ والتجربة والواقع يصدقان ذلك.
وفى الختام، لا أملك إلا أن اقول، اللهم يا من تعلم بخبايا النفوس وأنت أعلم منى بنفسى، فإن كنت قد أخطأت فى تفهم وتدبر الآيات الكريمات، فأرجو المغفرة، وسبحان من تناهت عن الإحاطة بمعانى وتأويل كلماته العقول، أستغفر الله العظيم.
" وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ "