كتاب (الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ).
الباب الأول : (الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر فى الاطار النظرى )
الفصل الأول : ( الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر اسلاميا وقرآنيا )
ثانيا تأصيل المعروف والمنكر قرآنيا :
تأصيل مفهوم المنكر
1 ـ ( المنكر ) نقيض المعروف ، فما يتعارف الناس عليه على أنه خير وعدل هو (المعروف ) وبالتالى فإن ما تنكره الفطرة الانسانية ـ فى حالة صفائها ـ يكون هو المنكر. ولكن يختلف المعروف أو العرف عن المنكر فى أن مفهوم المعروف والمنكر ثابت فى الأغلب لا يتعدد بينما تتعدد وتتداخل مفاهيم المنكر حسب إشتقاقاته .
2 ـ وإشتقاقات ( المنكر ) تتنوع حسب السياق ، ومنها التعبير عن مشاعر متطرفة من الخوف والاستغراب والاستنكار والاستفظاع والاستقباح ..الخ :
2/ 1 : الاستغراب الممزوج بالخوف : يقول جل وعلا :( وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُواْ سَلامًا قَالَ سَلامٌ فَمَا لَبِثَ أَن جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لاَ تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُواْ لاَ تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ )( هود 69 : 70 ). جاءت الملائكة لزيارة ابراهيم متجسدة فى شكل بشر فأسرع يقدم لهم عجلا مشويا ، فلما رآهم لا يأكلون إستغرب وخاف منهم ، أو بالتعبير القرآنى ( فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لاَ تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً )
وبنفس المعنى جاء قوله جل وعلا فى نفس القصّة :( هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلامًا قَالَ سَلامٌ قَوْمٌ مُّنكَرُونَ )( الذاريات 24 : 25 ). وتكرر الموقف عندما رآهم لوط :( فَلَمَّا جَاءَ آلَ لُوطٍ الْمُرْسَلُونَ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ مُّنكَرُونَ )( الحجر 61 : 62 )
2/ 2 : :الاستفظاع ، ويأتى هذا فى وصف الاهلاك والتعذيب الذى يصعب التعبير عنه باللسان العادى ، يقول جل وعلا عن إهلاك الأمم السابقة الظالمة:( وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَابًا شَدِيدًا وَعَذَّبْنَاهَا عَذَابًا نُّكْرًا)( الطلاق 8 ) وفى وصف عذاب الآخرة :( قَالَ أَمَّا مَن ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُّكْرًا)(الكهف 87 )، وفى وصف هول يوم البعث:( فَتَوَلَّ عَنْهُمْ يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلَى شَيْءٍ نُّكُرٍ )( القمر 6 ). ويلاحظ هنا إستعمال صيغة المبالغة ، فلم يقل ( عذابا منكرا )أو ( شىء منكر) بل قال ( نكر ).
2/ 3 : ونفس الإشتقاق ( نكر ) يفيد أيضا الاستنكار والاحتجاج والتنديد، فموسى عندما رأى الرجل الصالح يقتل الفتى صاح مستنكرا : ( قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَّقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُّكْرًا )( الكهف 74 ). (شَيْئًا نُّكْرًا ) أى جريمة نكراء .! والاستعمال هنا أيضا بصيغة المبالغة التى تعكس التنديد والاستنكار الشديد .
2/ 4 :الاستقباح، مثل قوله لقمان لابنه وهو يعظه:( وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ)( لقمان 19 ). وهذا بالطبع رأى لقمان ، وقد إستعمل صيغة (أفعل التفضيل ) للتعبير عن المبالغة فقال عن صوت الحمير:( أنكر الأصوات ). ولو سمع بعض مطربى عصرنا ربما كان سيغيّر رأيه ويمتدح صوت الحمير .!
3 ـ ومن إشتقاقات المنكر ما يأتى تعبيرا عن تغيير الشىء المتعارف عليه كقول سليمان عن عرش ملكة سبأ:( قَالَ نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا )(النمل 41 )، أى تغيير شكله ، ومنه ( التنكر ) أى تغيير الملامح .
4 ـ ويأتى بنقيض المعرفة العادية ، فلو رأيت صديقك متنكرا فلن تعرفه بينما هو يعرفك ، وكان هذا حال إخوة يوسف حين دخلوا عليه وهو عزيز مصر ، ولم يخطر ببالهم إنه أخوهم يوسف ، بينما كان يوسف يعرفهم،يقول جل وعلا:( وَجَاءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُواْ عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنكِرُونَ )( يوسف 58 ).
5 ـ وفى مجال العقيدة والايمان تتعدد استعمالات واشتقاقات ( المنكر ) ليفصح عن مراد العقائد المتناقضة .
5/ 1 : فالكافرون يكذّبون بالحق ، أو ينكرون الحق ،أى يرونه منكرا:
5/ 1/ 1 : فهم ينكرون القرآن الكريم وهو الحق:(وَهَذَا ذِكْرٌ مُّبَارَكٌ أَنزَلْنَاهُ أَفَأَنتُمْ لَهُ مُنكِرُونَ ) (الانبياء 50 )، بل يعلو الاستنكار على وجوههم حين يتلى عليهم القرآن الكريم : ( وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا الْمُنكَرَ يَكَادُونَ يَسْطُونَ بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا)( الحج 72 )، ويقول جل وعلا عن نعمة القرآن الكريم وإنكارهم لها :( فَإِن تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاغُ الْمُبِينُ يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ ثُمَّ يُنكِرُونَهَا وَأَكْثَرُهُمُ الْكَافِرُونَ )( النحل 82 : 83 )
5/ 1 / 2 : وعن إنكارهم لآيات الله جل وعلا :(وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَأَيَّ آيَاتِ اللَّهِ تُنكِرُونَ)(غافر81 )
5 / 1 / 3 : وهم ينكرون الرسل ويكذبونهم ، حدث هذا من قريش :(أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنكِرُونَ )( المؤمنون 69 )
5/ 1/ 4 : وفى النهاية هم ينكرون الله الواحد جل وعلا :(إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَالَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ قُلُوبُهُم مُّنكِرَةٌ وَهُم مُّسْتَكْبِرُونَ)(النحل 22 ).
5/ 1/ 5 : وقد يقترن إنكارهم لله جل وعلا الواحد بإنكارهم القرآن الكريم : ( وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَفْرَحُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمِنَ الأَحْزَابِ مَن يُنكِرُ بَعْضَهُ قُلْ إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ وَلا أُشْرِكَ بِهِ إِلَيْهِ أَدْعُو وَإِلَيْهِ مَآبِ )( الرعد 36 )
5/ 2 : وفى المقابل فهناك إنكار الاهى على المؤمنين حين يقول بعضهم منكرا من القول وزورا ، مثل الظهار : ( الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنكُم مِّن نِّسَائِهِم مَّا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلاَّ الَّلائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنكَرًا مِّنَ الْقَوْلِ وَزُورًا وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ )( المجادلة 2 )
أخيرا
1 ـ ليس كل إشتقاقات المنكر السابقة داخلة فى التحريم . أى ليس كل منكر محرما . هناك المحرم الذى هو من الكبائر مثل القتل ، وهناك المنكر الواقع فى دائرة الكفر مثل الذى (ينكر ) القرآن وأنه لا اله إلاّ الله . وهناك منكر من أكبر الكبائر كالبغى والظلم وقتل المستبد لأحرار الشعب وسرقة المستبد لأموال شعبه وتهريبها الى الخارج ، ومجهودات كاهنة الفلول فايزة أبو النجا بطلة فضيحة التمويل الأجنبى التى تكاسلت عن مهمتها فى إسترداد بلايين الدولارات التى نهبها أسيادها فى نظام المخلوع مبارك وقاموا بتهريبها الى الخارج ، ولكنها فى نفس الوقت إستأسدت فى وجه تمويل شرعى قليل يأتى من الخارج ليساعد المصريين المناضلين على نجاحهم فى التخلص من الفساد والاستبداد. ومن المنكر المحرّم والذى هو من أكبر الكبائر إستخدام السلفيين والاخوان المسلمين الوهابيين لاسم الاسلام العظيم فى الوصول للحكم .
ولكن هناك منكرا لا يدخل فى دائرة الحلال والحرام مثل صوت الحمار وأصوات مطربى عصرنا البائس . وهناك منكر ( نص نص ) مثل جهل السلفيين فى السياسة وأكاذيبهم المضحكة . أما ( المنكر ) خفيف الظّل فهو تصريحات المشير طنطاوى ومجلسه العسكرى .
2 ـ ونتأهب لبحث المنكر بين الحلال والحرام والبغى والفواحش .